تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون على منافسته زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة الأحد المقبل، لكن هذا التقدم يبدو طفيفًا وغير مطمئن، ما يجعل إمكانية حدوث المفاجئة واردة، خاصة أن لوبان أحسنت قراءة انتظارات الناخب الفرنسي وتحرّكت على الوتر الحساس، وهو القدرة الشرائية التي تضررت كثيرًا في الفترة الأخيرة، لكن السؤال المطروح الآن هو ماذا لو فازت مرشحة اليمين المتطرف بمفاتيح الإليزيه؟
تصاعد الإسلاموفوبيا والعنصرية
في حال وصلت مارين لوبان إلى سدّة الحكم -وهذا أمر غير مستبعَد نظرًا إلى عدة مؤشرات-، فإن فرنسا ستعرف عدة متغيرات أهمها تصاعد الإسلاموفوبيا، فرغم تركيز لوبان خلال حملتها الانتخابية للدور الأول على القدرة الشرائية للفرنسيين، وابتعادها عن ملف المسلمين والمهاجرين وخطابها المعادي لهم، فإن ما بالطبع لا يتغير.
وبمجرد الإعلان عن نتائج الدور الأول عادت لوبان لخطابها المعادي للمسلمين والمهاجرين، إذ أظهرت تشبُّثها بمبادئ اليمين المتطرف حول ملف الإسلام والمسلمين، حيث جددت مرشحة أقصى اليمين الفرنسي عزمها على محاربة ما وصفتها “بالأيديولوجيا الإسلاموية الشمولية”، وعزمها على حظر الحجاب أيضًا.
وقالت في حوار إعلامي: “يجب ألّا نترك للأيديولوجيا الإسلاموية أي فضاء، أو أن نتعامل معها بأي تسامح، ولذا أعددنا مشروع قانون يهدف إلى حظر هذا الأمر على الأراضي الفرنسية، وحظر التمويل والجمعيات التي تروّج لها، والفضاءات التي تدرَّس فيها هذه الأيدولوجيات”.
وتابعت لوبان: “أعتبرُ أن الحجاب الإسلاموي هو رمز لتلك الأيديولوجيا الشمولية، ولهذا أتمنى تخليص كل النساء من الحجاب”، مؤكدة أنها ستحظر ارتداءه بالأماكن العامة، وستفرض غرامة مالية لمعاقبة المحجّبات في الشارع.
رئاسة زعيمة اليمين المتطرف ستكون عواقبها مباشرة وخطيرة على أوروبا، فهي عازمة على تفكيك الاتحاد الأوروبي عكس ماكرون
تزعم لوبان أن الشرطة ستصدر تعليمات بفرض غرامات على كل من ترتدي الحجاب، وهذا الأمر سيكون غير مسبوق في أوروبا، ما سيعزّز المواجهة بين الشرطة والمسلمين، والانتهاكات الممارسة ضد المسلمين في فرنسا.
تَعِدُ مارين لوبان، إذا وصلت إلى سدّة الحكم، بتجميد جميع مشاريع بناء المساجد في فرنسا إلى غاية التحقُّق من مصادر تمويلها، وتوسيع قانون منع ارتداء الرموز الدينية في المدارس ليشمل الأماكن العامة، وتدعو أيضًا إلى منع ذبح الحيوانات وفق الشريعة الإسلامية.
وتحلم لوبان بفرنسا بيضاء مسيحية لا مكان فيها للأجانب بصفة عامة، وللمسلمين على وجه الخصوص، وتحيط زعيمة اليمين المتطرف نفسها بعدد من الهوياتيين الذين يعتبرون الإسلام العدو الأول للأمة الفرنسية.
المرشحة للرئاسة الفرنسية مارين لوبان: سيكون هناك «غرامة» على ارتداء #الحجاب في فرنسا مثل غرامة عدم ارتداء حزام الأمان في السيارة، وباعتبار أن الشرطة الفرنسية قادرة على ضبط المخالفين لارتداء الحزام، فإنها ستكون قادرة على تطبيق منع الحجاب. pic.twitter.com/nf41kT5S9y
— مصدر (@MSDAR_NEWS) April 13, 2022
فضلًا عن تنامي الإسلاموفوبيا، ستعرف فرنسا في حال وصول لوبان إلى الإليزيه تزايد ظاهرة العنصرية، فزعيمة اليمين المتطرف أكّدت أنه في حال انتخابها رئيسة للجمهورية، ستنهي لمّ شمل الأسرة وتشدد شروط الحصول على الجنسية، ومعالجة طلبات اللجوء ستكون في الخارج فقط.
كما ستمنح المواطنين الفرنسيين الأولوية في الحصول على السكن الاجتماعي، والعمل تحت شعار “الأفضلية الوطنية في الدستور”، وستلغي تصريح الإقامة للأجانب الذين توقفوا عن العمل في غضون 12 شهرًا.
يُذكر أن لوبان تعتمد منذ وصولها إلى رأس حزبها عام 2011 خلفًا لوالدها، خطابًا مناهضًا للمهاجرين، وتتّخذ من العنصرية والفاشية خطًّا لها، ومن كراهية الأجانب الملوّنين، من مسلمين وغيرهم، رأسمالها الثابت الذي لا يتغير رغم مرور السنين.
سيزيد هذا الأمر من حدة الانقسام في فرنسا، بعد 5 سنوات من حكم إيمانويل ماكرون التي عرفت فيها البلاد احتجاجات عديدة، استعملت الشرطة في مرات كثيرة العنف للتصدي لها، وهو ما أثار قلق الحقوقيين ودعاة حقوق الإنسان.
تفكُّك الاتحاد الأوروبي
تداعيات فوز لوبان لن تقتصر على فرنسا فقط، بل ستمتد إلى الاتحاد الأوروبي، فرئاسة زعيمة اليمين المتطرف ستكون عواقبها مباشرة وخطيرة على أوروبا، فهي عازمة على تفكيكه عكس ماكرون الذي يصرُّ على ضرورة رصّ صفوف الاتحاد ويشدد على الوحدة الأوروبية.
رغم تأكيد مارين لوبان أنه ليس لديها “مشروع سرّي” لإخراج بلادها من الاتحاد الأوروبي، إلا أنها لا تخفي نيّتها إجراء تغيير جذري في الاتحاد، حيث تقول إن “غالبية الشعب الفرنسي لم تعد تريد الطريقة التي يسير بها الاتحاد الأوروبي حاليًّا”، وتضيف: “يعمل بطريقة مخالفة تمامًا للديمقراطية، والتي تتبع طرق التهديد والابتزاز وتنتهج سياسات تسير بعكس إرادة الشعوب، وضد مصلحة اقتصاداتنا على وجه الخصوص”.
في حال فازت لوبان وقررت خروج فرنسا من التحالف الغربي المعادي لموسكو، فإن ذلك سيعطي دفعًا كبيرًا لروسيا في حربها ضد أوكرانيا
سبق أن وعدت لوبان باستعادة أسبقية القانون الفرنسي على قانون الاتحاد الأوروبي، وهو ما يتعارض مع عضوية الاتحاد المكوَّن من 27 دولة، كما تعهّدت بقطع أحادي الجانب لمساهمات فرنسا في ميزانية الاتحاد الأوروبي، وتدعو إلى خروج تدريجي من منطقة اليورو والعودة إلى الفرنك الفرنسي.
وتخشى بروكسيل وعواصم أوروبية عديدة وصول لوبان للرئاسة، فمن المرجّح أن تضع لوبان باريس في مسار تصادمي مع المفوضية الأوروبية التي تقودها الألمانية المحافظة أورسولا فون دير لاين، ويمكن أن تذهب لوبان بعيدًا وتقرر الخروج من التكتل الذي يدعم أوكرانيا، والذي يعني بالضرورة بداية تفكُّك حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ما سيضرّ بالاتحاد ووحدته.
كما أن وصول لوبان إلى الحكم سيزيد من نفوذ اليمين المتطرف في أوروبا، حيث ستكون حليفة للزعيمَين المجري والبولندي اليمينيَّين الشعبويَّين، ويمكن أن يشكّلوا جبهة لعرقلة إصلاحات الاتحاد الأوروبي.
فضلًا عن الداخل الفرنسي والاتحاد الأوروبي، سيكون لفوز لوبان بالرئاسة تداعيات كبيرة على النظام العالمي، فلئن عملت مرشحة اليمين المتطرف في الفترة الأخيرة على أخذ مسافة من حاكم الكرملين فلاديمير بوتين، فإن الجميع يعلم أنها صديقة وفية له، وسبق أن التقت به وتلقّى حزبها تمويلًا بقيمة 9 ملايين يورو من بنك روسي عام 2014، العام نفسه الذي قام خلاله بوتين باجتياح شبه جزيرة القرم وضمّها إلى الكيانات الروسية.
هذا عالم فلاديمير #بوتين
مارين لوبان تقترب من قصر الإيليزيه.. شاهد ماذا قالت حاكمة فرنسا المحتملة التي تحب بوتين.#اوجه_الحقيقة pic.twitter.com/CV7ZjUcOfJ
— أوجه الحقيقة (@awjouh) April 11, 2022
من شأن فوز لوبان بالرئاسة الفرنسية أن يكون دعمًا قويًّا لبوتين، فهي ستعمل دون شكّ بشكل منفرد دون تنسيق مع الأوروبيين، ويمكن أن يؤثّر ذلك على منظومة العقوبات ضد روسيا، خاصة أنها تعادي العقوبات الثقيلة ضد موسكو، كونها تؤثّر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للفرنسيين.