ترجمة حفصة جودة
اكتُشفت الفيروسات عام 1892، والآن ونحن في 2022 ما زال الباحثون يكتشفون أسرارًا جديدةً عن هؤلاء الغزاة الصغار، لا تعد الفيروسات كائنات حية نوعًا ما، ولا تتمكن من التكاثر بنفسها، بدلًا من ذلك تتكون من مادة وراثية عادًة ما تكون “DNA” أو ابن عمه الكيميائي “RNA” المغطى بطبقة بروتينية.
بسبب قدرتهم على دمج شفرتهم الوراثية مع شفرة مضيفهم، تُوجد الجينيات الفيروسية بشكل خفي في الشفرات الوراثية للعديد من الكائنات الحية في جميع أنحاء العالم، من البكتيريا وحتى البشر، وتسكن في أعماق المحيطات وحتى داخل القطب الشمالي، وفي بعض الأحيان تسقط من السماء.
أدى ظهور جائحة كوفيد-19 إلى حركة قوية في الأبحاث عن فيروسات كورونا خاصة “SARS-CoV-2” المسبب لكوفيد-19، إضافة إلى أبحاث بشان مسببات الأمراض التي قد تؤدي إلى جائحة قادمة.
إليكم 6 أشياء جديد تعلمها العلماء مؤخرًا بشأن الفيروسات:
فيروس كورونا الجديد يتحور بطريقة مخادعة
منذ ظهور فيروس “SARS-CoV-2” لأول مرة في ووهان بالصين عام 2019، طور الفيروس عدة طفرات نتج عنها ظهور متحورات عديدة في جميع أنحاء العالم، سلطت دراسة نُشرت في شهر فبراير/شباط 2021 في مجلة “Science ” الضوء على كيفية تحور الفيروس بسهولة ولماذا تساعده تلك الطفرات في الهروب من الاستجابة المناعية للجسم.
وجد باحثو الدراسة أن “SARS-CoV-2” يتحور من خلال مسح قطع صغيرة من شفرته الجينية ببساطة، ورغم أن الفيروس يمتلك آلية تنقيح خاصة به، تصحح الأخطاء في أثناء تكاثره، فإن عملية المسح لا تظهر لرادار التنقيح.
الأكثر من ذلك أن عمليات المسح تلك بالنسبة لـ”SARS-CoV-2″ تظهر كثيرًا في نفس الأماكن على الجينوم، في تلك المواقع ترتبط الأجسام المضادة بالفيروس لتثبيطه، لكن بسبب عمليات المسح، لا تتمكن العديد من الأجسام المضادة من التعرف على الفيروس.
يقول بول دوبركس كبير مؤلفي الدراسة ومدير مركز أبحاث اللقاح بجامعة بتسبيرغ: “تبدو عمليات المسح تلك مثل إخراج حبة خرز من سلسلة من الخرز، قد تعتقد أنها ليست مشكلة كبيرة، لكن بالنسبة للأجسام المضادة فالأمر مختلف تمامًا، فهذا الغياب الدقيق له تأثير كبير للغاية”.
أي الفيروسات سيتسبب في الجائحة القادمة؟
يعد “SARS-CoV-2” أحدث مسببات الأمراض القادمة من الحيوانات إلى البشر، لكن مئات آلاف الفيروسات الأخرى المختبئة في الحيوانات قد تمثل تهديدًا مماثلًا، صنفت أداة جديدة تدعى “SpillOver” – موصوفة في دراسة نُشرت في أبريل/نيسان 2021 بمجلة “Proceedings of the National Academy of Sciences” – الفيروسات وفقًا لاحتمالات انتقالهم من الحيوانات إلى البشر والتسبب في جائحة.
لاكتشاف هذا التصنيف، صنع الباحثون درجات شبيهة برصيد الائتمان للفيروسات، كطريقة لتقييم ومقارنة مخاطرهم، بعد ذلك استخدموا الأداة لتصنيف 887 فيروسًا بريًا من بينها فيروسات حيوانية انتقلت إلى البشر بالفعل مثل إيبولا، وأخرى لم تنتقل من الحيوانات إلى البشر بعد.
من بين الفيروسات التي لم تنتقل إلى البشر بعد وتحتل مرتبة عالية في التصنيف، فيروس “coronavirus 229E” الذي ينتمي لنفس عائلة “SARS-CoV-2” وينتشر بين الخفافيش في إفريقيا، يحتل أيضًا مرتبة عالية فيروس “coronavirus PREDICT CoV-35” الذي يصيب الخفافيش في إفريقيا وجنوب شرق آسيا.
يأمل الباحثون في إمكانية استخدام العلماء وصناع السياسة وموظفي الصحة العامة لتلك الأداة المفتوحة للجميع، لإعطاء الأولوية للفيروسات الأهم للدراسة والمراقبة وأنشطة الحد من المخاطر مثل تطوير اللقاحات والأدوية قبل انتشار المرض.
آلاف الفيروسات الجديدة تعيش في محيطات العالم
تعرف الباحثون مؤخرًا على أكثر من 5 آلاف نوع جديد من الفيروسات في محيطات العالم، حلل باحثو الدراسة أكثر من 35 ألف عينة مائية من جميع أنحاء العالم بحثًا عن فيروسات “RNA” أو فيروسات تستخدم “RNA” كمادة وراثية.
كان تنوع الفيروسات المكتشفة حديثًا كبيرًا، حتى إن الباحثين اقترحوا مضاعفة عدد المجموعات اللازمة لتصنيف فيروسات “RNA” من الخمسة شعب الموجود حاليًا إلى عشر شعب (في التصنيف البيولوجي الواسع، تقع الشعبة تحت المملكة).
وفقًا للدراسة، سُميت الشعب الخمسة الجديدة المقترحة: Taraviricota وPomiviricota وParaxenoviricota وWamoviricota وArctiviricota.
تحتوي كل فيروسات “RNA” على جين قديم يُسمى “RdRp” الذي يعود لمليارات السنين، ويساعد الباحثون على معرفة تسلسل الحمض النووي “RNA” في المحيط، ولأنه جين قديم للغاية، فقد تؤدي دراسة تطوره إلى فهم أفضل لكيفية تطور الحياة الأولى على كوكب الأرض.
فيروسات “جينوم Z” أكثر انتشارًا مما نتصور
تحمل بعض الفيروسات حمضًا نوويًا “DNA” يضم حرف جيني فريد يُعرف بـ”Z” وقد وجد البحث الجديد أن هذا الجينوم أكثر انتشارًا مما كنا نتصور، يتكون “DNA” من مركبات كيميائية تُسمى نيكليوتيدات ويضم كل نيكليوتيد واحدة من قواعد النيتروجين الأربعة: جوانين “G” وسيتوزين “C” وثايمين “T” وأدينين “A”، تشكل هذه الحروف معًا الشفرة الوراثية للـ”DNA”.
لكن في سبعينيات القرن الماضي، اكتشف العلماء نوعًا من الفيروسات يُسمى “cyanophage” الذي يستخدم مادة كيميائية تُسمى “2-aminoadenine” حيث يحتل فيه الـ”Z” محل الأدينين، لذا بدلًا من استخدام الشفرة الوراثية “ATCG” تستخدم تلك الفيروسات “ZTCG”.
اعتقد الباحثون في البداية أن جينوم “Z” نادر، ويُوجد فقط في نوع واحد من الفيروسات، لكن الدراسة المنشورة في مجلة “Science” في أبريل/نيسان 2021 وجدت أن جينوم “Z” أكثر شيوعًا مما نتصور، ويُوجد في أكثر من 200 نوع من الفيروسات، كل الفيروسات التي تحتوي على جينوم “Z” هي فيروسات “bacteriophages” أي تصيب البكتيريا.
ربما يمنح جينوم “Z” لتلك الفيروسات ميزة إضافية، من بينها صنع “DNA” أكثر استقرارًا في درجات الحرارة العالية.
تضم الأمعاء البشرية آلاف الفيروسات التي ليس لها مثيل
في بعض الأحيان، لاكتشاف كائنات دقيقة جديدة، لا يحتاج العلماء إلى النظر أبعد من أجسامنا، في دراسة نُشرت في مجلة “Cell” في شهر فبراير/شباط 2021، وصف الباحثون أكثر من 70 ألف فيروس غير معروف، يختبئون في الأمعاء البشرية.
حلل الباحثون أكثر من 28 ألف عينة ميكروبيوم من أمعاء البشر من 28 دولة مختلفة، وقد كانت كل الفيروسات المكتشفة حديثًا فيروسات بكتيرية “عاثية” أو تصيب البكتيريا.
لاحظ الباحثون أن الفرد الواحد لا يحمل سوى جزء بسيط من تلك الفيروسات المكتشفة حديثًا وأن غالبية تلك الفيروسات ليست مضرة للبشر.
يقول لويس كاماريلو، المؤلف الرئيسي للدراسة وعالم المعلوماتية الحيوية في شركة “Beam Therapeutics” بكامبريدج، ماساتشوستس، ومرشح سابق بعد الدكتوراة لمعهد “Wellcome Sanger” في المملكة المتحدة: “بينما يعد المجتمع البكتيري مكونًا مهمًا في أمعائنا، فليس من الصعب تخيل أن الفيروسات البكتيرية تلعب دورًا رئيسيًا في الحفاظ على التوزان الصحي في أمعائنا”.
الفيروسات تسقط من السماء حرفيًا
لسنوات تساءل الباحثون عن سبب وجود فيروسات متشابهة جينيًا على مسافات بعيدة فوق الأرض، وقد اكتشفوا الإجابة مؤخرًا: تستطيع الفيروسات السفر خلال الغلاف الجوي عبر التيارات الهوائية.
في ورقة بحثية نُشرت في يناير/كانون الثاني 2018 في مجلة “Multidisciplinary Journal of Microbial Ecology” قال الباحثون إن الفيروسات تستطيع الالتصاق بجسيمات التربة أو الماء أو تتأرجح عاليًا في طبقات الغلاف الجوي المسماة طبقة التروبوسفير الحرة، ثم تسقط في النهاية في مكان جديد تمامًا.
وجد الباحثون أيضًا أنه عند وصول الفيروسات إلى طبقة التروبوسفير الحرة (التي تُوجد على ارتفاع يتراوح بين 2500 إلى 3000 متر فوق سطح الأرض) فإنها تتمكن من السفر إلى مسافات أبعد مما نتصور على ارتفاعات منخفضة.
وقد اتضح أن طبقة التروبوسفير الحرة تمتلئ بالفيروسات، وبسبب حركة تيارات الهواء داخلها، فقد يتعرض جزء معين من سطح الأرض إلى مئات ملايين الفيروسات في اليوم.
يقول كورتيس ساتل المؤلف المشارك في الدراسة، وعالم الفيروسات وأستاذ بمعهد المحيطات ومصايد الأسماك في جامعة بريتش كولومبيا: “في كل يوم يترسب أكثر من 800 مليون فيروس فوق متر مربع واحد فوق طبقة الكوكب الحدودية، ما يعني أن هناك 25 فيروسًا لكل فرد في كندا”.
المصدر: لايف ساينس