ترجمة وتحرير: نون بوست
في 23 آذار/ مارس، أعلن صندوق أبوظبي للتنمية، (وهو صندوق ثروة سيادي في الإمارات العربية المتحدة) عزمه استثمار ملياري دولار في مصر من خلال شراء حصص في عدد من الشركات المملوكة للدولة، وذلك وفقًا لما أفاد به موقع “اقتصاد الشرق”. وأشار الموقع الإخباري إلى أن نصف هذا المبلغ تقريبًا سيُستخدم في عمليات الاستحواذ على حصة من البنك التجاري الدولي بنسبة 18 بالمئة، فيما سيتم استثمار الباقي في شركات في قطاعات مثل الأسمدة وخدمات الموانئ.
بعد أسبوع واحد فقط وتحديدًا في 29 آذار/ مارس، أعلنت قطر عن اتفاق لاستثمار خمسة مليارات دولار “في الفترة المقبلة” في سلسلة من الاستثمارات والشراكات في مصر، وذلك وفقًا لبيان صادر عن الحكومة المصرية. من أجل تنفيذ الاتفاقية، اتفق الطرفان على تشكيل لجنة عليا مشتركة برئاسة وزيري خارجية البلدين. وحسب ما صرحت به وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد لوكالة “بلومبرغ”، فإن جهاز قطر للاستثمار (صندوق ثروة سيادي) سيتولى الاستثمارات المقترحة.
بعد يوم واحد، أدلت المملكة العربية السعودية بدلوها أيضًا. فقد أفادت وكالة الأنباء السعودية بأن الرياض أعلنت في 30 آذار/ مارس أنها أودعت 5 مليارات دولار في البنك المركزي المصري. وفي اليوم نفسه، أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن مصر تتوقع في الفترة المقبلة جذب استثمارات تصل إلى 10 مليارات دولار من السعودية بعد توقيع اتفاقية لتسهيل أنشطة الصندوق السعودي للاستثمارات العامة في مصر، وذلك حسب بيان لمجلس الوزراء.
يأتي التعهد بتقديم حوالي 22 مليار دولار من دول الخليج في وقت تعاني فيه مصر أزمة مالية عميقة فاقمها الغزو الروسي لأوكرانيا وحالة عدم اليقين التي تطغى على الاقتصاد العالمي. ومن المتوقع أن تؤدي المساعدة الخليجية في الوقت الحالي على الأقل إلى تحييد بعض الاختلالات ومواطن الضعف الأكثر إلحاحًا، وإن كان ذلك بتكلفة باهظة.
قال كريسجانيس كروستينز، المحلل المالي والمدير المساعد في وكالة “فيتش” الدولية للتصنيف الائتماني، إن “الإعلانات الجديدة عن الدعم هامة في سياق احتياجات التمويل الخارجي لمصر واحتياطيات البنك المركزي المصري والدعم السابق. وإلى جانب تعزيز ثقة المستثمرين، فإن الدعم الخليجي سيضخ النقد الأجنبي بشكل مباشر في الاقتصاد والنظام المالي في مصر، مما يقلل الحاجة إلى الاقتراض في الأسواق الدولية”.
تعتبر قدرة القاهرة على تأمين المساعدة المالية من حلفائها في الخليج شرطًا محتملا من صندوق النقد الدولي للموافقة على قرض جديد لمصر.
لعبت دول الخليج منذ عقود دورًا مهمًا في الاقتصاد المصري. لكن في أعقاب استيلاء الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي على السلطة في سنة 2013، اتخذت مساعدتها المالية بمليارات الدولارات التي تهدف في المقام الأول إلى دعم حكومة حليفة بعدًا جديدًا.
تضاءل حجم هذا الدعم في أعقاب إبرام اتفاقية بين مصر وصندوق النقد الدولي سنة 2016 التي تضمنت قرضًا بقيمة 12 مليار دولار يخضع لبرنامج من الإصلاحات فضلا عن تدخل مستثمري السندات. وفي سنة 2020، بعد تفشي جائحة كورونا، اضطرت القاهرة أيضًا إلى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للتعامل مع الأزمة الاقتصادية والحصول على قرضين آخرين.
على الرغم من كل المساعدات التي تلقتها، لم تتمكن مصر من إنعاش اقتصادها بشكل كامل ولا تزال معرضة بشدة للصدمات الخارجية. وحتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت مصر تعاني من هروب مقلق لرأس المال يُعزى على نطاق واسع إلى الوضع الاقتصادي العالمي المتقلب.
وفقًا لتقرير حديث صادر عن وكالة “فيتش” الدولية للتصنيف الائتماني، غادرت رؤوس أموال بقيمة 5 مليارات دولار البلاد بين شهري أيلول/ سبتمبر وكانون الأول/ ديسمبر 2021. وأفادت وكالة “رويترز” بأن رؤوس أموال بقيمة مئات الملايين من الدولارات غادرت منذ بداية الحرب أسواق الخزانة مع هجرة المستثمرين بحثًا عن أسواق أكثر أمانًا. وأشارت وكالة “فيتش” الدولية للتصنيف الائتماني إلى أن الاستحقاق المبكّر لجزء كبير من ديون مصر ينضاف إلى احتياجات التمويل الوشيكة.
وجّه الصراع في أوروبا الشرقية ضربة قاسية لقطاع السياحة في مصر، الذي يمثل أحد المصادر الرئيسية الأخرى للعملة الأجنبية، وأدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل القمح والنفط التي تعتبر من أهم واردات البلاد. ومن المقرر أيضًا أن يظل العجز في مصر مرتفعًا هذه السنة.
ويُذكر أن البنك المركزي صرّح في السابع من شهر نيسان/ أبريل بأن صافي احتياطياته الدولية انخفض إلى 37 مليار دولار في آذار/ مارس مقارنة بنحو 41 مليار دولار المسجلة في نهاية شباط/ فبراير، وهو أدنى معدل مسجّل منذ منتصف 2020.
وأكد تشارلز روبرتسون، كبير الخبراء الاقتصاديين العالميين في بنك الاستثمار الحدودي “رينيسانس كابيتال”، أن “مصر تمتلك أكبر عبء للديون في العالم وأحد أعلى حصص الإيرادات الحكومية على فوائد الديون وأحد أعلى حصص مدفوعات الفوائد الحكومية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي”، مضيفًا أن “هذا الدعم البالغ قيمته 22 مليار دولار المقدّم من قطر والإمارات والسعودية يعد بمثابة صفقة كبيرة للغاية، ويشكل نسبة أربعة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي ويغطي عجز الحساب الجاري لمصر”.
جاء إعلان الدعم المالي في أعقاب جولة السيسي في عدة دول خليجية في بداية السنة. وقد زار الرئيس المصري الإمارات أولًا، حيث التقى بحاكم البلاد محمد بن زايد آل نهيان وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة. وفي شباط/ فبراير، ذهب السيسي إلى الكويت، ثم سافر في آذار/ مارس إلى المملكة العربية السعودية واستضاف آل نهيان في مدينة شرم الشيخ. وذكرت صحيفة “مدى مصر” الرقمية المستقلة نقلاً عن مصادر رسمية أن الهدف من الجولة كان تأمين اتفاقيات تعاون مالي مباشر، لا سيما من الرياض.
وأوضح كروستينز أن “الدول الخليجية قدمت دعمًا كبيرًا لمصر في الماضي بما في ذلك ودائع متبقية في البنك المركزي المصري بقيمة 15 مليار دولار قبل اندلاع الحرب الأوكرانية. وظل تلقي المزيد من الدعم مجرد احتمال، لا سيما في الوقت الذي أدى فيه ارتفاع أسعار النفط إلى تخفيف ضغوط الميزانية بشكل كبير في منطقة الخليج نفسها”.
لكن المساعدة التي يقدمها الخليج حاليًا تختلف عن المساعدة المقدمة بين سنتي 2013 و2016. وقال المحلل ديفيد باتر، الذي نشر مؤخرًا دراسة حول العلاقات بين مصر والخليج، إن “المساعدات المقدمة ما بين 2013 و2016 كانت عبارة عن مزيج من المنح في شكل وقود وودائع بقيمة 15 مليار دولار لكل منهما. لكن هذه المرة، لدينا حتى الآن ودائع بقيمة 5 مليارات دولار و17 مليار دولار من التعهدات الاستثمارية”.
وأردف روبرتسون “أعتقد أن هناك تحولًا. يتجه الدعم حاليًا أكثر نحو الاستثمار. لذلك، يتطلب الأمر تفكيرًا طويل الأمد. كما يتعلق الأمر أكثر بكيفية دعم القطاع الخاص، ولا يقتصر فقط على دعم الحكومة. ويعتبر هذا الأمر بمثابة تغيير مهم للغاية”.
الصدمات الخارجية زادت بلا شك من التحديات التي تواجهها مصر، إلا أنه لا يمكن إنكار أن سوء الإدارة وخاصة سوء الإدارة الاقتصادية قد ساهم بشكل كبير في الضعف الاقتصادي لمصر.
تعتبر قدرة القاهرة على تأمين المساعدة المالية من حلفائها في الخليج شرطًا محتملًا من صندوق النقد الدولي للموافقة على قرض جديد لمصر. وفي نهاية آذار/ مارس، أعلنت المؤسسة الدوليّة في بيان قصير أن السلطات المصرية طلبت رسميًا دعمها لتنفيذ برنامج اقتصادي شامل.
أوضح روبرتسون أن “مصر اعتمدت بنسبة 100 بالمئة على الخليج من سنة 2013 إلى سنة 2015. لقد قدّموا كل دعمهم للسيسي. بدءًا من 2016 وصولًا إلى 2020، كان صندوق النقد الدولي وعملائي – مستثمرو السندات في الولايات المتحدة وأوروبا – هم من ساعدوا مصر. ويبدو أن الوضع اليوم يمثل مزيجًا من كليهما”.
أثارت خطة الإنقاذ المستترة من الخليج والقرض الجديد المحتمل من صندوق النقد الدولي انتقادات في صفوف أولئك الذين يعتبرون أن القاهرة لم تقم بالإصلاحات الاقتصادية اللازمة في السنوات الأخيرة حتى لا تعتمد على المزيد من المساعدة.
حاولت الحكومة المصرية الإيحاء بأن السبب الذي جعلها تمر مرة أخرى بأزمة اقتصادية يرجع بشكل صارم إلى الصدمات الخارجية الخارجة عن سيطرتها. ويرى تيموثي قلدس، محلل السياسة في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، أن هذه الصدمات الخارجية زادت بلا شك من التحديات التي تواجهها مصر، إلا أنه لا يمكن إنكار أن سوء الإدارة وخاصة سوء الإدارة الاقتصادية قد ساهم بشكل كبير في الضعف الاقتصادي لمصر. وأكد قلدس”لا يمكن إنكار حقيقة أن الوباء والحرب جعلا الأمور أكثر صعوبة على مصر، لكن سوء الإدارة من قبل الحكومة المصرية جعل البلاد أكثر عرضة لهذه الصدمات الخارجية”.
على الرغم من كل هذه الانتقادات، تلقت مصر إشادة مستمرة من صندوق النقد الدولي إزاء “مرونتها” والتزامها باستقرار الاقتصاد الكلي والإصلاحات الهيكلية وإجراءات حماية السلامة الجديدة أثناء تفشي جائحة كورونا. لقد كانت مصر من بين الاقتصادات القليلة في العالم التي حافظت على نمو إيجابي في الناتج المحلي الإجمالي خلال الوباء – بنسبة 2.8 بالمئة.
معظم الأموال الخليجية تأتي هذه المرة في شكل استثمارات. وهذا يعني أن الداعمين الخليجيين للحكومة المصرية يتعهدون بتقديم أموال مقابل أصول الدولة المصرية
أثارت التعهدات الخليجية مخاوف بسبب التداعيات الاقتصادية والسياسية التي قد تترتب عنها. من الناحية الاقتصادية، اتخذت القاهرة خطوات مهمة في الأسابيع الأخيرة لتمهيد الطريق لوصول هذه المساعدة. وبالإضافة إلى الاتفاقيات الثنائية المختلفة الموقعة مع دول الخليج، رفع البنك المركزي أسعار الفائدة في مطلع شهر آذار/ مارس وخفض قيمة الجنيه. وقد أشاد صندوق النقد الدولي بشكل خاص بهذا الإجراء الأخير، إذ أشار أيضًا في بيانه إلى أن أي مساعدة إضافية ستكون مشروطة بإجراءات التقشف المعتادة.
وأشار قلدس أيضًا إلى أن مصر ستدفع ثمنا باهظا للمساعدة الخليجية، مضيفا أن “معظم الأموال الخليجية تأتي هذه المرة في شكل استثمارات. وهذا يعني أن الداعمين الخليجيين للحكومة المصرية يتعهدون بتقديم أموال مقابل أصول الدولة المصرية. إنهم لا يقدمون فقط مساعدة نقدية وقروضًا بفائدة منخفضة كما كانوا يفعلون من قبل. إنهم يتوقعون الاستفادة من مساعدتهم لمصر هذه المرة”.
في 30 آذار/ مارس، أعلنت مجموعة موانئ أبوظبي مثلا، إحدى أكبر شركات الخدمات اللوجستية والنقل في المنطقة، عن توقيع اتفاقية مبدئية مع مصر لإدارة عمليات ميناء العين السخنة على البحر الأحمر وإدارة وتشغيل ميناء أحد الأنهار بمحافظة المنيا، وذلك وفق ما جاء في بيان لها.
في الرابع من نيسان/ أبريل، قال الرئيس التنفيذي لصندوق الثروة السيادية المصري، أيمن سليمان، لقناة العربية إن الشركات التي يستهدفها صندوق الاستثمارات العامة السعودي قد تشمل الشركة الوطنية للبترول المملوكة للدولة وثلاث محطات طاقة بنتها شركة “سيمنز”.
من الناحية السياسية، تم تفسير المساعدة من الخليج على نطاق واسع باعتبارها محاولة لمنع التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر من التحول إلى ضغوط سياسية. ولكن الأهم من ذلك أن المساعدات التي قدمتها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية قد تدعمها القاهرة أيضًا بمخطط أمني إقليمي جديد مصمم في المقام الأول لمواجهة إيران. وفي نهاية آذار/ مارس، أفادت صحيفة “مدى مصر” بأن القاهرة لا تزال متشككة للغاية في ربط سياستها الخارجية بحلفائها الخليجيين الأقوياء، لكن البلاد لا تزال تعاني بشكل كبير التبعية الاقتصادية.
المصدر: المونيتور