ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما ترك مجموعة من المتمردين يُعرفون باسم جماعة الحوثي الجبال شمال اليمن في سنة 2014 واستولوا على العاصمة صنعاء، وصفهم الأصدقاء والأعداء على حد سواء بأنهم مقاتلون قبليّون غير محنكين يجوبون الشوارع مرتدين صنادل ويحملون أسلحة رخيصة.
لكن خلال السنوات التي تلت الحرب الأهلية التي مزقت اليمن، شهدت هذه الجماعة تحولا ملحوظًا. وهي الآن تحظى بسلطة قمعية بدائية شمال اليمن وتمتلك ترسانة أسلحة ضخمة تضم عددًا من صواريخ كروز والصواريخ البالستية وقوارب كاميكازي المسيّرة.
يجمع الحوثيون أيضًا طائرات مسيّرة بعيدة المدى، تمكنوا من توسيع نطاق أهدافها عبر شبه الجزيرة العربية وتضخيم تهديداتها على المنشآت النفطية في كل من السعودية والإمارات – حلفاء الولايات المتحدة وقادة التحالف الذي يشن حربًا ضد الحوثيين منذ سنة 2015. ووفقًا لمسؤولين ومحللين أمريكيين وعرب، يعود الفضل في التطور السريع لإمكانات الحوثيين إلى المساعدة العسكرية السرية التي يتلقونها من إيران.
بحثًا عن طرق جديدة لتهديد أمن السعودية – خصمها الإقليمي – دمجت إيران جماعة الحوثي ضمن شبكة الميليشيات الموالية لها وطوّرت قدراتها على الإضرار بدفاعات جيران اليمن الأغنياء بأسلحة رخيصة نسبيًا، العديد منها تُصنع الآن في اليمن – أفقر دولة في العالم.
حسب عبد الغني الإرياني، وهو باحث أول في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، فإن ما يحدث في اليمن من تعادل في موازين القوى هو نتاج التكنولوجيا. واختزال لعقلية الحوثي، قال الإرياني “إن مقاتلاتكم من طراز إف-15 التي تقدر بملايين الدولارات لا تساوي شيئا لأن لدينا طائرات مسيرة لا تكلف سوى بضع آلاف من الدولارات ولكنها ستخلف نفس الضرر”.
ساعد صعود جماعة الحوثي كقوة قادرة على تنفيذ هجمات تتجاوز حدود اليمن في إحداث تحوّل سياسي أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط دفع بعض الدول العربيّة إلى إقامة علاقات دبلوماسيّة مع “إسرائيل” في سنة 2020 بينما لجأ البعض الآخر إلى التعاون سرًا في المجال العسكري والاستخباراتي من أجل التصدي لإيران.
تشترك كل من السعودية والإمارات في نفس مخاوف إسرائيل من الدعم الذي تقدمه إيران للميليشيات في المنطقة، وتنظر إليها كشريك دفاعي جديد محتمل أملًا في أن تساعد التقنيات التي طورتها للدفاع عن نفسها ضد حماس في قطاع غزة وحزب الله في لبنان – كلاهما من وكلاء إيران – في حماية أراضيهما أيضًا.
إن التطور الذي تشهده التقنيات العسكرية للحوثيين تجعل الجهود السعودية لإنهاء الحرب بعد سبع سنوات من التدخل أكثر إلحاحًا. لكن التقدم الذي أحرزه الحوثيون جعلهم أقل اهتمامًا بإنهاء الحرب، حتى مع موافقتهم على وقف إطلاق النار لمدة شهرين في بداية هذا الشهر بهدف إطلاق محادثات سلام. وفي المقابل، أعلنت كل من السعودية والإمارات عن دعمها لمجلس رئاسي جديد تم تشكيله هذا الشهر لإدارة الحكومة اليمنية وقيادة المفاوضات مع الحوثيين.
لكن خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذه السنة، أظهر الحوثيون حجم التهديد الذي يشكّلونه على دول الخليج العربي. أسفرت الهجمات التي انطلقت من اليمن عن مقتل ثلاثة عمال في مستودع وقود في أبو ظبي عاصمة الإمارات، وهو ما وضع القوات الأمريكية هناك في حالة تأهب بينما تنشر القوات الأمريكية والإماراتية أنظمة دفاع مكلفة لإسقاط الصواريخ القادمة؛ واشتعال منشأة نفطية غرب السعودية ليغطي دخان أسود كثيف سماء موقع سباق سيارات الفورمولا 1.
في بداية الحرب، رد الحوثيون في الغالب على السعودية بضرب أهداف على طول الحدود السعودية مع شمال اليمن. لكن نطاق وتطور أسلحتهم قد زاد بسرعة، مما مكنهم من استهداف المواقع الحساسة بدقة
عمّقت الحرب علاقة الحوثيين مع داعمهم القوي إيران مما سمح لهم بتطوير اقتصاد حرب واسع لتمويل عملياتهم، وجعلت لهم أيضًا سلطة لا منازع لها على جزء كبير من شمال اليمن، حيث يعيش أكثر من ثلثي سكان البلاد – وهي مكاسب من غير المرجح أن يتخلوا عنها طواعية على حد تعبير محللين.
ترى ندوى الدوسري، محللة شؤون اليمن في معهد الشرق الأوسط، أنه “إذا توقفت الحرب، سيتعين على الحوثيين أن يحكموا، وهو ما لا يريدونه – أي تقديم الخدمات وتقاسم السلطة”، مضيفة أن “الحوثيين يزدهرون في الحرب وليس السلم”.
طوّر الحوثيون، المعروفون رسميًا باسم أنصار الله، قدراتهم في حرب العصابات خلال سلسلة من المعارك الوحشية مع الدولة اليمنية والمملكة العربية السعودية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وقد عززت تلك الصراعات من شعورهم بأنهم مستضعفون يدافعون عن اليمن ضد المعتدين الأكثر قوة. وشعارهم – الموت لأمريكا. الموت لإسرائيل. اللعنة على اليهود. النصر للإسلام ” – ينتشر على الملصقات في أنحاء الأراضي التي تحت سيطرتهم ويُردد في الاحتجاجات.
في سنة 2014، استولى الحوثيون على صنعاء معلنين أنهم يسعون إلى القضاء على الفساد. وقد تدخّل تحالف عسكري بقيادة السعودية ضدهم في أوائل سنة 2015، وشن حملة قصف تهدف إلى إعادة الحكومة المعترف بها دوليًا التي دفع الحوثيون قادتها إلى المنفى.
مع وصول الحرب إلى طريق مسدود وتفاقم الأزمة الإنسانية، عززت إيران بهدوء دعمها لآلة الحرب الحوثية. وحسب أعضاء من المحور الإيراني في المنطقة ومحللين يتابعون الصراع، سافر الفنيون الحوثيون إلى إيران لتلقي التدريب، كما سافر خبراء من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني إلى اليمن لتنظيم مقاتلي الجماعة وفرقها الإعلامية، ثم لاحقا، لتعليم الفنيين الحوثيين كيفية صنع الأسلحة.
في بداية الحرب، رد الحوثيون في الغالب على المملكة العربية السعودية بضرب أهداف على طول الحدود السعودية مع شمال اليمن. لكن نطاق وتطور أسلحتهم قد زاد بسرعة، مما مكنهم من استهداف المواقع الحساسة بدقة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، على بعد مئات الأميال من حدود اليمن.
تشمل أسلحتهم الآن صواريخ كروز وصواريخ باليستية يمكن أن يطير بعضها أكثر من 700 ميل، وفقًا لتقرير حديث عن الحوثيين أعدته كاثرين زيمرمان، الزميلة في معهد أمريكان إنتربرايز. كما نشروا زوارق كاميكازي مسيّرة لضرب السفن في بحر العرب، كما أن لديهم مجموعة من الطائرات المسيرة تحمل عبوات ناسفة ويمكنها الطيران لمسافة تصل إلى 1300 ميل.
كتبت زيمرمان أن بعض المعدات، مثل محركات الطائرات المسيرة وأنظمة تحديد المواقع، يتم تهريبها بمساعدة إيرانية لكن معظم أسلحة الجماعة مصنوعة في اليمن، حيث يتم تجميع الطائرات المسيرة من أجزاء مهربة ومحلية باستخدام التكنولوجيا والمعرفة الإيرانية، ويتم تصنيع الصواريخ من نقطة الصفر أو تعديلها لمنحها المدى اللازم للوصول إلى عمق المملكة العربية السعودية.
حتى الآن، تسببت معظم هجمات الحوثيين في أضرار محدودة وقد تعلّم خصومهم إسقاط الصواريخ والطائرات المسيرة. لكن قبل بدء وقف إطلاق النار، واجهت السعودية هجمات متعددة شهريًا. وقال التحالف الذي تقوده السعودية في كانون الأول/ ديسمبر إن الحوثيين أطلقوا 430 صاروخا باليستيا و851 طائرة مسيرة مسلحة على المملكة منذ آذار/ مارس 2015 مما أسفر عن مقتل 59 مدنيا سعوديا، وأن الدفاع ضد الهجمات القادمة مكلف للغاية. وقالت زيمرمان إن صاروخًا لنظام دفاع باتريوت، على سبيل المثال، قد يكلف مليون دولار، في حين تقدر تكلفة طائرات الحوثيين المسيرة والصواريخ ما بين 1500 و10 آلاف دولار.
في خطاب ألقاه الشهر الماضي بمناسبة الذكرى السابعة للتدخل بقيادة السعودية، قال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي إن الحصار الذي تقوده السعودية ضد أراضيهم والضربات الجوية على قواعدهم ومخازنهم، دفع الجماعة نحو تصنيع الأسلحة محليًا. وأضاف أنهم يسعون إلى أن يكونوا قادرين على ضرب أي هدف، بما في ذلك في السعودية أو الإمارات أو بحر العرب.
وأضاف الحوثي “لقد عملنا للوصول إلى مستوى القدرة على الإطلاق من أي مكان نريده، حتى البحر. نحن حريصون جدا على الهجوم من أي محافظة إلى أي نقطة في البحر”.
تعد إيران الراعية لمليشيات الحوثي وهذا ما يعكس طريقة تعزيزها لقدرات ميليشيات أخرى على امتداد العقود الثلاث الماضية لتوسع انتشارها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك حزب الله في لبنان وحماس في غزة وجماعات مقاتلة أخرى في سوريا والعراق.
هذه الشبكة التي تطلق على نفسها اسم “محور المقاومة” وتضم أيضًا حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، تنسق لمحاربة النفوذ الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة مع إعطاء طهران وسيلة للتهديد وضرب أعدائها، وتقليل مخاطر الانتقام من إيران نفسها.
تعود علاقة إيران بالحوثيين إلى سنة 2009 على الأقل، لكنها استخدمت الحرب لدمج الحوثيين في شبكتها بالوكالة. هذا الدمج كامل لدرجة أن الحوثيين أعلنوا مرتين على الأقل عن هجمات لم يكونوا مسؤولين عنها في الغالب لتوفير غطاء للجماعات الأخرى المدعومة من إيران.
في سنة 2019، أعلن الحوثيون عن هجوم بطائرات مسيرة وصواريخ على منشآت نفطية في شرق المملكة العربية السعودية، أوقف مؤقتًا نصف إنتاج المملكة النفطي. وفي حين أن طائرات الحوثيين المسيّرة كانت على الأرجح جزءًا من الهجوم، خلص مسؤولون أمريكيون في وقت لاحق إلى أن الضرر الكبير كان من صواريخ كروز التي ربما جاءت من الشمال، وربما أطلقت من العراق أو إيران.
كما أعلن الحوثيون في البداية مسؤوليتهم عن هجوم على الإمارات العربية المتحدة في شباط/ فبراير، على الرغم من أنه يبدو أيضًا أنه قد تم إطلاقه من العراق، وأعلنت جماعة مسلحة غامضة هناك مسؤوليتها عن الهجوم لاحقًا.
على الأراضي التي يسيطرون عليها، أقام الحوثيون دولة بوليسية قمعية تهدف إلى سحق أي تهديد لسيطرتهم وتوجيه جميع الموارد إلى آلة الحرب الخاصة بهم. وقامت قواتهم الأمنية بحبس الصحفيين والمواطنين العاديين لمجرد انتقادهم الحركة، وقد ذكر تقرير قدمته هذه السنة لجنة الخبراء المعنية باليمن إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن الجماعة استخدمت بانتظام العنف الجنسي ضد النساء الناشطات سياسيًا والمهنيات.
تموّل المجموعة نفسها من خلال اقتصاد حرب متطور يتضمن فرض رسوم تعسفية على الشركات وعامة السكان وتحويل الأرباح من قطاعي النفط والاتصالات في المنطقة. كتبت اللجنة الأممية السنة الماضية أن الحوثيين وجهوا 1.8 مليار دولار على الأقل كانت مخصصة للحكومة اليمنية إلى خزائنهم في سنة 2019.
وكتبت اللجنة أن الحوثيين يجندون الأطفال أيضًا للقتال، وقد قُتل أكثر من 2000 منهم في المعارك ما بين كانون الثاني/ يناير 2020 وأيار/ مايو 2021.
قالت الدوسري من معهد الشرق الأوسط: “لقد شنوا حربًا على التعليم، وهذا ليس مجرد تلقين عقائدي. إنهم يقومون بتلقين الأطفال معتقداتهم الطائفية الخاصة بهم، وجعلوا من الصعب للغاية على الناس إرسال أطفالهم إلى المدرسة”.
المصدر: صحيفة نيويورك تايمز