بات واضحًا أن مهلة الأربعين يومًا التي أعطاها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لقوى الإطار التنسيقي، وبدأت منذ الأول من شهر رمضان وتنتهي في 9 شوال، من أجل تكوين تحالف واسع يسمح بتشكيل الحكومة المقبلة وإنهاء حالة الانسداد السياسي الحاليّ، ستشهد مزيدًا من المفاجآت.
فبعد أن عجزت قوى الإطار التنسيقي عن تغيير قناعات أطراف التحالف الثلاثي (الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة)، بدأت قوى الإطار التنسيقي في تغيير التكتيكات السياسية، عبر استغلال نفوذها في المؤسسة القضائية، من خلال إسقاط التهم التي كانت قد وجهت سابقًا إلى نائب رئيس الوزراء الأسبق رافع العيساوي والشيخ علي حاتم السليمان، التي تراوحت ما بين الفساد ودعم الإرهاب، ما يعني أننا قد نكون أمام مشهد سُني متغيير في الأيام المقبلة.
وفي ذات السياق أيضًا، بدأت قوى الإطار التنسيقي في التضييق على الحزب الديمقراطي الكردستاني، ليس فقط على مستوى دعم موقف حزب الاتحاد الوطني الكردستاني من خلال تمسكه بمنصب رئيس الجمهورية فحسب، وإنما استغلال الاحتقان الأمني الذي تشهده سنجار اليوم، وتحديدًا بعد أن أعلنت تركيا بدء عملية “قفل المخلب” في سنجار.
فبعيدًا عن الأهداف العسكرية لهذه العملية، فإن قوى الإطار التنسيقي تدرك جيدًا أهمية استغلال وجود حزب العمال الكردستاني على الشريط الحدودي العراقي التركي، في إفشال مساعي الحزب الديمقراطي الكردستاني المسيطر على حكومة أربيل، في إتمام صفقة نقل الغاز من الإقليم إلى تركيا، التي تنفذها شركة كار التي تعرض مقر رئيسها لهجمات صاروخية باليستية إيرانية الشهر الماضي.
الصراع على الزعامة السُنية يعود من جديد
على الرغم من نجاح الجيل الجديد من القيادات السُنية، والحديث هنا عن رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي وزعيم تحالف السيادة خميس الخنجر، في حسم السباق على الزعامة السُنية، بعد اتفاق ثنائي أنهى التنافس فيما بينهما، ونجاحهما في استغلال غياب القيادات السُنية التقليدية، والحديث هنا عن رفع العيساوي وأسامة النجيفي وطارق الهاشمي وغيرهم من جهة أخرى، فإنه بعودة بعض هذه الأسماء إلى الساحة السياسية، عاد الحديث مرة أخرى عن سباق محموم بين القيادات الجديدة والتقليدية، في مشهد قد يعيد تشكيل أوراق المشهد السُني، خصوصًا أن القيادات التقليدية تعود اليوم وبيدها ورقة مهمة ألا وهي دعم قوى الإطار التنسيقي، وتحديدًا المسلحة منها، وهو امتياز لا تمتلكه القيادات الجديدة، فضلًا عن الثقل العشائري الذي يتمتع به بعضهم، وتحديدًا في محافظة الأنبار، محور الصراع الحاليّ.
إذ ينظر التحالف الثلاثي إلى أن عملية الإفراج عن العيساوي ومن بعده العفو عن سليمان، تأتي في إطار سلسلة من تحركات مستمرة لقوى الإطار التنسيقي لضرب مركزية الحلبوسي في الوسط السُني، فإلى جانب نجاحها في استقطاب جزء من نواب تكتل عزم الذي انشق عن تحالف السيادة، بعد اتفاق الخنجر مع الحلبوسي على قيادة التحالف، دعمت قوى الإطار التنسيقي، وتحديدًا المسلحة منها، بروز شخصيات أخرى مناوئة للحلبوسي في الأنبار، والحديث هنا دعم الشيخ سطام أبو ريشة بعد خلافه الأخير مع الحلبوسي، ومحاولة اعتقاله من القوات الأمنية بعد شكوى مقدمة من الأخير، عبر إرسال قوات من كتائب حزب الله العراقي المنضوية ضمن الحشد الشعبي إلى الأنبار، ومنعت اعتقاله.
إذ تراهن قوى الإطار التنسيقي في أن تؤدي عودة العيساوي إلى الساحة السُنية ودعم ظهور قيادات أخرى، في خلق انشقاقات جديدة في صفوف تحالف السيادة، خصوصًا أن الحالة السُنية استقرت على تغيير ولاءات وانتماءات النواب السنة بعد بروز نتائج الانتخابات.
ما بين التوازن السُني والتوازن الإقليمي
إن عودة القيادات السُنية التقليدية إلى المشهد السياسي، لن تُعيد تشكيل المشهد السياسي السني فحسب، بل المشهد الإقليمي الفاعل في الداخل العراقي، وتحديدًا على مستوى العلاقات بين القيادات السُنية والراعي الإقليمي، فمما لا شك فيه أن القيادات السُنية شأنها شأن القيادات الشيعية والكردية، تربطها علاقات إقليمية واسعة مع العديد من القوى الإقليمية الفاعلة في الداخل العراقي، والحديث هنا دول كتركيا والإمارات وقطر.
فعلى الرغم من أن التقارب الذي حصل بين الحلبوسي والخنجر، وأثمر عن اندماج تحالفي تقدم وعزم ضمن تحالف السيادة، جاء بعد تقارب تركي وإماراتي مؤخرًا، وانعكس بصورة مباشرة على المشهد السياسي السُني، فإن عودة العيساوي وسليمان، وبحكم علاقاتهما الجيدة بقطر، قد تعيد الحديث مرة أخرى عن الدور القطري وإمكانية أن تعود لعبة المحاور لتلقي بظلالها على المشهد السُني في الأيام المقبلة.
كما يمكن القول إن الأجواء الإقليمية المستقرة التي تؤطر العلاقات بين قطر والإمارات، قد تُسهم في تحويل مسألة عودة العيساوي وسليمان، من عنصر تهديد إلى عنصر داعم، عبر تحقيق حالة توافق بين القيادات الجديدة والتقليدية، إلا أن دخول قوى الإطار التنسيقي ومن بعدها إيران في سياق هذا الحراك، يمكن أن يُعرقل جهود تشكيل توافق سُني تدعم مطالب المجتمع السُني في الحكومة المقبلة، خصوصًا أن المزاج السُني العام لم يعد مُتناغمًا مع حالة “الزعامة السُنية”، بقدر حاجته لإعادة إعمار المدن المحررة من سيطرة داعش وإعادة النازحين والمُهجرين والمُغيبين قسرًا وتوفير بيئة اقتصادية واجتماعية مناسبة في هذه المدن.
إجمالًا.. جهود الإطار التنسيقي عبر اللعب على ورقة تفكيك المشهد السُني من خلال خلق بيئة جديدة للصراع بين القيادات الجديدة والتقليدية، تخدم طموحاتها في تفكيك التحالف الثلاثي من جهة، وتُسهل عليه مسألة تشكيل الكتلة الكبرى، ستكون محكومة بنتائج الانتخابات وحالة التوافق الإقليمي، وهما عنصران قد يلعبان دورًا مهمًا في وضع حد لجهود الإطار التنسيقي في هذا السياق.
وعلى الرغم من أن نتائج الانتخابات والتوافق الإقليمي، تدعم وضع القيادات الجديدة على حساب القيادات التقليدية، فإن ذلك لا يمنع من القول إن هناك عاملًا ثالثًا بدأ يفرض إيقاعه على المشهد السياسي، وهو قوى السلاح التي تسيطر على أغلب المدن السُنية، التي قد تستخدم نفوذها الأمني في خلق بيئة موائمة لعودة القيادات التقليدية إلى المشهد السُني، بعيدًا عن أي تحركات فاعلة قد تقدم عليها القيادات الجديدة.