نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً للكاتب الأمريكي “توماس فريدمان” يتحدث فيه عن التجربة الإماراتية، واصفًا الإمارات السبع بأنها “قلب الربيع العربي”!
تحدث فريدمان في مقاله عن الإمارات بوصفها الدولة التي استطاعت أن تحفز الشباب العربي على الثورة عبر نجاحها في تقديم نموذج يؤكد أن النهضة الغربية يمكنها أن تُطبق في المنطقة، وهو ما حدث تمامًا في جوهرة الإمارات: دبي.
يتحدث فريدمان، والذي اشتُهر في العديد من الأوساط بوصفه “رسول الإمبريالية” بدافع “وطني” أمريكي، حيث يناقش التدخل الأمريكي في المنطقة، وكيف فشل لمرات عديدة عبر طرائق مختلفة، فمن التدخل المباشر في العراق، إلى تحفيز التدخل كما حدث في ليبيا، أو حتى التجاهل كما حدث في سوريا، انتهاءً بـ “تحفيز الديمقراطية” (!) كما فعلت واشنطن في مصر، كل تدخلات الولايات المتحدة فشلت، ولأن أمريكا لا تستطيع مغادرة المنطقة لأسباب يدركها الجميع، ولأنها أثبتت فشل استراتيجياتها المختلفة، فإن ما يقترحه السيد فريدمان هو ما أسماه سياسة “الاحتواء والتضخيم”.
يقترح فريدمان أن تعمل الإدارة الأمريكية على احتواء المشكلات في المنطقة عن طريق العمل مع الحكومات فيها، فمثلاً في حالات الفوضى الكاملة، مثلما هو الحال في ليبيا أو سوريا أو في اليمن، ستعمل الإدارة الأمريكية مع الحكومات الإقليمية لاحتواء الأزمة، وفي حالات ما أسماه “النظام المفروض” (يقصد بالقوة أو الاستبداد)، مثل الحال في مصر أو في الجزائر، فستعمل واشنطن مع حكومات تلك الدول لـ “تهذيب النظام”.
ويستمر فريدمان في طرحه: أما في حالة الدول التي تديرها “أنظمة لائقة”، وقد عددها في مقاله: المغرب والأردن ولبنان و”كردستان” (!) والإمارات، فأنظمة تلك الدول تفعل كل ما يجب فعله، لذلك ليس على الولايات المتحدة سوى أن تُضخم إنجازات تلك الدول لتصبح أكثر استدامة!
ما يقترحه السيد فريدمان هو تضخيم تجارب تلك الدول، لاسيما تجربة الإمارات العربية المتحدة وعاصمتها الاقتصادية دبي، وهي التي يعترف فريدمان أنها “ملكية مطلقة لا تتسامح مع وجود معارضة ولا تقبل بصحافة حرة”، لكي تصبح التجربة الرائدة في المنطقة، مشيرًا إلى أن “دبي أثبتت أن العرب يستطيعون بناء سنغافورة الخاصة بهم”.
لكن فريدمان تجاهل حقيقة أن من بنى “نهضة” دبي أو الإمارات هم الملايين من العمال الأسيويين الذين تسيء معاملتهم السلطات الإماراتية عبر نظام استعباد يُدعى “الكفالة”، والذين ناقشت قضيتهم مؤسسات حقوقية كبرى، على رأسها هيومن رايتس ووتش التي قالت في تقرير صدر في وقت سابق من أكتوبر الماضي إن عاملاتها الأجانب “يتعرضن للضرب والاستغلال والحصار في ظل ظروف من العمل الجبري”.
وفي يونيو الماضي صدر تقرير الإتجار بالبشر الذي انتقد “قوانين الكفالة المُقيدة لعمال المنازل الأجانب، والتي تمنح أصحاب العمل سلطة التحكم في تنقل العمال المنزليين، وتهديدهم عن طريق إساءة استخدام الإجراءات القانونية، وجعلهم عُرضة للاستغلال”.
مازن النهاوي، فلسطيني في نهاية العقد الرابع من عمره، يتحدث قائلاً إن “دبي هي عاصمة الربيع العربي، لقد بدأت الثورة الحقيقية هنا”، ينقل فريدمان كلمات نهاوي بلا خجل بينما تنتشر قصة إياد البغدادي، الذي للمفارقة، هو فلسطيني أيضًا في عقده الثالث من العمر كذلك، إلا أنه وخلافًا للنهاوي اعتقلته السلطات الإماراتية قبل أن تطرده من أراضيها بسبب دعمه للربيع العربي وللثوار في مصر.
كان إياد يعمل مستشارًا للمشاريع الناشئة Start-ups، وهو تحديدًا ما يمدحه فريدمان، إلا أن السلطات الإماراتية لم تتورع لحظة في طرده وتهديده بالتغييب الطويل في السجن عندما رأت فيه ممثلاً للربيع العربي!
إن النموذج الذي تقدمه دبي، لا يمكن أن يصبح نموذجًا عربيًا يُحتذى، وعلى الرغم من أنه لا يمكن الجدال في أن حكام الإمارات استطاعوا استغلال الأموال التي وفرها لها إياهم النفط والغاز، إلا أنهم لم ينتجوا “حضارة” ذات قيم، بل قدموا صورة مشوهة لنموذج غربي في المنطقة.
ما يقوله النهاوي وينقله فريدمان هو أن الشعوب رأت “نهضة دبي”، وشعرت بأن أنظمتها العسكرية لم تفعل ما هو مطلوب منها، ولذلك فقد قامت بالثورات، ورغم أن شعوب دول الربيع – بالفعل – ثارت ضد أنظمة عسكرية فاسدة لم تستغل ثروات البلاد فيما فيه نفع الشعوب، إلا أن ما تفعله الإمارات تحديدًا في دول الربيع المتعثر هو إعادة تلك الأنظمة على رأس الشعوب مرة أخرى، هذا ما يحدث في اليمن، في ليبيا، وفي المثال الأوضح على الإطلاق: مصر.
كانت شعارات الثوار في ميادين تونس ومصر وسوريا واليمن تنادي “خبز، حرية، عدالة اجتماعية، وكرامة إنسانية”، وما قدمته الإمارات كان الخبز، في مقابل القضاء على الحرية وتحطيم العدالة وانتهاك الكرامة، وهذا بحد ذاته ما يدعو إلى التفكير في حتمية “ربيع إماراتي”!
إن الربيع العربي الذي انطلق من تونس، دُفن بأيد خليجية، وما يفعله توماس فريدمان بتبشيره بالحل الرأسمالي والتوسعي للإمبراطورية الأمريكية في “عالم مُسطح” مثلما عَنون أحد كتبه، هو ما ينبغي أن يتم بذل الجهد لإيقافه، وإذا كنا سنستخدم مصطلحات فريدمان، فإن علينا “احتواء” الضرر الإماراتي، و”تضخيم” الانتهاكات التي تقوم بها الإمارات على أرضها وخارج حدودها، ليدرك العالم كم الفظائع الذي تسببت بها الإمارات في كافة أنحاء المنطقة، وكيف تأثر الملايين بالجهد الإماراتي المضني للقضاء على كل أثر للربيع العربي.