تعيش مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري المدعوم من قبل تركيا، فوضى عارمة جرّاء انتشار المقارّ العسكرية وحمل السلاح في المناطق المأهولة بالسكان، داخل مدن وبلدات ريفَي حلب الشمالي والشرقي.
ولا يكاد يمضي يوم منذ بداية شهر رمضان دون وقوع اقتتال، سواء بين العناصر في مراكز المدن والأسواق، أو بين الفصائل والتشكيلات العسكرية نفسها، بسبب خلافات مستمرة منذ تشكيل الفصائل، الأمر الذي ياثر على حياة الأهالي وأمانهم وإحساسهم بالاستقرار.
مشاجرات واقتتال مسلحَين
في مدينة عفرين بريف حلب الشمالي، وقع اشتباك مسلح بين مقاتلين من فصائل الجيش الوطني السوري داخل سوق المدينة، السبت 23 أبريل/ نيسان الجاري، نتيجة خلافات ومشادات كلامية وصلت إلى إطلاق نار بين مجموعتَين مسلحتَين، ما تسبّب في مقتل رجل مدني مهجَّر من ريف مدينة دمشق، وإصابة آخر من محافظة حماة.
بيان من تجمع مهجري بلدات قطاع المرج في الغوطة الشرقية بخصوص مقتل الشاب مصطفى الباش pic.twitter.com/BCbdwVKNe0
— خالد الخطيب – Khaled Al-Khatib (@khaleedalkhteb) April 25, 2022
ويعيل الرجل الذي قُتل أسرته وأسرة أخيه الشهيد، حيث يعمل شرطيًّا إلى جانب عمله سائق تاكسي أثناء فروغه من عمله الأول ضمن جهاز الشرطة والأمن العام، إلا أن رصاصًا طائشًا تسبّب في مقتله وفقدان أكثر من 7 أطفال لمعيلهم الذي كان يوفر لهم احتياجاتهم.
وشهدت مدينة الباب بريف حلب الشرقي وقوع أكثر من 3 مشاجرات يوم الاثنين 25 أبريل/ نيسان، حيث اُستخدم السلاح في واحدة منها على الأقل بين جهتَي الخلاف، في حين لم تستطع قوات الشرطة والأمن العام إيقاف الصدام المباشر، ما سبّب حالة هلع وخوف بين الأهالي في الأسواق من تجدُّد الاشتباكات.
كما شهدت مدينة أعزاز يوم الأحد مشاجرات وخلافات كادت تصل إلى إطلاق نار، بينما شهدت مدينة مارع يوم السبت الماضي مشاجرات وخلافات امتدّت إلى استخدام السلاح منتصف سوق المدينة، ما تسبّب في غضب شعبي واسع وفروغ الأسواق من الزبائن.
وتكثر المشاجرات بين مجموعات وعناصر الفصائل، لتمتدّ إلى استخدام السلاح وإطلاق النار داخل الأسواق ومراكز المدن خلال شهر رمضان، وتُعتبر الحالة أعلاه واحدة من عشرات الحالات التي تحصل بشكل يومي في مدن أعزاز ومارع وعفرين والباب بريفَي حلب الشمالي والشرقي، وغالبًا ما يقع فيها ضحايا سواء من المدنيين أو عناصر الفصائل المعارضة.
في حين وقعت اشتباكات مسلحة موسَّعة بين الفصائل العسكرية المنضوية ضمن القيادة الموحّدة “عزم” خلال شهر رمضان، في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، ما تسبّب في مقتل عدد من عناصر الفصائل التابعة للجيش الوطني السوري.
انتشار وحمل السلاح في المناطق السكنية
بات السلاح في مناطق ريفَي حلب الشمالي والشرقي أحد أبرز أسباب وقوع الاشتباك والاقتتال المسلحَين، كونه متوفّرًا بكثرة بين الأهالي وحتى العناصر العاملين ضمن الفصائل العسكرية التابعة للجيش الوطني السوري، حيث يحمله المقاتلون في مختلف تنقّلاتهم، ما يدفعهم إلى استخدامه حتى لحل إشكالات بسيطة أو نزاعات صغيرة بين شخصين.
لكن حمل السلاح في الأسواق والأماكن السكنية التي يرتادها المدنيون ظاهرة ليست جديدة، وإنما انتشرت نتيجة فشل توحيد الجهود الأمنية في إدارة المنطقة، وتعدد الجهات والفصائل غير المنضبطة بقوانين المحكمة، التي تبقى حبرًا على ورق دون تطبيقها بشكل عملي.
ويتنقّل عناصر الفصائل بسلاحهم داخل الأسواق وفي تجوالهم بين الأحياء السكنية، دون أية اعتبارات لخطورة حمل السلاح في المناطق السكنية، إضافة إلى انتشار المقرّات والنقاط العسكرية، بحسب ما أوضح الشاب الذي يعمل في سوق مدينة مارع، زهير عيد.
وقال عيد خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن عناصر الفصائل غير منضبطين وليسوا ملتزمين بالتعليمات التي يُؤمرون بها، فهم لا يزالون يحملون السلاح في الأسواق ويستخدمونه في معظم تنقّلاتهم، وفي حال حدثت مشاجرة أو خلاف كلامي يبادرون بإطلاق النار، ما يتسبّب في حالة ذعر بين المدنيين”.
وأضاف: “وقعت مشاجرة قبل يومَين وكنتُ شاهدًا عليها في سوق مدينة مارع، حيث أثناء وجود المدنيين في السوق قام الطرفان بإطلاق النار بشكل عشوائي، ما سبّب حالة فوضى أمنية عارمة في المدينة، ولم تستطع قوات الشرطة والأمن العام الاقتراب منهم، كونها غير قادرة على التدخل في خلافات الفصائل العسكرية، التي لا تلقي اهتمامًا لوجودها الأمني في المراكز الأمنية”.
وفي وقت سابق من شهر رمضان، عملت قوات الشرطة والأمن العام في مدن ريف حلب الشمالي على تكثيف جهودها الأمنية في الأسواق لضبطها أمنيًّا، حيث استطاعت منع دخول المفخّخات ولكنها لم تستطع ضبط حملة السلاح الذين يدخلون الأسواق، نتيجة عدم قدرتها على مجابهة الفصائل العسكرية.
تعميمات وبيانات.. حبر على ورق
في 12 أبريل/ نيسان الجاري، أصدرت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة تعميمًا لضبط حمل السلاح في المناطق المحررة، وحصر تواجده في المعسكرات وخطوط المواجهة مع العدو والنقاط الأمنية، كما أوصت بضرورة الاحتكام إلى القضاء للبتّ في أي خلاف يجري بين عناصر الفصائل.
وتأكيدًا على ذلك التعميم، أصدرت يوم الأحد 25 أبريل/ نيسان تعميمًا آخر تمنع فيه حمل السلاح إلا بمهمة رسمية داخل المدن والمناطق المأهولة بالسكان، جاء فيه: “يقع تطبيق هذا التعميم على عاتق الشرطة العسكرية بالتعاون مع تشكيلات الجيش الوطني السوري، وأن حمل السلاح بموجب هذا التعميم أصبح جرمًا جزائيًّا، وفق قانون العقوبات العسكرية واسمه مخالفة التعليمات العسكرية استنادًا للمادة 145 من قانون العقوبات”.
من جانبها أصدرت غرفة القيادة الموحدة “عزم” تعميمًا، قالت فيه: “يمنع منعًا باتًّا حمل السلاح داخل مراكز المدن والبلدات إلا بموجب مهمة رسمية بغرض حماية الأسواق وتأمين المدنيين، وتوقيف أي عنصر أو مجموعة تخالف أوامر عدم التجول بالأسلحة في الأسواق والمناطق السكنية وإحالتهم إلى اللجان العسكرية”.
كما أصدرت هيئة “ثائرون للتحرير” تعميمًا يمنع حمل السلاح في الأسواق ودخول المركبات المزوَّدة بالأسلحة الثقيلة إليها، وتوقيف العناصر الذين يحملونها وتعرّضهم للمساءلة القانونية.
الصحفي أحمد البرهو الذي يقيم في منطقة عفرين قال في مداخلة مع “نون بوست”: “إن قرار وزارة الدفاع أُصدر قبل عام من الآن لمنع حمل السلاح، ولكنه بقيَ مرميًّا على الرفوف ولم يتمّ تطبيقه بشكل فعلي، لكنها أعادت إصداره مجددًا بعد الاحتقان الشعبي”.
وعن جدوى التعميمات وإمكانية تطبيقها، أوضح البرهو: “لا يمكن تطبيقها بسبب غياب الوحدة المركزية وانتشار عدد كبير من قبل الفصائل والخلافات ضمن الفصيل نفسه، إضافة إلى انتماءات فصائلية ومناطقية تمنع تطبيق هذه القرارات”.
وما يبرهن أن تلك البيانات والتعميمات التي تصدرها وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، وهيئة ثائرون للتحرير، وغرفة القيادة الموحدة “عزم”، غير مطبّقة، هو تكرارها من قبل الجهات نفسها مع وقوع كل حادثة جديدة في المنطقة.
حيث تُظهر الأزمات الأمنية نفسها الانقسام الفصائلي الذي تسبّب في غياب قدرة الجهات العسكرية على خلق واقع أمني أفضل، من خلال توحيد جهودها التي تهدف إلى تحقيق وإرساء الأمن للأهالي في مدن وبلدات ريفَي حلب الشمالي والشرقي.
احتجاجات وغضب شعبي
وشهدت مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي يوم الأحد 24 أبريل/ نيسان احتجاجات من قبل الأهالي، تطالب الفصائل العسكرية بمنع حمل السلاح في الشوارع والأسواق، بعد اقتتالات واشتباكات يومية شهدتها المناطق المحررة خلال شهر رمضان.
ورفع الأهالي لافتات كُتب عليها: “إلى أصحاب البيانات، نريد أفعالًا ولا نريد أقوالًا”، وأخرى كُتب عليها: “رصاص سلاحكم على الجبهات وليس على رؤوس المدنيين”.
وفي عفرين رفع الأهالي مطالبهم إلى الفصائل الموجودة في المدينة، على خلفية مقتل الشاب نتيجة اشتباك مسلح جرى يوم السبت، حيث طالبوا بالقصاص ومحاكمة المسؤولين عن مقتل الشاب محاكمة عادلة، وإغلاق المقرات العسكرية المتسبّبة في وقوع الاشتباك.
وتسبّبت حالة الفوضى الأمنية التي تتزامن مع اقتراب عيد الفطر، بركود الأسواق جرّاء مخاوف المدنيين من الإصابة بإطلاق النار المتكرر الذي يحصل مع كل مشكلة تقع في ريف حلب، ما يحد من نشاط الناس التجاري والمجتمعي الذي يترافق عادة مع فترة العيد، لذلك يجب على المعنيين والفصائل مراعاة ظروف الناس، بحسب مهند النجار، صاحب متجر للألبسة.
وقال النجار في حديثه لـ”نون بوست”: “لا يكفينا القصف المدفعي المتكرر من قبل ميليشيا “قسد” على مدننا، لتكملها الفصائل علينا، حيث لم يعد بإمكان الأهالي ارتياد الأسواق كونها مكانًا لوقوع الاشتباكات المسلحة”.
ودائمًا ما تسفر الاشتباكات عن وقوع ضحايا من العناصر والمدنيين، الذين يجابهون معتركات الحياة اليومية في سبيل كسب الرزق وتأمين المعيشة، إلا أن تكرار الخلافات والمشاجرات التي يكون خلفها عناصر الفصائل والمحسوبون عليها تسبّبَ في حالة غضب شعبي بين أوساط الأهالي في ريف حلب.
لكن لا تزال مخاطر تجدُّد الاشتباكات قائمة في أي لحظة مع غياب جهة أمنية موحّدة تضبط المنطقة، وغياب تأثير جهاز الشرطة والأمن العام في مثل هذه الحالات واقتصار دوره على فضّ النزاع المسلح، وعدم قدرته على ضبط المناطق المدنية، وتدخُّل الفصائل العسكرية بمختلف مفاصل الحياة اليومية.