حقق مرشح أقصى اليسار الفرنسي جان لوك ميلونشون في الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية مفاجأةً كبيرةً، إذ حل ثالثًا بنسبة 21.95% أي بفارق ضئيل من الأصوات عن مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان التي حلت ثانية خلف الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون، مخالفًا بذلك كل استطلاعات الرأي.
نسبة كبيرة لها أن تمكن أنصار ميلونشون من امتلاك كلمة العبور نحو قصر الإليزيه والتحكم في اسم الفائز بالانتخابات، وهو ما يفسر سعي كل من ماكرون ولوبان لكسب ودّهم وحثهم على التصويت لهم في الجولة الثانية من الانتخابات.
ميلونشون.. الأبرز في اليسار
ميلونشون، مرشح حزب “فرنسا الأبية”، حصد إذن ضعف أصوات جميع مرشحي اليسار الخمس الآخرين، ما جعله الناجي الوحيد من استمرار انحدار اليسار الفرنسي وغوصه في بحر الخلافات منذ سنوات.
حصل مرشح حزب الخضر يانيك جادو على 4.6% من الأصوات، فيما حصل الحزب الشيوعي بمرشحه فابيان روسيل على 2.3%، أما مرشحة الحزب الاشتراكي آن هيدالغو فقد حصلت على 1.7% من الأصوات، ولم يتجاوز فيليب بوتو عن الحزب الجديد لمناهضة الرأسمالية 0.8%، فيما تذيل مرشح حزب النضال العمالي ناتالي آرتو قائمة المرشحين بحصوله على 0.6% من الأصوات فقط.
أكثر من 66% من أنصار ميلونشون سيمتنعون عن التصويت أو سيضعون بطاقات بيضاء في الصندوق أو يبطلون أصواتهم
تقلص الفارق بين ميلونشون ولوبان إلى نحو نصف مليون صوت، أي أنه كان قاب قوسين أو أدنى من كسب رهانه والوصول للدورة الثانية من الانتخابات، إلا أن مرشحة اليمين المتطرف كانت أكثر منهم ذكاءً وفهمًا لانتظارات الناخب الفرنسي.
هذه النتائج من شأنها أن تجعل جان لوك ميلونشون القائد الأبرز لليسار الفرنسي، في ظل الموت السريري للحزب الاشتراكي (حكم فرنسا في أكثر من مناسبة) على يد آن هيدالغو وابتعاد الناخبين عن حزب الخضر ومرشحه يانيك جادو.
وعمل ميلونشون قبيل الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية إلى العمل بمفرده بعيدًا عن باقي مرشحي اليسار، إذ رفض التعاون معهم من أجل تقوية جبهة اليسار، ما جعله محل هجمات باقي مرشحي اليسار واتهامه بمزيد من تقسيمهم.
تنافس بين ماكرون ولوبان
بعد إعلان نتائج الدور الأول وصعود كل من ماكرون ولوبان للدور الثاني، سارع كلا المرشحين لتقوية حملاتهما الانتخابية والتطلع خاصة نحو اليسار لاستقطاب ناخبي جان لوك ميلونشون الرجل الثالث في هذه الانتخابات.
للفوز في الدورة الثانية، يجب على ماكرون ولوبان، إقناع أكبر عدد ممكن من الناخبين اليساريين، وهو ما يفسر توجه ماكرون إلى مولوز وستراسبورغ، وهما مدينتان فاز فيهما جان لوك ميلونشون بنسبة 35-36% من الأصوات في مقابل 21.95% على الصعيد الوطني.
كما توجه ماكرون خلال تجمع انتخابي في مرسيليا، التي حصل المرشح اليساري جان لوك ميلونشون، على أعلى الدرجات بين المرشحين بنسبة 31% من الأصوات في الجولة الأولى مباشرة إلى ناخبي اليسار، متعهدًا بتجديد سياسته “تجديدًا كاملًا”، وتكليف رئيس الوزراء مباشرة في حال إعادة انتخابه، بمهام التخطيط البيئوي، كما أكد أنه استوعب الرسالة الموجّهة خلال الدورة الأولى مع تحقيق جان لوك ميلونشون المدافع عن التخطيط البيئوي نتائج مهمة.
Bonjour, ce tweet est une main tendue aux électeurs de Jean-Luc Mélenchon, aux abstentionnistes et aux jeunes, je vous en prie dimanche #ToutSaufMacron vous n’avez rien à perdre, Macron c’est la casse sociale, le hold up de vos acquis et l’appauvrissement de la classe moyenne.
— julie.b (@leonna_julie) April 18, 2022
بدورها، دعت مارين لوبان ناخبي اليسار إلى “الانضمام إليها”، مشيدة بمشروعها لإحلال العدالة الاجتماعية، وطرحت ابنة جان ماري لوبان ملصقًا انتخابيًا جديدًا كتب عليه “لجميع الفرنسيين”، بهدف تلميع صورتها واستقطاب اليساريين.
وشهدت حملة لوبان تركيزًا قويًا على المواضيع الاجتماعية، بهدف استقطاب ناخبي ميلونشون وحزبه، في هذا الشأن قال المتحدث باسمها سيباستيان شينو: “أقول لناخبي جان لوك ميلونشون كونوا متمردين حقيقيين، لا تنقذوا إيمانويل ماكرون”.
وأظهرت نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة أن الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون، سيتغلب على مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، بحصوله على نطاق يتراوح من 53 إلى 55.5% مقابل 44.5 إلى 47% للوبان في جولة الإعادة للانتخابات الفرنسية.
لمن سيصوت ناخبو ميلونشون؟
يمثل ناخبو جان لوك ميلونشون أكثر من 7 ملايين صوت، يطمع بها إيمانويل ماكرون ومارين لوبان، لكن العديد من ناخبي “فرنسا الأبية” مترددون ولم يقرروا بعد بين الامتناع عن التصويت أو التصويت بورقة بيضاء في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية.
لا يزال غالبية مؤيدي جان لوك ميلونشون يشعرون بالضياع، وهو ما أكده استطلاع داخلي نشرت نتائجه أمس الأحد، إذ قرر أغلب النشطاء المسجلين من أنصار مرشح أقصى اليسار الفرنسي الامتناع عن التصويت أو وضع بطاقات بيضاء في صندوق الاقتراع، بالدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
ووفقًا لنتائج الاستطلاع الذي شارك فيه نحو 215 ألف شخص، قال أكثر من 66% إنهم سيمتنعون عن التصويت أو سيضعون بطاقات بيضاء في الصندوق أو يبطلون صوتهم، فيما قال أكثر من 33% بقليل إنهم سيعطون أصواتهم لماكرون.
ينتظر أن يكون لقرار أنصار جان لوك ميلونشون تأثير كبير في الميزان النهائي لاختيار ساكن الإليزيه
لم يُمنح المشاركون خيار التصويت للوبان، وكان ميلونشون قد دعا أنصاره لعدم التصويت لمارين لوبان لكنه أحجم عن دعوتهم لمنح أصواتهم لماكرون، وقال إن حزبه سيجري مناقشة عامة للمساعدة في توجيه أولئك الذين دعموه.
وتعقيبًا على نتائج التصويت كتب فريق الحملة الانتخابية لميلونشون على الموقع الإلكتروني للحملة: “النتيجة ليست توجيهًا للتصويت لأي أحد.. كل شخص سوف يستخلص من ذلك ما يراه ويعطي صوته لمن يجده مناسبًا”.
تعتبر نتيجة هذا الاستطلاع قريبة جدًا مما حدث سنة 2017، حينها استشار ميلونشون الذي حل في المركز الرابع في الانتخابات الرئاسية بنسبة 19.58% من الأصوات، وقد نتج عن الاستشارة أغلبية صغيرة للتصويت الفارغ أو الباطل (36%)، قبل التصويت لصالح ماكرون (ما يقرب من 35%)، فيما قرر الثلث المتبقي الامتناع عن التصويت.
“Peut-être qu’elle va nous ramener un rayon de soleil” : 16% des électeurs de Jean-Luc Mélenchon prêts à voter Marine Le Pen au second tour: À Valenton, dans le Val-de-Marne par exemple, Jean-Luc Mélenchon a recueilli 54% des voix au premier tour de… https://t.co/yzMyTs5zuy pic.twitter.com/We2FTtRRlp
— Metropolitic Nantes ? Robot de retweet (@MetropoliticBot) April 18, 2022
هذا الاستطلاع لا يعني أن أنصار ميلونشون لن يصوتوا للوبان، فقد أظهرت تقارير عديدة أن جزءًا من ناخبي مرشح أقصى اليسار قرر عدم اتباع توجيهات قائدهم والتصويت لليمين المتطرف في الجولة الثانية بهدف إبعاد ماكرون عن قصر الإليزيه.
ووفقًا لاستطلاع رأي حديث نُشر على موقع “Les Echos“، فإن 28% من ناخبي جان لوك ميلونشون سيصوتون لزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان في الجولة الثانية، بسبب اختلافهم الجوهري مع البرنامج الذي يطرحه ماكرون.
ينتظر أن يكون لقرار أنصار جان لوك ميلونشون تأثير كبير في الميزان النهائي لاختيار ساكن الإليزيه، خاصة أن مؤشرات الجولة الثانية تعدُ بأن تكون أكثر إحكامًا مما كان عليه الوضع سنة 2017 بين المتأهلين للتصفيات النهائية.