تزدان موائد العائلات التونسية بحلويات المخارق، وهي نوع من الحلويات الأندلسية الأصل على الأرجح، تتكون أساسًا من الدقيق والسميد والبيض والسمن والخميرة وزيت الزيتون، وتوارثَ سرّ إعدادها في محافظات تونسية معيّنة جيل وراء جيل.
وتشتهر حلويات المخارق في مختلف الولايات التونسية، لكن تبقى مدن باجة والقيروان وغمراسن أقطابًا متخصصة في تحضير وتقديم هذا النوع من الحلويات الشعبية التي يكثر استهلاكها تحديدًا في شهر رمضان، وتختلف طريقة تحضيرها من مدينة إلى أخرى، حيث يبقى التنافس على أشدّه بين الحلوانيين للظفر بلقب ملك المخارق في مدينته.
وتؤكّد عدة مصادر أن أصل حلويات المخارق لم يُحسم بعد، ففي حين يرى الأستاذ الجامعي والباحث في الحضارة زهير بن يوسف أن “حلويات المخارق أندلسية المنشأ، وصلت إلى باجة في القرن الثالث عشر ثم تدعّمت مع هجرة المورسكيين (المسلمون الذين بقوا في الأندلس تحت الحكم المسيحي) في القرن السابع عشر”، يُرجِعُ المؤرّخ التونسي عبد الستار عمامو دخول صناعة حلوى المخارق إلى مدينة باجة عن طريق جندي تركي عاش في المدينة عدة سنوات، حيث قام بتلقين إحدى العائلات الباجية إعداد حلوى المخارق، ومنذ ذلك الوقت توارث أفراد العائلة مهنة إعداد وبيع هذه الحلوى الأشهَر في شهر الصيام.
المخارق القيروانية
ورغم الشهرة الواسعة التي تتمتع بها مدينة باجة، الواقعة شمال العاصمة تونس، في صنع حلويات المخارق منذ عقود، بفضل جودة مادتَي زيت الزيتون والسمن المستخدمتَين في تحضيرها، إلا أن مدينة القيروان هي الأخرى تتميز بصناعة وتحضير نوع آخر من هذه الحلويات، لن تجده إلا في عاصمة الأغالبة.
فمع بداية شهر رمضان، تتحول معظم محلات بيع أكلة الفطائر الصباحية في القيروان إلى محلات متخصصة في صناعة الزلابية والمخارق، ولكنّ للمخارق في عاصمة الأغالبة نكهة ورونقًا خاصًّا، خاصة المخارق باللوز أو المخارق “سبيسيال” كما يحلو للقيروانيين تسميتها.
القيروان هي مدينة تونسية تقع على بعد 160 كيلومترًا من العاصمة تونس، تشتهر طوال أشهر السنة أساسًا بصناعة المقروض والخبز القيرواني الذي لن تجده في أي مدينة تونسية أخرى، ولكن تتميز المدينة خلال شهر رمضان بعشرات المحلات المتخصصة في بيع الزلابية والمخارق.
تطوير حلويات المخارق
وسط مدينة القيروان، وبالتحديد في منطقة القرقابية، يتواجد محل الحاج الهادي العزعزوي، وهو محل تاريخي منذ أكثر من 300 عام، يقصده القيروانيون وزوّار المدينة طوال أيام السنة بخلاف شهر رمضان المعظّم، لتناول الفطائر والسفنج في ساعات الصباح الأولى، لكن الأمور تتغيّر مع أول أيام الشهر الفضيل، حيث ينتقل المحل لصناعة الزلابية والمخارق، وخاصة المخارق “سبيسيال”.
ويشتهر آل العزعوزي في عاصمة الأغالبة منذ مئات السنين بإتقانهم لهذه الحرفة، حيث توارثها الأبناء عن الآباء الذين توارثوها بدورهم عن الأجداد، وتقول مصادر إن أصل هذه المهنة أندلسية.
يجلس رضوان العزعزوي، حفيد الحاج الهادي العزعوزي، متربّعًا على مقعده وسط المحل الشهير، لفتل عجينة المخارق بين يديه، قبل قليها في الزيت، ثم إخراجها ووضعها في العسل المكوّن من السكر الذائب، وصولًا إلى رشّها بحبّات السمسم لتزيد من جمالها ونكهتها.
أمام محل الحاج العزعوزي، ينتظر العديد دورهم للظفر بنصيبهم من حلويات الزلابية والمخارق والمخارق باللوز، وكلهم أمل أن يحافظ العزعوزي الحفيد على الجودة المعهودة التي اشتهرَ بها المحل منذ عشرات السنين.
تتكوّن عجينة المخارق باللوز من السميد والدقيق والخميرة والبيض وزيت الزيتون واللوز والجلجلان والسمسم، وأنواع أخرى من المكسرات حسب رغبة الزبون.
القيروان مهد صناعة المخارق
يقول صاحب المحل رضوان العزعوزي في تصريح خاص لـ”نون بوست”، إن المخارق باللوز بدعة قيروانية خالصة، ابتدعها القيروانيون منذ عشرات السنين، حيث كان أعيان القيروان من ميسوري الحال، يطلبون من باعة المخارق إضافة اللوز أو الفستق أو البندق إلى عجينة المخارق العادية، لتشتهر بعد ذلك هذه النوعية من الحلويات مع مرور الزمن.
وبحسب العزعوزي الحفيد، فإن مدينة القيروان هي مهد صناعة الزلابية والمخارق في تونس، وأن أول من أدخل حلويات المخارق إلى باجة كان من أصول قيروانية، والأمر نفسه بالنسبة إلى مدينة دار شعبان التابعة لمحافظة نابل، حيث كانت عائلة النجار القيروانية الأصل أول من فتحَ محلًّا للزلابية في المدينة، وفق قوله.
ويبلغ سعر الكيلوغرام الواحد من الزلابية والمخارق العادية 8 دنانير (نحو 2.7 دولارًا)، في حين يصل الكليوغرام الواحد من المخارق باللوز 12 دينارًا (4 دولارات).
وتتشابه طريقة إعداد حلويات المخارق في القيروان مع نظيرتها في باجة نظرًا إلى تشابه المواد الأولية المستخدمة في تحضيرها (سميد، دقيق، بيض، سمن، خميرة والزيت)، مع اختلافات بسيطة من ناحية طريقة تقديمها للزبائن، حيث تتميز المخارق الباجية بحجمها الكبير الدائري، في حين تكون المخارق القيروانية متوسطة الحجم وعلى شكل أعمدة.
وبعد ساعات من تخمير العجينة، يتمّ تقسيمها إلى قطع صغيرة وتشكيلها بأحجام مختلفة من منطقة إلى أخرى، ومن ثم قليها حتى تصل إلى اللون البني، عندها توضع في القطر لبضع دقائق قبل تقديمها للزبائن.
يشار إلى أن الأطباء والمختصين في التغذية يحذّرون من الإفراط في تناول حلويات المخارق لكونها من أطباق الحلويات الدسمة، وتحتوي على نسبة مرتفعة من الدهون والسعرات الحرارية والكولسترول، ما يؤدي إلى ارتفاع خطر الإصابة بالأمراض الصحية على غرار زيادة الوزن والسمنة والإصابة بمرض الكبد الدهني والنقرس.