ترجمة وتحرير: نون بوست
بدأ الموكب يسير بسلام. في مسيرة في شوارع منطقة جهانجيربوري نُظمت في دلهي يوم السبت، اجتمع الهندوس للاحتفال بمهرجان هانومان جايانتي الهندوسي. لكن السلام لم يدم طويلاً؛ فمع اقتراب المساء، بدأت مجموعة غير مصرح لها في التجمع. هذه المرة؛ ملأ رجال يرتدون الزعفران، اللون المميز للقومية الهندوسية، الشوارع مُلوحين بالسيوف والمسدسات، وبدأوا في الصراخ بشعارات استفزازية.
وتم تجاهل الاتفاقات السابقة بين السكان الهندوس والمسلمين بشأن المسيرة لتجنب المرور بمسجد محلي كان يقيم صلاة العشاء.
في هذا السياق؛ صرح شاهد يدعى، تبريز خان، يبلغ من العمر 39 سنة، “حطم حشد من الهندوس قناني الخمر داخل المسجد، ورفعوا أعلام الزعفران هناك ورددوا “النصر للإله راما”، وبدأ حارس المسجد بمقاومة تقدمهم، مما أدى إلى اندلاع مشاجرة، وبعد أن بدأوا في تدنيس المسجد غضب المسلمون واندلعت الاشتباكات ورشق الحجارة”.
وجّه شهود مسلمون وهندوس الاتهامات لبعضهم البعض في أعمال العنف. وفي هذا السياق، صرحت رينكو شارما، وهي هندوسية شاركت في الموكب، أن الاشتباكات بدأت “عندما دخلنا منطقة المسجد”. من جانبه، أوضح محمد فضل، البالغ من العمر 35 سنة: “معظم الناس الذين يعيشون في هذه المنطقة مسلمون. لم يكن هذا تجمّعًا دينيًا بل هجومًا علينا نحن المسلمين”.
وأصيب ستة من ضباط الشرطة في أعمال العنف واعتقل أكثر من 20 شخصًا غالبيتهم من المسلمين، لكن من بين الذين استجوبتهم الشرطة قائد الفرع المحلي لـفيشفا هندو باريشاد، وهي جماعة يمينية سيئة السمعة شاركت في تنظيم المسيرة المسائية. في السياق ذاته، أضاف خان: “لم يكن هناك أي تحريض، يبدو أن الهجوم كان مخططًا لإحداث اضطرابات اجتماعية”.
نفى مفوض شرطة دلهي، راكيش أستانا، رفع علم زعفران في المسجد، قائلًا إنه يجري التحقيق مع أفراد من “كلا الطائفتين”، وأضاف قائلًا: “سيتم اتخاذ إجراءات ضد أي شخص أدين بغض النظر عن طبقته وعقيدته ومجتمعه ودينه”.
كانت الأحداث في جهانجيربوري أبعد من أن تكون حالة معزولة؛ فخلال عطلة نهاية الأسبوع ، قُبض على ما يقرب من 140 شخصًا فيما يتعلق بالحوادث القائمة على العنف الطائفي وأعمال الشغب بين الهندوس والمسلمين في ولايات أوتاراخاند وأندرا براديش وكارناتاكا خلال احتفالات هانومان جايانتي.
وفي الأسابيع الماضية، جدت أحداث مماثلة، فقد تخللت الاحتفالات بمهرجان رام نافامي الهندوسي التي أقيمت في سبع ولايات بعيدة مثل ماديا براديش وجوجارات وجارخاند وغرب البنغال أعمال عنف طائفية استهدفت معظمها المسلمين، الذين يحتفلون بشهر رمضان، وأسفرت الاشتباكات عن مقتل شخص، وإشعال النيران في عشرات المنازل والمتاجر المملوكة لمسلمين أو هدمها، وترديد هتافات استفزازية خارج العديد من المساجد ومحاولات وضع أعلام الزعفران داخل دور العبادة الإسلامية.
وأثار تصاعد موجة العنف الطائفي قلق الكثيرين في الهند الذين يخشون أن تصبح البلاد أكثر استقطابًا من أي وقت مضى على طول الخطوط الهندوسية الإسلامية. وقد وجه الكثيرون اللوم إلى حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي الحاكم، بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي المتهم بالإشراف على أجندة مثيرة للانقسام الديني وبتشجيع العداء تجاه 200 مليون مسلم في الهند، وجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية. في غضون ذلك، سُمح للجماعات الأهلية الهندوسية مثل فيشفا هندو باريشاد بالتحرك بحرية وتولّي زمام تطبيق القانون.
في ولاية تيلانغانا الجنوبية، كان النائب عن حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند، تي راجا سينغ، من بين أولئك الذين تم حجزهم بسبب الشعارات الاستفزازية خلال أحد المواكب.
في الإطار ذاته، كتب عاصم علي، الباحث السياسي في خلية تفكير السياسة، لصحيفة التلغراف الهندية: “هناك حجة قوية يجب طرحها وهي أن المسلمين يمرون بأوقات عصيبة في الهند المستقلة”، وأضاف قائلًا إن “التواجد في مرمى نيران الحزب المهيمن في البلاد هو أسوأ مكان يمكن أن تجد فيه نفسك في المجتمع، ويبدو أن الموقف القومي الهندوسي تجاه المسلمين أصبح أكثر عدائية مع مرور الوقت”، معتبرًا أن تصاعد وتيرة أعمال العنف في الأسابيع الأخيرة كانت دليلاً دامغًا على أن “هذه التعبئة المعادية للمسلمين… قد اكتسبت زخمًا خاصًا بها”.
في مظفربور، إحدى مقاطعات بيهار، زعم المسلمون أن علمًا من الزعفران رُفع عند مدخل أحد المساجد خلال إحدى المسيرات، وأظهرت لقطات فيديو الحشد يهتفون ويلوحون بالسيوف وعصي الهوكي أثناء رفع العلم.
لكن وقعت بعض أسوأ الاشتباكات في خرجون، إحدى ضواحي ماديا براديش؛ حيث اندلعت أعمال العنف عندما مرّ موكب رام نافامي الذي يضم حوالي 5000 من المتدينين الهندوس أمام مسجد، وزُعم أن مواجهة اندلعت بين الهندوس والمسلمين بعد أن بدأ المتشددون الهندوس يهتفون بشعارات قومية هندوسية متعصبة ويتوعدون ويرشقون الحجارة، وحسب مسلمين محليين “فإن منازلهم تعرضت للتخريب ناهيك عن إضرام النار في حوالي عشرة منازل أخرى”.
في الإطار ذاته، صرح فاروق خان، البالغ من العمر 23 سنة، “كنت في منزلي مع عائلتي نستعد للإفطار في رمضان عندما بدأ حشد كبير في مهاجمة منزلنا. كانوا يصيحون بعبارة “اقتلوا المسلمين””.
نفى سوبت شالندرا سينغ استهداف المسلمين بشكل أساسي؛ مؤكدًا أن أجهزة الشرطة تتخذ الإجراءات المناسبة ضد جميع الطوائف المعنية.
وقال خان إنه كان عليه أن يستجدي الحشود المدججة بالسيوف، الذين اقتحموا منزله وبدأوا في نهبه، للسماح له وأسرته بالفرار، وخلال تلك الحادثة؛ أصيب 24 شخصًا بينهم ضابط شرطة في أعمال العنف.
واتهم مسلمون في خرجون الشرطة برفض رفع دعاوى ضد الهندوس المتورطين في أعمال العنف واعتقال المسلمين بدلًا من ذلك، كما نُظمت احتجاجات على خلفية تدمير الإدارة المحلية 16 منزلًا على الأقل و29 متجرًا مملوكًا لمسلمين متهمين بإلقاء الحجارة على الموكب.
في شأن ذي صلة، أوضح نواب خان، وهو مسلم أُضرمت النيران في منزله، أنه تعرض للضرب على أيدي الشرطة عندما حاول تقديم بلاغ في المركز، مشيرًا إلى الجروح التي أصيب في ظهره جراء ضرب الضباط، وتابع قائلا: “أحرقت ممتلكاتنا وتعرضنا للهجوم ونحن المتهمين بذلك ونحن من نعاقب”.
ومن جانبه؛ نفى سوبت شالندرا سينغ استهداف المسلمين بشكل أساسي؛ مؤكدًا أن أجهزة الشرطة تتخذ الإجراءات المناسبة ضد جميع الطوائف المعنية.
بالإضافة إلى ذلك، اندلعت الاشتباكات في بداية نيسان/ أبريل في كارولي بولاية راجاستان، عندما كان موكب هندوسي يمر في منطقة مسلمة وأضرمت النيران في حوالي 70 متجرًا، معظمها مملوكة للمسلمين. وصلت أعمال العنف هذا الشهر إلى واحدة من أفضل الجامعات في الهند، جامعة جواهر لال نهرو التي تقع في دلهي، بعد أن اعترض نشطاء هندوس يمينيون على طهي طعام غير نباتي في سكن للطلاب.
خلال عطلة نهاية الأسبوع؛ أدان زعماء 13 حزبًا معارضًا مودي لالتزامه الصمت حيال تصاعد العنف الطائفي، وقالوا في بيان “نشعر بالاستياء من صمت رئيس الوزراء تجاه أولئك الذين يروجون للطائفية وأولئك الذين بأقوالهم وأفعالهم يحرضون مجتمعنا ويستفزونه”.
في الصدد ذاته؛ ألقى وزير شؤون الأقليات لدى حكومة مودي، مختار عباس نقفي، باللوم في أحداث الأسابيع القليلة الماضية على “عناصر هامشية،… تحاول تشويه ثقافة الهند الشمولية والتزامها بها”.
وأشار النشطاء والأكاديميون إلى الخطاب العنيف بشكل متزايد ضد المسلمين الذين يتسربون إلى التيار السائد في الهند، مما أدى إلى وصول وتيرة التوترات الطائفية إلى مستويات خطيرة. وفي كانون الأول /ديسمبر 2021، عُقد تجمع ديني لشخصيات هندوسية مقدسة في هاريدوار، أوتارانتشال، دعا خلاله المتحدثون إلى إبادة جماعية ضد المسلمين. في الأسبوع الماضي، ألقت الشرطة القبض على باجرانغ موني داس، وهو قس هندوسي متهم بالتهديد باغتصاب جماعي ضد نساء مسلمات خلال كلمة ألقاها قبل أسبوعين بحضور ضباط.
وتأتي الهجمات بعد تمرير الدولة قانونًا مناهضًا للمسلمين، يشمل حظر الحجاب في المدارس في ولاية كارناتاكا التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا.
وأكدت سونيا غاندي، رئيسة حزب المؤتمر المعارض، أن “موجة كارثية من الكراهية والطائفية والتعصب والحقائق المضللة تجتاح بلادنا. إذا لم نوقفها الآن، فسوف تضر بمجتمعنا بشكل لا يمكن إصلاحه. كشعب، لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي ونشاهد نهاية مبادئ السلام والتعددية يتم التضحية بهما على مذبح القومية المزيفة”.
المصدر: الغارديان