ترجمة وتحرير: نون بوست
من المقرر أن تصل ديون مصر، التي شهدت زيادة حادة في العقد الماضي، إلى مستويات قياسية بنهاية العام، ومع استمرار شعور الأسواق بلسعة جائحة كوفيد 19 والتأثير المتتالي لحرب روسيا على أوكرانيا، فإن هذا لن يؤدي إلا إلى زيادة المتاعب لاقتصاد البلاد. ومن المقرر أن يستغرق التعافي سنوات؛ وسيكون على عشرات الملايين من المصريين تحمل العبء الأكبر مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية. هنا؛ يجيب موقع “ميدل إيست آي” على أسئلة رئيسية حول كيفية تطور أزمة الديون في مصر وما تعنيه بالنسبة لاقتصاد البلاد.
ما هي أحدث الإحصاءات عن ديون الحكومة المصرية؟
بنهاية السنة المالية 2020/2021، بلغ إجمالي ديون مصر 392 مليار دولار، ويشمل ذلك 137 مليار دولار من الديون الخارجية، وهو أعلى بأربع مرات مما كان عليه في عام 2010، 33.7 مليار دولار، ويشمل أيضًا ديونًا داخلية بقيمة 255 مليار دولار، وفقًا للبنك المركزي المصري، أي ما يقرب من ضعف الدين المحلي في عام 2010.
كشفت الأرقام الصادرة عن “ديلي نيوز إيجيبت” الأسبوع الماضي أيضًا أنه من المتوقع أن تقترض الحكومة 634 مليار جنيه مصري (34 مليار دولار) من السوق المحلي في الربع الأخير من العام المالي 2021/2022.
تجدر الإشارة إلى أن الدين الخارجي ينمو بسرعة منذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في عام 2014؛ فقد بلغ 46.5 مليار دولار في عام 2013، ثم انخفض إلى 41.7 مليار دولار في عام 2014 قبل أن يعود للارتفاع مرة أخرى في السنوات التالية ، ليصل إلى 84.7 مليار دولار في عام 2016، و100 مليار دولار في عام 2018، و115 مليار دولار في 2019.
وتبلغ نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي الآن 33.9 بالمائة، وهي نسبيًّا ضمن حدود آمنة وفقاً للمعايير الدولية التي تعتبر النسبة آمنة طالما أنها أقل من 60 بالمائة. ومع ذلك؛ عند إضافتها إلى الدين المحلي، الذي كان 79.4 مليار دولار في نهاية السنة المالية 2012/2013 والآن 255 مليار دولار، تصبح نسبة إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 89.84 بالمائة، أعلى بكثير من الحدود الآمنة.
في عام 2021، احتلت مصر المرتبة 158 من 189 دولة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي والمرتبة 100 في نصيب الفرد من الديون.
في كانون الثاني/ يناير؛ كانت نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي 91.6 بالمائة؛ ارتفاعا من 87.1 بالمائة في 2013، وتقول الحكومة إنها تأمل في خفض نسبة إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 85 بالمائة في السنوات الثلاث المقبلة. ومع ذلك، يبدو أنه من الصعب تحقيق هذا الهدف، بالنظر إلى خطط القاهرة لاقتراض 73 مليار دولار إضافية من خلال مبيعات السندات هذا العام.
جاء معظم الدين الخارجي بين عامي 2013 و2022 من بيع السندات في السوق الدولية، كما جاء من الاقتراض من المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، والبنوك الدولية.
تم تكبد معظم الديون الداخلية بسبب الاقتراض الحكومي من البنوك المحلية، ووفقًا لشركة التصنيف “ستاندارد أند بوروز”، من المقرر أن تتفوق مصر على تركيا كأكبر مُصدر للديون السيادية في الشرق الأوسط.
وعرض صندوق النقد الدولي على حكومة السيسي قروضًا بقيمة 20 مليار دولار منذ عام 2016، وطلبت القاهرة قرضًا آخر منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية. قروض صندوق النقد الدولي لمصر منذ عام 2016 أعلى بكثير من حصة صندوق النقد الدولي، وبالتالي تفرض رسومًا إضافية على سعر الفائدة، ووفقًا لتقرير صادر عن مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط؛ فقد أصبحت البلاد أكبر عميل لصندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين.
وأعرب خبراء الاقتصاد المصريون عن مخاوفهم من أن يذهب معظم الدين لخدمة الديون القديمة أو سداد الديون؛ حيث قال المحلل الاقتصادي المصري ممدوح الولي لموقع “ميدل إيست آي” إن “الموارد المالية الجديدة تحتاج إلى عوائد تساعد الدولة على سداد الديون والفوائد” مضيفًا: “نحتاج إلى استخدام القروض في إنتاج السلع والخدمات، وليس في سداد الديون”.
وبصرف النظر عن ديونها المتزايدة باستمرار؛ فقد أنفقت الحكومة الجزء الأكبر من عائداتها المتاحة في السنوات الأخيرة على المشاريع العملاقة التي “لها قيمة رمزية وليست اقتصادية”، وفقًا لتقرير بوميد الذي أعده روبرت سبرينجبورج.
وتشمل المشاريع “العاصمة الإدارية الجديدة” التي تبلغ قيمتها 58 مليار دولار في الصحراء خارج القاهرة، ومقتنيات الأسلحة التي لا تعرف قيمتها الحقيقية ولكنها جعلت البلاد من بين أكبر خمسة مشترين للأسلحة في العالم، ومفاعل نووي بقيمة 25 مليار دولار لإنتاج الطاقة في بلد لديه فائض في الكهرباء، وتوسعة سعة قناة السويس بقيمة 8 مليارات دولار والتي لم تولد بعد زيادة ملحوظة في رسوم العبور، حيث ارتفعت إلى 5.8 مليارات دولار فقط في عام 2020 من 5.6 مليارات دولار في عام 2017.
بلغ الإنفاق الإجمالي في ميزانية 2020/2021 93 مليار دولار، ومن هذا المبلغ، خصص 30.7 مليار دولار لخدمة الديون، وذلك فضلًا عن المبلغ المالي الضخم الذي يدخل في دفع رواتب أكثر من ستة ملايين موظف مدني في البلاد “18.2 مليار دولار في ميزانية 2020 / 2021″؛ حيث يترك هذا لبقية الميزانية تغطية الصحة والتعليم والتنمية والخدمات الأخرى.
ويتوقع الاقتصاديون أن يستمر الدين الخارجي والمحلي لمصر في الزيادة في الفترة المقبلة لعدد من الأسباب، فقد سلبت الحرب في أوكرانيا مصر من مصدر مهم للدخل القومي، تحديدًا السياحة؛ حيث أن ما يقرب من ثلث التدفقات السياحية في السنوات الأخيرة كانت من روسيا وأوكرانيا، وقد حقق قطاع السياحة في عام 2019 إيرادات بقيمة 13 مليار دولار.
وتجبر الحرب كذلك مصر على دفع المزيد مقابل وارداتها، وأهمها القمح، الذي جاء ما يقرب من 80 بالمائة منه في سنة 2021 من البلدين المتحاربين.
إجراءات صارمة في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية
في 21 آذار/مارس؛ رفعت مصر سعر الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس وخفضت قيمة عملتها بنسبة 14 بالمائة مع تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا، وكان الهدف هو كبح تدفقات رأس المال الأجنبي إلى الخارج، واستقرار سعر صرف الجنيه المصري ومنع نمو الديون الإجمالية.
بيد أن هذه التحركات أدت إلى ارتفاع صاروخي في أسعار المواد الغذائية في السوق المحلية، مما جر المزيد من المعاناة لعشرات الملايين من الأفراد في بلد يعتمد فيه أكثر من 70 بالمائة من سكانه والذي عددهم يزيد عن 100 مليون نسمة على الحصص الغذائية.
وفي نفس الوقت؛ فإن رفع سعر الفائدة وخفض قيمة العملة لم يمنع رأس المال الأجنبي من الهروب لأسواق أخرى، وهذا هو السبب في أن مصر دعت دول الخليج الغنية بالنفط لإنقاذها، بما في ذلك إيداع مليارات الدولارات في بنكها المركزي لدعم الاحتياطات الدولية وبضخ الاستثمارات للسوق المصرية.
بيد أن الحلفاء العرب اكتسبوا بعض الأصول المادية الموجودة والمربحة والتي تعمل بالفعل، ولن يطلقوا مشاريع جديدة يمكنها أن تزيد الإنتاج الوطني، وهذا يثير القلق بين المصريين الذين يلومون الحكومة على السماح لهذه الأصول المهمة القائمة بالوصول إلى أيدي أجنبية، حتى مع جلبها عائدات للحكومة المصرية.
وأودعت المملكة العربية السعودية بالفعل 5 مليارات دولار في البنك المركزي المصري، وقالت أيضًا أنها ستستثمر 10 مليارات دولار إضافية في البلاد في الفترة المقبلة.
واستثمرت الإمارات العربية المتحدة ملياري دولار في شراء حصة الحكومة في العديد من المشاريع، بما في ذلك بنك رئيسي وشركة أسمدة.
وقالت قطر إنها ستستثمر 5 مليارات دولار في مصر في السنوات المقبلة، دون تحديد نوع الاستثمار.
ما الذي يحدث للاحتياطيات الأجنبية؟
وأثرت الحرب أيضًا على الاحتياطات الأجنبية، والتي كانت أقل بقليل من 41 مليار دولار في نهاية شباط/فبراير هذه السنة، ثم انخفضت بنحو 4 مليارات دولار في آذار/ مارس لتصل إلى 37.082 مليار دولار.
وكانت جائحة كوفيد 19 بالفعل قد كبحت نمو احتياطيات مصر من العملات الأجنبية قبل أن تجعل الحرب في أوكرانيا الأمور أكثر سوءًا؛ حيث انتكست التدفقات السياحية من روسيا وأوكرانيا وارتفعت تكلفة الواردات الغذائية، بما في ذلك في شكل ارتفاع رسوم النقل والتأمين.
ودعا الاقتصاديون لتقليل الواردات وزيادة الصادرات وإيجاد أسواق سياحية جديدة لتعويض الخسائر الناجمة من الحرب في أوكرانيا؛ حيث قال الخبير الدولي كريم العمدة لـ”ميدل إيست آي”: “إلى جانب هذه الإجراءات؛ سنحتاج إلى تشجيع العمال المصريين في البلدان الأخرى على الاستمرار في التحويلات التي يرسلونها إلى الوطن”، مضيفًا: “ونحتاج أيضًا إلى تحسين وتكبير الإنتاج من أجل زيادة صادراتنا، والتي قيمتها أبعد من أن تكون مرضية”.
وبلغت التحويلات المالية من العاملين المصريين في الدول الأخرى 31.5 مليار دولار في سنة 2021.
ويتوقع الاقتصاديون مثل العمدة زيادة التحويلات هذه السنة مع دول الخليج؛ حيث يعمل ملايين المصريين، مما يحقق مكاسب من ارتفاع أسعار النفط الناجم عن الحرب.
وقد تجاوزت صادرات مصر من السلع الأساسية 30 مليار دولار في سنة 2021.
ما هو التأثير على السكان؟
من المتوقع أن يكون التأثير الاقتصادي للحرب محسوسًا لسنوات عديدة، ومع إحتمال بأن يكون أي انتعاش بعيد المنال، فإن هذا سيترجم إلى معاناة دائمة لعشرات الملايين من المصريين الذين يجدون صعوبة بالفعل في تلبية احتياجاتهم الأساسية، فقد تضاعفت أسعار المواد الغذائية تقريبًا، واضطرت بعض العائلات المصرية إلى التخلي عن عناصر أساسية تلو الأخرى بسبب هذه الأسعار المرتفعة.
وفي نيسان/ أبريل، قال السيسي أن الأزمة الحالية يمكن أن تستمر لفترة طويلة، وطلب من المسؤولين الحكوميين بذل الجهود لكبح ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وقال: “كمسؤولين في الدولة، نحتاج إلى التواجد على الأرض للاستماع إلى الناس والتحكم في الأسعار”.
وقد قفز معدل التضخم السنوي إلى 12.1 بالمئة في آذار/مارس، ارتفاعًا من 4.8 بالمئة في الشهر نفسه العام الماضي، وفقًا للحكومة.
وقالت الحكومة أيضًا، مشيرة لارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات، وتكاليف النقل والتعليم والفنادق والمطاعم، أن التضخم الحصري ارتفع إلى 10.5 في المائة في آذار/مارس من 8.8 في المائة في شباط / فبراير.
ويقترح الاقتصاديون عددًا من الحلول لتقليل الضغوط على الأشخاص العاديين، بما في ذلك زيادة كمية السلع المعروضة، وفرض ضوابط أكثر صرامة على السوق وتوسيع الحماية الاجتماعية للفقراء.
وقال الخبير الاقتصادي وليد جاب الله لـ”ميدل إيست آي”: “من المهم أيضًا سد فجوات التمويل بطرق تؤدي إلى استقرار سعر صرف الجنيه المصري”، كما تحتاج مصر إلى المضي قدمًا في إصلاحاتها الهيكلية لكبح الواردات وزيادة صادراتها.
المصدر: ميدل إيست آي