قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية إن المملكة العربية السعودية دفعت الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى التنحي في 7 أبريل/ نيسان 2022، واحتجزته في منزله بالرياض، وقيّدت الاتصالات معه، مشيرة إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قدّم للرئيس هادي مرسومًا كتابيًّا يقضي بتفويض صلاحياته إلى المجلس الذي أعلن تشكيله.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول سعودي قوله إن “هادي الآن قيد الإقامة الجبرية فعليًّا في منزله في الرياض، دون إمكانية الوصول إلى الهواتف”، فيما نقلت عن مسؤول ثانٍ قوله إن قلة من السياسيين اليمنيين سُمح لهم بمقابلته بموافقة مسبقة من السلطات السعودية.
لكنها في الوقت نفسه نفت على لسان مدير مكتب الرئيس السابق وعضو مجلس القيادة الرئاسي، عبد الله العليمي، أن يكون هادي قيد الإقامة الجبرية، وقال إنه سيحتاج إلى وقت للترتيب للاتصال به، وفقًا للصحيفة، وهو ما يفسِّر الكثير من علامات الاستفهام.
محاولة استباقية
في 1 مارس/ آذار 2022، وقبل أكثر من شهر من تنحيه وتفويض صلاحياته لمجلس قيادة رئاسي جديد، أكّد هادي خلال لقائه بالمبعوث الأممي إلى اليمن، هانز غروندبيرغ، حرصه الدائم نحو السلام وفقًا للمرجعيات، وخياراته “التي لا مناصّ منها” لتحقيق سلام شامل وعادل ومستدام، في إشارة منه إلى تمسُّكه بالرئاسة حتى نهاية الحرب في اليمن.
وخلال المشاورات اليمنية-اليمنية التي دعت إليها السعودية خلال الفترة 30 مارس/ آذار-7 أبريل/ نيسان 2022، أقام هادي مأدبة إفطار دعا إليها الحكومة اليمنية وأنصاره، وتجاهل كافة المكونات السياسية الأخرى الحاضرة في الرياض، ومن ضمنها المقاومة الوطنية وألوية العمالقة والمجلس الانتقالي الجنوبي والحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري وعدد من المستقلين، ما أثار حينها ارتياب المكونات السياسية، التي رأت أن استمراره بهذا النهج لن يغير من التوافق اليمني شيئًا.
عطّلت المبادرة الخليجية غالبية مواد الدستور اليمني، وجعلت القرارات السياسية والسيادية والتعيينات في اليمن بتوافق كافة الأطراف اليمنية
يبدو أن الرجل كان يشعر بمحاولة إقصائه بعد 4 أيام من بدء المشاورات، واجتمع مع المقرّبين منه لمحاولة التأثير على المطالبات التي اتّفق عليها الجميع، بأهمية تصحيح مؤسسة الرئاسة، والدفع بمقترح تعيين نائب توافقي أو نائبَين، وأعلنَ أنه مع أي توصيات تدعم وحدة الصف وتسعى لبناء دولة بمؤسسات وطنية قوية، وتصحيح أي اختلالات، وكانت تلك محاولة استباقية لإجهاض استبعاده من المشهد السياسي.
ورغم تلك المحاولة، إلا أن الاختلال لا يزال قائمًا، وكان ذلك واضحًا من خلال إصراره على البقاء وعدم المساس بمنصبه، وهو ما يؤكّد ما ذهبت إليه صحيفة “وول ستريت جورنال” حول إرغام هادي على التنحي بناء على توافق المكونات الرئاسية في اليمن، فبقاء هادي أصبح عبئًا على الجميع.
كان مطلب تشكيل مجلس رئاسي ملحًّا لبناء توافق يمني جديد، فبعد فشل الشرعية اليمنية في التعامل مع خروقات الحوثي لاتفاق ستوكهولم، ورفض مؤسسة الرئاسة التقدُّم خطوة للإمام نحو الوقوف بجدّية اتجاه تلك الاتفاقية، فقدَ هادي الكثير من القوى السياسية التي كانت حوله، إضافة إلى الإخفاقات التي تعرضت لها قواته في معظم الجبهات على الأراضي اليمنية.
ورغم المطالبات المتكررة بإنشاء مجلس رئاسي لبناء توافق، كانت السعودية ترفض ذلك، وحرصت أكثر من مرة على إعادة تأييدها للشرعية اليمنية، وإحلال السلام وفقًا للمرجعيات الدولية الثلاث (المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، مخرجات الحوار الوطني اليمني وقرارات مجلس الأمن الدولي)، مع محاولاتها إنهاء الحرب والخروج منها بالطريقة التي تجعلها في نظر الجميع دولة سلام وراعية له.
عطّلت المبادرة الخليجية غالبية مواد الدستور اليمني، وجعلت القرارات السياسية والسيادية والتعيينات في اليمن بتوافق كافة الأطراف اليمنية، ويستمرّ حكم الرئيس السابق هادي كفترة انتقالية إلى حين انتخاب رئيس جديد.
أما مخرجات الحوار الوطني فقد أنتجت دستورًا جديدًا، وجعلت اليمن دولة كونفيدرالية وقسمته إلى 6 أقاليم، والقرار الأممي 2216 الذي جاء بعد اجتياح الحوثي صنعاء، يدعو الحوثيين للتراجع عن خطواتهم الأحادية، وإعادة السلاح المنهوب من الجيش اليمني، وإعادة هادي للحكم في اليمن، لاستكمال فترته الانتقالية.
أفرزت الحرب اليمنية مكونات سياسية وعسكرية مختلفة، خاض أغلبها تجربة الحوار والشراكة السياسية والتعايش المجتمعي مع الحوثيين، إلا أن كل ذلك فشل، ما جعلها تفضّل الحل العسكري عن السياسي مع الحوثيين، كالمقاومة الوطنية أو حزب المؤتمر الشعبي العام، أو بقية المكونات السياسية اليمنية التي تشاركت مع الحوثي في ثورة 11 فبراير/ شباط 2011 أو اتفاق السلم والشراكة عام 2014، أو حتى اتفاق الشراكة بين المؤتمر الشعبي العام الذي نتجَ عنه المجلس السياسي الأعلى، حيث غدرَ بها وانقلبَ عليها الحوثي.
إضافة إلى ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي الذي استبعد تمامًا الحوار مع الحوثي، لأن الأخير يرفض نظرية تقسيم المنطقة كونه يسعى لحكمها بشكل كامل، ويرفض الحوار معه، ويريد المجلس الانتقالي الجنوبي تسجيل النصر لفرض واقع جديد وفصل جنوب اليمن عن شماله.
ولا يمكن إغفال القوة الضاربة المتمثلة بألوية العمالقة (قوة سلفية)، التي كانت أول من خاضت القتال مع الحوثيين في محافظة صعدة (شمال صنعاء وجنوب المملكة)، وتعرضت لمؤامرة الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، الذي عمل على تهجيرها من ديارها، وبذلك استطاع الحوثيون إزالة أهم العراقيل لها، وتوسعت إلى عمران من ثم وصلت إلى صنعاء.
الخروج من الحرب
تعرضت المملكة العربية السعودية لهجوم حوثي مكثّف منذ رفضها الدخول مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب في حلف عقابي ضد روسيا، على خلفية شنّ الأخيرة حربًا على أوكرانيا، وفضّلت الحياد والتزامها باتفاقية أبوك بلاس، وكان آخر ذلك الهجوم هو ما تعرضت له منشآت شركة أرامكو في جدة ومنشآت حيوية في الرياض، جرّاء هجوم حوثي بدفعة صواريخ مجنحة وطائرات مسيّرة في 25 مارس/ آذار 2022.
مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وإدارة الغرب لتلك الحرب عن بُعد، يبدو أن السياسيين في التحالف العربي استعانوا بتلك الفكرة، وأرادوا أن يعيدوا الحرب إلى الداخل اليمني، وإدارتها سياسيًّا وعسكريًّا عن بُعد
كانت هذه الضربة هي الأقوى للاقتصاد السعودي، إلى درجة أن البعض اتّهم الولايات المتحدة الأمريكية بغضّ الطرف عن ذلك، بهدف معاقبة السعودية لمواقفها ورفضها الدخول معها بالحلف، لأن تبعات ذلك الاقتصادية ستكون صعبة على الولايات المتحدة.
كان الابتزاز الأمريكي للرياض واضحًا، وكانت دول الخليج على أعلى درجة من ضبط النفس في اعتقادي، وتعاملت مع الموقف باستراتيجية تعود نتائجها لصالحها في المنطقة، وبدأت تعيد صياغة علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما أن إدارة بايدن كانت مهرولة إلى حدٍّ كبير بهدف عقد الاتفاق النووي الذي سيضرُّ كثيرًا بدول المنطقة.
وفي الوقت نفسه كان التحالف العربي الداعم للشرعية اليمنية يتعرض لضغط كبير من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والمبعوث الأممي إلى اليمن، بهدف تقديم تنازلات كبيرة، وكانت تلك الضغوط تذهب لصالح الحوثيين الذين يمتلكون نقاطًا تفاوضية أقوى، وتسعى إدارة بايدن للوفاء ببرنامجها الانتخابي حول تعهُّداته بإنهاء الحرب في اليمن، بالتزامن مع اندفاع هانز غروندبيرغ الذي يريد أن يحقق نجاحات، ولا يعنيهما كيفية النتائج، إن كانت لصالح اليمن أو إيران.
ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وإدارة الغرب لتلك الحرب عن بُعد، يبدو أن السياسيين في التحالف العربي استعانوا بتلك الفكرة، وأرادوا أن يعيدوا الحرب إلى الداخل اليمني، وإدارتها سياسيًّا وعسكريًّا عن بُعد، وتريد المملكة العربية السعودية الخروج من تلك الضغوط والحرب، لكن ذلك يحتاج إلى عودة الحكومة اليمنية للداخل.
عودة هادي وحكومته إلى الداخل مع وجود خلافات عميقة مع المكونات السياسية اليمنية، كانت شبه مستحيلة، لذلك سعى التحالف العربي لتوحيد كل المكونات السياسية اليمنية، وأجرى مشاورات كبيرة قبل أن يطلق المشاورات اليمنية-اليمنية في الرياض خلال الفترة 29 مارس/ آذار-7 أبريل/ نيسان 2022 بين كل المكونات السياسية، التي اتفقت جميعها على أهمية إصلاح مؤسسة الرئاسة في اليمن.
حتى الآن يبدو أن الاستراتيجية التي اعتمدت عليها المملكة العربية السعودية تسير وفق ما أُعدَّ لها، وهي إرسال رسالة إلى الخصم بأنها أُرهقت من الحرب، وتريد الخروج منها، ما يُخيّل للطرف الآخر أن ذلك هزيمة كبيرة لها.
تريد السعودية من ذلك نقل الحرب إلى الداخل اليمني، بعد استجابتها لكل شروط الحوثي، بما فيها القرار الأممي 2216، لكن إيران وذراعها الحوثي لن يكتفيا بكل هذه التنازلات، بل سيسعيان إلى الحصول على الكثير من المكاسب، وهكذا تبدو المسألة للحوثيين أن السعودية تريد الخروج من الحرب، وأنها وصلت إلى قناعة بأهمية الاستسلام، لكن وراء ذلك قد يكون هو أن السعودية تبحث عن الانتصار بطريقة أخرى.
إدارة الحرب عن بُعد
بعد تأسيس المجلس السياسي وتقديم التنازلات الكبيرة وتنفيذ الشروط الحوثية، والمتمثلة بـ”تخفيف القيود على موانئ الحديدة، وعودة الرحلات التجارية إلى مطار صنعاء، وتشكيل مجلس رئاسي، وتجاوز القرار الأممي 2216)، تبدو الأرضية الآن مهيَّأة للسلام.
لكن على الواقع العملي فهي أشبه بالمستحيل، واليمنيون تلقّوا دروسًا كثيرة من حوارهم مع الحوثي منذ عام 2004، لذلك كانت الهدنة عبارة عن استراحة لترتيب الأوراق بين الحوثي والتحالف العربي والمكونات السياسية اليمنية.
وجود القوات الدولية في البحر الأحمر والأساطيل الأمريكية في الخليج العربي والبحرَين العربي والأحمر، ما هي إلا لضمان عدم وصول سلاح إلى الحوثي
أمام العالم، يبدو السلام أنه في متناول الجميع، لكن الحوثي استغلَّ الهدنة وحشد الكثير من المقاتلين إلى جبهات، واستبدلَ مقاتليه، واستقبلَ خبراء من “حزب الله” والحرس الثوري الإيراني، قابل ذلك وصول المجلس الرئاسي اليمني إلى عدن مع كافة المؤسسات الدستورية اليمنية، إضافة إلى الحشد العسكري الأمريكي في البحر الأحمر، ما يشير إلى عملية عسكرية كبيرة خلال الفترة القادمة.
حتى لا تتعرض المملكة العربية السعودية لهجوم حوثي، ولا الممرات الدولية لهجوم إيراني أو عمليات إرهابية تشنّها جماعة الحوثي، أعلنت البحرية الأمريكية عن تشكيل قوة مهام مشتركة في البحر الأحمر في ظل تزايد تهديدات الحوثيين للملاحة العالمية، وبدأ المجلس الرئاسي يعود إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن لإدارة المعركة السياسية والعسكرية من هناك.
فبعد تنحّي هادي عن الحكم وتفويض مجلس رئاسي جديد، والعودة إلى اليمن، يبدو أن العدَّ التنازلي لإنهاء الحرب قد بدأ مع عودة كافة المؤسسات اليمنية الرسمية إلى البلاد، وبإمكانها أن تبدأ بتطبيع الأوضاع الاقتصادية والإنسانية خلال فترة الهدنة المعلنة مع ترتيب الأوضاع العسكرية والأمنية، استعدادًا لمرحلة حاسمة.
سيدير التحالف العربي تلك المعركة عسكريًّا عن بُعد، ووجود القوات الدولية في البحر الأحمر والأساطيل الأمريكية في الخليج العربي والبحرَين العربي والأحمر، ما هي إلا لضمان عدم وصول سلاح إلى الحوثي، واستكمال الحصار الكامل، بهدف إنهاء الحرب بالحسم العسكري وفرض السلام بالقوة.
أمام الحوثي خياران الآن؛ إما التخلي عن المشروع الاثني عشري الإيراني، والانخراط في عملية السلام، ليضمن أن يكون مكونًا سياسيًّا ضمن المكونات، وإما الاستمرار في الحرب، والتي قد تتسبّب في خسارته وخسارة المشروع الإيراني، وكل ذلك يعتمد على التزام دعم الطرفيَن.
إيران مستمرة في دعمها اللامحدود للحوثي، وتريد أن تسجل نصرًا كبيرًا لتعميد سيطرتها على “العاصمة الرابعة”، لكن مع التحركات العسكرية الأمريكية والاستراتيجية الجديدة للتحالف العربي، وتوحيد كافة المكونات اليمنية، قد لا يكون ذلك النصر سهلًا.
نؤكد على استمرار تحالف دعم الشرعية في اليمن بدعم المجلس على كافة الأصعدة بما في ذلك الدعم العسكري لحين الوصول إلى حل سياسي ينهي الأزمة، فالشعب اليمني يستحق العيش بكرامة وسلام وأمن واستقرار.
— Khalid bin Salman خالد بن سلمان (@kbsalsaud) April 9, 2022
المملكة العربية السعودية هي الأخرى إن استمرَّ دعمها بإخلاص للمكونات السياسية والحكومة اليمنية والمجلس الرئاسي اليمني، الذي حظيَ باعتراف دولي جديد، واستغلال التحركات العسكرية في البحر الأحمر، فبإمكانها أن تساهم في إحلال السلام، وقد تعهُّد نائب وزير الدفاع السعودي، باستمرار التحالف بدعم المجلس على كافة الأصعدة، بما في ذلك الدعم العسكري لحين الوصول إلى حل سياسي.