ترجمة وتحرير: نون بوست
“أفضل البقاء بعيدًا عن السياسة”، هذا ما قاله إيلون ماسك عندما اُجبر على الرد على ادعاء حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت بشأن دعمه لقوانين الولاية المناهضة للإجهاض. إذا كان الأمر كذلك، فإن ماسك لديه طريقة مضحكة في إظهار مواقفه. على مدار أكثر من عقد من الشهرة العامة كرئيس تنفيذي لشركتي تسلا وسبيس إكس، هاجم رجل الأعمال المولود في جنوب إفريقيا الجميع وكل شيء، بدءًا من دونالد ترامب وبيرني ساندرز والمسؤولين التنظيميين الفرديين وصولًا إلى قواعد كوفيد-19 والنقابات العمالية ومسألة “الضمائر” في مجتمع الميم.
في أوائل كانون الأول/ ديسمبر، انتقد ماسك البنية التحتية الرئيسية للرئيس الأمريكي جو بايدن وميزانية الإنفاق الاجتماعي ومنح إعانات غير ضرورية لصناعة السيارات الكهربائية وزيادة عجز الميزانية الفيدرالية “الجنوني”. وقد أخبر مجلس الرؤساء التنفيذيين السنوي لوول ستريت جورنال: “لسنا بحاجة إلى الائتمان الضريبي. أود أن أقول لا تمرروا مشروع القانون بأكمله، هذه توصيتي”.
كما وصف انخفاض معدلات المواليد بأنه “أحد أكبر المخاطر على الحضارة”، قائلا إن المجتمع “سينهار” إذا لم يبدأ الناس بإنجاب “المزيد من الأطفال”. وفي أواخر كانون الثاني/ يناير، واصل ماسك مهاجمة الرئيس بايدن واصفا إياه بـ “دمية جوارب رطبة في شكل بشري”.
قد يكون من الصعب تحديد التوجهات السياسية الدقيقة للملياردير البالغ من العمر 50 سنة. فغالبًا ما تبرع لكل من الديمقراطيين والجمهوريين في الوقت الذي يدعي فيه أنه “معتدل” و”اشتراكي” و”ليبرالي اجتماعي ومحافظ مالي”.
في 13 كانون الأول/ ديسمبر، اختارت مجلة “تايم” قطب التكنولوجيا شخصية السنة لسنة 2021. وقالت المجلة عن ماسك أنه “رجل من المستقبل الذي ستجعل فيه التكنولوجيا كل شيء ممكنا، يعيدنا إلى ماضينا الصناعي المجيد قبل أن تمر أمريكا بحالة ركود وتتوقف عن إنتاج أي شيء سوى القواعد والقيود والحدود والعقبات وفيسبوك”.
Biden is a damp ? puppet in human form
— Elon Musk (@elonmusk) January 27, 2022
تصدر ماسك عناوين الأخبار الرئيسية عندما قدم عرضًا غير عادي لشراء منصة تويتر بالكامل. وفي 25 نيسان/ أبريل، أعلنت الشركة أنها ستقبل عرضه مقابل 54.20 دولارًا للسهم الواحد – أو حوالي 44 مليار دولار. سبق وأن قدم ماسك عرضه في 14 نيسان/ أبريل قائلاً إنه يريد جعل تويتر شركة خاصة. وهو الإعلان الذي جاء بعد أن اشترى حصة تقل عن 10 بالمئة من تويتر، مما جعله أكبر مساهم فيها.
إذن ما الذي يؤمن به إيلون ماسك حقاً؟ وبالنظر إلى أنه ثاني أغنى شخص في العالم بثروة تقدر قيمتها بـ 219 مليار دولار (167 مليار جنيه إسترليني)، ماذا يعني ذلك بالنسبة لبقيتنا؟
لمن قدم إيلون ماسك تبرعاته السياسية؟
لطالما كان توصيف ماسك لتوجهاته السياسية مربكًا، وكان الوصف الرئيسي الأكثر اتساقًا كونه “ليبراليا اجتماعيًا ومحافظًا ماليا”، أو حتى “ليبراليًا اجتماعيًا للغاية”. ولكنه يزعم أنه مستقل “لأكون واضحًا، أنا لست محافظًا”. وفي مرحلة أخرى، ادعى أنه “اشتراكي” لكنه ليس من النوع الذي يحوّل الموارد من الأكثر إنتاجية إلى الأقل إنتاجية. وقال لاحقًا إنه لا ينبغي أن نأخذ الأمر على محمل الجد.
بدلا من ذلك، دعونا نحدد مآل التبرعات السياسية التي يقدمها ماسك؛ وفقًا للبيانات التي جمعتها منظمة “أوبن سيكرت” غير الربحية، قدم ماسك منذ سنة 2002 ما مجموعه 1.2 مليون دولار للسياسيين والأحزاب ولجان العمل السياسي وحملات الاستفتاء.
ذهبت تلك التبرعات بالتساوي تقريبًا إلى الديمقراطيين (542 ألف دولار) وإلى الجمهوريين (574.500 دولار) مع تخصيص 85 ألف دولار أخرى لحملتي استفتاء محسبوتين على اليسارعلى نطاق واسع في كاليفورنيا. وقد تذبذب التوازن على مرّ السنين، حيث تبرع في 2006 و2013 و2017 بأغلبية ساحقة للجمهوريين، في حين تبرّع في سنة 2015 للديمقراطيين.
قدّم أيضًا ما مجموعه 30 ألف دولار إلى “باك” التي أنشأتها سبيس إكس، التي تبرعت بنسبة 54 بالمئة من مجموعها للديمقراطيين و46 بالمئة للجمهوريين. كان العديد من السياسيين المستقلين الذين قدم لهم التبرعات من المشرعين في ولاية كاليفورنيا حيث كان مقر تسلا سابقًا، وتكساس حيث حافظت سبيس إكس منذ فترة طويلة على مرافق اختبار الصواريخ وإطلاقها.
في غضون ذلك، أنفقت شركة سبيس إكس التي تعتمد على العقود الحكومية في الكثير من إيراداتها حوالي 9.7 مليون دولار على جماعات الضغط، في حين أنفقت تسلا التي تخضع للكثير من التنظيم 5.5 مليون دولار. وفي سنة 2013، كتبت مؤسسة “سانلايت فاونديشن” “كانت حملة سبيس إكس لكسب الدعم السياسي منظمة ومعقّدة”.
حسب شرح ماسك، لا تعكس هذه التبرعات معتقداته الشخصية بل وصفها بأنها مجرد تكلفة لممارسة الأعمال التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي سنة 2013، قال ماسك لصحيفة هافنغتون بوست: “من أجل أن يكون صوتك مسموعا في واشنطن، عليك تقديم بعض المساهمات. وعلى عكس ما يعتقده الكثيرون، لم أجد واشنطن فاسدة مما يعني أنه لا يتم تشغيلها بالمال كما قد يفترض البعض، وأنا ممتن جدا لذلك، لأنه لو كان الأمر كذلك، فلن يكون لدينا أي فرصة”.
هل هو ليبرالي جدًا اجتماعيًا؟ أرسل ماسك إشارات متضاربة
ماذا عن وجهات نظر ماسك الاجتماعية؟ من الواضح أن لديه توجها تحرريًا بالنظر إلى أنه يفضل “الديمقراطية المباشرة” على الديمقراطية التمثيلية ويقترح أن تسمح مستعمرات المريخ المستقبلية بإلغاء أي قانون بأغلبية تصويت 40 بالمئة من المواطنين. كما دعا إلى إطلاق سراح الأشخاص المسجونين في الولايات المتحدة بسبب استهلاك القنب قبل تقنين المخدرات خلال مقابلة مع مضيف البودكاست جو روغان.
Direct democracy by the people. Laws must be short, as there is trickery in length. Automatic expiration of rules to prevent death by bureaucracy. Any rule can be removed by 40% of people to overcome inertia. Freedom.
— Elon Musk (@elonmusk) June 16, 2018
Direct democracy by the people. Laws must be short, as there is trickery in length. Automatic expiration of rules to prevent death by bureaucracy. Any rule can be removed by 40% of people to overcome inertia. Freedom.
— Elon Musk (@elonmusk) June 16, 2018
تبرع ماسك إلى سياسيين ديمقراطيين فرديين أكثر من تبرعاته للجمهوريين، وغالبًا ما أشاد بسياسيين ديمقراطيين معينين بطريقة قلّ ما فعلها مع خصومهم. وبالعودة إلى سنة 2005، قدم ماسك 10 آلاف دولار لدعم مقترح كاليفورنيا 82 الذي يتناول زيادة الضرائب على الأثرياء لدفع تكاليف الحضانة العامة للأطفال في سن الرابعة، على الرغم من أنه لم يتم تمريره.
وتعليقًا على ترشح دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري، قال ماسك “لدي شعور قوي بأنه ليس الرجل المناسب، إذ لا يبدو أنه يتمتع بهذا النوع من الشخصية التي تنعكس جيدًا على الولايات المتحدة”.
من ناحية أخرى، نادرًا ما كانت تصريحات ماسك حول القضايا الاجتماعية صاخبة أو واضحة مثل آرائه الاقتصادية. والواقع أنه غالبا ما أرسل إشارات متضاربة وبدا أحيانا وكأنه يغازل التيار الاجتماعي المحافظ. في الربيع الماضي، على سبيل المثال، طلب ماسك من متابعيه “تناول الحبة الحمراء”، وهي عبارة يستخدمها المتعصبون للعرق الأبيض والمناهضين للنسوية لوصف عملية التحوّل إلى التطرف في نظرتهم للعالم.
في ذلك الوقت، كان منخرطا في حملة صليبية ضد سياسات الإغلاق جراء كوفيد-19 في كاليفورنيا التي وصفها بأنها “فاشية”. وكان قد أعلن في وقت مبكر من الجائحة أن “الذعر من فيروس كورونا غبي” وأن الفيروس سيختفي من الولايات المتحدة بحلول نهاية نيسان/ أبريل.
وفي شهر تموز/ يوليو من تلك السنة، نشر تغريدة كتب فيها عبارة “سئمت الضمائر” التي فسرها الكثيرون على أنها سخرية من الأشخاص المتحولين جنسيًا (لأن الضمائر نفسها جزء أساسي ولا مفر منه في اللغة الإنجليزية). ومن المؤكد أن صديقته آنذاك كلير باوتشر، الملقبة بـ “غرايمس”، قد قرأتها بهذه الطريقة وأجابت: “أنا أحبك ولكن من فضلك أغلق هاتفك أو اتصل بي. لا يمكنني دعم الكراهية. من فضلك توقف عن هذا، أعرف أن هذا ليس من قلبك”.
Pronouns suck
— Elon Musk (@elonmusk) July 25, 2020
— Elon Musk (@elonmusk) December 14, 2020
في كانون الأول /ديسمبر 2020، نشر تغريدة بها ميم لأولئك الأشخاص الذين يذكرون جنسهم في ملفاتهم الشخصية على تويتر، وهي طريقة شائعة للتعبير عن التضامن مع الأشخاص المتحولين جنسيًا ضد القمعية في أمريكا الاستعمارية. وأوضح لاحقا: “أنا أؤيد المتحولين تمامًا، لكن كل هذه الضمائر كابوس جمالي”.
في أيلول/ سبتمبر، ادعى حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت، الذي تبرع له ماسك بمبلغ 10 آلاف دولار في سنة 2014، في مقابلة مع قناة سي ان بي سي: “على إيلون الذي لطالما أخبرني أنه يحب السياسات الاجتماعية في ولاية تكساس الخروج من كاليفورنيا لأنه جزء من السياسات الاجتماعية فيها”.
وهو ما رفضه ماسك ولكن بشكل غامض ومعتدل، مع عدم غياب أي إشارة لصب غضبه ضد النقابات العمالية أو المقترحات الضريبية، قائلا: “بشكل عام، أعتقد أنه نادرًا ما تفرض الحكومة إرادتها على الشعب، وعند القيام بذلك يجب أن تطمح إلى تحقيق أقصى قدر من سعادتهم التراكمية. مع ذلك، أفضل البقاء بعيدًا عن السياسة”.
In general, I believe government should rarely impose its will upon the people, and, when doing so, should aspire to maximize their cumulative happiness. That said, I would prefer to stay out of politics.
— Elon Musk (@elonmusk) September 2, 2021
مؤيد للرأسمالية ومناهض للنقابات
إن إيمان ماسك برأسمالية السوق الحرة أقرب ما يكون للاتساق. وعلى الرغم من تصريحاته التي تبدو اشتراكية، إلا أنه ليبرالي اقتصادي في الصميم ومتشكك بشدة في التدخلات الحكومية في الأعمال. كان هذا هو أساس هجومه على قانون “بيلد باك بيتر” الذي أصدره بايدن يوم الإثنين، قائلاً إن الخصم الضريبي لمشروع القانون للأشخاص الذين يشترون السيارات الكهربائية الذي يصل إلى 12500 دولار هو صدقة “غير ضرورية” لصناعة بدأت تزدهر بالفعل.
وقد عزز هجومه بحجة فلسفية كاشفة حول الفرق بين المؤسسات والدول القومية، مصورًا إياهم كوسائل مختلفة لتوزيع رأس المال – أي الأموال والموارد الأخرى اللازمة لإنتاج السلع والخدمات – لتحقيق غايات مفيدة. وقال قاصدً قادة الأعمال “ليس من المنطقي إبعاد وظيفة تخصيص رأس المال عن الأشخاص الذين أظهروا مهارة كبيرة في تخصيصه. ومنحها لهيئة أظهرت مهارة ضعيفة للغاية في تخصيص رأس المال، وهي الحكومة. الحكومة هي ببساطة أكبر مؤسسة، مع كونها محتكرة للعنف – حيث لا ملجأ. السؤال إذًا هو ما مقدار المال الذي تريد منحه لهذه الهيئة؟”.
يمكن رؤية نمط التفكير هذا خلال تاريخ ماسك كاملًا. فقد عارض بشدة النقابات العمالية، خاصة في شركاته، معتبرنا إياها حاجزًا أمام كفاءة العمليات، واشتبك مرارًا وتكرارًا مع بيرني ساندرز بشأن مقترحاته لفرض ضريبة دخل على المليارديرات. وزعم في تشرين الأول/ أكتوبر “أن النقابات تسيطر” على بايدن، وفي سنة 2018 غرد أن موظفي تسلا الذين حاولوا تكوين نقابات سيفقدون خيارات الأسهم الخاصة بهم، وهو ما ادعى المنظمون أنه تصرف غير قانوني.
يميل ماسك إلى تفضيل الإجراءات التي تقلل من البيروقراطية الحكومية وتتجنب اختيار المسؤولين للفائزين. وهو يريد ضريبة الكربون بدلاً من الإعانات الموجهة للصناعة الصديقة للبيئة، وقد سعى إلى جعل إدارة بايدن تنشئ مثل تلك الضريبة على حد قوله.
يبني ماسك حجته على أن سعر الوقود الأحفوري لا يعكس بالضرورة أثره على البيئة، مما يعني أن الشركات تستند على معلومات خاطئة في قراراتها. ويرى أن فرض ضرائب على الكربون من شأنه أن يصحح هذا التوازن، مما يسمح للسوق الحرة بمعرفة أفضل السبل لخفض انبعاثاتها بطريقتها الخاصة. ورغم قول ذلك، لم يمنعه شيء من قبول مليارات الدولارات من الإعانات الحكومية لكل من تسلا وسبيس إكس.
وبالمثل، لطالما دافع ماسك عن الدخل الأساسي الشامل لدعم العمال البشريين الذي يؤمن أن وظائفهم سيتم استبدالها قريبًا بالذكاء الاصطناعي. وتبدو هذه الفكرة يسارية إلى حد ما في بعض نواحيها، نظرًا لأنها تشمل إنفاق مبالغ ضخمة من أموال دافعي الضرائب. مع ذلك، فقد لقيت فكرته تفضيلًا أيضًا من قبل بعض المحافظين مثل ريتشارد نيكسون واقتصاديي السوق الحرة مثل ميلتون فريدمان، الذين شعروا أنها ستمنع البيروقراطيين من تحديد من يستحق الفوائد وتجنب معاقبة المتلقين للعثور على عمل.
غالبًا ما كانت الطاقة الخضراء الخط الأحمر لماسك
نقطة أخرى تثبت الاتساق الحقيقي لإيلون ماسك هي موقفه من الاحتباس الحراري والطاقة النظيفة. ففي سنة 2006، قدم ماسك واحدة من أكبر تبرعاته الفردية على الإطلاق – 750 ألف دولار – إلى الاقتراح 87، وهو حملة استفتاء في كاليفورنيا لفرض ضريبة خاصة على مستخلصات الوقود الأحفوري.
منذ ذلك الحين، أصبحت الانبعاثات خطه الأحمر. وفي السنوات الأولى من رئاسة دونالد ترامب، انضم إلى مجلس استشاري تابع للبيت الأبيض قائلاً إنه “كلما زادت الأصوات الحكيمة التي يستمع لها الرئيس، كان ذلك أفضل”. لكن عندما انسحبت الولايات المتحدة في عهد ترامب من اتفاقية باريس للمناخ، استقال ماسك قائلاً: “تغير المناخ مشكلة حقيقية. والانسحاب من اتفاقية باريس ليس فكرة جيدة لا لأمريكا أو العالم”.
مؤخرًا، عندما تم إقناع ماسك بالدخول إلى عالم البيتكوين – وهو أمر طبيعي نظرًا لنظرته الليبرالية وولعه بالحلول التكنولوجية للمشاكل السياسية، ناهيك عن ولعه بإثارة الجدل – كانت انبعاثات الكربون الهائلة التي تولدها العملة هو ما دفعه لإعادة التفكير
Tesla & Bitcoin pic.twitter.com/YSswJmVZhP
— Elon Musk (@elonmusk) May 12, 2021
قال في أيار/ مايو إن “تسلا علقت مشتريات سيارات تسلا بالبيتكوين”، وأضاف “نحن قلقون بشأن الزيادة السريعة في استهلاك الوقود الأحفوري لتعدين البيتكوين ومعاملاته، خاصةً الفحم، صاحب أسوء انبعاثات مقارنة بأي وقود آخر. إن فكرة العملة المشفرة تعتبر جيدة في العديد من النواحي ونعتقد أن لها مستقبلًا واعدًا، لكن في المقابل لا يمكن لذلك أن يكون له تكلفة كبيرة على البيئة”.
وعندما دعم ماسك بايدن، كان ذلك أيضًا مرتبطًا بالكربون حيث أخبر مجلة “فورتشن” مباشرةً بعد التنصيب: “أنا متحمس للغاية لأن الحكومة الجديدة تركز على قضايا المناخ… أشعر بتفاؤل شديد بشأن مستقبل الطاقة المستدامة مع الحكومة الجديدة”.
تكنوقراط بطموحات نجمية
من خلال كل هذه المسائل، هناك حلقة واحدة من سياسات ماسك لا ترقى بسهولة للأدوات التقليدية بين اليسار واليمين: التكنوقراطية. بالعودة إلى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، كان جد ماسك جوشوا هالدمان هو الزعيم الكندي للحركة التكنوقراطية الأصلية، التي آمنت باستبدال كل من السياسيين والمصرفيين بمن يمتلك الخبرة الأكبر.
لا يشبه إيلون ماسك، الرأسمالي الاستثنائي، جده بالضبط. لكن مثل مؤسس الحركة ويليام هنري سميث، تشير تصريحاته إلى اعتقاد أساسي قوي بأن العلماء والمهندسين يمكنهم حل المشكلات السياسية المستعصية.
وكما جادلت المؤرخة جيل ليبور، يلهم ماسك العديد من المتابعين ببصمة غريبة للرأسمالية التقنية تسميها “الماسكية”. وتقول إن العديد من أفكاره مستمدة من الخيال العلمي، وأحيانًا الخيال العلمي القديم جدًا، مما يعني أنه إلى جانب الصواريخ والسيارات تروج أيضًا “الرؤى المستقبلية”.
يعتقد ماسك أنه يمكننا العيش في صورة محاكية، حيث يشير بانتظام لمؤلف الخيال العلمي الاسكتلندي إيان إم بانكس؛ وينشغل بشكل خاص بمخاطر الذكاء الاصطناعي الذي يعتبره “الخطر الأعظم الذي يهدد الجنس البشري”. وهو قلق ليس فقط بشأن الأتمتة الجماعية لوظائف الياقات البيضاء ولكن أيضًا بشأن نشأة ذكاء اصطناعي نظري فائق الذكاء وذو قوة هائلة لا يستطيع البشر كبحه.
قال إيلون ماسك في سنة 2014 “إننا باستخدام الذكاء الاصطناعي، نستدعي الشيطان”. مضيفًا: “في كل تلك القصص حيث يوجد الرجل الذي يحمل النجم الخماسي والمياه المقدسة ويبدو متأكدا من كونه يستطيع السيطرة على الشيطان، لكن في الحقيقة لا ينجح الأمر”.
تشير كل هذه الموقف والاحتباس الحراري إلى قناعة ماسك بأن استعمار الكواكب الأخرى – حيث نصبح “فصائل متعددة الكواكب” – أمر بالغ الأهمية لبقاء البشرية على المدى الطويل. لكن ومهما أخذت ذلك على محمل الجد، فمن الواضح أنه هدف مهم يشكل بقية مواقفه وتوجهاته.
يمكننا ملاحظة أمرين هنا أحدهما أن هذه المشاكل ليست معروفة بشكل جيد خارج قطاع التكنولوجيا، وإعطائهما الأولوية يعني افتراضك بأن الآخرين جميعهم انتهازيون. أما الأمر الآخر هو أن ماسك لا ينوي تحقيق هذا المستقبل من خلال التدابير الحكومية أو المؤسسات الجماعية الضخمة مثل الحركات الرسمية أو النقابات العمالية، وإنما يريد حل تلك المشكلة بنفسه من خلال شركات هرمية ذات إدارة استبدادية للربح يديرها هو مقررًا كيف يخصص رأس المال.
بعبارة أخرى، هو تكنوقراط مختلف: مهندس نابغ ومهووس يعتقد في إمكانية تصميم المهندسين والمهووسين لأنظمة حكومية واقتصادية أفضل مما هو موجود حاليًا. وخير دليل على ذلك مشروعه المضطرب “هايبرلوب” الذي يسعى من خلاله إلى بناء شكل جديد من وسائل النقل العام متحاشيًا أي تدخل من خبراء النقل التقليديين، الذين يقولون إنه اخترع حافلات غير فعالة للغاية بشكل أساسي. وهذا المشروع أيضًا من ضمن المستفيدين من مشروع بايدن القانوني للبنية التحتية.
لهذا السبب، تصف البروفيسورة ليبور “الماسكية” بأنها تشبه “كثيرًا الإقطاعية”، قائلة: “يبدو الأمر كما لو أن هناك أسيادًا وبقيتنا هم الفلاحون بينما يقع مصيرنا في أيدي الأسياد لأنهم يعرفون الأفضل … والافتراض بأن أغنى شخصين في العالم – جيف بيزوس وإيلون ماسك – هم من يقرران مصير البشرية خارج كوكب الأرض، فكرةٌ رجعية غريبة”.
لدى ماسك إجابته المتفائلة الخاصة على تلك الادعاءات حين قال في برنامج “ساترداي نايت لايف” في أيار/ مايو: “أريد أن أقول لأي شخص قد أهنته، لقد أعدت اختراع السيارات الكهربائية وسأرسل الناس إلى المريخ في مكوك صاروخي. فهل تعتقد أنني سأكون مجرد رجل عادي؟”.
المصدر: الإندبندنت