من جديد يعود التوتر إلى الواجهة بين نظام الأسد والوحدات الكردية المتمثلة بقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، فمنذ أيام يفرض الجانبان على بعضهما حصارًا في مناطق نفوذهما، حيث فرضت قوات النظام السوري المنتمية للفرقة الرابعة حصارًا على حي الشيخ مقصود في حلب ذي الغالبية الكردية، وكذا عملت قوات “قسد” على محاصرة مركز محافظة الحسكة الذي تسيطر عليه قوات النظام السوري.
يتخوف سكان هذه المناطق من عودة المعارك والمعاناة مع نزوح جديد، فيما بدأت ملامح أزمة إنسانية تتضح بعد منع كلا الطرفَين دخول الطحين والمواد الغذائية إلى المناطق المحاصرة بالتزامن مع شهر رمضان المبارك، صاحبتها محاولات روسية للتوسط بين الجانبين لحلّ الخلاف وعدم نشوب معارك بين الطرفين، حيث يذكر أن عدة معارك اندلعت بين الجانبين في السنوات الماضية، خصوصًا في مدينة الحسكة.
تبادل الحصار
منذ مطلع الشهر الحالي منعت قوات الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، أخ الرئيس السوري بشار الأسد، دخول السيارات المحمّلة بمادة الطحين إلى أفران حيَّي الأشرفية والشيخ مقصود، وبات عناصر الحواجز المحيطة بالحي يدققون على السيارات والمركبات التي تحاول الدخول إلى الحي الواقع تحت نفوذ “قسد”، وقد بدأ الناس يعانون فعلًا من آثار هذا الحصار المفروض عليهم منذ أيام.
ما فعله النظام ردّت عليه قوات “قسد” بفرض حصار مماثل على مركز محافظة الحسكة، والذي يقع تحت سيطرة النظام السوري، إضافة إلى ذلك حاصرت القوات الكردية المربع الأمني في مدينة القامشلي، والجدير بالذكر أن المناطق التي تحاصرها “قسد” هي الوحيدة التي يسيطر عليها النظام في محافظة الحسكة، إضافة إلى مطار القامشلي وبعض النقاط العسكرية الأخرى.
خلال حصارها سيطرت “قسد” على أكبر الأفران في الحسكة، والذي يؤمّن مادة الخبز لمدنيين تحت سيطرة النظام في القامشلي وريفها، ووفقًا لـ”تلفزيون سوريا” باتت تلك الأحياء بلا كهرباء منذ 48 ساعة، بسبب انقطاع مادة المازوت عن مولدات الأمبيرات التي تمدّ هذه الأحياء بالتيار الكهربائي.
بعد الحصار الذي فرضته القوات الكردية، تقدمت هذه القوات بجانب قوات الأمن الوطني، والتي تدعى “الأسايش”، باتجاه المناطق التي يسيطر عليها النظام، وسيطرت على المربع الأمني الذي يضمّ الدوائر الحكومية التابعة للنظام السوري في مدينة القامشلي شمال شرق الحسكة، وباتت مدينة القامشلي بالكامل تحت سيطرتهم بعد طرد قوات النظام دون معارك.
انتشرت قوات “الأسايش” في المربع الأمني الذي سيطرت عليه، وفتحت الطرقات المؤدية للمربع الأمني وأزالت الحواجز، ولم يبقَ تحت سيطرة النظام في المدينة إلا مبنى “الأمن العسكري” و”أمن الدولة” و”الأمن السياسي”، حيث عناصر النظام محاصرون ضمنها.
الأسباب
أما عن الأسباب التي دفعت إلى هذا التصعيد الحالي، فقد شهدت المنطقة عدة صدامات انتهت باتفاقيات تشرف عليها الدول ذات النفوذ، مثل أمريكا الداعمة للقوات الكردية وروسيا حليف النظام الأساسي، ويحاول النظام يومًا بعد يوم استعادة بعض من سيطرته على المناطق التي تسيطر عليها “قسد”، وهي المناطق ذات الثراء النفطي والثروات الزراعية التي تمدّ كامل التراب السوري.
في هذا السياق نشر مركز “جسور” للدراسات تقريرًا يذكر فيه أن من الأسباب التي أجّجت الوضع حاليًّا: “تراكم الخلافات وتضارب المصالح بين الطرفين كالخلاف الناجم عن استمرار رفض “قسد” إخلاء المباني التعليميّة لجامعة الفرات التابعة لحكومة النظام في محيط سجن الصناعة في مدينة الحسكة، منذ سيطرتها عليها بعد حملة التمشيط التي قامت عقب هجوم تنظيم “داعش” على السجن”.
ويكمل التقرير بأن هذا الأمر يهدّد “استمرار قدرة النظام على إدارة ملف خدمي آخر في المحافظة، وهو ملف التعليم العالي الذي يحتكره ويستخدمه كأداة لإظهار استمرار سيادته وقدرته على تقديم الخدمات”.
يضيف المركز أن افتعال التصعيد من قبل “قسد” وتأجيجه لاحقًا، جاءا “كردٍّ على تزايد نشاط وتهديد الميليشيات التابعة لإيران لمصالح وقوات التحالف الدولي في محافظتي الحسكة ودير الزور، من خلال استهداف القواعد العسكرية التابعة لها من قبل هذه الميليشيات”.
إضافة إلى ذلك، تزايدت عمليات الاعتراض بشكل واضح للدوريات العسكرية البرّية لهذه القوات من قبل قوات النظام وميليشيا الدفاع الوطني، خاصةً في محيط مدينة القامشلي.
وفي حديث لـ”نون بوست”، يقول مصدر محلي في مناطق سيطرة “قسد” إن “المنطقة لم تهدأ منذ سنوات، وفي كل فترة يحاول طرف من الأطراف افتعال المشاكل لأسباب غير معروفة لأهل المنطقة، ولكن الواضح أن ذلك يأتي من مشغّلي الطرفين واللذين هما روسيا وأمريكا”، ويشير المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، إلى أن “روسيا تحاول جاهدة حاليًّا التوصل إلى حلّ يفضي إلى تهدئة الأوضاع في المناطق المحاصرة”.
يضيف المصدر أن “اجتماعًا عقده ضباط روس مع قوات “قسد” لحلحلة الأمور، تبعه أجتماع موسّع بين ضباط من النظام وقادة من الوحدات الكردية، لكن لم تفضِ هذه الاجتماعات إلى حل يذكر”، مشيرًا إلى أنه “بعد الاجتماعات تحركت قوات “الأسايش” لتسيطر على مباني النظام السوري في منطقة القامشلي، كما أن القوات الكردية في صدد التصعيد باتجاه العنف إذا لم يُفكّ حصار حيَّي الأشرفية والشيخ مقصود”.
بدورها قالت وكالة “سبوتنيك” الروسية إن “القوات الروسية العاملة ضمن قاعدة مطار القامشلي بمحافظة الحسكة، عملت بجهود مكثفة لإنهاء الحصار على مناطق سيطرة النظام ضمن مدينتَي الحسكة والقامشلي”.
استغلال الحالة الإنسانية
رغم التوتر القائم هناك، يتوقع تقرير مركز “جسور” “نجاح الوساطة الروسيّة في التهدئة والعودة للوضع الطبيعي بين الطرفين، مع فكّ الحصار المتبادل بين الطرفين وحلّ المشاكل العالقة بينهما، خاصةً تلك المتعلقة بالمباني التعليمية والأفران والمنشآت الخدمية الأخرى”.
وفي ظل التجاذبات والتوترات، يبقى سكّان هذه المناطق تحت نذر أزمة كبيرة، حيث انقطعت عنهم معظم السلع الأساسية بالإضافة إلى الطحين والوقود، وبهذا الصدد يحاول الطرفان استغلال الأزمة الإنسانية لصالحه، حيث قال محافظ الحسكة التابع للنظام اللواء غسان حليم خليل إن “الوضع الإنساني في الحسكة والقامشلي سيّئ بسبب محاصرة “قسد” مركزَي المدينتَين ومنع دخول الطحين والمواد الغذائية الأخرى”.
Kaç gündür Rojava’nın Kamışlo kentinde YPG ile Esad rejimi güçleri arasında gerginlik yaşanıyor. Bu gece de YPG havalimanına giden yolları ulaşıma kapattı pic.twitter.com/1POoLXc7dv
— Cesim İlhani (@cesimilhan) April 12, 2022
أما في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، خرجت تظاهرات حاشدة طالبت النظام بفكّ الحصار، كما طالبوا “قسد” بالتدخل وخفض الأسعار التي ترتفع بشكل جنوني في ظل الحصار المفروض على المناطق، وعلى سبيل المثال وصل سعر ربطة الخبز إلى 4000 ليرة سورية بعد أن كانت نحو 1500 ليرة قبل بدء الحصار والتضييق من قبل حواجز الفرقة الرابعة.
ونددت “الإدارة الذاتية الكردية” بالحصار المفروض على حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية، وقال نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في إقليم الفرات، نهاد أحمد، إن “تلك السياسات ستفشل وأن الحل الوحيد للأزمة هو ترك عقلية الحصار والتجويع والإنصات لمطالب السوريين”.
وأضاف أحمد أن “هذه ليست المرة الأولى التي تفرض فيها حكومة دمشق الحصار على حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية، ولكنها هذه المرة تريد الاستفادة من الأزمة العالمية والحرب الروسية الأوكرانية، وانشغال العالم بها بهدف الضغط على الإدارة الذاتية لتقديم تنازلات والحصول على بعض المكاسب”.
إلى ذلك، يحاول الطرفان من خلال هذه التحركات توسيع النفوذ في هذه المناطق بدفع من الدول المحرّكة لهما، ويبقى المواطن السوري العادي هو الأضعف في هذه التجاذبات، إذ إن الحصار لا يستهدف أحدًا غيره في كل المعارك.