ترجمة وتحرير: نون بوست
بهدف إجبار الهند على تغيير سياستها المعتمدة تجاه روسيا، اتخذت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة جملة من التدابير. لكن نيودلهي رفضت الرضوخ للمطالب الأمريكية وإدانة العملية الروسية في أوكرانيا آخذة بعين الاعتبار العديد من العوامل أهمّها وارداتها من النفط والأسلحة الروسية. فما هي أسباب فشل المحاولات الأمريكية إقناع الهند بالاصطفاف إلى جانبها؟
في ظل التوترات الجيوسياسية الحالية تحاول الولايات المتحدة جاهدة تشكيل تحالف عالمي مناهض لروسيا. لعل ذلك ما دفعها إلى التقرب من الهند، وهو ما بدا جليا في الأسابيع الأخيرة. في المقابل، أبت الهند تلبية النداء الأمريكي على حساب مصالحها الخاصة. ورفض كل من الهند والصين – باعتبارهما من أكبر القوى الاقتصادية في العالم – تأييد العقوبات ضد روسيا يجهض مساعي الولايات المتحدة في حشد العالم المتقدم ضد روسيا. وعدم انضمام الهند إلى الحرب العالمية المناهضة لروسيا يقوض وحدة الديمقراطيات العالمية في وجه الاستبداد الروسي.
تقول مديرة مبادرة الهند في “معهد هدسون” الأميركي أبارنا باندي إنه “في حال نجحت الولايات المتحدة في إقناع الهند فإن ذلك سيمكنها من إقناع العديد من البلدان الأخرى التي تترقب الموقف الذي سوف تتخذه نيودلهي”.
توجه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن في وقت سابق إلى نيودلهي للمشاركة في حوار “2+2” الأمريكي الهندي على أمل إقناع الهند بتغيير موقفها. وكان قد سبق ذلك محادثات عُقدت بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
الأساس الصحيح
في البداية، بدا أن الجهود الأمريكية كُللت بالنجاح. فبعد إعلام رئيس البيت الأبيض رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن استيراد النفط الروسي لا يخدم مصالح الهند، توقفت أكبر شركة تكرير نفط هندية “مؤسسة النفط الهندي” عن ابتياع النفط الروسي، وقد سارعت وسائل الإعلام الروسية إلى تداول هذا الخبر الذي أقض مضجع الكرملين. كما أصبح الخطاب الهندي أكثر حدة من خلال إدانة “مجزرة بوتشا”، الحادثة التي ادعت روسيا أنها محض خيال، وكذلك الدعوة إلى وقف العملية العسكرية في أوكرانيا.
مع ذلك، يظهر الواقع أن بلينكن وأوستن وبايدن لم يتمكنوا من تحريك كتلة الحياد الهندي التي تعتمد إلى حد كبير على أساس ضخم يسمى “المصلحة الوطنية” التي تمنع الهند من التنازل عن استيراد النفط والأسلحة أو إلغاء المبادلات التجارية مع روسيا.
يوضح المحلل في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية في موسكو، أليكسي كوبريانوف “تستميت السلطات الهندية في الدفاع عن المصالح التي تجمعها مع روسيا، على الرغم من إمكانية تقديمها بعض التنازلات المؤقتة في عدد من المجالات الثانوية. لكن بشكل عام تدرك الهند الفرص المتاحة من توثيق التعاون وتوسيعه”.
النظر إلى نفسها
لا يعود توقف “مؤسسة النفط الهندي” عن شراء النفط الروسي لأسباب سياسية بقدر ما يعود لأسباب فنية بحتة. بخصوص هذا الأمر، أفاد الخبير في الجامعة المالية التابعة للحكومة الروسية وخبير صندوق أمن الطاقة الوطني، إيغور يوشكوف “اشترت الشركة مصفاة نفط خاصة، وهي عبارة عن منشأة صناعية تتم فيها عمليات تكرير النفط لتحويله من شكله الخام إلى المشتقات النفطية المختلفة. وقد اشترت مصفاة النفط الهندية في وقت سابق شحنة من النفط الخام الحامض من إيران. ويتطلب الحصول على الخصائص المرغوبة للمادة الخام شراء نفط خفيف وخلطه مع المادة الخام الإيرانية. لذلك، طرحت مؤسسة النفط الهندية مناقصة بغاية التزود بنفط يحتوي على كمية قليلة من كبريت الشوائب. بناء على ذلك، لن يستطيع نفط “الأورال الروسي” ويوجين آيلاند ونفط تاندر هورس دخول هذه المناقصة باعتبار أنها مصنفة ضمن الأنواع التي تحتوي على نسب عالية ومتوسطة من الكبريت”.
وتابع يوشكوف “في المقابل، لا تستطيع وسائل الإعلام تداول خبر مفاده أن الهند تخلت عن النفط الأمريكي المستخرج من حقول يوجين آيلاند الواقعة في خليج المكسيك في الولايات المتحدة”.
من غير المرجح أن تتخلى نيودلهي عن النفط الروسي. تعقيبًا على ذلك، قال وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار “نحن على بينة بالأمور التي تخدم مصالح الهند، وندرك كيفية حمايتها وتعزيزها”. وقد طالب الأطراف الأوروبية، التي تنتقد مواصلة الهند استيراد النفط الروسي، بالتخلي هي الأولى عن استيراد الموارد الطاقية الروسية. وأضاف جايشانكار “استنادا إلى الأرقام، فإن إجمالي ورداتنا الطاقية لا تضاهي الكمية التي تستوردها أوروبا في نصف يوم”.
في خطاب آخر أدلى به قبل زيارة بلينكن وأوستن نيودلهي، أعرب جايشانكار عن شكه في أخذ الاتحاد الأوروبي كلامه بعين الاعتبار قائلا: “أنا على يقين من أن القائمة الحالية التي تضم أكبر مشتري الغاز والنفط الروسي لن تختلف عن القائمة التي سوف تصدر بعد شهرين أو ثلاثة أشهر من الآن. ولن يكون اسم الهند ضمن القائمة التي تضم الدول العشرة الأولى في استيراد الموارد الطاقية الروسية”.
الأسلحة بشروط
تعمل واشنطن جاهدة على تثبيط عزم نيودلهي مواصلة استيراد الأسلحة الروسية. حيال هذا الشأن، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن: “تطورت العلاقات بين الهند وروسيا على مدى العقود الماضية بسبب عدم اعتبار الولايات المتحدة الهند شريكا لها. لكن الوضع تغير اليوم ونطمح الحصول على صفة الشريك المفضل للهند وتغطية التعاون جميع المجالات، بما في ذلك التجارة والتكنولوجيا والتعليم والأمن”.
يمكن للهند نظريًا الاستفادة من التعاون مع الولايات المتحدة باعتبارها أكبر قوة اقتصادية في العالم أكثر مما يمكن لها تحقيقه مع روسيا. لكن عمليًا، لا يعتمد التعاون على الإمكانات فقط بقدر ما يعتمد على الظروف وعلى وجود الإرادة السياسية.
حسب كوبريانوف “تريد الهند الحصول على أحدث التقنيات العسكرية والصناعية من الولايات المتحدة وضمان تدفق الاستثمارات وإعادة توطين الشركات دون تقديم أي خدمة مقابل ذلك، الأمر الذي لا يخدم مصالح واشنطن”.
رغم محاولات الولايات المتحدة طيلة سنوات عديدة ثني الهند عن شراء الأسلحة الروسية، غير أنها لم تستطع تقديم بدائل مقبولة لنيودلهي. وفي وقت سابق، نجحت نيودلهي وواشنطن في إبرام اتفاقيات عديدة تعنى بالتعاون في مجال الفضاء والطائرات المسيّرة، غير أن مسألة تزويد الهند بالأسلحة مقابل أسعار معقولة قيد المناقشة حسب لويد أوستن.
يفترض إدراك الولايات المتحدة مدى أهمية الهند في تنفيذ خطة احتواء الصين تفهمها العلاقات الروسية الهندية وعدم معاقبتها على ذلك.
في تصريح له، أعرب وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ عن رغبة بلاده التطوير المشترك للأسلحة عالية التقنية وإنتاجها في المنشآت الهندية، متجاهلا حقيقة أن الشركات المصنعة للأسلحة الأمريكية ليست شركات مملوكة للدولة ولن ترضى اقتسام الأرباح مع الهند، البلد الذي يكاد يكون أكبر مشتر للأسلحة.
يستطيع البيت الأبيض التوسط في مثل هذا الأمر شريطة تقديم الهند بعض التنازلات السياسية التي لا تتعلق فقط بروسيا. وقد أكد وزير الدفاع الأمريكي أن الولايات المتحدة مستعدة لتسليح نيودلهي ومساعدتها على احتواء بكين، التي تشكل خطرا على أمنها. ومن جانبه، يلتزم الكرملين بتعزيز التعاون العسكري مع الهند باعتبارها دولة صديقة لروسيا.
أفاد القائد السابق للجيش الشمالي الهندي الجنرال ديبندرا سينغ غودا “من سوف يؤجر لك غواصة نووية؟ مشيرا إلى أن روسيا لم تفرض أي شروط سياسية مقابل مواصلة التعاون العسكري ولم تلزم الهند بإضفاء الطابع الديمقراطي على الحياة العامة ولم تنتقد المسار القومي اليميني لناريندرا مودي، ولم تقدم خيارات السياسة الخارجية على أساس مبدأ “معنا أو ضدنا”.
التفاهم والتسامح
بشكل عام، تدرك الهند أن وقوفها إلى جانب الولايات المتحدة ومساهمتها في عزل روسيا يهدد أمنها القومي، لأن ذلك سوف يدفع موسكو إلى تعزيز التعاون مع بكين. يرى كوبريانوف: “هذا السيناريو يثير قلق الهند، التي تعول على تفهم القيادة الروسية الخطر الذي يحوم حولها ولا تخطط لتحويل البلاد إلى محمية تابعة للصين”.
يفسر تطوير روسيا خططًا لتنويع التعاون الاقتصادي تشمل الهند بعدم تخطيطها لتنفيذ سيناريو مشابه على أرض الواقع. وحسب عدد من التقارير، تسعى روسيا إلى تعزيز التعاون التكنولوجي مع الهند عن طريق نقل سلاسل الإنتاج الروسية إلى الأراضي الهندية. ووفقا لتقرير نشرته وكالة بلومبرغ، من المحتمل أن تزيد الهند صادراتها إلى روسيا بملياري دولار أي بنسبة 50 بالمئة مقارنة بالسنة الماضية.
يعتقد الخبراء الهنود أن الغضب الأمريكي جراء عدم رضوخ الهند للمطالب المنادية بإدانة روسيا آخذ في التفاقم، مشيرين إلى حاجة واشنطن الماسة إلى نيودلهي لاحتواء بكين.
قال وكيل وزارة الدفاع الأميركية السابق للشؤون السياسية، جيمس أندرسون: “بغض النظر عن اختلاف وجهات النظر وموقف الهند من تطور الأزمة الروسية الأوكرانية، تدرك الولايات المتحدة أن الهند جزء من التوجه الاستراتيجي لتحقيق أهدافنا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. إلى جانب ذلك، تقوم شراكتنا على تبني رؤية مشتركة خاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ تقوم على مبادئ مثل سيادة القانون والسيادة الوطنية”.
يفترض إدراك الولايات المتحدة مدى أهمية الهند في تنفيذ خطة احتواء الصين تفهمها العلاقات الروسية الهندية وعدم معاقبتها على ذلك.
المصدر: فزغلياد