دارفور.. لماذا يعاود جنجويد السودان هجومهم مرة أخرى؟

ترجمة حفصة جودة
“لأول مرة في تاريخ الجنينة، تُخلى المستشفى بالكامل، كل المؤسسات الصحية في المدينة أُغلقت” هذا ما قالته اللجنة المركزية لأطباء السودان في البلاد على تويتر، فحتى في ذروة صراع دارفور الذي بدأ عام 2003 – تلك الحرب التي خلفت نحو 300 ألف قتيل وأكثر من مليوني مشرد – استمرت مستشفى الجنينة بغرب دارفور في العمل.
قال أحد عمال الإغاثة في الجنينة إنه ظل مع زملائه في بيت آمن وكانوا يسمعون طلقات النيران عبر المدينة، أما العائلات التي تعيش بالفعل في المخيمات جنوب المدينة بعد هروبهم من الجنجويد في الماضي، فقد أُصيبوا بالفزع والآن يغادرون مساكنهم المؤقتة.
بدأت أحداث العنف الحاليّة على بُعد 80 كيلومترًا شرق الجنينة في مدينة كرينك يوم الجمعة وقُتل أكثر من 200 شخص في الاشتباكات.
ما المحرض على تلك الاشتباكات؟
تسبب في اشتعال القتال نزاع بين البدو العرب وأفراد من قبيلة المساليت، الذين يتنازعون على الأرض منذ عقود، بدأ النزاع بعد مقتل فردين من بدو العرب قرب كرينك، وهي مدينة تعد موطنًا للعديد من النازحين من مجتمعات المساليت العرقية السود خلال العقدين الماضيين، حيث خرجوا من قراهم الريفية بسبب غارات الجنجويد.
وانتقامًا لمقتل البدو، أغار المقاتلون العرب صباح الجمعة على مدينة كرينك مخلفين وراءهم 9 قتلى و16 جريحًا، وفي يوم الأحد شنوا هجومًا أكثر تنسيقًا، هذه المرة بمساعدة قوات الدعم السريع السودانية “RSF” وهي قوة شبه عسكرية انبثقت من الجنجويد.
وصل المهاجمون في سيارات دفع رباعي محملة بالمدافع الرشاشة المعروفة باسم “تكنيكالس” والدراجات النارية والجمال والأحصنة، وفقًا لبيان أصدرته مجموعة شباب كرينك التطوعية.
يُظهر مقطع فيديو غير موثق منتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مجموعة كبيرة من المقاتلين العرب في شاحنات مكشوفة ودراجات نارية وهم في طريقهم إلى الهجوم، كما يظهر في المقطع رجال من قوات الدعم السريع.
أُشعلت النيران في المدينة، وتقول المصادر المحلية إن المدارس والعيادات لم تُستثن حتى من الهجوم، فقد قُتل 6 معلمين في الهجوم، كما استُهدفت مستشفى مدعومة من منظمة أطباء بلاد حدود، قالت منظمة أطباء بلا حدود في بيان لها: “قُتل 3 أشخاص بينهم 2 من العاملين في المجال الطبي، كما نُهبت صيدلية المستشفى”.
لماذا لم توقف القوات الأمنية الهجوم؟
لعدة سنوات، حاولت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة حفظ الأمن في المنطقة، لكنهم انسحبوا في نهاية عام 2020 بعد انتهاء انتدابهم، فقد كان وجودهم مثيرًا للاستياء وسط تلك الانقسامات، لكن حتى في أثناء انتشارهم لم يتمكنوا من إيقاف تلك الهجمات الوحشية.
تقع مسؤولية حفظ السلام في دارفور الآن على عاتق قوات مشتركة مكونة من الشرطة والجيش وقوات الدعم السريع والجماعات المتمردة التي وقعت على اتفاقية السلام عام 2020.
لكن خلف الكواليس، فلجميعهم طموحات متنافسة ولا يمكن بأي حال أن يمثلوا جبهةً موحدةً، على سبيل المثال، تضم قوات الشرطة أفرادًا غير عرب من قبيلة المساليت، بينما تضم قوات الدعم السريع أفرادًا سابقين من الجنجويد، بعضهم قُبض عليه في القتال الأخير.
تعد دارفور غنية بالذهب، وهناك اتهامات بأن جزءًا من هجمات الجنجويد ما هو إلا محاولات للسيطرة على مزيد من الأراضي للتنقيب عنه
انسحبت الوحدة المحلية المكلفة بحماية كرينك من مواقعها قبل الهجوم وفقًا لنشطاء محليين.
لماذا وصل القتال إلى الجنينة؟
كان الجنجويد وقوات الدعم السريع يطاردون مجموعة مقاتلين من كرينك وحتى الجنينة، أدى ذلك إلى هياج في المستشفى وفوضى عامة مع اشتعال توترات عرقية.
تعد الجنينة العاصمة التقليدية لمملكة المساليت – رمز القوة السوادء في دارفور – لذا ينظر إليها الجنجويد المتهمين بالتطهير العرقي في دارفور، بازدراء.
اندلع القتال أولًا في درافور عام 2003 عندما حمل غير العرب السلاح ضد الحكومة، متذمرين بشأن التمييز والافتقار إلى التنمية، انتقمت الحكومة منهم بتعبئة الجنجويد لقتال المتمردين ونشر العنف الذي تسبب في غضب عالمي أدى إلى نشر قوات حفظ السلام وإصدار مذكرات اعتقال دولية.
تتعرض الجنينة للهجوم لثالث مرة منذ 2019، بعد تغير البلاد نتيجة الإطاحة بعمر البشير بعد 30 عامًا في السلطة، وفي مارس/آذار هذا العام خلفت الاشتباكات العنيفة عشرات القتلى والمصابين، إضافة إلى احتراق العديد من القرى في منطقة جبل مون شمال الجنينة.
تعد دارفور غنية بالذهب، وهناك اتهامات بأن جزءًا من هجمات الجنجويد ما هو إلا محاولات للسيطرة على مزيد من الأراضي للتنقيب عنه.
يرى آدم رجال – المتحدث باسم لجنة تنسيق مخيمات النازحين داخليًا، وهي مجموعة تربط بين مخيمات النازحين منذ 2003 – أنها أيضًا محاولة لحلّ المخيمات، وقد ألمح إلى أن مرتكبي جرائم الحرب في دارفور قلقون بشأن مصير قائد الجنجويد السابق الذي بدأت محاكمته مؤخرًا في المحكمة الجنائية الدولية.
أنكر علي محمد علي عبد الرحمن – المعروف بعلي كوشيب – ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وهو أول شخص يقف أمام المحكمة الجنائية الدولية بسبب النزاع، أنكر البشير أيضًا – المطلوب أمام المحكمة – جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي اتُهم بها.
يقول رجال: “الهدف من الهجمات إخلاء المدن من سكانها وتفكيك المخيمات، فمخيمات النازحين داخليًا أقوى دليل مرئي على جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها النظام السابق”.
لماذا تملك قوات الدعم السريع كل هذه القوة؟
اتهم محافظ حكومة دارفور الإقليمية ميني ميناوي – قائد متمرد سابق – السلطات في الخرطوم بعدم القيام بما يكفي لكبح جماح قوات الدعم السريع، لكن تلك القوات شبه العسكرية تملك نفوذًا كبيرًا في المجلس العسكري، فقائدها الجنرال محمد حمدان دقلو “حميدتي” هو نائب رئيس المجلس العسكري السوداني.
يرجع أصل حميدتي إلى عرب تشاد وقد نشأ في دارفور، وقد وسع من عضوية قوات الدعم السريع لتضم مقاتلين من جميع أنحاء البلاد، ويقول المراقبون إنه يستخدم العنف الطائفي في دارفور لتحقيق طموحاته السياسية.
اتُهم الجنجويد بتجنيد مقاتلين عرب من تشاد والدول الساحلية وتشجيعهم على إحضار عائلاتهم كجزء من محاولات تغيير الدائرة الانتخابية السياسية في دارفور.
لم يعلق الجنرال حميدتي على تلك المزاعم أو أحداث العنف الأخيرة في غرب دارفور، لكنه يدعو في بياناته العامة مجتمعات دارفور المختلفة إلى العيش في سلام.
المصدر: بي بي سي