يشارك التونسيون في الانتخابات الرئاسية التي ستقام يوم الأحد لمعرفة رئيس جمهوريتهم القادم، كما يترقبون في نفس الوقت معرفة اسم رئيس الوزراء القادم، حيث اتفقت كل الأطراف السياسية في البلاد على أن يتم تأجيل تشكيل الحكومة إلى ما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية، وهو ما يعتبر جزءا من تقدم تونس بعناية نحو نحو الديمقراطية.
وقررت الطبقة السياسية أنه من المنطقي أكثر أن يقوم الرئيس المنتخب بتكليف الحكومة عوض أن يكلفها الرئيس الحالي غير المنتخب. مع العلم أن الدستور الجديد للبلاد، ينص على أن يطلب الرئيس من رئيس الحزب الحائز على أكبر عدد من مقاعد البرلمان أن يشكل الحكومة.
ومع استمرار انتظار رئيس الوزراء الجديد، يشتد النقاش داخل حزب نداء تونس، الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية، ففي حال فوز رئيس الحزب، الباجي قائد السبسي (هو الأوفر حظا بالفوز)، هل سيكون عليه أن يعين رئيسا للوزراء ويدعو النهضة، الحزب الإسلامي الذي تراجع إلى المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية الشهر الماضي، إلى المشاركة في حكومة وحدة وطنية، أم أنه سيدفع الإسلاميين إلى البقاء في المعارضة؟
ويتكون حزب نداء تونس من مجموعة متنوعة وواسعة من جماعات المصالح التتي تتراوح بين قادة الأعمال ونقابات العمال والحداثيين، بالإضافة إلى ممثلي النخبة القديمة التي حكمت في فترة الديكتاتور زين العابدين بن علي، والذين تجمع بينهم العلمانية.
فبعض قيادات الحزب يحملون حقدا وكراهية كبيرتين للإسلاميين، بالإضافة إلى قدر كبير من الغطرسة الطبقية، حيث يشبههم المحللون بالكماليين في تركيا، والذين يعادون حزب العدالة والتنمية والذي يتكون عمادته الأساسية من طبقة متوسطة من أصحاب المتاجر والفلاحين والمحافظين ومن المنتقلين من القرى إلى المدن الرئيسية.
وبعد وقت قصير من إطاحة الجيش المصري بحكومة الإخوان المسلمين وبالرئيس محمد مرسي في العام الماضي شن أنصار نداء تونس طيلة أيام كثيرة احتجاجات واعتصامات أمام البرلمان مطالبين باستقالة الحكومة الائتلافية التي قادتها حركة النهضة. وشمل تحركهم مشاركة من اليساريين والقوميين العرب، وهو ما اعتبر النسخة التونسية من حركة تمرد التي مهدت الطريق للانقلاب في مصر.
ورغم أن الجيش التونسي لا يمتلك أي تقاليد للتدخل في الشأن السياسي على عكس الجيش المصري، استقالت حركة النهضة بعد بضعة أشهر وسلمت السلطة إلى حكومة كفاءات “تكنوقراط”.
والآن وبعد تراجع حركة النهضة في الانتخابات التشريعية وحصولها على 69 مقعدا مقابل 85 مقعدا لنداء تونس، لا يرى الكثير من قادة نداء تونس أي سبب للسماح للنهضة بالعودة من جديد لسدة الحكم.
ويمكن أن يتحالف نداء تونس مع الإتحاد الوطني الحر (16 مقعد) وآفاق تونس (8 مقاعد) ليشكل أصغر أغلبية ممكنة في البرلمان المتكون من 217 مقعدا. مع العلم أن الأحزاب الثلاثة محسوبة على قطاع الأعمال وتتبنى رؤية اقتصادية ليبرالية.
ويذكر أن الطيب البكوش الأمين العام لحزب نداء تونس، كان شيوعيا في شبابه، ثم شغل منصب الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل لثلاث سنوات خلال فترة حكم الحبيب بورقيبة، زعيم الاستقلال الذي شغل منصب رئيس الجمهورية لأطولة فترة في تاريخ تونس.
وفي لقاء مع ميديل ايست آي، تمسك البكوش بالخط الرسمي لنداء تونس، وقال أن الحزب سيناقش عملية تشكيل الحكومة مع جميع الأحزاب، موجها نقدا لاذعا لحزب حركة النهضة.
ويقول البكوش: “النهضة لم تخسر دعم قاعدتها الصلبة، وإنما خسرت دعم الشعب الذي أراد تجربتها، واليوم ندرك أنهم فشلوا (عندما كانوا في الحكم) فشلا ذريعا خاصة في الملفات الاجتماعية والسياسية وحتى الدينية”.
ويبدو رئيس نداء تونس، الباجي قائد السبسي، أكثر ميولا لفكرة تشكيل ائتلاف حكومي مع النهضة من الطيب البكوش، وذلك لمنع النهضة من مهاجمة النداء في حال تعثر الاقتصاد مستقبلا، وليظهر السبسي أكثر قدرة على تحقيق الاستقرار كما كان يفعل بورقيبة.
تحالف أو تعاون:
في تصريح لصحيفة تونسية قال الكاتب المخضرم “جلبرت نقاش” أنه في حال فوز السبسي برئاسة تونس يوم الأحد، وتشكيله لحكومة وحدة وطنية تشارك فيها حركة النهضة، فإن نداء تونس سيفقد شعبيته بسرعة، مضيفا: “في حال تحالف نداء تونس مع النهضة فسوف يفقد أغلبيته داخل البرلمان وسيميل ميزان القوى لصالح حركة النهضة، وستحدث حالة من الفوضى ستؤدي إلى حل البرلمان وإعادة الانتخابات”.
وفي ما يبدو أنها خطوة لتقليل المخاطر، قام السبسي بتعديل خطابه، فقال في الأسبوع الماضي: “لا ينبغي لنا أن نتحالف مع الآخرين، ولكن يجب أن نتعاون مع التيارات الأخرى”، كما استخدم كلمة “التعاون” ملمحا إلى أنه قد يحاول التعاون مع الآخرين حول القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون اعطاء أي حقائب وزارية.
وأما الخيار الثالث، والمطروح من قبل حزب آفاق تونس، وهو حزب صغير ذو توجه اقتصادي ليبرالي، فيتمثل في أن يكون رئيس الوزراء من التكنوقراط، ويتكفل بتعيين وزراء الاقتصاد والملفات الاجتماعية، في حين يتم تعيين وزراء العدل والداخلية بالتوافق بين النهضة والنداء، ويقوم الرئيس باختيار وزير الخارجية ووزير الدفاع.
وبغض النظر عن التضارب القائم حول شكل الحكومة المقبلة، توجد قضيتان أعمق وأكثر إثارة للقلق لدى الناس الذين انحازوا للثورة ضد الديكتاتورية في سنة 2011.
القضية الأولى، هي ما إذا كان سيتم التعامل مع الإسلاميين كما وقع في مصر وحظرهم، وهل ستشترط السعودية والإمارات هذا الإجراء على الحكومة القادمة مقابل إعطاء مساعدات مالية؟
وبعد أن دعمت حركة النهضة مبدئيا نص قانون عزل سياسي ضد أعضاء الحزب الحاكم السابق، التجمع الدستوري الديمقراطي، تراجعت عنه في وقت لاحق، والآن وبعد الانتخابات تحولت حركة النهضة للمعارضة، ليعلق المحللون بأن النهضة تجنبت المصادقة على قانون العزل السياسي حتى لا يستخدم ضدها الآن.
وفي هذه اللحظة، يعتبر خيار قمع الاسلاميين هامشيا وغير وارد، خاصة بعد رؤية الفوضى التي حلت في مصر، تقدم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا النصائح بعدم حظر النهضة.
ويعتبر التسامح من أهم السمات المميزة للانتقال الديمقراطي في تونس، وطالما لم تشكل الحكومة أي تحد للسياسة الغربية في إسرائيل ولم تطلق عنان المتطرفين، فسيتم دعم هذا التوجه دوليا.
نخبة قديمة بملابس جديدة:
القضية الأخرى التي تشغل بال التونسيين المنحازين للثورة، هي مدى تأثير فوز نداء تونس بانتخابات يوم الأحد على عودة النخبة القديمة.
المنصف المرزوقي، رئيس حزب المؤتمر لأجل الجمهورية العلماني، والذي يعتبر أبرز منافسي السبسي على الرئاسة، يتحدث عن عن هذه القضية أكثر من الإسلاميين، قال في أحد خطاباته الأخيرة التي أثارت ضجة كبيرة، أن “الطاغوت” سيعود إلى تونس إذا فاز السبسي.
وفي خطاب أكثر هدوءا، قال القيادي البارز في حملة المرزوقي، طارق الكحلاوي، لميديل ايست آي: “بالنسبة لنا نداء تونس هو نفس النخبة القديمة ولكن في حلة جديدة، فمعظم أعضاء نداء تونس في البرلمان هم من التجمع”.
ويعترف الكحلاوي بأن السبسي يمتلك كاريزما قوية، ويقول: “ولكن هذه الكاريزما سببها هو السياق الذي جاءت فيه، فالبلد في حالة صدمة وكثير من الناس يفتقدون شخصية الأب.. والسبسي عمل في الحكومة لوقت طويل، والناس يشعرون بالطمأنينة تجاهه لأنه شبيه لبورقيبة”.
ويشير الكحلاوي إلى أن الأيام الأخيرة شهدت تزايدا في شعبية المرزوقي، وإلى أن السبب في ذلك هو تركيز المرزوقي على التحذير من عودة النظام القديم”.
وفي الختام، يقول الكحلاوي أن سباق يوم الأحد ليس سباقا لإسلاميين ضد علمانيين، الاختيار سيكون بين “بداية جديدة” لتونس مع عدالة انتقالية وحرية أو عودة النخبة الاستبدادية.
المصدر: ميديل ايست آي