يواجه عزيز أخنوش انتقادات شديدة بسبب تضارب مصالحه كرئيس للحكومة ورجل أعمال يساهم بشكل رئيسي في سوق المحروقات، فهو لا يجسد فحسب ذلك الزواج غير الشرعي بين المال والسلطة، لكنه ربما يهيء المناخ الضروري للأوليغارشية الاقتصادية التي تسعى إلى الحكم والتحكم في القرار السياسي والاقتصادي في المغرب.
أثناء مثوله أمام البرلمان خلال جلسة المساءلة الشهرية، يوم 18 أبريل/نيسان الحاليّ، لم يجد رئيس الحكومة ما يدافع به عن نفسه إلا اتهام حزب العدالة والتنمية، الذي قاد الحكومة خلال عشر سنوات مضت، بأنه هو من حرر سوق المحروقات، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الوقود إلى مستويات قياسية، فأضحى سعر البنزين والديزل في محطات التوزيع يقارب 1.5 دولار، ويفوق القدرة الشرائية لسكان البلد، فالحد الأدنى للأجور يتجاوز قليلًا 260 دولارًا شهريًا.
“كذبة” دعم الفقراء بالمال
في أواخر عام 2015، رفعت الدولة يدها عن تحديد أسعار الوقود، وهكذا أصبح البنزين والديزل خارج المواد التي يدعمها صندوق المقاصة الذي يؤدي دوره كضامن للأمن الاجتماعي، وبررت الحكومة حينها هذه القرار بأنه ضروري من أجل تخفيف العبء على خزينة الدولة، وفي المقابل تعهد رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، بتقديم دعم مالي مباشر للأسر الفقيرة، في إطار إصلاح مزمع لنظام دعم السلع باهظة التكلفة.
لكن وعد بنكيران لم يتحقق، فقد كان حينها يمهد الطريق ليحافظ على صدارة حزبه للمشهد السياسي، وهو ما حدث بالفعل، فقد فاز حزب العدالة والتنمية في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2016، مع تعديل لم يكن متوقعًا، أي إعفاء بنكيران من رئاسة الحكومة وتعيين سعد الدين العثماني بدلًا منه، بعد أزمة عرفت حينها باسم “البلوكاج الحكومي”، بعد أن تعثرت المشاورات لتشكيل ائتلاف حكومي عدة شهور، ووجهت أصابع الاتهام لأخنوش بأنه من عرقل تشكيل الحكومة، نتيجة تمسكه بشروط لم يكن بنكيران ليوافق عليها.
كان موضوع الخلاف بين الزعيمين السياسيين هو إدراج الدعم المالي المباشر للأسر الفقيرة ضمن بنود البرنامج الحكومي (2016-2021)، فقد كشف بنكيران ذلك عندما خاطب أخنوش قائلًا: “تتذكر عندما اشترطت عليّ أمرين: ألا يكون هناك دعم مالي مباشر، وكذلك عدم دخول حزب الاستقلال إلى الحكومة، ولو اتفقت معك، كانت الحكومة سوف تتشكل في ذلك الحين”، وفقا لبنكيران الذي كان يحذر من فوز حزب التجمع الوطني للأحرار (ليبرالي)، الذي يخول لزعيمه أخنوش اعتلاء منصب رئاسة الحكومة، بحيث يشكل زواج المال والسلطة خطرًا على الدولة.
حزب الأعيان والنخبة البرجوازية
يُوصف التجمع الوطني للأحرار بأنه حزب النخبة البرجوازية الصناعية والتجارية، لأن جل أطره من الأعيان المحلية أو رجال المال والأعمال أو أطر إدارية، وبالتالي ليس من الغريب أن يُتهم التجمعيون، وعلى رأسهم اخنوش، بالدفاع عن مصالح الأقلية الاقتصادية النافذة، عوض الانحياز للطبقة الشعبية التي وعدها البرنامج الانتخابي لهذا الحزب بإحداث مليون منصب شغل وتخصيص منح مالية شهرية للفقراء، بالإضافة إلى رفع أجور المدرسين حديثي التخرج من 5000 درهم (500 دولار) إلى 7500 درهم شهريًا.
لكن وبعد شهور من تحقق آمال أخنوش بأن صار رئيسًا للحكومة، انتهى زمن الوعود المعسولة بخيبة أمل قاسية، فعوض أن ترتفع الأجور ويجد العاطلون مناصب الشغل الموعودة، ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية إلى مستويات غير مسبوقة، ثم اكتفت الحكومة بتبرير ذلك بالظرفية الدولية، دون أن تتخذ ما يلزم من إجراءات لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة من خلال ضبط ومراجعة أسعار المواد الغذائية والمحروقات التي عرفت ارتفاعًا حادًا.
يوجد عزيز أخنوش على صفيح ساخن بسبب دوره المزدوج كزعيم سياسي ومدير عام لشركة “أكوا” القابضة التي تنشط في مجالات الصناعة النفطية والطاقوية والتمويل والعقار والاتصالات والإعلام، ويعد توزيع الوقود أشهر نشاط لـ”أكوا”، حيث تعمل أكثر من 500 محطة توزيع البنزين والديزل تحت لواء العلامة التجارية “أفريقيا” التي تعتبر أكبر شبكة لتوزيع المحروقات في المغرب، إلى جانب شركتي “توتال” و”شيل”.
السياسة مصدر الاغتناء السريع
منذ تحرير سوق المحروقات، بات اللاعبون في القطاع أكثر غنى، ففي جميع الظروف العالمية يستفيدون، سواء تعلق الأمر بجائحة كوفيد 19 أم بنقص إنتاج النفط أم بالحرب في أوكرانيا، أما شركة “أفريقيا” فلها وضع خاص، فالاغتناء السريع اتخذ شكلًا سياسيًا، وهي أكبر مستفيد من التحرير، بفضل قدراتها الهائلة على التخزين التي تخول لها تسيير السوق كما يحلو لها.
وراكمت شركات المحروقات أرباحًا تفوق 45 مليار درهم، ما يعادل 4.5 مليار دولار حتى نهاية 2021، إلا أن أخنوش يواجه ما يقال عن “الأرباح الفاحشة” لشركات المحروقات بأنها محض أكاذيب، مدعيًا أن هوامش الربح هي نفسها تقريبًا منذ سنة 1997.
في فترة الجائحة، تضاعفت حاجة مستشفيات الدولة إلى الأكسجين، وتضاعفت معها أرباح شركة “مغرب أكسجين” التابعة لمجموعة “أكوا” التي تحقق رقم معاملات سنوي يصل إلى 240 مليون درهم (24 مليون دولار) مقابل هذه الخدمة التي تنفرد بها شركة أخنوش، ما يضع قطاع الصحة والقائمين عليه موضع اتهام بالتسيير القائم على الصفقات وتبادل المصالح.
ليس للمغرب تجارب سابقة مع الأوليغارشيات، حسب عبد الله ساعف، أستاذ العلوم السياسية ووزير التعليم السابق، معتبرًا أن الوعي السياسي في المجتمع المغربي لا يقبل أن يستغل الفاعل السياسي منصبه الحكومي لخدمة مصلحته الخاصة، لكن ساعف دعا إلى عدم الإسراع في إلقاء التهم على الأشخاص الأغنياء الذين يتولون مسؤوليات حكومية، وكان يقصد بذلك عزيز أخنوش.
شكليًا، تخلى أخنوش عن دوره كمدير عام لمجموعة “أكوا”، من أجل أن يتقلد ثاني منصب في الدولة، خلال السنوات الخمسة الحاليّة، لكن لا يمكن غض الطرف وعدم الاستفهام عن مصدر تضخم ثروته والامتيازات الاستثنائية التي سينتزعها طيلة هذه المدة.