تتصاعد موجة الانتقادات ضد الحكومة المغربية التي يرأسها رجل الأعمال الشهير عزيز أخنوش، لكن هذه المرة على خلفية استعانة وزرائها بمؤثّري ومشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، وإنفاق ميزانية خيالية من أجل التسويق لمشاريع حكومية، فيما يبدو أن هذه البهرجة توحي باستراتيجية جديدة في التواصل الحكومي، تمهيدًا للتقليص أو الاستغناء تمامًا عن وسائط الصحافة التي تمارس أدوارًا رقابية ونقدية.
حكومة صامتة
يعاب على حكومة أخنوش حضورها الإعلامي الهزيل، وغالبًا ما يكون منعدمًا عندما تستدعي الضرورة تقديم إجابات ينتظرها الشارع المغربي، حيث لوحظ الغياب شبه المطلق لرئيس الحكومة وأيضًا باقي الوزراء، رغم توالي الاحتجاجات ضد ارتفاع أسعار المواد الأساسية واتخاذ عدد من القرارات المفاجئة، إلى درجة أن أصبح البعض يصفها بـ”الحكومة الصامتة”.
صمت كهذا يبرره أخنوش بأن حكومته تلتزم بالعمل أكثر من الكلام، قائلًا: “نحن نتبنّى العمل أكثر من الحديث، والمواطن يريد رؤية النتائج أكثر من رؤية رئيس الحكومة”، كما أنكر الزيادة في أسعار مواد غذائية كالحبوب والبقوليات والخضار والفواكه واللحوم، بينما اعترف بالزيادة في أسعار المواد النفطية والأولية، مؤكدًا أنها ظرفية فحسب بسبب جائحة فيروس كورونا.
لكن أسعار الوقود واصلت ارتفاعها، وتجاوز سعر الغازوال ثمن البنزين في سابقة من نوعها، حيث أصبح اللتر الوحد منه يباع بأكثر 15 درهمًا (دولار ونصف تقريبًا) في محطات الوقود، بما فيها مجموعات “أفريقيا” التي تشكّل أكبر شبكة توزيع محروقات في المغرب بأزيد من 500 محطة، وهي تابعة لشركة “أكوا” القابضة التي يمتلك عزيز أخنوش حصة الأغلبية فيها.
كاره النقد
لقد تضاعفت ثروة أخنوش وعائلته خلال سنتَين بنسبة 100% رغم جائحة كورونا، حيث انتقلت من مليار دولار خلال عام 2020 إلى ملياري دولار خلال عام 2022، وفق تقديرات مجلة “فوربس” التي بوّأت رئيس الحكومة المغربية المرتبة 13 ضمن قائمة أغنياء القارة الأفريقية.
لا يحب أخنوش أن تنتقده الصحافة، وهي بدورها لا توجّه ذلك النقد اللاذع له، مثلما كانت تفعل في عهدَي الحكومة الأولى والثانية لحزب العدالة والتنمية، بقيادة عبد الإله بنكيران وخلفه سعد الدين العثماني، لأن الرجل الملياردير يمتلك مفتاح صنبور الإعلانات الذي تعتمد عليه وسائل الإعلام لاستمراريتها، كما أن له علاقات قوية مع شركات عديدة، من شأنها أن تستجيب لمطالبه بسحب إعلاناتها من أي مؤسسة إعلامية تصوّب سهام النقد نحوه.
تلميع وتطبيل
مؤخرًا، قامت وزارة السياحة بالترويج لمشروع “فرصة”، مستدعية عشرات النشطاء المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي، بمن فيهم الذين ينشطون في مجالات الكوميديا والموضة والفن، وقد نشرَ بعضهم مضامين ما راجَ في ذلك اللقاء على صفحاتهم.
لم يكن معهودًا للحكومة سابقًا أن تستعين بـ”مؤثّري مواقع التواصل الاجتماعي”، فالتواصل الحكومي يستدعي ضرورة أن يكون ضمن الوسائط الصحفية المعهودة، لكن الاعتماد على أشخاص غير متخصّصين في التدبير السياسي، فقط لأنهم يمتلكون على صفحاتهم قدرًا محترمًا من المتابعين، يسحبُ من الحكومة مصداقيتها، ما دامت تسعى فقط إلى من يلمّع صورتها ويطبّل لها دون نقد أو محاسبة.
المشروع الذي خُصِّص له غلاف مالي قدره 1.25 مليار درهم (أزيد من 126 مليون دولار) لعام 2022، يكلّف الترويج له 23 مليون درهم، أي أن أزيد من 2.33 مليون دولار سوف تذهب في معظمها إلى جيوب ما يوصف بـ”المؤثرين”، الذين اعتبرتهم وزارة السياحة شركاء أساسيين في إنجاح “فرصة”، وهو مشروع يهدف إلى تمويل حاملي الأفكار المقاولاتية على إحداث مشاريع خاصة بهم.
خلال الحفل الذي أعلنت الوزارة فيه إطلاق المشروع، كان هناك العشرات من “المؤثرين”، حيث تقاضى كل واحد منهم مكافآت مالية بأزيد من 2000 دولار مقابل نشر تغريدات على صفحاتهم.
في السياق نفسه، راجت وثيقة على أنها نسخة من عقد مفترض أبرمته الشركة المكلفة بالتسويق لبرنامج فرصة مع أحد المؤثرين المدعوّين لحفل إطلاق البرنامج، وينصّ على تلقي الطرف الثاني مبلغ 300 ألف درهم (30 ألف دولار) مقابل إنتاج فيديو، على أن يتوصل المؤثر بـ 60% منها مسبقًا، ويتوصل بـ 40% بعد نشر الفيديو على قناته في موقع يوتيوب.
ماكينة مالية
في وقت سابق، قام وزير التربية الوطنية، شكيب بنموسى، باستدعاء بعض الشخصيات المعروفة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة إنستغرام، إلى اجتماع قيل إنه لدراسة مختلف مشاكل التعليم، في الوقت الذي يعاني فيه القطاع من أزمة إضرابات تعود إلى سنوات، بعدما اتجهت الوزارة إلى توظيف المدرّسين بموجب عقد، فيما يطالب هؤلاء المدرّسون بإدماجهم في نظام الوظيفة العمومية، وترفض الوزارة المعنية أن تجلس معهم على طاولة الحوار.
الواضح أن وزير التعليم كان يعلم جيدًا أن اجتماعه مع “مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي” لن يؤدّي إلى خلاصات وحلول سحرية لمشاكل القطاع الحيوي، لكنه كان بالفعل يبتغي أن يعلم متصفّحو إنستغرام بأن هناك اجتماعًا قد عُقد، وكفى.
يقول رأي آخر إن المواطن بدأ يغادر رحاب الصحافة، التي لم تعد تقوم بدورها، إلى منصات التواصل الاجتماعي، إذ يبدو ذلك واضحًا من خلال زيادة عدد المتابعين لهذه المنصات، حتى أن المنابر الإعلامية التقليدية أصبحت تستمثر ماليًّا لكي تحافظ على موطئ قدم في فيسبوك ويوتيوب، الأكثر تداولًا في المغرب.
في عهد حكومتَي العثماني وبنكيران، كانت الصحافة تشنُّ حملات ضدّ رئيسَي الحكومة وباقي وزراء الحزب الإسلامي، لكن حدّة الخطاب النقدي تراجعت الآن، بل كادت تختفي، أو أنها أصبحت تحتفي بمشاريع أخنوش التي لا تزال على الورق فقط، مثل برنامجه الانتخابي.
أخنوش، ومن معه من وزراء حكومة رجال الأعمال، يمتلكون “ماكينة مالية” تمكّنت من استقطاب معظم المؤسسات الإعلامية التي تعتمد على الإعلانات، فيما هناك وسائل إعلامية أخرى كانت تستعدّ لهذه المرحلة، من خلال الترويج لرجل الحكومة القادم أخنوش، كما كانت تحمي مصالحه الاقتصادية.