توجهت أنظار الفرنسيين ومعظم متابعي السباق نحو الإليزيه ليلة أمس الأربعاء إلى المناظرة التليفزيونية التي جمعت مرشحي الدور الثاني من الانتخابات الفرنسية المقررة نهاية هذا الأسبوع، الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان.
مناظرة، عُرضت خلالها المشاكل والحلول، لكن سجلت انتصارًا معنويًا لماكرون قبل 4 أيام من الانتخابات كما حدث سنة 2017، إذ سرعان ما تحول النقاش والجدل بين المرشحين لصالح ماكرون، وظلت لوبان في وضع المتفرج الصامت خلال الثلثين الأولين من المناظرة.
المناظرة الثامنة منذ عام 1974
هذه المناظرة التي نظمت مساء أمس الاربعاء – بين الجولتين الانتخابيتين – هي الثامنة من نوعها منذ بداية الجمهورية الخامسة في عهد شارل ديغول، والثانية على التوالي التي تجمع ماكرون بلوبان، الأولى كانت في أبريل/نيسان 2017، وقبلهم التقى فرانسوا ميتران وفاليري جيسكار ديستان مرتين في عامي 1974 و1981.
يعتبر النقاش المتلفز بين المرشحين المؤهلين للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية تقليدًا في فرنسا منذ سنة 1974، فبعد وفاة الرئيس جورج بومبيدو في تلك السنة، تم تنظيم الانتخابات الرئاسية بسرعة عندها ظهرت أول مناظرة تليفزيونية بين الجولتين بين فاليري جيسكار ديستان وفرانسوا ميتران.
اعتبرت المناظرة الرئاسية حينها بمثابة نقطة تحول ومبارزة حاسمة في الحملة الانتخابية، فقد مثلت بالفعل نقاشًا فريدًا في التاريخ السياسي الفرنسي، ومنذ ذلك الحين أثبتت المناظرة التليفزيونية نفسها على أنها أعلى نقطة في الحملة الانتخابية.
بدا ماكرون متمكنًا من أغلب المحاور التي تم التطرق إليها، مستعرضًا أرقامًا وتفاصيلًا اعتبر أنها تجعل برنامج لوبان “غير منطقي”
تمثل المناظرة حدثًا بارزًا في الحملة الانتخابية، ويتم تنظيمها عادة قبل أربعة أيام من تاريخ الجولة الثانية، وقد تم التخلي عنها مرة واحدة منذ بداية العمل بها وذلك في سنة 2002، عندما رفض جاك شيراك الوقوف إلى جانب مرشح اليمين المتطرف جان ماري لوبان لأنه يعتبر ألا نقاش مع متعصب وعنصري.
يناقش المرشحان طيلة فترو زمنية تمتد بين ساعتين وثلاث ساعات، أبرز القضايا التي تهم الناخب الفرنسي كالبطالة والقدرة الشرائية والضرائب والطاقة والنقل والمناخ والصحة والهجرة والأمن والعلمانية، فضلًا عن السياسة الخارجية ورؤية كل طرف للدبلوماسية الفرنسية وعلاقات البلاد الخارجية وغيرها من المواضيع المهمة، فهي إذًا فرصة للمتنافسين على قصر الإليزيه ليحددوا بالكلمات قبل الأفعال تصورهم للحكم.
يتم التحضير لهذا الموعد المهم قبل مدة، ذلك أنه لقاء محفوف بالمخاطر ويمكن أن يحدد اسم الرئيس القادم، فالملايين من الفرنسيين بغض النظر عن مكان إقامتهم أو انتمائهم الاجتماعي والمهني أو ممارستهم السمعية البصرية يجدون أنفسهم أمام التليفزيون لمتابعة المناظرة، وقد ثبت في كثير من الأحيان أنها حاسمة بالنسبة لنتائج الاقتراع.
???ÉLYSÉE 2022 – Le débat d’entre-deux-tours de l’élection présidentielle entre Emmanuel Macron et Marine Le Pen a rassemblé 15,6 millions de téléspectateurs, un chiffre en baisse par rapport à 2017 (Médiamétrie). pic.twitter.com/Sety8FqYnR
— ?Le Globe (@LeGlobe_info) April 21, 2022
تابع ما يقرب من 15.6 مليون مشاهد مناظرة الأمس، وهي درجة أقل من مناظرة انتخابات سنة 2017 التي تابعها 16.5 مليون مشاهد، وفقًا لما أوردته ميدياميتري، فيما تجمع سنة 1974، خلال المناظرة الرئاسية الأولى، 25 مليون فرنسي أمام شاشاتهم لمتابعة النزال بين فرانسوا ميتران وفاليري جيسكار ديستان، وبلغ عدد المشاهدين 30 مليونًا في مناسبتين وذلك سنتي 1981 و1988.
ماكرون أكثر إقناعًا
على غرار مناظرة سنة 2017، بدا ماكرون أكثر إقناعًا في أغلب المحطات والمسائل التي تم طرحها ليلة الأمس، فرغم عدم وجود ضربات قاضية هذه المرة، كان الرئيس المنهية ولايته أكثر راحة مقارنة بمرشحة التجمع الوطني التي ظهرت في العديد من الأحيان في موقف دفاعي.
بعد أكثر من ساعتين ونصف من النقاش بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبان ، يبدو أن ماكرون ظهر كفائز في المناظرة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وهو ما أكده استطلاع رأي أجرته شركة إيلابي لاستطلاعات الرأي لصالح محطة بي.إف.إم التليفزيونية.
كشف استطلاع الرأي أن 59% من المشاهدين الذين استطلعت آراؤهم اعتبروا أن ماكرون أكثر إقناعًا، إلا أنها نسبة أقل مما كان عليه الوضع سنة 2017، إذ خلص استطلاع رأي أجرته نفس الشركة في تلك السنة إلى أن 63% من المشاهدين وجدوا ماكرون أكثر إقناعًا.
@EmmanuelMacron
Monsieur le président , je ne peux rester muet face votre brillante intervention lors du débat politique avec Marine le Pen.
Je tiens à vous féliciter pour votre victoire à l’élection présidentielle 2022.
Macron président.
Vive la France.
— Révérend Alain Moundi (@RAlainmoundi) April 21, 2022
في مقابل ذلك، رأى 39% من المشاهدين أن لوبان ظهرت بشكل أفضل في نهاية المناظرة التليفزيونية، فيما كان 2% دون رأي، وعن أي من المرشحين يتمتع بأكبر قدر من الصفات اللازمة لرئاسة الدولة، اعتبر 53% من المشاركين إيمانويل ماكرون أكثر مصداقية، مقابل 28% لصالح مارين لوبان، فيما يشعر 19% أنه ليس لدى أي منهما المهارات المطلوبة.
بدا ماكرون متمكنًا من أغلب المحاور التي تم التطرق إليها، مستعرضًا أرقامًا وتفاصيلًا اعتبر أنها تجعل برنامج لوبان “غير منطقي”، وذلك سعيًا منه لإقناع الناخبين المترددين والممتنعين عن التصويت في الجولة الأولى، لا سيما ناخبي اليسار الذين ينتظر أن يؤدوا دورًا حاسمًا في الاقتراع الأحد.
حاولت مرشحة اليمين المتطرف أن تكون أكثر قربًا من الفرنسيين وذلك بالتركيز على موضوع القدرة الشرائية والضرائب والبطالة
كما عمل ماكرون على مغازلة الناخبين المسلمين، فاتهم لوبان بأنها “تعيش فقط على الخوف والاستياء”، واتهمها أيضًا بالرغبة في الدفع إلى “حرب أهلية” باعتزامها حظر الحجاب الإسلامي في الأماكن العامة.
فضلًا عن ذلك، أعاد ماكرون الحديث عن صداقة لوبان ببوتين بعد محاولات مرشحة اليمين المتطرف التخلص من هذا الموضوع، حيث توجه إليها قائلًا “كنتِ على ما أعتقد من أوائل السياسيين الأوروبيين الذي اعترفوا بنتيجة ضم شبه جزيرة القرم في وقت مبكر من عام 2014″، وتابع: “لماذا فعلتِ ذلك؟ … لأنك تعتمدين على السلطة الروسية وتعتمدين على بوتين”، مشيرًا إلى حصول حزبها “التجمع الوطني” على قرض بقيمة 9 ملايين يورو عام 2017 من بنك روسي.
كما اتهم ماكرون لوبان بالسعي لإخراج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، معتبرًا أن ذلك يجعل انتخابات الأحد “استفتاء مع أو ضد أوروبا”، رغبة منه في كسب صف الناخبين المناهضين للخروج من التكتل القاري.
حضور باهت للوبان
استعدت مارين لويان لمواجهة الرئيس المنتهية ولايته، حتى إنها عزلت نفسها في المنزل خلال الـ48 ساعة الماضية للتحضير للمناظرة، وبالاعتماد على دروس فشلها في سنة 2017، طورت مرشحة اليمين المتطرف حضورها حتى لا تبدو “عدائية” وغير مناسبة لمنصب رئاسة فرنسا.
وحاولت مرشحة اليمين المتطرف أن تكون أكثر قربًا من الفرنسيين وذلك بالتركيز على موضوع القدرة الشرائية والضرائب والبطالة، إلا أن إيمانويل ماكرون أعادها إلى الواقع في مرات كثيرة وأثبت عدم إلمامها بالعديد من الملفات المهمة.
كان من المنتظر أن تركز لوبان على قضية ماكنزي لإرباك ماكرون، إذ يُتهم ماكرون بمحاباة شركة أمريكية للحصول على عقود أكثر خلال فترة ولايته الرئاسية، مقارنة بالآخرين، كتعويض عن الدور الذي لعبه بعض مستشاريها خلال حملته الانتخابية سنة 2017 وحتى قبلها في أثناء شغله منصب وزير الاقتصاد وتدخلها في العديد من الملفات الحساسة.
Débat le plus fade de l’histoire de l’élection présidentielle #MarinelePen trop sur la défensive#Macron pervers talentueux
La France s’enfonce dans l’impasse
— Florence Desruol (@florencedesruol) April 21, 2022
لكن بالكاد تم ذكر هذا الملف باستثناء ورود اسم الشركة في حديث عابر للوبان بعد ساعتين من بدء المناظرة، إذ قالت لماكرون في خصوص إصلاح التعليم “الإصلاح الذي تقترحه هو إصلاح يتكون من دفع رواتب المعلمين وفقًا لنتائج طلابهم، لا أعرف ما إذا كانت شركة ماكنزي جاءت مع ذلك”، رد إيمانويل ماكرون ساخرًا: “لقد قضيت وقتًا طويلاً يا سيدتي لوبان” ولم يذهب الحديث أبعد من ذلك.
لم تفلح لوبان في التسويق لبرنامجها، حيث ظهرت بمثابة المدافع عن برنامج غير واقعي بالنظر للأرقام والتفاصيل التي قدمها ماكرون، وهو ما يفسر نتائج عمليات استطلاع الرأي التي أعقبت المناظرة التي تجاوزت مدتها الساعتين ونصف.
بالمحصلة، تمكن ماكرون ليلة الأمس من الدفاع عن حصيلة حكمه وتقديم برنامجه للمرحلة القادمة، فضلًا عن إرباك منافسته التي بدت غير ملمة بمواضيع كثيرة، لكن ما يخشاه الرئيس المنتهية ولايته عدم توجه العديد من أنصاره لانتخابه اعتقادًا منهم أن النتيجة حُسمت لصالحه، ما يمكن أن يُحدث مفاجأة.