أعاد قرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي بشأن منع ذبح المجموعات اليهودية المتطرفة للقرابين في المسجد الأقصى، هذه الخطوة إلى الوراء قليلًا بعد شهور من التحضيرات التي تم القيام بها من أجل تنفيذها بالتزامن مع عيد الفصح اليهودي المزعوم.
تزامنت هذه المناسبة مع حلول شهر رمضان المبارك، وهو ذروة الوجود الفلسطيني داخل ساحات المسجد الأقصى وحرمه مقارنةً بالأيام العادية، إلا أن اللافت هو استغلال هذه الجماعات لموجة التطبيع العربي من أجل اتخاذ هذه الخطوة.
ولا تعتبر هذه المرة الأولى التي تسعى فيها المجموعات اليهودية إلى ذبح القرابين في المسجد الأقصى المبارك، فقد عملت على مدار ثماني سنوات بخطوات متدرجة من أجل الوصول إلى هذه المرحلة التي يصفها بعض حاخاماتهم بأنها “البناء المعنوي” للهيكل الثالث المزعوم.
وبالتوازي مع هذه الخطوة، تحضر ردة فعل المقاومة الفلسطينية التي هددت بنسف حالة التهدئة، حال تم تنفيذ هذه الخطوة في ساحات المسجد الأقصى، باعتبارها تجاوزًا للخطوط الحمراء وتعديًا واضحًا على حرمة المسجد.
لا تعتبر هذه المحاولة هي الأولى التي يسعى من خلالها المتطرفون اليهود لفرض واقع جديد في المسجد الأقصى، مستغلين الإجراءات التي يتخذها الاحتلال من فرض للتقسيم الزماني والمكاني في المسجد وساحاته
ووفقًا للتعاليم التوراتية فإن القربان يجب أن يُذبح عشية عيد الفصح، وأن ينثر دمه عند قبة السلسلة التي يزعم المتطرفون أنها بُنيت داخل ساحات المسجد الأقصى لإخفاء آثار المذبح التوراتي، ما دفع المجموعات اليهودية لرصد مكافآت مالية في مقابل القيام بهذه الخطوة.
ومن الحركات التي رصدت مكافآت مالية حركة “عائدون إلى جبل الهيكل” الصهيونية التي أعلنت تقديم مكافآت مالية لمن ينجح من المستوطنين في اقتحام المسجد الأقصى وتقديم القرابين، وضمَّت الدعوات مكافأة مالية مقدارها عشرة آلاف شيكل “نحو 3100 دولار”، كما وعدت من يتمكن مِن إدخال الجدي دون أن يستطيع ذبحه بمكافأة تعويضية قدرها 800 شيكل “250 دولارًا”، ومن يحاول ويفشل ويعتقل قبل ذلك يكافأ بمنحة مقدارها 400 شيكل “125 دولارًا”.
وسبق أن نفذت بعض الجماعات والحركات المتطرفة محاكاةً لتقديم القربان ملاصقة للسور الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك، إلا أن معظم حاخاماتها باتوا مقتنعين بأن الوقت قد حان لتقديم القربان داخل الأقصى بعد المسيرة الطويلة من المحاولات المتكررة لفعل ذلك.
تاريخ من المحاولات
لا تعتبر هذه المحاولة هي الأولى التي يسعى من خلالها المتطرفون اليهود لفرض واقع جديد في المسجد الأقصى، مستغلين الإجراءات التي يتخذها الاحتلال من فرض للتقسيم الزماني والمكاني في المسجد وساحاته.
كانت أولى عمليات ذبح القرابين عام 2014 حين ذبح بعض الحاخامات والحركات اليهودية القرابين في قرية لفتا المقدسية المهجرة، وعام 2015 أقام المستوطنون ذات المراسم لكنها كانت في مستوطنة “شيلو” شمال رام الله بالضفة الغربية.
في عام 2016 اقترب المتطرفون أكثر من الأقصى وقدموا القرابين في منطقة جبل الزيتون بالقدس المحتلة، لتصل عام 2017 عند ما يُسمى “كنيس الخراب” في حارة المغاربة بالبلدة القديمة، وعام 2018 قُدمت عند القصور الأموية قرب سور المسجد الأقصى الجنوبي.
أما عام 2019 فقد تم تقديمها في البلدة القديمة بالقرب من سوق اللحامين المطل على المسجد الأقصى، وتوقف هذا الطقس التوراتي عام 2020 بسبب جائحة كورونا، وتجدد عام 2021 بتقديمه في أحد الكُنس القريبة من حائط البراق.
وعادت الجماعات اليهودية المتطرفة هذا العام للقيام بهذه الخطوة رغم وجود مزاعم رسمية إسرائيلية بمنعها، في الوقت الذي يرى فيه كبار الحاخامات أن اللحظة باتت مناسبة لإدخال قرابين الفصح إلى الأقصى.
أبعاد توراتية
يعتبر إجراء الطقوس، وعلى رأسها ذبح القربان داخل الأقصى، إقامة للمعبد الثالث من الناحية العملية، لأن هذه الجماعات ترى أنها أقامته من الناحية الروحية عبر الاقتحامات المستمرة وإقامة الصلوات، وبالتالي فإن الخطوة القادمة هي إقامة الشعائر اليهودية الكبرى.
يقول الباحث في شؤون القدس زياد أبحيص لـ”نون بوست”: “ذبح القربان عند جماعات الهيكل هو العبادة المركزية التي اندثرت باختفاء الهيكل وفق الرواية التوراتية، ويشكل استعادة القربان مدخلًا أساسيًا لاستعادة الهيكل”، ويضيف أن هذه محاولة معنوية للتعامل مع الأقصى على أنه هيكل حتى إن كانت أبنيته إسلامية، أما البعد التوراتي الثاني فإن إقامة طقوس القربان لها بُعد خلاصي حيث ترى اليهودية أن ذلك سيكون سببًا للخلاص والتدخل الإلهي.
ويشير الباحث في شؤون القدس أبحيص إلى أن جماعات الهيكل ترى أنه يجب اتخاذ هذه الخطوة وعدم الالتفات إلى الحسابات في اليوم التالي، لأن وفقًا لاعتقادهم المزعوم فإن “الرب” سيتدخل من أجلهم.
وفي الشريعة اليهودية هناك 3 أعياد حج وهي: عيد الفصح وعيد الأسابيع الذي يأتي في شهر مايو/أيار وعيد العرش الذي يأتي في شهر سبتمبر/أيلول، ولهذه الاعتبارات الثلاث في أعياد الحج فإن الطقوس اليهودية كافة يجب أن تتم في داخل ما يدعون أنه الهيكل، وفقًا لأبحيص.
ويتابع قائلًا: “في الوصف التوراتي فإن القرابين تقدم بشكل يومي، لكن ذروتها بالأساس مرتبطة بعيدين هما عيد الفصح في شهر أبريل/نيسان وعيد الغفران في شهر أكتوبر/تشرين الثاني وهم يعتقدون أن مكان ذبح هذه القرابين كان يسمى في المذبح ويزعمون أن قبة السلسلة أقيمت لإخفاء آثار مذبحهم”.
وبحسب أبحيص فإن رئيس حكومة الاحتلال الحاليّ نفتالي بينيت أحد أعضاء هذه الجماعات ولا يختلف معهم إلا ببعض التفاصيل الصغيرة، فيما تمتلك هذه الجماعات 23 عضوًا في الكنيست وينتمي إليها جميع حزب أعضاء يمنيا الحاكم ويتبنون مقولاتها بالكامل.
يخشى الاحتلال من أن السماح بتنفيذ مثل هكذا خطوة من شأنه أن يرفع عدد العمليات ويزيد من وتيرتها فلسطينيًا، مع حضور لقوى المقاومة في غزة التي أبلغت الوسطاء بأن ما يجري لعب بالنار وأنها لن تسمح بهذه الخطوة تحت أي ثمن
ويؤكد الباحث في شؤون القدس أن محاولة إدخال القربان للأقصى هي قضية حتمية طالما هناك فكر إحلالي، فهناك رؤية بأن الأقصى هو الهيكل وهو ما تتبناه الأحزاب الصهيونية الدينية بما فيه معسكر اليمين من الليكود.
أما الباحث في الشأن المقدسي جمال عمرو فيؤكد أن هذه الخطوة تم العمل عليها على مدار ثماني سنوات متواصلة من الجماعات والحركات المتطرفة، فمعهد الهيكل تم افتتاحه إلى جانب تجهيز فتية الهيكل وملابس الهيكل.
ويضيف عمرو أن اليهود استغلوا بعض النصوص الموجودة في التوراة لتبرير ذبح القرابين داخل المسجد الأقصى، وتحديدًا بعض النصوص الموجودة في “صفر التثنية”، وهو ما جعل الأمور حاليًّا تصل بالنسبة لكبار الحاخامات للمرحلة النهائية.
وبحسب الباحث في الشأن المقدسي فإن هذه الخطوة من شأنها أن تدخل المنطقة ككل في حرب دينية تؤدي إلى شلال لن يتوقف من الدم، لا سيما أن الأمر يستند إلى وقائع غير موجودة بالأساس في التاريخ وتتعارض مع الأديان.
ويشير إلى أن رغبتهم في القيام بهذه الخطوة من أجل الانتقال للمرحلة التي تليها التي تعني البدء في هدم الأقصى والقيام ببناء الهيكل الثالث المزعوم بالنسبة لهم، حيث تقود هذه الدعوات مجموعات تطلق على أنفسها “نساء لأجل الهيكل” و”رجال لأجل الهيكل” و”موحدون لأجل الهيكل”.
تحذيرات المقاومة واشتعال الضفة
يشكل التوقيت الذي أعلن فيه المتطرفون عزمهم تنفيذ هذه الخطوة تحديًا بالنسبة للمؤسسة الرسمية الإسرائيلية وتحديدًا الأمنية، خاصة أن هذه الخطوة تتصادف مع رباط المسلمين في الأقصى وتحديدًا في منتصف شهر رمضان.
وإلى جانب التوقيت يحضر ما يجري في الضفة الغربية المحتلة والعملية الأمنية التي أطلق عليها جيش الاحتلال “كسر الأمواج” للتصدي لسلسلة العمليات الفردية التي ضربت عمقه وتحديدًا في “تل أبيب” والخضيرة المحتلتين عام 1948، في المشهد.
ويخشى الاحتلال من أن السماح بتنفيذ مثل هكذا خطوة من شأنه أن يرفع عدد العمليات ويزيد من وتيرتها فلسطينيًا، مع حضور لقوى المقاومة في غزة التي أبلغت الوسطاء بأن ما يجري لعب بالنار وأنها لن تسمح بهذه الخطوة تحت أي ثمن.
وشكلت هذه التهديدات إعادة للسيناريو الذي وقع عام 2021 حينما قصفت المقاومة القدس المحتلة ردًا على مسيرة الأعلام واقتحام ساحات المسجد الأقصى وخاضت معركة لـ11 يومًا قصفت فيها العمق الإسرائيلي بأكثر من 4 آلاف صاروخ.
وإلى جانب هذه الخطوات فإن المشهد الإسرائيلي الداخلي يبدو معقدًا مع استقالة أحد أعضاء الائتلاف الحكومي، فالتقديرات الداخلية تشير إلى اقتراب انهيار هذه الحكومة مع حصولها حاليًّا على دعم 60 عضوًا مقابل 60 معارضين لها، ما يعني صعوبة الدخول في موجة من التصعيد في ظل الواقع القائم حاليًّا.
ورغم الإعلانات الرسمية يبقى السلوك الإسرائيلي محل مراقبة للفلسطينيين خشية من تكرار سيناريو عام 2019 حينما تم السماح بتنفيذ اقتحامات محدودة بالتزامن مع عيد الأضحى المبارك، لا سيما مع وجود أحزاب يمنية متطرفة داخل الائتلاف الحكومي.
وبقراءة السلوك الإسرائيلي فإن هذه المحاولات ستبقى متصاعدة لإدخال القربان سواء العام الحاليّ أم العام المقبل وهو الأمر الذي يتطلب التعامل معه فلسطينيًا وعربيًا وإسلاميًا على أنه خطر محدق بالأقصى وهو خطر متكرر مرتبط بمناسبتين في العام وهما: عيد الفصح وعيد الغفران.