ترجمة حفصة جودة
ارتفعت أسعار القمح عالميًا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في شهر فبراير/شباط، فكلتا الدولتين مسؤولة عن 30% من صادرات القمح العالمية، هذا يعني أن الدول منخفضة الدخل التي تستورد غذائها بشكل أساسي ستواجه عامًا من الجوع.
ضاعف اضطراب الحرب من النقص الحاليّ في إنتاج الغذاء المرتبط بتغير المناخ، فوفقًا للمؤشر العالمي، تسبب تغير المناخ بالفعل في خفض متوسط الإنتاج الزراعي العالمي بنسبة الخُمس على الأقل.
عادةً ما يُترجم انعدام الأمن الغذائي إلى اضطراب اجتماعي واسع مثلما رأينا في ثورات الربيع العربي عام 2011 التي جاءت بعد ارتفاع حاد في أسعار الغذاء.
من المرجح أن تتأثر دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشدة خلال فترة قصيرة، لأنها من أكبر مستوردي القمح الأوكراني وتواجه مشاكل في الأمن الغذائي، والدول التي تعتمد على سلع معينة ولا يمكنها التحول إلى مصادر غذائية أخرى ستواجه خطرًا كذلك.

ومع مواجهة العديد من الدول للجوع وتفاقم انعدام الأمن الغذائي، حان الوقت لمضاعفة جهودنا بشأن تغير المناخ، فتغير المناخ يضاعف المخاطر ويزيد من تفاقم جميع الأزمات العالمية الحاليّة.
ما تأثير الحرب؟
ينتج العالم ما يكفي من الغذاء لإطعام الجميع، لكن الجوع مستمر نتيجة عوامل حاسمة من التوزيع والوصول، يمكننا إضافة الحرب وتغير المناخ لتلك العوامل أيضًا، يرجع ارتفاع أسعار القمح حاليًّا إلى مزيج من ضغوط الحرب والمضاربة في الأسواق.
تعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، إذ تشتري أكثر من نصف احتياجاتها، كما تصدر الأرز في الوقت نفسه، إنه مزيج خطير، فمعظم سكان مصر يعيشون في فقر مع اعتماد كبير على القمح، وقد تجذر الاضطراب الاجتماعي عندما ارتفعت أسعار الخبز بنسبة 40% عامي 2007 و2008 نتيجة الجفاف في الدول المنتجة للغذاء وارتفاع أسعار الوقود.
استمرار تفاقم تغير المناخ والصراع وانعدام الأمن الغذائي
تسبب ارتفاع الحرارة العالمية الحاليّة 1.2 درجة سليزية بالفعل في انخفاض متوسط الإنتاج الزراعي بنسبة لا تقل عن 21%، حتى الآن لم تتأثر الدول الغنية كثيرًا، لكن بقية العالم تأثر بذلك.
في إفريقيا وأمريكا الوسطى والجنوبية ارتفع انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بشكل حاد نتيجة الفيضانات والجفاف اللذين يدمران المحاصيل.
من بين آلاف أنواع النباتات في العالم، نزرع نحو 170 نوعًا لأغراض التجارة، ونعتمد على ما يقارب 10 منهم لتلبية معظم احتياجاتنا
يعيش فقراء العالم في الأراضي الرخيصة التي تصبح أكثر عرضة لتطرف المناخ، وعادةً ما يتمكنون من الحصول بشكل متقطع على الرعاية الصحية والتعليم والنقل والعمل الهادف والطعام والماء، وأحيانًا لا يستطيعون الوصول إلى أي من ذلك.
كل هذه العوامل تؤثر في الأخرى، ما يفاقم الأضرار ويغذي الصراعات، ويمكن لتغير المناخ أن يفاقم كل هذه العوامل.
في 2022، أثرت الحرب بين دولتين على الغذاء والوقود والأسمدة والأسعار العالمية، ومع ارتفاع درجة الحرارة العالمية وبدء انهيار النظام الزراعي في بعض المناطق، أصبح مؤكدًا اتحاد المناخ وانعدام الأمن الغذائي والحرب للتسبب في مزيد من المعاناة.
الدول الغنية ليست محصنة من ذلك
تعلم الدول الغنية مثل أستراليا أن انعدام الأمن الغذائي يؤثر على كل شيء، فسنوات الجائحة أدت إلى ارتفاع الحاجة المالية وانعدام الأمن الغذائي بين الأستراليين أكثر من أي وقت مضى.
تأتي الجائحة على قمة الأحداث المرتبطة بتغير المناخ التي عطلت إمدادات الغذاء نتيجة الفيضانات وحرائق الغابات غير المسبوقة، فبسبب الأمطار القياسية أصبح من الصعب بيع محاصيل الحبوب الوفيرة بسعر جيد، لأن المياه دمرت المحاصيل إضافة إلى تدمير البنية التحتية للتصدير نتيجة دورة الجفاف الطويلة السابقة.

تصدر أستراليا غذاءً يكفي 70 مليون شخص، يمنحنا ذلك إحساسًا زائفًا بالأمان، ففي الواقع موقعها كأكثر القارات المأهولة بالسكان جفافًا في عالم يزداد حرارة كل يوم، تسبب في انخفاض أرباح المزارع بنسبة 35% منذ عام 2000.
ما الذي يمكننا أن نفعله حيال ذلك؟
بالنسبة للكثيرين في أوكرانيا ومناطق الصراع ومخيمات اللاجئين، أصبحت الحياة عن معرفة كيف ومتى ستأتي الوجبة القادمة، والأشخاص الذين اختبروا الجوع الحقيقي يعلمون أن تلك الذكرى ستظل باقية حتى لو عاشوا في دولة غنية بالطعام لعقود، مثلما يعلم أحد المؤلفين الذين عاشوا الحرب في يوغوسلافيا السابقة.
تعد المعرفة بشأن الغذاء ضرورية من أجل التكيف: إنتاج الغذاء ومهارات حفظه وتنوع الأعشاب الصالحة للأكل وفرص البحث عن مؤن وكيف تعمل سلاسل التوريد وتوابع تجارة الغذاء في مواجهة الجوع.
للتكيف في مواجهة تلك التهديدات الشديدة والمتداخلة، يجب أن نبتعد عن اعتمادنا الحاليّ على القمح والذرة والأرز بنسبة 40% من استهلاكنا الكامل، فمن بين آلاف أنواع النباتات في العالم، نزرع نحو 170 نوعًا لأغراض التجارة، ونعتمد على ما يقارب 10 منهم لتلبية معظم احتياجاتنا.
مع زيادة تهديدات الأمن الغذائي، سنحتاج أيضًا إلى السؤال التالي: لماذا تعد السلع الغذائية الأساسية سلعًا ربحية؟ فالمنهج المتطرف لكنه المقبول على نطاق واسع هو النموذج الذي نتداول فيه الغذاء بشكل متساوٍ لتلبية الاحتياجات، فالوصول إلى الغذاء حق إنساني في النهاية.

إذا تمكننا من نظام غذائي أكثر مرونة ومساواة، سنتمكن من التكيف بشكل أفضل مع تغير المناخ الذي يحاصرنا بالفعل نتيجة الانبعاثات السابقة، إضافة إلى إخماد شرارة الصراعات، قد يساعدنا أيضًا تحسين طريقة إنتاج الغذاء في معالجة تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي.
يشجعنا في ذلك الاهتمام المتزايد بإنتاج الغذاء الحضري وجهود إعادة تصور التوزيع بالإضافة إلى الزراعة المتجددة والابتكارات التكنولوجية في المزارع، هذه التغييرات معًا قد تساعد في تقليص سلاسل التوريد وزياة تنوع الغذاء والمرونة.
لماذا يهم ذلك؟ لأن إنتاج الغذاء محليًا يقلل من مخاطر انعدام الأمن الغذائي المرتبطة بتغير المناخ والحرب والاضطرابات الأخرى.
مع انتقال المزيد من البشر إلى المدن، سيتوجب علينا تبني المزيد من الإنتاج الحضري للغذاء ودعم المزارع العائلية وصغار الملاك الذين ما زالوا حتى اليوم ينتجون أكثر من نصف السعرات الحرارية التي تستهلكها البشرية.
لدينا فرصة حقيقية – نحتاج إليها – لإعادة التفكير في كيفية إنتاج وتوزيع الغذاء الذي نعتمد عليه، ما زال لدينا فرصة للتخلص من بعض المعاناة التي تعترض طريقنا.
المصدر: ذي كونفرسايشن