تتضاعف أوضاع السوريين المعيشية والإنسانية سوءًا مع تعقّد مسارات الحل في سوريا، ومرور أكثر من عقد على عمر الثورة السورية التي انطلقت عام 2011 ضد نظام الأسد، الذي سخّر كل إمكانات ومقدرات وموارد الدولة السورية خدمةً لآلته العسكرية والأمنية التي حصدت أرواح مئات آلاف السوريين وهجّرت نصف سكان سوريا، مستعينًا بميليشيات وقوى أجنبية (إيرانية وروسية) بغية كسر إرادة وعزيمة الشعب السوري، وإخضاعه لحكمه الاستبدادي التعسفي.
فاقمَ هذا بدوره الوضع الإنساني والاقتصادي المتردّي، وكبّد القطاعات الاقتصادية السورية المختلفة خسائر باهظة، مع ما رافقَ ذلك من دمار واسع ممنهَج حلَّ بالبنية التحتية والبنى السكنية للبلاد، وتعطيل حركة التجارة والصناعة والإنتاج، وتوقُّف عمليات الاستيراد والتصدير، وهروب الكفاءات واليد العاملة وأصحاب رؤوس الأموال من الصناعيين والتجّار إلى خارج البلاد.
هذا فضلًا عن فرض عقوبات اقتصادية دولية صارمة أنهكت ما بقيَ من الاقتصاد السوري المتهالك أساسًا، وتسبّب في نتائج كارثية على المستويَين الفردي والجمعي في عموم المناطق السورية.
تحاول الماكينة الإعلامية لنظام الأسد ومن خلفها حلفاء النظام، الإيرانيين والروس، ومؤيّدوه تحميل مسؤولية الانهيار الاقتصادي لأسباب خارجية، لا سيما العقوبات الاقتصادية الغربية التي شدّدت الخناق على قواعد وأصول الاقتصاد السوري، والتهرُّب من الاعتراف بالإخفاق أو المسؤولية تجاه ما يحدث، متجاهلين الأسباب الحقيقية التي تقف خلف هذا الواقع الاقتصادي المرير وتردّي الأوضاع المعيشية التي يعيشها السوريون.
وفي سبيل التعريف بجزء من معاناة السوريين وواقع الحياة الإنسانية والاقتصادية، والوقوف على أهم أسباب تمدُّد رقعة الفقر الذي ينهك مختلف مكوّنات الشعب السوري؛ يأتي هذا التقرير كمحاولة لتقديم صورة عن الواقع الاقتصادي، وبناء استشراف أولي حول مستقبل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا.
الاقتصاد السوري قبل عام 2011
لم يكن الحال الاقتصادي في سوريا قبل اندلاع الثورة السورية يسير صعودًا على خطى ثابتة، بل برزت حالة من الخلل والضعف في رسم وتنفيذ الخطط الاقتصادية، نتيجة السياسات الاقتصادية غير المتوازنة والفاشلة التي اعتمدها نظام الأسد في السنوات السابقة لعام 2011، فضلًا عن استشراء الفساد في كل مؤسسات الدولة وق
ورغم تنوع القطاعات الاقتصادية السورية بين زراعة وصناعة استخراجية وتحويلية وخدمات سياحية وصادرات وواردات وخليط من عوامل القوة الذاتية للاقتصاد، كوجود رجال أعمال بارعين ويد عاملة ماهرة، إلا أن عدم بناء الاقتصاد أساسًا على قواعد صلبة، فضلًا عن أن إدارته لم تكن وفق سياسة واضحة، وإنما كان يقبع تحت سيطرة بضعة أشخاص مقرّبين من الدائرة الحاكمة، كحال أي حكم عسكري استبدادي يهيمن على المجتمع بكافة جوانبه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، إضافة إلى حجم الفساد المستشري داخل أروقة القطاعات الاقتصادية؛ كل ذلك أهدرَ تلك الطاقات وحوّل الاقتصاد السوري إلى اقتصاد معتمِد بشكل كبير على المساعدات الخارجية (خاصة من دول الخليج).
وكان لهذا ارتدادات وآثار واضحة على معدلات الفقر العام التي ارتفعت عام 2007 إلى 33.2%، وفق خط الفقر الوطني، بعد أن سجّلت 14.26% عام 1997 و11.39% عام 2004، أي أن نحو 6.7 ملايين سوري كانوا يعيشون تحت خط الفقر عام 2007.
وقد أشارت دراسة خارطة الفقر الصادرة عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة عام 2004، إلى أن “معدل انتشار الفقر بشكل عام في المناطق الريفية بلغ 62%، وهي نسبة أعلى من المناطق الحضرية، وبلغ عدد المواطنين الذين لم يتمكّنوا من تغطية احتياجاتهم الأساسية من المواد الغذائية وغير الغذائية في سوريا عام 2003-2004 قرابة 2.02 مليون فرد (11.4% من السكان)، وارتفع الفقر الإجمالي في سوريا إلى 30.12% ليشمل 5.3 ملايين شخص”.
وأكّدت الدراسة أن “النمو الاقتصادي” الذي حقّقته البلاد لم يخدم الفقراء، وإنما استفاد منه غير الفقراء، حيث كانت حصة الشريحة الأدنى اقتصاديًّا، والتي تشكّل 20% من مجموع السوريين، ما قيمته 7% فقط من معدل الإنفاق الحكومي، في حين كانت استهلاك الشريحة الأكثر ثراءً من السوريين -والتي بلغت 20% من مجموع السوريين- ما قيمته 45% من إجمالي الإنفاق.
فيما قدّرت عدة دراسات أن أكثر من نصف سكان سوريا كانوا تحت خط الفقر، حيث ذهبت النشرة التنموية الاقتصادية الخاصة بالمؤشرات الربعية للربع الأخير من عام 2011، الصادرة عن مديرية دعم القرار في رئاسة مجلس الوزراء، إلى ارتفاع معدل البطالة وفقًا للشرائح العمرية بين الشباب، من الشريحة العمرية 15-24 عامًا، إلى 35.8% عام 2011 مقابل 20.4% عام 2010، بنسبة زيادة سنوية بلغت حوالي 75.5%.
إضافة إلى ارتفاع معدل البطالة أيضًا على المستوى التعليمي في فئة الأمّيين من 4.7% عام 2010 إلى 19.2% عام 2011، أي نسبة زيادة سنوية بلغت حوالي 308.5%، وازداد في فئة القادرين على القراءة والكتابة من 9.4% عام 2010 إلى 20.4% عام 2011 بنسبة زيادة سنوية بلغت حوالي 117.2%، لتستقرَّ معدلات الفقر على 28% عام 2010، ما يعتبر مؤشرًا قويًّا يؤكد فشل النظام في إدارة الملف الاقتصادي ومسار التنمية في سوريا حتى قبل اندلاع الثورة.
الواقع الاقتصادي بعد الثورة.. تمدُّد رقعة الفقر وتضاعف المعاناة
مع انطلاق الثورة السورية وتغيير ديناميتها من السلمية إلى حمل السلاح، كنتيجة حتمية لمواجهة الآلة الحربية والأمنية والعنف الوحشي من قبل النظام، وتصاعُد عمليات الاعتقال والانتهاكات بحقّ الشعب الأعزل؛ دخلَ الاقتصاد السوري مرحلة الانهيار المتسارع التي طالت معظم القطاعات الاقتصادية، ودُمِّرت الموارد والقدرات السورية الإنتاجية، وفقدَ الملايين من السوريين أعمالهم ووظائفهم، وانخفضت معدلات الدخل وارتفعت معدلات الفقر.
فقد أعلنت منظمة الصحة العالمية “أن نحو 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر”، وذلك مع تصدُّر سوريا قائمة الدول الأكثر فقرًا في العالم، بنسبة بلغت 82.5%، بحسب بيانات موقع World By Map العالمي.
كما صنّف موقع Numbeo دخل الفرد في سوريا بأنه الأدنى في العالم، إذ يتراوح متوسط دخل الفرد في سوريا عام 2021 حوالي 768 ألف ليرة سنويًّا، وهو ما يعادل 305.73 دولار (وفقًا للسعر الرسمي للدولار في سوريا)، وصنّف تقريرٌ لصندوق السلام العالمي سوريا في المركز الثالث في مؤشر الدول الهشة أو الفاشلة وأخطر بلد في العالم.
فيما أعلنَ برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن “12.4 مليون شخص في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي في 2021، بزيادة قدرها 124% عن عام 2020، بالإضافة إلى تعرُّض 1.8 مليون مواطن سوري آخر لخطر الوقوع في انعدام الأمن الغذائي”، كما اعتبر المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، أن “9 من كل 10 أشخاص في سوريا يعانون الفقر”.
في الأسباب
ويمكن عزو هذا السقوط الاقتصادي المدوي، والذي أدّى بدوره إلى تأزُّم الوضع الإنساني والمعيشي إلى جملة من الأسباب، لعلّ أهمها:
1- الخسائر الاقتصادية التي أصابت مختلف قطاعات الاقتصاد السوري؛ إذ أشار تقرير أعدّته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا”، بالتعاون مع مركز الدراسات السورية في جامعة سانت أندروز، المعنوَن بـ”سوريا بعد 8 سنوات من الحرب“، إلى أن “سوريا تكبّدت خسائر اقتصادية مباشرة وغير مباشرة قدِّرت بنحو 442 مليار دولار بين عامَي 2011 و2019”.
وذهب تقرير أعدّه “المركز السوري لبحوث السياسات” إلى أن “تقديرات الخسائر الاقتصادية للنزاع حتى نهاية عام 2019 بحوالي 530.1 مليار دولار، ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 بالأسعار الثابتة.
ويكمل التقرير: “يشمل هذا الرقم الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي البالغة 420.9 مليار والزيادة في الإنفاق العسكري بحوالي 37.8 مليار، والأضرار التي لحقت بمخزون رأس المال وقدرها 64.6 مليار، إضافة إلى الإنتاج غير الرسمي للنفط والغاز المقدَّر بـ 9.9 مليارات”.
وكشف فريق “منسقو استجابة سورية” في تقريره الأخير لعام 2022، أن “قيمة الخسائر الاقتصادية في سوريا قد تجاوزت 650 مليار دولار أميركي منذ مطلع الثورة في 18 مارس/ آذار 2011، وأن نسبة السوريين تحت خطر الفقر وصلت إلى 91%، إضافة إلى أن عدد السوريين الذين وصلوا إلى مرحلة المجاعة قد وصل إلى 3.3 ملايين نسمة”.
2- تجيير نظام الأسد موارد البلد لصالح عملياته العسكرية والأمنية، وإصراره على الحل العسكري الصفري، أدّيا إلى مزيد من الضغوط على الاقتصاد السوري الهشّ، وتحوّله إلى اقتصاد حرب يدعم الآلة الحربية/ الأمنية للنظام.
3- استخدام النظام موارد سوريا الاقتصادية وثرواتها الطبيعية والباطنية كوسيلة لتسديد ديونه لحلفائه الروس والإيرانيين، عبر تصديقه على عقود استثمار طويلة الأمد بشروط مجحفة، وذلك مقابل دعمهم الكبير له لبقاء حكمه، فخسرت البلاد الكثير من أصولها الاقتصادية وثرواتها، ومُنح كل من روسيا وإيران سيطرة شبه كاملة على معظم مصادر الطاقة والموارد الطبيعية.
4- العقوبات الاقتصادية الجاثمة على مفاصل الاقتصاد السوري، والتي تلعب دورًا هامًّا في تسريع وتيرة الانهيارات الاقتصادية، وتؤثر بشكل سلبي إلى حدٍّ ما على الوضع المعيشي السوري.
5- فشل النظام في تبنّي سياسة اقتصادية قادرة على تحمُّل تبعات هذا التراجع والتدهور، وتركيزه بدلًا من ذلك على الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة، حيث نشطت تجارة المخدرات بشكل غير مسبوق في الأعوام الأخيرة، وتمَّ فرض قيود قانونية وبيروقراطية وتعقيدات على المستثمرين وعلى حركة السحوبات المالية، وفرض مزيد من الضرائب، ما أدّى إلى خروج من بقيَ من المستثمرين وأصحاب الأموال من البلاد.
6- انتشار الفساد بأشكاله المختلفة (الأخلاقي، السياسي، المالي والحكومي)، وتغلغله في جنبات الحياة الاقتصادية في معظم المؤسسات الحكومية، حيث حلّت سوريا في المرتبة 178 كأكثر دولة فسادًا، وفقًا لتقرير خاص لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2021، الذي يرصد حالتَي الفساد والشفافية في 180 دولة حول العالم، بتقييم 100/13، وبتراجُع قدره 13 نقطة عن تقييمها عام 2012.
7- تأثير بعض الأزمات الدولية والإقليمية المستجدّة على سوريا، حيث كان لتدهور الأوضاع الداخلية والسياسية والاقتصادية في لبنان أواخر عام 2019 أثر مباشر على الاقتصاد السوري، نظرًا إلى ارتباط الاقتصاد السوري بلبنان عبر الإيداعات في المصارف اللبنانية، والتشابك الحاصل بين الجهازَين المصرفيَّين في البلدَين، على اعتبار لبنان بوابة لتنفيذ صفقات واستيراد سلع ومستلزمات إنتاجية.
وترافقَ ذلك مع تنامي آثار جائحة كورونا التي هزّت اقتصادات دول العالم، وكان لها تداعيات سلبية مباشرة على الاقتصاد السوري، إذ قدِّرت الخسائر بنحو 1000 مليار ليرة سورية شهريًّا، هذا عدا عن الغزو الروسي لأوكرانيا الذي – بدوره – ألقى بثقله على اقتصاد سوريا وإن كان من غير الواضح بعد حجم التأثر.
8- الجفاف المستمر والمتفاقم بسبب سياسات إدارة المياه في المنطقة، بالإضافة إلى تدهور الأمن الغذائي الذي تفاقم بسبب ارتفاع أسعار الغذاء العالمية، وتراجُع الدعم الإنساني من المانحين الدوليين، الأمر الذي يهدِّد بتفاقم الأزمة الاقتصادية بحسب بعض الدراسات، واستمرار انحدار الظروف المعيشية للسوريين.
9- تحوّل الاقتصاد السوري إلى ما يُعرف بـ”اقتصاد النزاع“، الذي يُدار بشكل لا مركزي وغير متّسق ومستقل، ويقوم على نهب وسلب الثروات الخاصة والعامة والموارد الطبيعية وتوزيعها على أمراء الحرب والفئات المستفيدة من الصراع.
ويمكننا القول إن المشهد الاقتصادي السوري فقدَ صفته الإدارية المركزية مبكّرًا مع فقدان النظام السيطرة على أجزاء واسعة من المحافظات السورية، وعلى كثير من المعابر الحدودية شمال سوريا وشرقها، وساعدَ ذلك في نشوء اقتصادات متعددة تُدار محليًّا، وتشكّلت حدود اقتصادية فاصلة بين القوى المسيطرة، ما مزّقَ الاقتصاد السوري وزاده هشاشة وتشظيًا، وأصبح أكثر عرضة للهّزات والتقلبات الاقتصادية المختلفة.
ولا يختلف الواقع الاقتصادي والمعيشي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، في ظلّ تزايد الاحتياجات الإنسانية وتراجُع تمويل المساعدات الإنسانية وغياب الموارد وحالة عدم الاستقرار، في الوقت الذي يعيش قرابة 80% من سكان الشمال الغربي المحرر في سوريا (البالغ عددهم 6.7 ملايين نسمة تقريبًا) على المساعدات الإنسانية.
حيث كشف تقرير أعدّه فريق “منسقو استجابة سوريا” عام 2021 عن الأوضاع الإنسانية في مناطق شمال غرب سوريا، أن “معدلات الفقر وصلت إلى مستويات قياسية، متجاوزةً الـ 90%، وأن أعداد الأسر التي خفّضت عدد الوجبات الأساسية وصلت نسبتها إلى 65%، في حين وصلت ضمن المخيمات إلى 89%”.
وينطبق الأمر هذا نوعًا ما على مناطق سيطرة “قسد” شمال شرقي سوريا، والتي يعيش فيها قرابة مليوني شخص، ليعلن المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، مؤخرًا أن “حوالي 14.6 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية في سوريا هذا العام (2022)، بزيادة قدرها 1.2 مليون شخص أو 9% عن العام الماضي”.
مستقبل المشهد الاقتصادي العام في سوريا
يبدو من الصعوبة بمكان تحقيق تغيير سريع في المدى القريب للحالة الاقتصادية السورية، نظرًا إلى بقاء الأسباب الحقيقية، الداخلية والخارجية، والموانع السياسية التي تقف حائلًا أمام أي خطوة تنموية تعمل على إصلاحٍ متكامل بعيد المدى لمختلف القطاعات والمؤسسات السورية.
وخلال حديثه عن مستقبل الوضع الاقتصادي والإنساني السوري، ذهب المستشار الاقتصادي الدولي د. أسامة القاضي إلى أنه “من الضروري بمكان عند الحديث عن الاقتصاد السوري، أن نأخذ بعين الاعتبار أنه بات في سوريا حاليًّا 3 مناطق نفوذ و3 أنظمة اقتصادية مقسّمة بين أولًا منطقة النفوذ الروسي (مناطق نظام الأسد)، حيث الإدارة الاقتصادية السيّئة مع التعاطي العسكري والأمني مع الشأن الاقتصادي، ما يؤدي إلى تفشي الفساد وضياع الموارد الوطنية المتبقية”.
مؤكّدًا على أنه “لم يعد هناك مؤسسات اقتصادية حقيقية في مناطق النظام، ما أدّى إلى فقر أكثر من 90% من الشعب السوري وظهور أزمات متلاحقة من كهرباء ووقود”، معتبرًا أن “هذه الأزمات ستظل تلاحق ما تبقّى من اقتصاد للمجموعة البشرية المتواجدة في مناطق النفوذ الروسي، وهي من سيّئ إلى أسوأ، وتعافيها شبه مستحيل ضمن الظروف الحالية”.
وتابع القاضي الحديث بالقول: “أما فيما يتعلق بمناطق النفوذ التركي (شمال غرب سوريا) والنفوذ الأمريكي (شرق سوريا)، فلا يبدو أن الوضع أكثر تفاؤلًا، في ظل غياب كبير للمؤسسات المرجعية القضائية والقانونية وحضور حكومة حقيقية تدير جنبات الاقتصاد”.
ولا يبدو أن عودة الحياة الاقتصادية في سوريا ممكنة في ظل ما تشهده الساحة السورية من “تجميد/ تعليق” للحل السياسي، وتردي الواقع الأمني في عموم المناطق السورية، إذ يرتبط تجدُّد النشاط الاقتصادي في مختلف القطاعات الاقتصادية ارتباطًا وثيقًا كما يبدو بالقدرة على تحقيق استقرار شامل ودائم في كافة المناطق، وهو ما لا يتمّ إلا عبر الوصول إلى حلّ سياسي نهائي للملف السوري ينهي أكبر المآسي في التاريح المعاصر.
وتطرّق القاضي إلى هذا الأمر في حديثه لـ”نون بوست”، حيث أشار إلى أنه “لا يبدو أن هناك تعافيًا اقتصاديًّا سوريًّا يلوح في الأفق، ما لم يكن هناك صفقة سياسية أو حل سياسي دولي، بحيث يعرف صاحب السلطة التنفيذية في منطقة النفوذ ما هي مسؤولياته وما هي حدود منطقته التي يستطيع أن ينهض بها”.
ومع حالة الانسداد السياسي التي تشهدها البلاد، تلوح في الأفق بعض الهوامش والمساحات التي يمكن من خلالها تحسين الواقع الإنساني والتخفيف من الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية، وهو ما عبّر عنه القاضي بـ”ضرورة العمل على صياغة تصور ينبع من أهداف ورؤية استراتيجية طويلة المدى، وعدم الاقتصار فقط على الحلول الإسعافية التي لن تفلح بحال من الأحوال في تحقيق نهضة اقتصادية أو تعافٍ اقتصادي حقيقي، نظرًا إلى كونها إجراءات طارئة/ مؤقتة”.
في الختام، يبدو من الصعوبة بمكان الحديث عن تعافٍ اقتصادي قريب المدى مع الحديث عن احتمالية انسداد أفق التنسيق والحوار الروسي الأمريكي في سوريا، متأثرًا بما فرضته الحرب الروسية على أوكرانيا من تداعيات مباشرة على قواعد الصراع العالمي بين الغرب وروسيا، وانعكاس ذلك على تفاعل العلاقة بين الطرفَين في سوريا وحلفاءهم، وبالتالي بقاء الوضع الإنساني على حاله المزري، معلّقًا بمصير العملية السياسية ومقتضيات حل القضية السورية.