يعد الإسلام ثاني أكبر ديانة في الهند بعد الهندوسية بتعداد 154 مليون نسمة من أصل مليار ومئة وخمسين مليونًا وفقًا لإحصاءات عام 2008، وبهذا تمثل نسبة المسلمين في الهند 12% من مجموع السكان، وتعتبر الهند البلد الـ3 عالميًا من حيث عدد السكان المسلمين.
اعتداءات متكررة
ما زالت الانتهاكات بحق المسلمين في الهند قائمة تحت غطاء حكومي رسمي، ولا يكاد يمر شهر دون أن يعتدي فيه الهندوس على المسلمين ومساجدهم وشعائرهم، وقد تداول ناشطون مقطعًا مصوّرًا للراهب الهندوسي ياتي كريشناناند وهو يدعو إلى إطلاق عمليات إبادة جماعية للمسلمين في الهند، فيقول: “أنا أفكر أن نبدأ مذابحهم الجماعية من بورفانش في شرقي ولاية أوتار براديش الهندية، إنها عملية سهلة، سوف يردّون علينا، ومن ثم نزيد الهجوم ونقضي عليهم”.
وقد شهدت ولايات هندية خلال الأشهر الماضية، اعتداءات من هندوس ضد مسلمين، وحظرت إحدى الولايات ارتداء الطالبات المسلمات للحجاب في المدارس وسط تأييد من ساسة هنود ومطالباتهم بتطبيق الحظر في ولايات أخرى، كما حكمت المحكمة العليا في إقليم كرناتاكا في الهند بأن “الحجاب ليس من أساسيات الإسلام”، وعززت المحكمة أيضًا حكمًا سابقًا للولاية بحظر ارتداء الحجاب في قاعات الدرس.
بدورها قالت الشرطة الهندية إن اشتباكات اندلعت خلال موكب هندوسي بالعاصمة نيودلهي، أمس السبت، ما أدى إلى وقوع مصابين، وفي مظاهرة سابقة لهذا الاشتباك ردد محتجون في العاصمة الهندية نيودلهي هتافات مناهضة لحكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، بسبب استهداف السلطات بعنف لمسلمين، ونتيجة للتوترات الحاصلة فرضت السلطات الهندية حظر تجول في إحدى المدن، وحظر التجمعات لأكثر من أربعة أفراد في بعض مناطق الولايات الثلاثة.
كما هدمت السلطات المحلية منازل ومتاجر لمشتبه بهم من المسلمين في ولاية ماديا براديش في أعقاب أعمال العنف التي اندلعت خلال مهرجان رام نافامي الهندوسي، وفي ولاية جوجارات، مسقط رأس رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي، هدمت السلطات متاجر مؤقتة مملوكة لأشخاص يعتقد أنهم شاركوا في أعمال شغب قُتل فيها رجل.
وقالت قناة “بي بي سي” إن كثيرًا من منازل المسلمين ومحالّهم التجارية تعرضت للهدم في ولاية ماديا براديش، وامتلأت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بصور لآليات الهدم “بلدوزرات ضخمة صفراء” تهدّم منازل في عدد من الأحياء بينما أصحاب تلك المنازل يحملقون باكين بلا حول ولا قوة، وبحسب القناة فإن السلطات في ولاية ماديا براديش وضعت اللائمة فيما يحدث على المسلمين، وفي تصريح له قال وزير الداخلية في الولاية ناروتام ميشرا: “إذا كان المسلمون قاموا بمثل هذه الهجمات، فلا ينبغي لهم أن ينتظروا معاملة عادلة”.
في مقال له على موقع “ميدل إيست آي” البريطاني يقول الكاتب آزاد عيسى: “بعد مرور عشرين سنة على المذابح التي ارتكبت بحق المسلمين في غوجارات، هناك الآن جيل كامل من القوميين الهندوس الذين باتوا أكثر قناعة من أي وقت مضى بأن تصفية المسلمين سوف تحسن من معيشتهم”، ويضيف “ثمة مشروع كبير للتطهير العرقي يجري تنفيذه في الهند، وكما هو منطق الهندوتفا – الأيديولوجيا التي ترتكز عليها الحركة القومية الهندوسية – فإنه لا خيار أمام المسلمين إلا التحول أو الموت”، وتابع “المسلمون يرون الآن الهاوية رأي العين”.
الحكومة طرف في الاعتداءات
تتردد الحكومة الهندية بالتعامل مع كل حالة عنف هندوسي ضد المسلمين، كما أنها لم تعد تتعامل مع الدعوات التي تصدر للتطهير العرقي وقتل المسلمين، إذ إن الكثير من القادة والسياسيين والمسؤولين عن الأمن يؤيدون هذه الدعوات، خاصة من حزب “بهاراتيا جاناتا” الهندوسي الحاكم الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وقد عزز هذا الحزب منذ وصل إلى الحكم الانقسامات الطائفية وحمى المتطرفين الهندوس وتغاضى عن أفعالهم ضد المسلمين.
وفي مدينة هاريدوار الواقعة شمال الهند، وهي أحد الأماكن المقدسة لدى الهندوس، دعا رهبان هندوس للعنف ضد الأقلية المسلمة، وروجت خطاباتهم “لقتل مليونين منهم”، كانت هذه الدعوات أمام آلاف الهندوس، وحضرت الشرطة إلى المعبد الهندوسي مكتفية بتحذير الرهبان من تكرار خطاب الكراهية.
ومنذ عام 2014 حتى 2020، سُجّل في الهند 652 اعتداءً على المسلمين لهويتهم الدينية، في الحافلات والقطارات والطرق العامة، قُتل خلالها 146 مسلمًا على الأقل.
وطوال سنوات حكم حزب رئيس الوزراء مودي، شهدت الهند تحريضًا كبيرًا ضد المسلمين، كما أن الحكومة شاركت بأعمال تمس المسلمين مباشرة، فألغت تصاريح أكثر من 25 ألف جمعية ومنظمة مجتمع مدني تتلقى الأموال من الخارج، وكلها مؤسسات إسلامية وحقوقية، كما أدخلت على المناهج الدراسية نصوصًا عن ماضي “الهندوس الذهبي”، مقابل حذف نصوص عن الحكم الإسلامي على مدى قرون، بالإضافة إلى تغيير أسماء مئات المدن والقرى والشوارع إلى أخرى هندوسية، رغم أن تلك الأسماء كانت بناءً على أن المسلمين هم الذين أنشأوا هذه المدن والقرى.
ولا ننسى أن الحكومة نزعت جنسية ملايين المسلمين الهنود بالادّعاء أنهم مهاجرون غير شرعيين من بنغلاديش، وكان وزير الداخلية الهندي أميت شاه، قد وصفهم بـ”الدخلاء والنمل الأبيض”، وأعلن أنه “سيرمي بهم في خليج البنغال”، وإمعانًا في تكريس حالة الكره ضد المسلمين دشن رئيس الوزراء مودي حجر الأساس لمعبد فخم على أرض مسجد “بابري” بمدينة أيوديا بولاية أوتار براديش كان الهندوس قد هدموه قبل 30 عامًا.
المجزرة مستمرة
وعلى مرأى ومسمع حكومي عانى المسلمون خلال عشرات السنين الماضية من العنف الهندوسي، حيث قتل المتطرفون الهندوس آلاف المسلمين في مجازر كبيرة حصلت في مختلف الولايات الهندية، وفي تقرير على “نون بوست“، كنا قد ذكرنا حجم المعاناة التي يعاني منها المسلمون في الهند، وذكرنا أبرز المجازر التي حصلت بحقهم.
ففي عام 1983، شهدت ولاية آسام ذات الحضور المسلم الكبير مذبحة وراح ضحيتها 1800 مسلم بقرية نيلي، وكان معظم الضحايا من النساء والأطفال الذين لم يتمكنوا من الفرار أمام هجمات المتطرفين الهندوس، كما تعرضت مدينة غوجارات الهندية لهجمات المتطرفين حيث قتل في أعوام مختلفة أكثر من 3000 مسلم، وقُتل أكثر من ألف شخص في بهالجالبور، بسبب عمليات استعراض القوة التي قام بها نشطاء من حركة “في إتش بي” الهندوسية، لتخويف الأقليات المسلمة.
كما تسببت مذبحة هاشيم بورا عام 1987 بمقتل 42 شابًا مسلمًا بولاية أوتار براديش، بأحداث عنف كبيرة، وجمعت الشرطة الشبّان ونقلتهم عبر شاحنة وأطلقت عليهم النار وألقت جثثهم في قنوات تصريف المياه، ليعثر على جثثهم عائمة بعد أيام.
إضافة إلى ما سبق، نذكر حادثة مسجد بابري التاريخي في بومباي التي ذهب ضحيتها 900 قتيل مسلم، ارتكبها قوميون هندوس، ويزعم الهندوس أن موقع البناء كان لمعبد “الإله راما” المقدس لديهم، كما حصلت موجة نزوح للمسلمين لمناطق أخرى، ووجهت اتهامات للأمن والاستخبارات، بأنهم كانوا يملكون معلومات وتقاعسوا عن مواجهتها.
أما عن المسلمين، فإن تحركهم يبقى ضعيفًا، لأنهم يقبعون بين فكي كماشة، الحكومة من طرف والهندوس من طرف آخر، وأي حالة دفاع عن النفس تعتبر إرهابًا، وبهذه الحالة يحاول الطرفان (الحكومة والمتطرفون) إنهاء المسلمين من الهند، الذين كانوا وعلى مدار قرون حكامًا لهذه الأرض ونشروا فيها العدل والتسامح.