ترجمة وتحرير: نون بوست – آمنة سيوان
في أبريل/ نيسان 2013؛ اخترق قراصنة مؤيدون للأسد عبر الإنترنت، من سوريا، حساب الأسوشيتد برس على منصة تويتر وقاموا بالتغريد حول انفجار مزيف في البيت الأبيض، يفترض أنه أصاب الرئيس باراك أوباما، مما أدى إلى تراجع سوق الأسهم الأمريكية مؤقتًا بمقدار 136 مليار دولار.
كما قامت وحدة قراصنة النخبة هذه أيضًا، الموالية للنظام السوري والمعروفة باسم الجيش السوري الإلكتروني والتي يحتمل أن تكون ممولة من طرف الميلياردير رامي مخلوف، ابن عم بشار الأسد، باستهداف جامعة هارفارد، ومشاة البحرية الأمريكية، وهيومن رايتس ووتش، ومنافذ إخبارية وطنية أخرى في هجمات إلكترونية منفصلة.
من سنة 2011 إلى سنة 2014، نفذ “الجيش السوري الإلكتروني” حملة إلكترونية نشطة للغاية، تهدف إلى نشر الدعاية المؤيدة للأسد وتشويه المواقع الإلكترونية المعادية للديكتاتورية السورية.
ولكن بعد سنة 2014، أصبح الجيش السوري الإلكتروني أقل نشاطًا، حتى إنه ظل صامتًا على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به. فعلى سبيل المثال؛ لم يتم تحديث صفحة الجيش السوري الإلكتروني الرسمية على تويتر منذ سنة 2015، في حين أن قناته على اليوتيوب ظلت خامدة لأكثر من ثماني سنوات، وكانت التقارير الإخبارية عن الاختراقات المزعومة من قبل الجيش السوري الإلكتروني قليلة ومتباعدة في السنوات الأخيرة.
ويعتبر التباطؤ السريع في النشاط السيبراني لوكالة الجيش السوري الإلكتروني أمرًا مذهلاً؛ نظرًا لحقيقة أن مجموعة المتسللين كانت تعتبر ذات مرة واحدة من مجموعات الهاكرز الدولية الأكثر تطورًا وتم ذكرها بشكل روتيني في عناوين الأخبار الدولية. إذن، ما الذي حدث للجيش السوري الإلكتروني؟
نجاح حكومة الولايات المتحدة في تفكيك المجموعة ببطء هو أحد الأسباب الرئيسية لعدم نشاط الجيش السوري الإلكتروني النسبي. ففي سنة 2014؛ تم تسليم بيتر رومار، وهو مواطن سوري وعضو في الجيش السوري الإلكتروني مقيم في ألمانيا، من ألمانيا إلى الولايات المتحدة؛ حيث أقر في النهاية، في سنة 2016، بأنه مذنب، في تهم جناية تتعلق بنشاط إجرامي إلكتروني، كما وضع مكتب التحقيقات الفيدرالي عضوين آخرين في الجيش السوري الإلكتروني، فراس دردار وعمَاد عمر آغا، على قائمة المجرمين الإلكترونيين المطلوبين في سنة 2016.
وفي بيان – صدر في نفس السنة بخصوص المجموعة – قال مساعد المدعي العام الأمريكي لشؤون الأمن القومي جون كارلين: “بينما سعت بعض الأنشطة إلى الإضرار بالاقتصاد والأمن القومي للولايات المتحدة باسم سوريا؛ تكشف هذه المزاعم التفصيلية أن الأعضاء استخدموا أيضًا الابتزاز لمحاولة ملء جيوبهم على حساب الأشخاص الملتزمين بالقانون في جميع أنحاء العالم”.
بالإضافة إلى الدعم الكبير الذي تلقاه الجيش السوري الإلكتروني من طهران، فقد تلقت المجموعة أيضًا مساعدة من روسيا، حيث تقع خوادمه هناك
وعلاوة على ذلك؛ قام مجتمع الاستخبارات الأمريكية بعمل رائع في متابعة الجيش السوري الإلكتروني بنشاط والكشف عن جدية نشاطه الإجرامي الإلكتروني.
ويعود السبب الثاني لتراجع الجيش السوري الإلكتروني هو حقيقة أن الجغرافيا السياسية العالمية قد تغيرت بشكل كبير منذ سنة 2014؛ حيث لم تعد الحرب الأهلية السورية في طليعة سياسات القوى العظمى.
ولطالما اشتُبِهَ في كون الجيش السوري الإلكتروني على صلة بالحكومتين الإيرانية والروسية؛ ففي سنة 2013، قال رئيس وكالتي المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي السابق، الجنرال مايكل هايدن، إن الجيش السوري الإلكتروني امتداد للدولة الإيرانية، مضيفًا في وقت لاحق من تلك السنة أن الجيش السوري الإلكتروني يبدو وكأنه وكيل إيراني.
في سنواته الأولى؛ أطلق الجيش السوري الإلكتروني هجمات إلكترونية للهواة على مواقع الويب الضعيفة منخفضة الأمان. ولكن، بعد سنة 2012، توسعت القدرات الفنية للجيش السوري الإلكتروني بشكل كبير، وبدأت المجموعة في شن هجمات إلكترونية معقدة ضد مواقع الويب عالية الأمان، ويعزو متخصصو الأمن السيبراني وخبراء الاستخبارات الغربيون التطور المتزايد للجيش السوري الإلكتروني إلى التدريب والتوجيه السيبراني الإيراني؛ حيث إن الجيش السوري الإلكتروني ليس سوى مجموعة واحدة في الشبكة الموسعة من مجموعات الهاكرز الموالية لطهران والتي عملت إيران على رعايتها في جميع أنحاء المنطقة.
ونظرًا لأن الجيش السوري الإلكتروني يخضع للوصاية الإلكترونية لإيران، فإن طهران قادرة إلى حد كبير على إملاء تصرفات المجموعة. فعلى سبيل المثال، في أكتوبر/ تشرين الأول 2015 – في الوقت الذي أصبح فيه الجيش السوري الإلكتروني أقل نشاطًا في الفضاء الإلكتروني – دخلت إيران في محادثات متعددة الأطراف مع الحكومة الأمريكية بهدف حل الحرب الأهلية السورية.
وبالنظر إلى الدور المزعزع للاستقرار الذي يقوم به الجيش السوري الإلكتروني؛ ربما تكون طهران قد همشت المجموعة من أجل إنشاء مقعد دائم في محادثات السلام السورية إلى جانب ممثلين عن روسيا والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وتركيا.
من المحتمل أن تظهر مجموعة إلكترونيّة أخرى موالية للأسد في المستقبل القريب، لكن من غير المرجّح أن تكون بنفس درجة تطوّر وقدرة المجموعة الأصلية
بالإضافة إلى الدعم الكبير الذي تلقاه الجيش السوري الإلكتروني من طهران، فقد تلقت المجموعة أيضًا مساعدة من روسيا، وهي حليف رئيسي لنظام الأسد؛ حيث تقع خوادم الجيش السوري الإلكتروني في روسيا، وقد لاحظت صحيفة الغارديان في أبريل/ نيسان 2013 أن المجموعة ربما تكون قد تلقت مساعدة فنية متفرقة من روسيا.
ومع ذلك، فإن تركيز موسكو الأخير على أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي دفع سوريا إلى هامش السياسة الخارجية الروسية. وبالنظر إلى الضغط الدولي الهائل الذي تواجهه موسكو في أعقاب غزوها لأوكرانيا، فمن غير المرجح أن تستأنف الأجهزة الأمنية الروسية المساعدة التقنية للقراصنة الموالين للأسد.
إنّ الأحداث الأخيرة التي شارك فيها رامي مخلوف، الدّاعم المالي الرّئيسي لوكالة الجيش السّوري الإلكتروني وابن عمّ الأسد، تجعل من غير المرجّح أن يتمّ إحياء الجيش السّوري الإلكتروني في شكله الأصلي، فوفقًا لشهادات نشطاء المعارضة السّورية وعضو سابق في الجيش السّوري الإلكتروني، قام مخلوف بتمويل مجموعة الهاكرز إلى حدّ كبير من مقرّ شركته في دبي، حيث منح الأعضاء ما يصل إلى 1000 دولار لكل هجوم إلكتروني ناجح على المؤسّسات المالية والسّياسية الغربية. لكن في ربيع 2020، اختلف مخلوف مع الأسد وبدأ بانتقاد النّظام على وسائل التّواصل الاجتماعي، في حين أن النّظريات حول سبب الانقسام في الأسرة الحاكمة في سوريا لا تزال منتشرة، قد يكون الانقسام مع ذلك سببًا آخر لانحلال الجيش السّوري الإلكتروني بشكل أساسي.
ومن المحتمل أن تظهر مجموعة إلكترونيّة أخرى موالية للأسد في المستقبل القريب، لكن من غير المرجّح أن تكون بنفس درجة تطوّر وقدرة المجموعة الأصلية.
ومع تغيّر الوضع الجيوسياسي وديناميكيات النّظام الدّاخلي في سوريا، تضاءلت احتمالات وجود مجموعة إلكترونيّة سوريّة قويّة مثل الجيش السّوري الإلكتروني ذات يوم. ولكن؛ نظرًا للتّوترات الأخيرة بين الولايات المتّحدة وإيران، قد تلجأ طهران إلى وكلائها السّيبرانيين الشّيعة لاستئناف العمليّات الإلكترونيّة ضد أهداف أمريكيّة وإسرائيليّة.
في حين أن الجيش السّوري الإلكتروني الذي ظهر في أوائل العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين قد يكون شيئًا من الماضي، فمن الضّروري أن تراقب الولايات المتّحدة عن كثب الشّراكات الإلكترونيّة الإيرانيّة في الشّرق الأوسط وخارجه.
المصدر: ناشيونال انترست