ترجمة حفصة جودة
من الصعب إنكار حالة الجمود والإفلاس الأخلاقي لسياسة حكومة المملكة المتحدة بشأن القضية الفلسطينية الإسرائيلية، إحدى الإشارات الواضحة على ذلك، أن اتصالاتها تتميز بتكرار مقزز للعبارات الفارغة، والعبارة المفضلة لديها “الالتزام الحازم بحل الدولتين” الذي يتحقق بالمفاوضات الهادفة بين الطرفين.
في أوقات العنف الواضح مثل الهجوم الإسرائيلي على غزة في مايو/أيار 2021، طالبت حكومة المملكة المتحدة الطرفين كالعادة بضبط النفس، يصاحب ذلك بالطبع عبارة فارغة أخرى تقول إن لـ”إسرائيل” الحق في الدفاع عن نفسها، وعند انتقاد تلك الطريقة، يقول الوزراء عادة عبارة مثل: “موقف الحكومة واضح وثابت طوال الوقت”.
هناك جانب كبير من الصحة في ذلك، فيمكننا القول بالفعل إن موقف الحكومة لم يتغير جوهريًا منذ وعد بلفور عام 1917، لكن مواصلة تلك العبارات المبتذلة حتى عندما تخلت عنها “إسرائيل” لفترة طويلة، يتطلب درجة معينة من البراعة الخطابية.
إذا كانت حكومة المملكة المتحدة تفتقر إلى الشجاعة اللازمة لتقول إنها لا تبالي بمصير الفلسطينيين، لكنها في الوقت نفسه بحاجة للحديث بشكل مناسب أمام القانون الدولي، فكيف تتجنب المطالب التي تدعو إلى محاسبة “إسرائيل” على انتهاكاتها المنظمة والموثقة للقانون الدولي؟
ثم هناك قضية الفصل العنصري المحرجة، كيف تستجيب حكومة المملكة المتحدة لمطالب المراجعة السياسية في ضوء التقارير البحثية الدقيقة التي أصدرتها 4 منظمات كبرى لحقوق الإنسان وتضم أدلة لممارسات الفصل العنصري الإسرائيلية؟ إضافة إلى ذلك، إذا كانت السياسة الرسمية تدعم حل الدولتين، فكيف تبرر رفضها الاعتراف بفلسطين كدولة؟
أدوات خطابية
بحثًا عن أدلة للأدوات الخطابية المستخدمة وما الذي تكشفه، فحصت بعض العبارات التي تحدثت بها وزيرة الشرق الأوسط وآسيا في وزارة الخارجية والكومنولث ومكتب التنمية، أماندا ميلينغ، ردًا على مناقشات وأسئلة بعض البرلمانيين، تتميز تصريحات الوزراء في هذا المستوى عادة بتجنب اتخاذ أي خطوة خارج خط الحزب، وهكذا فربما يكشفون بغير قصد الارتباك والتضارب في المواقف التي يحاولون الدفاع عنها.
كيف تستجيب حكومة المملكة المتحدة لمطالب المراجعة السياسية في ضوء التقارير البحثية الدقيقة التي أصدرتها 4 منظمات كبرى لحقوق الإنسان وتضم أدلة لممارسات الفصل العنصري الإسرائيلية؟
في الاعتراف بدولة فلسطين، تجاهلت حكومة كاميرون القرار الذي مرره مجلس العموم بأغلبية ساحقة، وعند اقتراحه مرة أخرى في 2017 كدلالة مناسبة في الذكرى الـ100 لوعد بلفور، قال بوريس جونسون – وزير الخارجية آنذاك – إن الوقت ليس مناسبًا لاستغلال تلك الورقة.
مؤخرًا، في النقاش البرلماني بشأن الاعتراف الذي عُقد يوم 24 فبراير/شباط، كررت ميلينغ نفس عبارات سلفها في المنصب جيمس كليفيري الذي قال: “المملكة المتحدة ستعترف بدولة فلسطين في الوقت الذي يخدم هدف السلام”، وتابعت قائلة “الاعتراف الثنائي وحده لن يحقق السلام أو ينهي الاحتلال”.
ثم أضافت عبارة أخرى تقول: “لن يتحقق السلام بإجراءات رمزية، بمعنى آخر، اعتراف 138 دولة من أصل 193 دولة في الأمم المتحدة بفلسطين بشكل رمزي ليس له أي قيمة محتملة في تعزيز السلام”.
وإذا تجاهلنا العبارة الختامية التي تقول “عندما يصبح الوقت مناسبًا” التي تعني “عندما تقول “إسرائيل” إنه مناسب”، فما السبب الآخر الذي يدفعهم لرفض اتباع تلك الخطوة التي تتماشى مع سياسة الحكومة المعلنة؟
رد كاشف
تبدو إحدى إجابات الوزيرة المكتوبة مؤخرًا كاشفة، فقد تحدثت عن عدم الاعتراف بفلسطين لتبرير رفض المملكة المتحدة دعم تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي ردها على النائب كريسبن بلانت يوم 31 مارس/آذار، قالت ميلينغ: “المملكة المتحدة داعم قوي للمحكمة الجنائية الدولية ونحن نحترم استقلالية المحكمة، وفي هذا الصدد، لا نعتقد أن المحكمة تمتلك سلطةً قضائيةً لأن المملكة المتحدة لا تعترف بدولة فلسطين”.
لذا بغض النظر عن قرار المحكمة الجنائية الدولية الذي يؤكد أنها تملك سلطة قضائية، يبدو رفض الحكومة الاعتراف بفلسطين سببًا كافيًا لتقويض دعوى المحكمة.
بهذه المناسبة، تجاهلت ميلينغ إضافة تعليق رئيس الوزراء بوريس جونسون المهين في أبريل/نيسان 2021 في خطاب مؤسسة أصدقاء “إسرائيل” من المحافظين، الذي يقول “يعطي قرار المحكمة الجنائية الدولية انطباعًا بهجوم جزئي متحيز على صديق وحليف المملكة المتحدة”.
ومع ذلك، فاستحضار الصداقة لتحييد انتقاد “إسرائيل” ظهر في رد الوزيرة يوم 21 مارس/آذار على النائب ديفيد جونز عندما طالب بتقييم الحكومة للنتائج التي توصل إليها المقرر الخاص في الأمم المتحدة بأن”إسرائيل” تمارس الفصل العنصري.
ردت الوزيرة قائلة: “إننا لانتفق مع استخدام هذا المصطلح، فأي حكم بشأن حدوث أي جرائم خطيرة وفقًا للقانون الدولي هو قرار يخص القضاء وليس الحكومات أو الأجهزة غير القضائية، وكصديق لـ”إسرائيل” فلدينا حوار منتظم بشأن حقوق الإنسان، يتضمن ذلك تشجيع الحكومة الإسرائيلية على الالتزام بتعهداتها وفق القانون الدولي، والقيام بكل ما يلزم لدعم قيم المساواة للجميع”.
مجموعة مراوغات
وهكذا فلدينا مجموعة مترابطة من المراوغات، ونظرًا لأن الهيئة المناسبة لمثل هذا القرار القضائي المحكمة الجنائية الدولية فقط، قررت الوزيرة دون اكتراث أن تستحضرها كغطاء لرفض نتائج الفصل العنصري، فقط لرفضها في مسألة التحقيق في جرائم الحرب ضد الفلسطينيين.
هذا المستوى من النصوص مفيد لتسليط الضوء على فراغ ونفاق موقف الحكومة، تكشف كلمات الوزيرة مدى انهماكها في تحييد أدلة منظمات حقوق الإنسان وصرف أسئلة البرلمانيين الصعبة.
أملنا الوحيد لتغيير تلك الأكاذيب يتمثل في المجتمع المدني والحركة الشعبية العالمية لحقوق الفلسطينيين
رغم أنه أمر فاضح ومخز، فإنه ليس مفاجئًا لأي شخص مطلع على دعم المملكة المتحدة التلقائي لـ”إسرائيل” ورفضها حقوق الفلسطينيين، وتاريخها طويل في ذلك، وحتى إذا حاولت الحكومة اتخاذ موقف أكثر حسمًا بشان الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان أو قررت الخضوع لإرادة البرلمان والاعتراف بفلسطين، فإنها تعلم جيدًا التوبيخ والضغط والإساءة التي ستتبع ذلك.
ولن يأتي ذلك من “إسرائيل” نفسها فقط – ليُظهر أن تلك الصداقة المتبجحة ذات اتجاه واحد – بل أيضًا من مدافعيها الأقوياء داخل المملكة المتحدة، وبدلًا من مقاومة هذه الضغوط، تفضل الحكومة التمسك بحديثها الفارغ عن الحوار والسلام – الذي لا يؤمن به أحد – وفي الوقت نفسه، مواصلة القيام بلا شيء بشأن التطهير العرقي القاسي وسرقة الأراضي والفصل العنصري الذي يحدث بوضوح أمام أعينها.
ربما يتمثل الانتصار النهائي للدبلوماسية الإسرائيلية “هسبرة” في كشف مدافعيها بأمانة وبشكل آلي عن القصة الرسمية التي خدمت خلال الثلاثة عقود الماضية: مثل حل الدولتين، حتى عندما رفضها رئيس الوزراء الإسرائيلي بوضوح، والمفاوضات المباشرة، حتى عندما قال وزير الخارجية الإسرائيلي إنها لن تحدث. هذا التعارض بين الخطاب والواقع لا يثير قلق الحكومة.
مع ظهور أدلة صادمة بشأن ارتكاب روسيا جرائم حرب في أوكرانيا، وتصاعد المطالبات بمحاسبتها وفق القانون الدولي، هل نأمل أن تقود هذه الأجواء إلى المساءلة بشأن إفلات “إسرائيل” من العقاب؟
لكن مع امتلاء الحزب الحاكم بأفراد مجموعة “أصدقاء إسرائيل المحافظين”، بينما تمتلئ صفوف المعارضة الأمامية بمجموعة “أصدقاء إسرائيل من العمال”، فلن أعول على اتساق أخلاقي أو قانوني للحكومة في أي وقت قريب، أملنا الوحيد لتغيير تلك الأكاذيب يتمثل في المجتمع المدني والحركة الشعبية العالمية لحقوق الفلسطينيين.
المصدر: ميدل إيست آي