ترجمة وتحرير: نون بوست
باع الأمراء السعوديون عقارات ويخوت وأعمال فنية في الولايات المتحدة وأوروبا تجاوزت قيمتها 600 مليون دولار منذ أن شدد الحاكم الفعلي للمملكة القيود على الأسرة الحاكمة فائقة الثراء.
وتمثل المعاملات تغييرًا جذريًّا في ثروة كبار الأمراء الذين قاموا بتحويل المكاسب غير المتوقعة من طفرات النفط في السبعينات والثمانينات إلى بعض الأسواق الأكثر تميزا في العالم، وتم إنفاق المبالغ الطائلة من الأموال إلى حد كبير على الأصول التي يصعب بيعها أو استنزافها؛ حيث بلغ الإنفاق الشهري لبعض أفراد العائلة المالكة الذين لديهم عدد كبير من الموظفين ويعيشون في بذخ إلى 30 مليون دولار، مما يجعلهم عرضة للتغييرات الأخيرة في سياسة الحكومة.
في الوقت الراهن؛ يبيع بعض أفراد العائلة المالكة الأصول في الخارج لتوليد السيولة بعد أن جمد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة البالغ من العمر 36 سنة، العديد من مصادر الأموال التي استخدموها لتمويل عادات إنفاقهم المبذرة، وذلك وفق ما صرح به أشخاص مقربون من الأمراء الذين يجرون عمليات البيع.
وقال هؤلاء الأشخاص إن الأمراء يحتاجون إلى نقود لدفع الفواتير الروتينية، بما في ذلك تكاليف صيانة الممتلكات والضرائب ورواتب الموظفين ورسوم ركن طائراتهم وقواربهم، وأضافوا أن الأمراء مدفوعون في بعض الحالات بالرغبة في امتلاك أصول أقل تفاخرًا لتجنب لفت انتباه الأمير محمد، الذي قلص امتيازاتهم ووصولهم إلى أموال الدولة في عائلة آل سعود منذ أن تولى والده العرش في سنة 2015، والجدير بالذكر أن الحكومة السعودية على علم بالمبيعات.
وقال شخص مطلع على المعاملات إن “هؤلاء الأشخاص لا يعملون، ولديهم طاقم عمل ضخم وهم خائفون من الأمير محمد”، وأضاف أن الأمراء يريدون “نقودًا في جيوبهم الخلفية وألا يكون لديهم ثروة مرئية”.
ومن بين الأصول التي بيعت مؤخرًا عقار ريفي في بريطانيا بقيمة 155 مليون دولار، ويختان يبلغ طولهما أكثر من 200 قدم، ومجوهرات المغول التي قُدِّمت كهدية زفاف من الملك الراحل. وكان البائعون، بمن فيهم السفير السابق في واشنطن الأمير بندر بن سلطان، يتمتعون بنفوذ كبير في المملكة العربية السعودية.
من جانبه؛ قال المؤرخ البريطاني روبرت ليسي، الذي وثّق تاريخ الأسرة الحاكمة السعودية منذ الثمانينات: “من الواضح أنه تم تقييدهم بنظام منضبط ومحدد وعليهم العيش على هذا الأساس”؛ فالأمير محمد “موجود هنا على المدى الطويل وهو يعيد تشكيل الأمور على المدى الطويل”.
وقال ممثل عن الأمير بندر إنه باع جميع أصوله في الخارج “لأنه رأى في ذلك فوائد أكبر للاستثمار في المملكة من خلال العمل المذهل الذي يقوم به ولي العهد وخلق جميع الفرص الاستثمارية“.
وقام الأمير محمد باستبعاد الأقارب الذين يُنظر إليهم على أنهم منافسون محتملون – بما في ذلك عمه وابن عمه الأكبر سنا المحتجزان منذ سنة 2020 – وقلص الامتيازات الممنوحة لآلاف من أفراد العائلة المالكة، بما في ذلك الإجازات المدفوعة في الخارج أو مجانية الكهرباء والمياه في قصورهم السعودية. وقد بلغت هذه الامتيازات مئات الملايين من الدولارات كتكاليف سنوية للحكومة السعودية.
ولقد راكم كبار أفراد العائلة المالكة مليارات الدولارات سنويًا من خلال مبيعات النفط والعقارات، بالإضافة إلى الصفقات التجارية التي شاركت فيها الحكومة، والتي قطعها الأمير محمد تدريجيًّا عنهم، كما تضغط الحكومة على أفراد العائلة المالكة بطرق أخرى، حيث فرضت هذه السنة ضريبة قدرها 2500 دولار على كل معين منزلي يتجاوز الموظف الرابع، مما يكلف بعض أفراد العائلة المالكة مئات الآلاف من الدولارات سنويًا.
وتُظهر البرقيات الدبلوماسية الأمريكية من التسعينات – التي نشرتها منظمة “ويكيليكس” – أن بعض أفراد العائلة المالكة اعتادوا تكوين الثروة عن طريق أخذ قروض من البنوك المحلية دون سدادها، أو مصادرة الأراضي من عامة الناس، أو استغلال نظام تأشيرات العمالة الأجنبية من أجل الربح.
ويقول أشخاص مطلعون على الشؤون المالية للعائلة المالكة إن الأمراء استمروا في الاستفادة من مثل هذه المخططات حتى وصول الأمير محمد إلى السلطة، ولا يزال نظام رواتب آلاف الأمراء السعوديين، الذي قالت البرقيات الأمريكية إنه يكلف الحكومة مليارات الدولارات سنويًا، ساريًا وفقًا لأحد هؤلاء الأشخاص.
وقد عدّل العديد من الأمراء أسلوب حياتهم بسبب التحولات التي طرأت على الاقتصاد العالمي والتغيرات داخل المملكة العربية السعودية التي “أوقفت مصادر التمويل”.
وقال شخص آخر مطّلع على الصفقات: “كان لديهم مستوى حياة يفوق أي توقع، وكان الإنفاق ضخمًا بشكل لا يصدّق، لذا سيستغرق الأمر وقتًا حتى يتكيفوا”، ولم ترد وزارة الإعلام السعودية على أسئلة حول الشؤون المالية لأفراد العائلة المالكة.
وتم احتجاز بعض السعوديين الذين يقومون حاليًا بتصفية الأصول مؤقتًا في فندق “ريتز كارلتون” بالرياض في سنة 2017، الأمر الذي وصفه النقاد بالابتزاز والتلاعب بالسلطة من قبل ولي العهد، الذي اعتبره خطوة لمكافحة الفساد، ثم تمّ الإفراج عن العديد منهم مقابل تسويات مالية، فيما تواصلت عمليات التوقيف لشخصيات بارزة، بحسب هيئة مكافحة الفساد.
وكان من بين محتجزي فندق الريتز الأمير الراحل تركي بن ناصر، الذي كان القائد السابق للقوات الجوية، وكان من بين المسؤولين السعوديين الذين حققت معهم وزارة الدفاع البريطانية للاشتباه في تلقّيهم رشوات مالية من شركة “بي أيه إي سيستمز” البريطانية لصناعة الأسلحة مقابل عقود مربحة لتزويد المملكة بالمقاتلات النفاثة وغيرها من المعدات العسكرية، فيما أصبح يُعرف باسم “صفقة اليمامة” في الثمانينيات.
لم يعد معظم أفراد العائلة المالكة السعوديين قادرين على الوصول إلى مثل هذه الصفقات في عهد الأمير محمد، وتعذّر الوصول إلى ممثلي ملكية الأمير تركي ولم يرد أخيه على أسئلة حول التحقيق البريطاني، والتي لم يتحدّث عنها الأمير علنًا.
وباع الأمير تركي يخته الذي يبلغ طوله 203 أقدام في سنة 2020 ومنزلًا بقيمة 28.5 مليون دولار في مجتمع “بيفرلي بارك” في لوس أنجلوس في سنة 2021، وفقًا لأشخاص مطّلعين على الصفقات، لكنه مات قبل إتمام بيع المنزل، ولا يمكن الوصول إلى عائلته لطلب التعليق ولم يكن بالإمكان معرفة شروط تسويته بعد اعتقاله في فندق “ريتز”. ولكن وفقًا لمسؤول سعودي، فقد قُدّرت ثروته الصافية في السابق بأكثر من 3 مليارات دولار.
في سياق ذلك، لم يتم احتجاز الآخرين الذين يبيعون أصولهم، فعلى سبيل المثال؛ في سنة 2021، باع الأمير بندر عقارًا ريفيًا بقيمة 155 مليون دولار في كوتسوولدز، ووفقًا لأشخاص مقرّبين منه وعلى دراية بالصفقة؛ كان الأمير بندر يومًا ما بالقرب من مركز القوة السعودية، ولدى اثنان من أبنائه مناصب بارزة كسفيرين في واشنطن ولندن،. وأنهت الحكومة البريطانية في سنة 2007 تحقيقها في المزاعم القائلة بأنه تم إثرائه من صفقة اليمامة دون تحقيق تقدم أو نتائج، فيما نفى الأمير بندر بشدة أن تكون المبالغ المُتضمّنة تمثّل عمولات سرية له.
كان الأمير بندر ـ نجل الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيزـ أحد الفروع الرئيسية للعائلة المالكة التي جفّت مصادر دخلها في عهد الأمير محمد، وكان الأمير تركي صهر الأمير سلطان.
الجيل الأصغر من أفراد العائلة المالكة السعودية لم يعد يستخدم أو يحتاج العقارات الكبرى التي اشتراها أسلافهم، وخفّضوا من مستوى رفاهيتهم
يقول أشخاص مطلعون على ممتلكاته، إن ثروات الأمير سلطان تراكمت إلى حد كبير جرّاء وصوله إلى الأموال والموظفين والموارد الحكومية على مدى نصف قرن تقريبًا عندما كان وزيراً للدفاع. وتظهر البيانات المصرفية التي راجعتها صحيفة “وول ستريت جورنال” أنه قام في سنة واحدة فقط بتحويل عشرات الملايين من الدولارات من الحسابات الحكومية في البنك السعودي الأمريكي مباشرة إلى حسابات بالوكالة في سويسرا للمساعدة في تمويل أسلوب حياته، وذكر شخص مطلع على الأنشطة: “لقد توقف هذا بنسبة 100 بالمائة”.
وواجه ورثة الأمير سلطان شُحًّا في النقود على إثر تحركات الأمير محمد، فباعوا قصرًا في حي “نايتسبريدج” بلندن بمبلغ قياسي بلغ 290 مليون دولار في سنة 2020؛ وفقًا لأشخاص مقرّبين من العائلة المالكة وعلى دراية بالصفقة.
وباع أحد أبناء الأمير سلطان، الأمير خالد بن سلطان، الذي قاد القوات إلى جانب الجنرال نورمان شوارزكوف خلال حرب الخليج الأولى في سنة 1991، قصرًا في باريس بجوار برج إيفل مقابل 87 مليون دولار في سنة 2020 ويختًا فاخرًا بطول 220 قدمًا في سنة 2019، وفقًا لأشخاص مقرّبين منه ومطلعين على الصفقات.
وقال أشخاص مطّلعون على هذه الجهود إن بعض أبناء الأمير سلطان يحاولون أيضًا رهن أصولهم العالمية لجمع الأموال لتعويض النقص في مصادر الدخل التقليدية؛ حيث أظهرت وثائق المحكمة أن أحدهم، الأمير فهد بن سلطان، رفع دعوى قضائية من قبل بنك كريدي سويس في تشرين الثاني/ نوفمبر بتهمة التخلّف عن سداد القروض التي أخذها لإعادة تمويل يخت فاخر بقيمة 55 مليون دولار وعقار بقيمة 48 مليون دولار جنوب لندن، فيما رفض الأميران خالد وفهد التعليق.
قال مؤسس شركة “بوشامب إستيتس” المتخصصة في العقارات الفاخرة غاري هيرشام، والذي شارك في العديد من معاملات عائلة سلطان، إن الجيل الأصغر من أفراد العائلة المالكة السعودية لم يعد يستخدم أو يحتاج العقارات الكبرى التي اشتراها أسلافهم. وأضاف بأنهم “مُنفقون بشكل كبير ويفضلون الحصول على نقود”، موضحًا أنهم ” خفّضوا من مستوى رفاهيتهم، مشيرًا إلى بعض عمليات شراء المنازل الصغيرة مؤخرًا.
المصدر: وول ستريت جورنال