ترجمة حفصة جودة
صوتت جمعية دراسات الشرق الأوسط لأمريكا الشمالية “Mesa” بأغلبية ساحقة في أواخر مارس/آذار لتمرير قرار دعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات “BDS” التي تستهدف نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.
مُرر القرار بنسبة تصويت 80% لصالحه مع نسبة مشاركة 45% من الأعضاء المؤهلين للتصويت في الاستفتاء، هذا القرار يعد نصرًا عظيمًا، يجعلني أفخر بعضويتي للجمعية خلال الـ19 عامًا الماضية.
تتألف الجمعية من نحو 3 آلاف أكاديمي ومعلم وطالب وعضو هيئة تدريس وممارس من جميع أنحاء العالم، وتلتزم الجمعية بإنتاج المعرفة ومنح دراسية من الدرجة الأولى تدور حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
استغل أفراد الجمعية – الذين تتعدى أعمارهم أكثر من نصف قرن الآن – سنوات من المنح الدراسية والإنتاج الفكري الدقيق، ليتوصلوا إلى ضرورة تعميق وتوسيع التضامن مع الفلسطينيين اليوم.
فالمزيد من التضامن النشط ضروري اليوم لمواجهة عملية السلام الهزلية بوساطة أمريكية، التي مكنت “إسرائيل” من ترسيخ نظام الفصل العنصري، وبما يتفق مع التزامات الجمعية الأخلاقية، فمطلب حركة “BDS” جاء من الفلسطينيين أنفسهم.
استهدفت القوات الإسرائيلية مرارًا وتكرارًا مدارس الفلسطينيين وفجرتها في أثناء الهجوم العسكري على غزة وغيرها من المدن والأراضي الفلسطينية
يؤكد تصويت “Mesa” على التزامه بالحرية الأكاديمية كذلك، فقد أصدرت لجنة الحرية الأكاديمية في الجمعية “CAF” ما لا يقل عن 98 خطابًا، احتجاجًا على انتهاك “إسرائيل” للحرية الأكاديمية للفلسطينيين.
أصدر “CAF” مؤخرًا خطابًا يحتج على سياسية “إسرائيل” الجديدة التي تخول للجيش الإسرائيلي وبسلطة أحادية الجانب اختيار واستبعاد أعضاء هيئة تدريس دوليين وباحثين أكاديميين وطلاب يرغبون في التدريس أو الدراسة أو إجراء بحوث في الجامعات الفلسطينية، ما يجعل مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية تحت السلطة المباشرة للجيش الإسرائيلي.
لا خطر على الحرية الأكاديمية الإسرائيلية
أضف إلى ذلك الهجمات الإسرائيلية المباشرة على الجامعات والطلاب وأعضاء هيئة التدريس الفلسطينيين، فقد استهدفت القوات الإسرائيلية مرارًا وتكرارًا مدارس الفلسطينيين وفجرتها في أثناء الهجوم العسكري على غزة وغيرها من المدن والأراضي الفلسطينية.
داهم الجيش الإسرائيلي بشكل ممنهج الجامعات الفلسطينية بذريعة مواجهة الأنشطة الإرهابية، في إطار اعتقال واحتجاز الطلاب الفلسطينيين، وقعت إحدى المداهمات مؤخرًا في شهر يناير/كانون الثاني من هذا العام بجامعة بيرزيت حيث أطلقت القوات الإسرائيلية النار على طالب واعتقلت 4 آخرين.
إضافة إلى الهجمات البدنية، منعت “إسرائيل” العلماء من السفر إلى المؤتمرات الأكاديمية ومنعت الطلاب كذلك من الوصول إلى جامعاتهم من خلال إغلاق الطرق وحظر التجول، وطردت الطلاب في عامهم الأخير من الدراسة بسبب قيود الحركة.
وسط هذه الظروف الهيكلية تصبح الحرية الأكاديمية أمرًا مستحيلًا، والإصرار على عكس ذلك يكشف نفاقًا شديدًا يتعرض له الفلسطينيون منذ فترة طويلة.
ما زال معهد “L Greenberg” الوطني للطب الشرعي بجامعة تل أبيب يحتجز جثث العديد من الرهائن الفلسطينيين
الإصرار على حق الحرية الأكاديمية للفلسطينيين لا يعرض الحرية الأكاديمية الإسرائيلية للخطر، ولا قرار الجمعية الناجح كذلك، لأن هذا القرار لا يطالب بمقاطعة العلماء الإسرائيليين كأفراد، لكنه يقاطع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.
تعد المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية مركزية للجيش والعنف العنصري ضد الفلسطينيين، فما زال معهد “L Greenberg” الوطني للطب الشرعي بجامعة تل أبيب يحتجز جثث العديد من الرهائن الفلسطينيين، بينما يصمم برنامج الدراسات الأمنية الوطنية بجامعة حيفا إطار العمل العنصري لـ”التهديد الديموغرافي العربي” وساعد في تشكيل طريق جدار الفصل العنصري الذي اعتبرته محكمة العدل الدولية غير شرعي في 2004.
لا يمكن للطلاب الفلسطينيين أيضًا من الأراضي المحتلة دخول جميع الجامعات الإسرائيلية داخل الخط الأخضر بسبب قيود الحركة.
الحرية الأكاديمية للجميع
لا يلزم قرار الجمعية العلماء الأعضاء فيها باتخاذ قرارات معينة لا تتماشى مع معتقداتهم السياسية، فأعضاء الجمعية لهم حرية المشاركة من عدمها وفقًا لتفضيلاتهم الشخصية.
فبالنسبة للأعضاء الذين اختاروا الالتزام بالقرار، يتضمن ذلك على سبيل المثال عدم قبول تمويل أو ترويج أو تعاون مع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، وعدم حضور أي مؤتمرات في المؤسسات الأكاديمية الأسرائيلية أو التي ترعاها، وعدم النشر في أي مطبوعات للأكاديمية الإسرائيلية.
لا يجب على جميع الأفراد في الجمعية الالتزام بتلك الممارسات، ما يكشف مدى التزام الجمعية بالحرية الأكاديمية للجميع.
هذا النصر مهم وتاريخي في الحقيقة، وربما يساهم في تحرير الفلسطينيين في كل مكان
وجهت العضوية – من خلال هذا القرار – مجلس إدارة الجمعية لتقديم المزيد من الإرشاد عن كيفية إضفاء الروح على الهدف من القرار، هذا الإرشاد سيكون ضروريًا لضمان استمرار شعور جميع الأعضاء بالترحيب داخل الجمعية بينما تتوسع في تضامنها مع الطلاب والمعلمين الفلسطينيين من خلال حركة “BDS”.
نصر مهم
بعد الإعلان الناجح لقرار المقاطعة، بدأ خصوم الجمعية في إرسال الكثير من الرسائل الإلكترونية لمديري مراكز وبرامج دراسات الشرق الأوسط في جميع أنحاء الولايات المتحدة، طالبت تلك الرسائل مديري المراكز بالاحتجاج على هذا القرار بفسخ عضويتهم مع الجمعية.
هؤلاء المعارضون يرفضون احترام الإرادة الديمقراطية لعضوية الجمعية، ويدعون أن حملة رسائلهم المستمرة نجحت في التزام 6 مراكز بالتراجع عن عضوية الجمعية، لكنه ادعاء غير صحيح، فمركز واحد فقط أكد تراجعه، أما بقية المراكز فقد أوضحت أن تلك المعلومات كاذبة أو أن عضويتهم سقطت سهوًا.
هذه الحملة التي تسعى إلى المضايقة والعقاب نموذج مثالي لأنماط الماضي، لكن عدم الاستجابة المدروسة والحاسمة لتلك الجهود وإعادة التأكيد والالتزام بالجمعية وعضويتها يشير إلى تغيير بازر داخل جمعية دراسات الشرق الأسط.
إن “BDS” حركة تضامنية تشجع حلفاءها – على الأقل – على عدم التسبب في أي ضرر، وهي حملة تقف وراءها بقوة الجمعية الرائدة لدراسة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، هذا النصر مهم وتاريخي في الحقيقة، وربما يساهم في تحرير الفلسطينيين في كل مكان.
المصدر: ميدل إيست آي