في وقت مبكر من بعد ظهر أحد أيام شهر يونيو/ حزيران 2020، دخل الناشط الكونغولي موازولو ديابانزا إلى متحف برانلي، الذي يضمّ كنوزًا من المستعمرات الفرنسية السابقة، اشترى تذكرة وتجول مع 4 من زملائه حول المجموعات الأفريقية في المتحف المعني بالفن البدائي والأولي، لقراءة الملصقات والاستمتاع بالكنوز المعروضة.
ومع ذلك، سرعان ما تصاعد ما بدأ كنزهة عادية داخل المتحف المخصص للفن الأفريقي، والذي شيّده الرئيس الراحل جاك شيراك، إلى مظاهرة صاخبة حيث بدأ ديابانزا في إدانة سرقة الثقافة الأفريقية في الحقبة الاستعمارية، بينما قام أحد أعضاء مجموعته بتصوير الخطاب وبثّه على الهواء مباشرة عبر فيسبوك.
بمساعدة عضو آخر في المجموعة، حاول بعد ذلك إزالة عمود جنائزي خشبي رفيع من القرن التاسع عشر، من منطقة موجودة الآن في تشاد أو السودان، وتوجّه نحو بوابة الخروج، لكن حرّاس المتحف تمكّنوا من إيقافه قبل أن يتمكن من المغادرة.
في الشهر التالي، في مدينة مرسيليا بجنوب فرنسا، استولى ديابانزا على قطعة أثرية من متحف الفن الأفريقي في احتجاج آخر تمَّ بثّه على الهواء مباشرة، قبل أن يوقفه الأمن.
وفي وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول، في حادث ثالث مشابه تمَّ بثّه أيضًا على فيسبوك، أخذ هو ونشطاء آخرون تمثالًا جنائزيًّا كونغوليًّا من متحف أفريكا في بلدية بيرغ إن دال بهولندا، قبل أن يوقفه الحرّاس مرة أخرى.
حوكم ديابانزا، المتحدث باسم الحركة الأفريقية التي تسعى للحصول على تعويضات عن الاستعمار والعبودية والمصادرة الثقافية، بتهمة السطو المشدد، وقضت محكمة فرنسية بتغريمه مبلغًا قيمته 1000 يورو، وتلقّى النشطاء الآخرون المنضمون إليه غرامات مع وقف التنفيذ تتراوح قيمتها بين 250 يورو و1000 يورو.
وضعت هذه القضية الكثير من الدول الأوروبية في موقف الدفاع عن سجلّها الاستعماري، ومع تزايد تفكير البلدان في تاريخها الاستعماري وسعيها إلى إعادة هذه القطع الأثرية، تواجه المتاحف سؤالًا جدّيًّا: هل من العدل أو الأخلاقي الاحتفاظ بالقطع الأثرية التاريخية وعرضها أم يجب عليها إعادتها؟
في عام 1897، سرقت القوات البريطانية حوالي 4000 منحوتة بعد غزو مملكة بنين (جنوب غرب نيجيريا الآن)
إرث قديم
ماذا يحدث عندما يكون جزء كبير من الكنوز الأثرية في بلدك “مملوكًا” لدولة أخرى تقوم بسرقة هذه الكنوز؟ هذا هو الموقف الذي تجد الدول غير الغربية في جميع أنحاء العالم نفسها فيه، حيث يُعرض معظم تراثها الثقافي في المتاحف الأوروبية والأمريكية.
في أعقاب الاستكشافات الاستعمارية الأوروبية من القرن الخامس عشر فصاعدًا، امتلأت المتاحف بالقطع الأثرية والتحف الفنية الغريبة والجميلة التي تمَّ شراء العديد منها أو المتاجرة بها، والحصول عليها بإذن من صانعها الفردي أو المجتمع، ومع ذلك تمَّ شراء العديد منها مع التهديد بالعنف، دون موافقة وبطرق تنتهك التقاليد الثقافية، وسُرق الكثير منها ببساطة.
عندما انطلق علم الآثار في أواخر القرن التاسع عشر، تمَّ التنقيب عن آلاف المقابر غير المعروفة، وعندما وقع عالم الفن الغربي في حب الفن “البدائي”، لجأ هواة جمع التحف والتجّار في كثير من الأحيان إلى العنف والتطرف للحصول على الكنوز القديمة.
نظرًا إلى أن العديد من المتاحف كانت مفتوحة منذ 100 عام أو أكثر، فإن أكبر المتاحف لديها أرشيف لملايين من القطع الأثرية، ونسبة صغيرة منها معروضة للعامة في أي وقت، في حين يجب حفظ الباقي في المخازن، غالبًا في ظل ظروف مناخية مكلفة، إلى جانب مراقبتها بدقة وصيانتها لمنع الضرر.
كما أن عمر العديد من هذه المتاحف، لا سيما تلك الموجودة في الدول الأوروبية، يعني أيضًا أن لديها قطعًا أثرية تعود إلى الحقبة الاستعمارية، فقد جرى الحصول على العديد منها خلال النزاعات أو فترات الحكم الاستعماري على البلدان الأخرى، التي ترغب اليوم في استعادة تاريخها المنهوب كدول مستقلة.
العديد من القطع الأثرية الرئيسية لأشهر المتاحف في الدول الغربية -المملكة المتحدة على سبيل المثال- تعود إلى الحقبة الاستعمارية، من الألواح الحجرية الضخمة إلى الحلي من جميع أنحاء أفريقيا وأستراليا، حيث أُخذت مجموعة من القطع الأثرية والتحف من جميع أنحاء العالم وأُرسلت إلى العواصم الأوروبية للعرض والدراسة.
خُذْ نيجيريا على سبيل المثال، ففي عام 1897 سرقت القوات البريطانية حوالي 4000 منحوتة بعد غزو مملكة بنين (جنوب غرب نيجيريا الآن)، وبعد أكثر من قرن من الزمن عُرضت القطع البرونزية الباقية في متاحف في المملكة المتحدة وألمانيا والنمسا والولايات المتحدة، ولكن ليس في نيجيريا، بلدها الأصلي.
أشار فيلم “النمر الأسود” (Black Panther) في عام 2018 إلى هذه المشكلة خلال مشهد سرقة عُرض في “متحف بريطانيا العظمى” الخيالي، حيث استعادت الشخصيات القطع الأثرية المسروقة من دولة واكاندا الأفريقية (بلد خيالي في شرق أفريقيا).
في بعض الحالات، كان هذا من عمل المستكشفين وعلماء الآثار الذين سعوا وراء استكشاف هذه الأشياء بحسن نية، وفي العديد من الحالات الأخرى أُخذت هذه القطع الأثرية والتحف الفنية النادرة كغنائم حرب من الدول المحتلة، وظلت في المتاحف منذ ذلك الحين.
نظرًا إلى أن المستعمرات السابقة للإمبراطوريات الأخرى تفكّر مليًّا في تاريخها، فإنهم يطرحون هذه القضية بشكل متزايد مع الحكومات والمتاحف، وتبذل الشعوب الأصلية في كثير من الأحيان قصارى جهدها للحفاظ على كنوزها المقدسة وحماية قبور أسلافها، لكن معظم المجتمعات لم تكن قادرة على وقف النهب.
في أعقاب حركة الحقوق المدنية، بدأ الأمريكيون الأصليون في نبذ المتاحف لسرقة تراثهم، ونتيجة لذلك أقرَّ الكونغرس عام 1990 قانون حماية مقابر الأمريكيين الأصليين وإعادة التوطين، والذي يوفر للأحفاد والقبائل استعادة رفات الأجداد وأنواع معيّنة من العناصر الثقافية من المتاحف الأمريكية.
هذا القانون، على الرغم من عدم اكتماله، سهّل إعادة حوالي 1.7 مليون جثة و57000 هيكل عظمي و15000 عنصر مقدّس ومملوك للجماعات.
إعادة الفن المنهوب
في الماضي، اُنتزعت الكثير من الممتلكات الثقافية بشكل غير مشروع من أماكن أصبحت الآن دولًا مستقلة، وتدور النقاشات منذ عقود حول إعادة الأشياء المنهوبة التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية من المتاحف الأوروبية إلى مواقعها الأصلية، وإلى الأشخاص الذين تمثل لهم أكبر معنى.
أصبح الضغط من أجل إعادة الأعمال الفنية والتحف التاريخية إلى موطنها الأصلي أكثر انتشارًا في السنوات الأخيرة، وهو ما يعزوه الخبراء إلى التقدُّم في تقنيات البحث، وزيادة الاهتمام بالفن الذي نهبته النازية خلال الحرب العالمية الثانية، وتجديد التركيز على قضية العنصرية والاستعمار في عالم الفن، بعد أن انطلقت الاحتجاجات في جميع أنحاء العالم حول “حياة السود مهمة” العام الماضي.
90% من التراث الثقافي المادي لأفريقيا موجود الآن في الغرب في مجموعات المتاحف الكبرى، وفقًا لتقدير صدر عام 2018 بتكليف من الحكومة الفرنسية
على مرّ السنين، أصدر عدد من البلدان طلبات لإعادة القطع الأثرية إلى موطنها الأصلي، في محاولة لاستعادة الجوانب المفقودة من تاريخها وثقافتها، ففي عام 2009 طالبت مصر متحف اللوفر في باريس بفرنسا بإعادة 5 قطع مسروقة من لوحة جدارية من مقبرة “تي تي 81” أو “مقبرة إنيني”، وفي عام 2012 طلبت نيجيريا استعادة 32 عنصرًا ثقافيًّا من متحف الفنون الجميلة في بوسطن بولاية ماساتشوستس.
في عام 2017، تفاوضت حكومة بنين في غرب أفريقيا مع المتحف البريطاني في لندن لإعادة مجموعة بنين البرونزية الشهيرة، وهي مجموعة من آلاف المنحوتات واللوحات المعدنية، والتي كانت معلقة سابقًا في القصر الملكي لمملكة بنين، ولكن بشكل حاسم يقول المتحف البريطاني إنه يقوم بإعارة المنحوتات فقط.
ومع ذلك رُفضت العديد من الطلبات، وفي بعض الحالات أُعيرت القطع الأثرية من قبل المتاحف إلى البلدان التي أُخذت منها، مع توقع إعادتها بعد ذلك، رغم ذلك كانت بعض المتاحف أكثر استجابة، وبدأت في أخذ زمام المبادرة في إعادة الأشياء ومعالجة الجروح القديمة.
ومن الأمثلة الحديثة على ذلك متحف مانشستر، الذي أعلن أنه يعيد آلاف القطع الأثرية إلى السكان الأصليين الأستراليين، بدءًا من الحلي إلى النعال والآلات الموسيقية، بعد ما يقرب من قرن من حيازتها.
أخذ الجدل حول هذه القضية منعطفًا عام 2018 في عهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عندما صدر تقرير يوجّه بإعادة جميع القطع التراثية التي تمَّ إحضارها إلى المتاحف الفرنسية (دون إذن من بلدانها الأصلية)، ومع الإصدار الرسمي لهذا التقرير بدأت المتاحف في جميع أنحاء أوروبا في إعادة النظر في سياساتها السابقة بشأن الكنوز الاستعمارية.
في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، في هولندا، أوصت لجنة استشارية للحكومة الهولندية بأن تعيد الدولة الفن المنهوب إلى المستعمرات الهولندية السابقة مثل إندونيسيا وسورينام والعديد من جزر الكاريبي، ومن خلال هذه الإجراءات تعترف الحكومة الهولندية بالمعاملة غير العادلة التي عانت منها المستعمرات سابقًا، وتظهر احترامها لثقافة هذه البلدان، لكن التجارب السابقة تُظهر أن الطريق من التوصية بالردّ إلى العودة الفعلية يمكن أن يكون طويلًا.
بعد سنين من الجدل، أعادت فرنسا، في أواخر عام 2021، مجموعة من التماثيل البرونزية المعروضة في متحف كواي برانلي في باريس، والتي نهبتها القوات الفرنسية من القصور الملكية في أبومية في بنين عام 1892، أثناء فترة استعمارها لهذا البلد الأفريقي، في حفل ترأّسه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي دعم إعادة القطع الأثرية الأفريقية إلى موطنها في فرنسا لسنوات، ففي عام 2017 أعلن أن “التراث الثقافي الأفريقي لم يعد من الممكن أن يظل سجينًا للمتاحف الأوروبية”.
لم يكن الأمر بهذه السهولة، حيث تخضع كل الأعمال الفنية الموجودة في المتاحف الفرنسية إلى قوانين تمنع إعادتها بأي شكل من الأشكال، بغض النظر عن الخلفية التاريخية التي تمَّ بموجبها الحصول عليها، وبالتالي لزم الأمر سنّ قانون مفصّل على قياس الطلب الذي تقدمت به بنين عام 2016 بإعادة 26 قطعة فنية تاريخية لا تقدَّر بثمن، وجرى التصويت عليه عام 2020.
بلغة الأرقام، 90% من التراث الثقافي المادي لأفريقيا موجود الآن في الغرب في مجموعات المتاحف الكبرى، وفقًا لتقدير صدر عام 2018 بتكليف من الحكومة الفرنسية، ويضمّ متحف برانلي في باريس حوالي 70000 قطعة من جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، بما في ذلك التماثيل الرائعة من بنين الحالية، واللوحات الدقيقة التي كانت تزيّن جدران الكنيسة في إثيوبيا، في حين يضمّ المتحف البريطاني في لندن عشرات الآلاف من الكنوز المنهوبة.
جدلية “غنائم الحرب”
تحبس المتاحف الكبيرة، مثل متروبوليتان في نيويورك ومتحف جيه بول جيتي ومنتدى هومبولت في برلين، الإرث الثمين للأراضي الأخرى التي تمَّ الاستيلاء عليها في حروب عدوانية أو عن طريق السرقة والنهب.
وترفض هذه المتاحف المطالب بإعادة الممتلكات المسروقة، رغم أن العديد منها استولت عليها الجيوش الاستعمارية في سياق ما يمكن اعتباره الآن جرائم ضد الإنسانية، وتجادل بأنه يحقّ لها الاحتفاظ بـ”غنائم الحرب”، رغم أن القانون الدولي يرفض هذا المبدأ الآن.
لا تتسرّع جميع المؤسسات الثقافية في إعادة القطع الأثرية إلى بلدانها الأصلية، فقد رفض المتحف البريطاني في لندن إعادة بعض من أبرز مقتنياته، بما في ذلك رخاميات البارثينون، والمعروفة أيضًا باسم “رخاميات إلغن”، والتي حصل عليها أحد النبلاء البريطانيين خلال سيطرة الإمبراطورية العثمانية على اليونان في أوائل القرن التاسع عشر.
وتصرّ اليونان على أن “رخاميات إلغن” أُخذت في ظل ظروف مشكوك فيها، ويجب إعادتها، لكن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون قال لصحيفة يونانية في وقت سابق من العام الماضي: “ستبقى في لندن حيث حصل اللورد إلغن عليها بشكل قانوني بموجب القوانين المناسبة في ذلك الوقت، وهي مملوكة قانونًا لأمناء المتحف البريطاني منذ الاستحواذ عليها”.
المتحف البريطاني في لندن قال أيضًا إنه يعتزم التمسك بحجر رشيد الشهير، الشيء الوحيد الأكثر زيارة في المتحف البريطاني، والذي عثرَ عليه جنود فرنسيون في مصر خلال حملة نابليون في مصر، رغم سنوات من الدعوات لإعادته إلى الوطن.
على مدى عقود، دعت مصر أيضًا إلى إعادة تمثال الملكة المصرية القديمة نفرتيتي من متحف برلين الجديد، بدعوى تهريبه بشكل غير قانوني إلى خارج البلاد من قبل عالم آثار ألماني عام 1913، وهو ما تنفيه السلطات الألمانية، ما دعا مصر إلى تأكيدها اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لإعادة الآثار المصرية المهرّبة خارج البلاد بشكل غير قانوني، بما في ذلك تمثال نفرتيتي.
متحف فيكتوريا وألبرت في لندن، أكبر متحف لفنون التزيين في العالم، بالسوء نفسه أيضًا، فقد عرض في أبريل/ نيسان عام 2018 بعض الأعمال الفنية الأفريقية المنهوبة من معركة مجدالا في شمال إثيوبيا عام 1868، بما في ذلك التاج الذهبي لملكها المسيحي الذي لا يزال يُحتفل به.
كان هذا الغزو بمثابة جريمة عدوان على ملك إثيوبيا، لكن الكنوز المسروقة دُمجت في رواية الحرب الإمبراطورية البريطانية، لتروي قصة كيف أرسل البريطانيون جيشًا كبيرًا لتحرير مواطنيهم من ملك متوحّش يُدعى ثيودور.
وبعد قرن من الزمان ونصف بعد المعركة، ما زالت كنوز إثيوبيا المسروقة تُستخدم كغنائم حرب، لكن بالنسبة إلى إثيوبيا تُرقى الكنوز المسروقة إلى حد التخريب المتعمّد وسرقة المعرفة وجريمة ضد الجيل الإثيوبي الحالي، الذي جُرّد من تراثه الفكري وتاريخه.
لماذا لا تعيد المتاحف كنوزها؟
ليس من الصعب فهم سبب إحجام العديد من المتاحف عن التخلي عن العديد من القطع الأثرية الخاصة بها، فالبعض يعتبر إعادتها إلى الموطن الأصلي منحدرًا زلقًا، نظرًا إلى أن نسبة كبيرة من المجموعات المعروضة في العديد من المتاحف تأتي من خارج بلادها، ومن الممكن أن تطلب بلدان أخرى نسبة كبيرة من مجموعة القطع الأثرية الخاصة بها مرة أخرى، والتي قد لا تكون لديها القدرة على عرضها.
في بعض الحالات، هناك سؤال مشروع حول ما إذا كانت القطع الأثرية التي أُعيدت إلى موطنها الأصلي ستكون آمنة في موقعها الجديد، فقد لا يكون من الصواب إعادتها إلى البلدان التي اُبتليت بحرب أهلية أو إلى المتاحف حيث ستكون في خطر.
حذّر بعض تجار الفن من أن هذا المشهد سريع التغيُّر في نهاية المطاف “يفرغ المتاحف وصالات العرض في الدول الغربية”
هناك أيضًا عدد من الحالات التي يتمّ فيها تخزين القطع الأثرية أو صيانتها بشكل سيّئ في المتاحف التي تفتقر إلى التمويل أو الخبرة الكافية، بالإضافة إلى أمثلة عن العناصر التي تعرّضت للتلف أو السرقة بسبب الاضطرابات، فقد أدّى نهب وتدمير القطع الأثرية من قبل تنظيم “داعش” ونهب المتحف الوطني المصري إلى أضرار تاريخية دائمة، وهو أمر يمكن القول إنه أقل احتمالًا في المؤسسات الكبرى.
ويجادل البعض بأن فقدان أبرز القطع الأثرية أيضًا سيؤدي إلى تقويض قدرة المتاحف على جذب الزوار، في مرحلة يكافح فيها الكثير من المتاحف بالفعل لإعالة أنفسها من خلال التبرعات ورسوم المعارض، وقد يكون فقدان قطعة كبيرة كانت موجودة في مجموعة المتحف لمئات السنين أشبه بفقدان متحف اللوفر للوحة الموناليزا، ففي حين أن هناك الكثير من عوامل الجذب الأخرى، فإن تلك اللوحة هي التي تجذب معظم الزوار منذ دخولهم من الباب.
بعد صدور تقرير يوصي الحكومة الفرنسية بإعادة آلاف الكنوز الثقافية الأفريقية التي أُزيلت خلال فترة الاستعمار الفرنسي إلى بلدانها الأصلية، حذّر بعض تجار الفن من أن هذا المشهد سريع التغيُّر في نهاية المطاف “يفرغ المتاحف وصالات العرض في الدول الغربية”، لكن مثل هذه التوقعات الرهيبة تصوّر العودة إلى الوطن على أنها لعبة محصلتها صفر.
وقد يجادل الكثير من الناس بأن القطع الأثرية الموجودة في المتاحف الكبرى تمنح أكبر عدد من الناس أفضل فرصة لتجربتها، وإذا انتشرت القطع الأثرية في جميع أنحاء العالم، فسيتمّ توزيع أعداد الزائرين بالتساوي، وقد لا تكفي قطعة أو اثنتان من القطع الأثرية الرئيسية لجذب الناس إلى وجهة لا تحظى بشعبية.
ويبقى مصدر وملكية القطع الأثرية مسألة خلافية، وليست قضية من المحتمل أن تختفي في أي وقت قريب، فهناك حجج مشروعة من كلا الجانبَين، وتعقيدات تتطلب نهجًا دقيقًا وتفاوضيًّا.
ولا يمكن النظر إلى خيار عدم إعادة القطع الأثرية إلى موطنها على أنه غير حسّاس فحسب، بل يجب أن يُنظر إليه في ضوء ما تعنيه هذه العناصر للمؤسسة وتمويلها، والذي غالبًا ما يكون عملية موازنة محفوفة بالمخاطر.