في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2021، أنهى المغرب رسميًّا مهام مبعوثه إلى إيران حسن حامي، حيث استدعت الرباط السفير حامي من طهران في مايو/ أيار 2018، عندما قطع المغرب العلاقات مع إيران، بينما استشهد السفير المغربي بأدلة قوية على المساعدة اللوجستية الإيرانية للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة باسم “البوليساريو”، التي تسعى لاستقلال الصحراء الغربية.
أثناء إعلانه نبأ قرار المغرب بقطع العلاقات مع النظام الإيراني، أصرَّ وزير خارجية المغرب، ناصر بوريطة، على أن الرباط لديها “دليل قاطع” (وثائق وصور أقمار صناعية) على أن السفارة الإيرانية في الجزائر تسهّل العلاقات بين البوليساريو في الصحراء الغربية وجماعة حزب الله المسلحة المدعومة من إيران، ما يدلّ على أن الوكيل الإيراني كان يقدم تدريبات عسكرية ودعمًا لمقاتلين انفصاليين من جبهة البوليساريو.
لا يتوقف الخلاف بين الرباط وطهران عند حدّ النشاط العسكري، فبعد أكثر من 3 سنوات على قطع المغرب العلاقات الدبلوماسية مع إيران، عادت الخلافات بين البلدَين إلى الظهور، مع احتجاج المغرب على خطة طهران لمدّ نفوذها الأيديولوجي والتسلُّل إلى أفريقيا -خاصة غرب أفريقيا- لنشر الفكر الشيعي في القارة.
في أواخر يناير/ كانون الثاني 2022، ركّز خطاب بوريطة خلال جلسة البرلمان على مسألة الأمن “الروحي” للمغاربة والأفارقة بشكل عام، متعهّدًا بحماية القارة من التدخل الإيراني، ووقف محاولات بسط نفوذها، وقال إن “إيران تخطط لدخول غرب أفريقيا ونشر العقيدة الشيعية في المنطقة”.
من بين 240 مليون مسلم في أفريقيا، ينتمي 25-30% منهم للجماعات الصوفية التي ترفض العنف وتقوم على الولاء لبعض العلماء الكاريزماتيين
رفضت إيران تصريحات رئيس الدبلوماسية المغربية، حول تصميم المغرب على مواجهة استراتيجية إيران لتوسيع نفوذها الأيديولوجي والعسكري في أفريقيا، ووصف المتحدث باسم وزير الخارجية الإيراني، سعيد خطيب زاده، في مؤتمره الصحفي الأسبوعي يوم 31 يناير/ كانون الثاني، تصريحات بوريطة بأنها “لا أساس لها من الصحة”.
تشير هذه الحالة إلى أن الدبلوماسية القائمة على العقيدة الدينية أصبحت سوقًا تنافسيًّا بشكل متزايد، حيث تستخدم البُلدان خلفيتها الدينية كأداة للقوة الناعمة، ويمثل المغرب وإيران نموذجًا من بين تلك الدول التي تحاول استخدام طريقتها الخاصة في الإسلام للتأثير على دول غرب أفريقيا.
أمير المؤمنين في مواجهة المرشد الأعلى
تعود الروابط الاجتماعية والثقافية والدينية بين المغرب وجيرانه في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء إلى قرون مضت، وإلى تبادلات تجارية قوية وانتشار الإسلام في أفريقيا، حيث على عكس اليوم، كانت الروابط الدينية والاقتصادية بينهما تعزز بعضها البعض، وكان التبادل التجاري وطرق التجارة سببًا في نشر التقاليد الصوفية في غرب أفريقيا.
لعبت الجماعات الدينية، بما في ذلك القادرية والتيجانية، دورًا هامًّا في نشر الإسلام في البلاد، وتكيّفت الشخصية الصوفية نسبيًّا بشكل جيّد مع المجتمع المسلم، فخلال فترة الحماية الفرنسية كان الزعماء الدينيون من السنغال يسافرون إلى مدينة فاس لإحياء ذكرى ضريح مؤسِّس الجماعة، الشيخ أحمد التيجاني.
اليوم، لا تزال فاس، ثاني أكبر مدن المغرب، وجهة مقدسة للمسلمين التيجانيين، حيث تُعتبر التيجانية واحدة من أكبر مدارس الصوفية الرئيسية في غرب أفريقيا، ويستمر المصلّون في أداء ما يشبه “مناسك الحج” السنوية إلى ما يُعرف بـ”الزاوية” (مبنى ومؤسسة مرتبطة بالصوفيين)، وهي المقام الأول للأنشطة الدينية والتعليم الديني في فاس، حيث توفي مؤسس الجماعة أحمد التيجاني.
مع وجود غالبية السكان من المسلمين، يلتزم المغرب رسميًّا بصيغة دينية تتكون من 3 ركائز: الإسلام المالكي السنّي، العقيدة الأشعرية والتصوف الروحي، ووفقًا للدولة فإن هذا المزيج الخاص من المعتقدات الإسلامية، إلى جانب انفتاح المغرب وتفاعله الدائم مع الثقافات والحضارات، يمنح الإسلام المغربي مرونة واعتدالًا كثيرًا لما يُروَّج له في دول غرب أفريقيا.
تظهر الصوفية بشكل متزايد كعنصر أساسي للروحانية في العلامة التجارية المغربية للإسلام المعتدل، وتلعب دورًا أساسيًّا في فهم المغرب للإسلام، يتناسب هذا التقليد بدقّة مع الصورة الهادئة والروحية للدين الي ترغب الدولة في إبرازها. ولا شك أن هذا الهدوء ضروري في بلد يعتمد بشدة على الإسلام، وملك يروّج لنسب مزعوم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، لإضفاء الشرعية على حكمه.
يُصنَّف الملك المغربي كزعيم روحي للمسلمين، وعلى هذا النحو لا يمكن أن يُنظر إليه على أنه يفضّل أي نظام ديني على آخر، ومع ذلك تتفهّم الدولة المغربية الأصول الرمزية للصوفية وتواصل التأكيد عليها باعتبارها جزءًا أساسيًّا من هويتها الدينية، وغالبًا ما تقدّم الدعم للتبادلات الصوفية بين المغرب وغرب أفريقيا، لا سيما تلك الخاصة بالطريقة الصوفية التيجانية.
منذ وصوله إلى الحكم، ولكسب النفوذ في أفريقيا، قادَ الملك المغربي محمد السادس “الدبلوماسية الدينية”، معتمدًا على “الصوفية” علامة المغرب التجارية للإسلام المعتدل، فمن بين 240 مليون مسلم في أفريقيا، ينتمي 25-30% منهم للجماعات الصوفية التي ترفض العنف وتقوم على الولاء لبعض العلماء الكاريزماتيين، الذين يُعتبرون رجال دين ومرشدين روحيين.
ومع ذلك، بدأ المغرب مؤخرًا استراتيجية دينية جديدة في غرب أفريقيا، تتماشى مع رؤيته الجديدة حول الدور الذي يمكن أن يلعبه المغرب في القارّة، وتقوم الدبلوماسية الدينية على أساس أن الملك “أمير المؤمنين”، بالإضافة إلى إنشاء المؤسسات الجديدة واستخدام الجهات الفاعلة غير الحكومية.
تمَّ التأكيد بشكل خاص على فكرة العلامة التجارية للإسلام المغربي في أعقاب تفجيرات الدار البيضاء عام 2003، والتي قُتل فيها 45 شخصًا، خلال خطاب رسمي بعد بضعة أشهر من الهجمات، حيث كان الملك محمد السادس حازمًا بشأن محافظة البلاد على تفسيرها المعتدل للإسلام، وحذّر من الواردات الدينية الأجنبية التي لا تتوافق مع الهوية المغربية، في إشارة مباشرة لإيران.
ازدادت هذه السيطرة على المجال الديني فقط بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، حيث بدأ المغرب باستخدام الجانب الديني في جهوده لمحاربة التطرف داخليًّا وكذلك في منطقة الساحل، والتأثير على الجمهور في تلك البلدان وكذلك الحكومات من خلال النهوض كبلد للتعايش والإسلام المعتدل، ويعتقد المغرب أن النهج العسكري وحده قد لا يكون مفيدًا للتعامل مع التطرف، وأن الجانب الروحي ضروري.
في المقابل، تُصنَّف أفريقيا كواحدة من الأهداف الرئيسية لطهران، حيث تتطلع إلى توسيع نفوذها خارج منطقة الشرق الأوسط، وأهم أوراق قوتها الناعمة: الأيديولوجية الشيعية، إذ تشكّل أفريقيا موطنًا لأكثر من 1.2 مليار نسمة، نصفهم تقريبًا من المسلمين، ومعظمهم من السنّة، ويشكّل الشيعة من مسلمي أفريقيا 5-10%.
كانت رئاسة محمود أحمدي نجاد (2005-2013) نقطة تحول في انخراط إيران في القارة السمراء، حيث عملت طهران على تعميق علاقاتها مع الدول الأفريقية، وخاصة دول جنوب الصحراء.
ربما كان المشروع الأكثر وضوحًا في جهود التصدير الدينية للبلاد هو معهد محمد السادس لتدريب الأئمة والمرشدين والمرشدات الأفارقة على الإسلام المعتدل
في عام 2012، في اجتماع مع رئيس بنين ورئيس الاتحاد الأفريقي، حدّد آية الله خامنئي أفريقيا باعتبارها جانبًا رئيسيًّا من المدار الجيوسياسي لإيران، قائلاً إن “القارة الأفريقية جزء من الإطار الرئيسي للسياسة الخارجية لإيران”، إلا أن ذلك تغيّر في ظل إدارة روحاني، التي أولت اهتمامًا أقل بكثير لأفريقيا في سياستها الخارجية.
ومع ذلك، لا يقتصر النطاق الجيوسياسي لإيران على جيرانها، كما أوضح المرشد الأعلى في خطاب ألقاه أمام قادة الحرس الثوري الإسلامي في أكتوبر/ تشرين الأول 2019: “لا تفوتوا هذه الجغرافيا الشاسعة للمقاومة، لا تفوتوا هذه النظرة العابرة للحدود، لا ينبغي أن نكتفي فقط بمنطقتنا”.
علامة المغرب التجارية للإسلام المعتدل
يُسلَّط الضوء على القيادة الدينية المغربية في أفريقيا بهدف الجمع بين المسلمين الأفارقة في ظل إسلام محدّد بالمغرب، ويُقدَّم هذا التفسير للإسلام بشكل غير مباشر كبديل للفكر الشيعي في إيران والخط الوهابي الأكثر صرامة في المملكة العربية السعودية، الحليف المغربي الوثيق.
بالنسبة إلى الحكومات المهتمة بالتطرف الديني والإرهاب، فإن النموذج الديني المغربي جذّاب، وازداد الطلب على منتجه، فقد ارتفع عدد الاتفاقيات الدينية الموقّعة بين المغرب و5 دول أفريقية أخرى بين عامَي 1975 و1999 إلى 36 اتفاقية بين عامَي 2012 و2019.
تستخدم الدبلوماسية الدينية المغربية الجديدة المؤسسات الدينية والتعليمية أيضًا، وربما كان المشروع الأكثر وضوحًا في جهود التصدير الدينية للبلاد هو معهد محمد السادس لتدريب الأئمة والمرشدين والمرشدات الأفارقة على الإسلام المعتدل، باستثمار وصلت قيمته إلى 20 مليون دولار في الرباط، والذي يقوم بتدريب الباحثين المغاربة والدوليين على حد سواء.
يقع المعهد في قلب جهود المملكة لإعادة صياغة إسلام متسامح وهادئ، يدعم سياسة مكافحة الإرهاب والمصالح الأمنية على نطاق أوسع، ويأتي معظم طلاب المعهد من مالي وغينيا وساحل العاج، وهي دول تهتم حكوماتها بالعنف الديني وترى ترياقًا في الإسلام المغربي.
في عام 2013، وقّع المغرب اتفاقية لتوفير تدريب لمدة عامَين لـ 500 إمام مالي، لمكافحة الفكر المتطرف وتعزيز الإسلام المالكي السنّي، والآن تهتم دول أفريقية أخرى وبعض الدول الأوروبية بتدريب أئمتها في المغرب أيضًا.
بالإضافة إلى الدين، تشمل المناهج الدراسية العلوم الاجتماعية مثل الفلسفة وعلم النفس، والتدريب المهني في مجالات متنوعة مثل الخياطة والهندسة الكهربائية، كما يتعلم الطلاب القرآن والحديث والفقه الإسلامي، ويتدرّبون ليصبحوا سفراء دينيين مع الحفاظ على أصالة ثقافاتهم المحلية، ففي بلدان مثل مالي والسنغال لا يوجد هيكل مؤسسي مماثل لتدريب الأئمة، يقدم نوعًا متنوعًا من التعليم المتاح في المعهد المغربي.
إلى جانب المؤسسات، يستخدم المغرب أيضًا الجهات الفاعلة غير الحكومية؛ على سبيل المثال، في عام 2016، ومع تزايد الطلبات من البلدان الأفريقية للتدريب الديني المغربي، أطلقت الحكومة المغربية أيضًا مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة المسلمون لتبادل الخبرات وأفضل الممارسات، ولضمان “حماية العقيدة الإسلامية والوحدة الروحية للعلماء، وتوحيد الشعوب الأفريقية ضد كل التيارات العنيفة”.
التوسُّع الأيديولوجي الإيراني
كأكبر دولة ذات أغلبية شيعية، اتّبعت إيران سياسة خارجية قائمة على دعم وتوسيع وجودها في المجتمعات الإسلامية الأفريقية، وتستخدم خصائص تاريخية وثقافية محدَّدة لجعل الدين جزءًا من سياستها الخارجية في البلدان ذات الجاليات الشيعية الكبيرة.
يعتمد هذا التفكير في السياسة الخارجية على مفهوم معيّن للعدالة، حيث يأخذ الإسلام السياسي الإيراني في الاعتبار كلًّا من التراث الفلسفي الديني للشيعة وفكرة الاحتجاج ضد الظلم.
علاوة على ذلك، من المهم الإشارة إلى دور الجمهورية الإسلامية كقوة معادية للوضع الراهن، ضد النظام الدولي الحالي الذي يُنظر إليه على أنه نظام مفروض من الغرب.
تركّز إيران في توسيع قوتها الناعمة ونفوذها عبر القارة، على مجتمعات الأقلية المسلمة الصغيرة في دول جنوب الصحراء الكبرى، حيث قامت بتصدير علامتها التجارية الإسلامية الشيعية إلى أفريقيا
لكسب قلوب وعقول المسلمين الأفارقة، ينظّم النظام الإيراني ومؤسساته المؤتمرات، ويعقد الأحداث الدينية والسياسية، ويعمل مع شركاء محليين، ويدير أكثر من 100 مركز إسلامي ومدارس ومساجد في أكثر من 30 دولة أفريقية، بها آلاف الطلاب ورجال الدين والمبشرين.
بالإضافة إلى ذلك، قدمت طهران حوافز مالية واقتصادية للحكومات الأفريقية، واستخدمت اثنتين من جمعياتها الخيرية، هما الهلال الأحمر الإيراني ولجنة الإمام الخميني للإغاثة، لتقديم مجموعة واسعة من الخدمات الاجتماعية والصحية المجانية في العديد من البلدان الأفريقية.
حُدِّد هذا المشروع الإيراني في تقرير صدر هذا الشهر بعنوان “تدخلات الشرق الأوسط في أفريقيا: القوة الناعمة لطهران واسعة النطاق”، الذي نشره منتدى الشرق الأوسط ومقرّه الولايات المتحدة، وأشار إلى أن معظم السكان المسلمين يعيشون في شمال أفريقيا، وقد منعت حكوماتهم عمومًا أي محاولة للأنشطة من قبل طهران على أراضيها.
ومع ذلك، تركز إيران في توسيع قوتها الناعمة ونفوذها عبر القارة، على مجتمعات الأقلية المسلمة الصغيرة في دول جنوب الصحراء الكبرى، حيث قامت بتصدير علامتها التجارية الإسلامية الشيعية إلى أفريقيا، وفي الوقت نفسه كانت إيران تعيد تشكيل سياسات القارة وتتحايل على العقوبات الاقتصادية.
ذكرت دراسة أخرى، نُشرت في يونيو/ حزيران 2018، بعنوان “التوسع الأيديولوجي الإيراني”، أن “إيران تنظر إلى التعليم كمكوّن أساسي في مهمتها لنشر الأيديولوجيا الخمينية والمعادية للغرب في الداخل والخارج، وبالتالي استثمرت بكثافة في المساعي الجامعية الدولية”.
تعمل الجامعات الإيرانية على توسيع فروعها بسرعة من حيث العدد والقدرة في أفريقيا جنوب الصحراء، في خطوة يراها خبراء التعليم العالي إما أنها تعزّز الأوساط الأكاديمية في القارة، وإما تحاول توسيع الدبلوماسية الثقافية الإيرانية أو “القوة الناعمة” لخدمة أجندات إيران السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية، وبناء تحالفات وشراكات إقليمية.
ويُنظر إلى الجامعات كجزء من مشروع إيران لتوظيف المنظمات الأفريقية في استراتيجيتها التوسعية طويلة المدى لأفريقيا، ومنها جامعة المصطفى الدولية، وهي مؤسسة دينية تهدف إلى تدريب العلماء المسلمين وتصدير الفكر الثوري لطهران عبر العالم الإسلامي، ونشر أيديولوجية إيران المناهضة لأمريكا و”إسرائيل”، لها فروع في أكثر من 60 دولة حول العالم، بما في ذلك 17 دولة أفريقية جنوب الصحراء، وتدير 100 مدرسة ومسجد.
كانت أهم المواقع الأفريقية لجامعة المصطفى الدولية في نيجيريا، التي كان عدد سكانها عدة ملايين من المسلمين الشيعة، وأوغندا وسيراليون، حيث أدارت كلية المصطفى الإسلامية بأوغندا والمعهد الدولي للدراسات الإسلامية على التوالي.
خرَّجت الجامعة نحو 10 آلاف طالب أفريقي، ويدرس حاليًّا حوالي 3000 طالب أفريقي في فروع جامعة المصطفى في القارة، و2000 طالب مسجّلين في دورات في إيران، ويُرسَلون كمبشّرين إلى بلدانهم الأصلية عدة مرات في السنة.
وفقًا للتقرير، تضمّ جامعة آزاد الإسلامية عددًا طلابيًّا يبلغ 1.62 مليون طالب، وهي مصنّفة رابع أكبر جامعة في العالم من حيث الالتحاق، وتمتلك فروعًا ومكاتب دولية في جامعات محلية في العديد من البلدان، بما في ذلك تنزانيا.
علاوة على ذلك، أفادت صحيفة “ديلي بوست” النيجيرية في فبراير/شباط، أن إيران ستُنشئ المزيد من الفروع الجامعية في نيجيريا، وكشف تقرير آخر صادر عن وكالة “أنباء الجمهورية الإسلامية” عن خطط لإنشاء فروع للجامعة التقنية والمهنية الإيرانية، ليس فقط في السنغال ولكن في دول أفريقية أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، وفقًا لما نقلته وكالة “مهر” للأنباء، تخطط العديد من الجامعات الإيرانية -إلمي كاربوردي، وجامعة العلوم التطبيقية والتكنولوجيا وجامعة بايام نور، المتخصصة في التعليم عن بُعد، ولديها حوالي 30 مركزًا إقليميًّا وحرمًا جامعيًّا في إيران- لإنشاء فروع لها في أرخبيل جزر القمر بشرق أفريقيا.
لماذا أفريقيا؟
لا يُنظر إلى الصادرات الدينية المغربية بعين الريبة في غرب أفريقيا، حيث يمارس غالبية السكان شكلًا مشابهًا من الإسلام؛ علاوة على ذلك، بينما تنفق المملكة العربية السعودية وإيران الأموال للترويج للدين لتحقيق مكاسب جيوسياسية، فإن المغرب قادر على استخدام التقارب الديني الحالي لتحقيق مكاسب تجارية.
وبغضّ النظر عن تطلعات القيادة الدينية، فقد عملت الدبلوماسية القائمة على الدين في المغرب على استكمال أهدافه الاقتصادية في القارة، ومن خلال الاستفادة من النمو المتزايد والطبقة المتوسطة المزدهرة في المنطقة، والسعي إلى التنويع الاقتصادي بعيدًا عن شركائه التجاريين التقليديين في أوروبا، زاد المغرب من تركيزه على أفريقيا جنوب الصحراء، فأصبح أكبر مستثمر في المنطقة.
ولتعزيز ذلك، في يونيو/ حزيران 2015، اختتم الملك محمد السادس جولة استغرقت 3 أسابيع في أفريقيا -بما في ذلك السنغال وغينيا بيساو وساحل العاج والغابون-، ووقّع عشرات الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية، وأجرى في المجمل -منذ أن أصبح ملك المغرب عام 1999- أكثر من 50 زيارة إلى حوالي 30 دولة أفريقية، وأمَّ صلاة الجمعة خلال هذه الزيارات، والتقى بقادة دينيين، وتبرّع بنسخ من القرآن.
وتشمل المشاريع المعلنة خلال هذه الزيارات استثمارات في الإسكان الميسور وبناء مصانع الأسمنت، وزادت البنوك المغربية من فروعها في أفريقيا الفرنكوفونية أو غرب أفريقيا، وأصبحت القارة سوقًا هامًّا لشركة الفوسفات المملوكة للدولة (Chérien des Phosphates).
تشير تلك الزيارات والطريقة التي استقبلت بها شعوب تلك البلدان ذات الأغلبية المسلمة إلى السلطة الروحية العابرة للحدود للملك، وتمكّنَ خلالها المغرب أيضًا من وضع نفسه كمحور رئيسي للبلدان الدولية الراغبة في دخول السوق الأفريقية، وتعزير مكانته كلاعب إقليمي عبر دبلوماسيته الدينية.
الدبلوماسية القائمة على العقيدة المغربية لديها أيضًا بعض الأهداف التي يتعيّن تحقيقها، فمن خلال وجود صيغة لمكافحة الإرهاب في دول غرب أفريقيا، يحاول المغرب التأثير على الجمهور في تلك البلدان وكذلك الحكومات، من خلال النهوض كبلد للتعايش والإسلام المعتدل، وبالتالي يُنظر إليه بشكل إيجابي.
كذلك يحاول المغرب طرح نفسه كشريك مهم لمكافحة التطرف والنهوض كقوة إقليمية، وكشريك محتمَل للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في القضايا الأمنية في المنطقة، من خلال استخدامه للدبلوماسية الدينية كدبلوماسية عامة.
عند النظر إلى التواصل الديني المغربي، لا يمكن للمرء أن يتجاهل المنافسة المستمرة للبلاد على النفوذ مع جارتها الجزائر، ومطالباتها بقضية الصحراء الغربية، وهي واحدة من أهم الأولويات التي تحاول الدبلوماسية الدينية المغربية تسجيل نقاط فيها.
بالنسبة إلى طهران، تشكِّل المجتمعات الشيعية في أفريقيا مصدرًا للدعم المالي والمواد الخام وسوق المنتجات، ومكانًا للالتفاف على العقوبات عبر الاستثمار في مجموعات من الشركات القائمة على المعرفة
من خلال تعزيز أوراق اعتماد القيادة الأفريقية وبناء النفوذ السياسي، يأمل المغرب في كسب الدعم لمطالبه بإقليم الصحراء المتنازع عليه، خاصة بعد التحديات التي واجهها مع بعض دول الاتحاد الأوروبي، التي حاولت تحدي شرعية المغرب لتصدير المنتجات من المنطقة المتنازع عليها.
مع استمرار الصراع منذ عقود في طريق مسدود، يعتمد المغرب والجزائر على قنوات دبلوماسية مختلفة للدفاع عن قضيتهما، لكن فيما يتعلق بالدبلوماسية الدينية، فإن جهود الجزائر تتضاءل مقارنة بجهود جارتها، وعلاوة على ذلك لا يتمتع رئيسها بالشرعية الدينية التي مُنحها الملك المغربي.
وبالتالي، إن الهدف النهائي للدبلوماسية الدينية المغربية في غرب أفريقيا، هو التأثير على الآخرين وخدمة المصلحة الوطنية، من خلال النهوض كقوة إقليمية مع صيغة خاصة لمحاربة التطرف.
بالنسبة إلى طهران، يُنظر إلى أفريقيا أيضًا على أنها منطقة ذات أهمية استراتيجية لعدة أسباب؛ ما يقارب الـ 45% من سكان القارة البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة مسلمون، وتدرك طهران أن الافتقار إلى النفوذ هناك يمثل عقبة خطيرة في سعيها للسيطرة على العالم الإسلامي، وقد يؤثر اكتساب الدعم الشعبي داخل المجتمعات الإسلامية أيضًا على سياسات الحكومات الأفريقية تجاه إيران.
تشكِّل المجتمعات الشيعية في أفريقيا مصدرًا للدعم المالي لطهران، وكيل حزب الله في لبنان، في الوقت نفسه يوفر الوجود القوي لها في القارة لإيران شبكة وطرقًا للدعم اللوجستي للجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط، كما يوفر المواد الخام وسوق المنتجات ومكانًا للالتفاف على العقوبات عبر الاستثمار في مجموعات من الشركات القائمة على المعرفة، التي تنشأ لأغراض بحثية لكنها شركات واجهة أو “شركات هيكلية” ترمي إلى الحد من الفساد والتهرب الضريبي.
عادة ما تكون هذه الشركات مؤسسات خاصة تسعى إلى تسويق نتائج البحوث، لا سيما في الطب، وتحسين سلسلة التوريد الغذائي، والميكنة الزراعية، وتعظيم غلة المحاصيل، نظرًا إلى أن هذه الشركات الصغيرة تنتمي إلى القطاع الخاص، ويرتبط مجال عملها بالمنتجات الإنسانية، فهي أقل عرضة للعقوبات.
على سبيل المثال، في يناير/ كانون الثاني، افتتح “بيت الابتكار والتكنولوجيا الإيراني” (iHit) في كينيا، وتهدف طهران أيضًا إلى إنشاء منطقة اقتصادية في البلاد بحلول نهاية هذا العام.
علاوة على ذلك، في يونيو/ حزيران، بدأ مكتب متخصص لتصدير منتجات التكنولوجيا الحيوية الإيرانية العمل في أوغندا، ووقّعت جامعة طهران للعلوم الطبية اتفاقية مع المركز الأفريقي للتنمية الصحية، الواقع في غانا، للتعاون في مجال تقنية النانو الطبية.
وفي إشارة إلى منحة قدرها 200 مليون يورو لدعم الصادرات إلى أفريقيا، قال فرزاد بيلتان، المدير العام لمكتب الدول العربية والأفريقية بمنظمة ترويج التجارة الإيرانية: “في خطة مدتها 3 سنوات، سنزيد صادرات إيران إلى القارة إلى 1.1 مليار دولار”.
هذه التطورات الأخيرة هي علامة واضحة على عودة ظهور استراتيجية إيران في أفريقيا، وجهودها لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع القارة.
تسعى إيران أيضًا إلى تحقيق أهداف سياسية في أفريقيا، مثل تشجيع الحكومات على التصويت معها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى، كما حاولت استخدام الحكومات الأفريقية الصديقة للتحايل على العقوبات، والحصول على التكنولوجيا العسكرية والنووية، والوصول إلى موارد اليورانيوم.
وعبر المنظمات الدينية تنشر طهران أيديولوجيتها وتولّد الدعم الشعبي لسياساتها وتجنّد مقاتلين جددًا، وتعتمد على عدة مؤسسات دينية أهمها تلك التي تُسمى “البنياد”، وهي مؤسسات خيرية حكومية تحظى بنفوذ واسع داخل وخارج إيران، وتموّل مراكز شيعية أفريقية ومشاريع بنى تحتية وتقدم مساعدات للمجتمعات المحليات، ما يجعلها في صدارة المؤسسات المستهدفة بالعقوبات الأمريكية.
كذلك أصبحت أفريقيا مكانًا لأنشطة إيران غير الشرعية كتجارة المخدرات وغسيل الأموال، فعلى مدى السنوات العديدة الماضية اعتقلت عدة حكومات أفريقية “إرهابيين” إيرانيين مشتبهًا بهم، وفكّكت شبكات موالية لطهران، وصادرت شحنات أسلحة إيرانية لجماعات متطرفة في الشرق الأوسط.
في فبراير/ شباط 2018، على سبيل المثال، أُلقي القبض على مواطنَين لبنانيَّين في جنوب أفريقيا، ووُجّهت إليهما تهمة شراء مكونات رقمية تُستخدم في الطائرات المسيّرة بشكل غير قانوني، وإرسالها إلى حزب الله.
وبالمثل، في أواخر عام 2017، ذكرت وسائل الإعلام الأمريكية تفاصيل “مشروع كاساندرا”، الذي أطلقته إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية لمكافحة مؤسسة حزب الله للمخدرات وغسيل الأموال، التي تبلغ قيمتها مليار دولار في جميع أنحاء العالم.