ترجمة وتحرير:نون بوست
أثار قرار من يوتيوب استهجان عدد من مستخدميه على رأسهم المؤسس المشارك للمنصة جاويد كريم. فمنذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أزال النظام الأساسي للفيديو عبر الإنترنت المملوك لشركة غوغل عداد زر “لا يعجبني” المرتبط بمقاطع الفيديو التي يعرضها. ومع أنه لا يزال بإمكان المشاهدين النقر على هذا الزر، إلا أنه لم يعد بإمكانهم رؤية عدد التفاعلات السلبية التي يمكن فقط لمنشئ الفيديو مشاهدتها في منطقة خاصة. وحسب يوتيوب، هذه طريقة لحماية المستخدمين من المضايقات والهجمات المستهدفة.
بعد بضعة أشهر، وتحديدًا في 13 أبريل/ نيسان 2022، أعلن تيك توك أيضًا عن رغبته في زيادة حماية مستخدميه عن طريق اختبار زر “لا يعجبني” في قسم التعليقات دون تقديم تفاصيل كثيرة. وبينما يسعى يوتيوب إلى إبطاء تأثيرات زرّ “لا يعجبني”، قررت الشبكة الاجتماعية الصينية استبداله على أمل تحديد الرسائل التي يعتبرها المستخدمون غير ملائمة وغير لائقة. ويعتبر تيك توك أنه من المناسب إضافة هذا الزر لتجنب إزعاج المستخدمين أو الحط من معنويات المبدعين، ولن يتمكن سوى الشخص الذي سجل عدم الإعجاب في أحد التعليقات من رؤية ذلك من أجل الاحتراز من أي اتهام بالتشجيع على المضايقة.
إن التناقض تجاه أزرار التفاعل التي لا يمكن فصلها الآن عن لغة الشبكات الاجتماعية ويُنظر إليها اليوم على أنها من أسباب ورموز المحتوى المسيء أو المعلومات المضللة أو الغرور المنحرف، يعكس عدم ارتياح الشركات الرقمية التي طورتها. ورغم إدراك ضرورة بذل جهود في مكافحة العنف عبر الإنترنت، لا تزال هذه الشركات تعتمد على المعلومات التي يمكن لهذه الميزات جلبها.
المبادرات الأولى
في سنة 2005، عندما أطلق رائدا الأعمال الأمريكيان ستيف هوفمان وأليكسيس أوهانيان شبكة “ريديت” فكّرا منذ البداية في إضافة زرين أحدهما للإعجاب بالمحتوى والآخر للتعبير عن عدم الإعجاب. استخدمت النسخة الأولى من الموقع كلمتين يمكن للمستخدم النقر عليهما، “مثير للاهتمام” و”ممل”، وذلك حسب ما ذكره أوهانيان في كتاب “بدون إذنهم” (بزنس بلس، 2013)، وهو كتاب يتتبع نشأة الشبكة الاجتماعية.
كان موقع “ريديت” شكلاً من أشكال مجمِّع الروابط، وهو فضاء يقصده الأشخاص لاكتشاف أفضل المقالات أو مقاطع الفيديو أو الأغاني على الإنترنت التي تكون مصنفةً حسب مجالات الاهتمام. لذلك، كان من الضروري امتلاك الوسائل التي تساهم في الترويج أو غمر الروابط التي ينشرها المستخدمون وفقًا لمدى شعبيتها. والنظام النهائي الذي لا يزال مستخدمًا حتى اليوم يعكس هذه الروح، وهو في شكل سهم “تصويت لأعلى” وسهم “تصويت لأسفل” لزيادة أو تقليل رؤية المحتوى.
بعد أربع سنوات من صدور موقع “ريديت”، قام فيسبوك بتطوير زر الإعجاب الشهير. في السنة الموالية، حذى يوتيوب حذوه وأصلح نظام تصنيف الفيديو الخاص به بالكامل ليستبدل النجوم (من واحد إلى خمسة) بزر “أعجبني” وزر “لم يعجبني”. ثم برز زر الإعجاب الشهير للموقع، وبعد فترة وجيزة أصبح الرمز على شكل إصبع الإبهام. إنه نظام مبني على ملاحظة واحدة على كل حال حيث يعتمد المستخدمون التقييم الثنائي السابق لتصنيف الغالبية العظمى من مقاطع الفيديو إما بخمس نجوم أو بلا شيء.
لكن ضمن فيسبوك، الذي كان بالفعل أكبر شبكة اجتماعية في ذلك الوقت، ظلّ الموضوع شائكًا. وقد قاومت المنصة طلبات الإبهام المقلوب (عدم الإعجاب) لسنوات. قال مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي للشركة خلال جلسة أسئلة وأجوبة في سنة 2014: “لقد طلب بعض الأشخاص زر عدم الإعجاب لأنهم يريدون أن يكونوا قادرين على التعبير عن رأيهم في المحتوى الذي لا يعجبهم”.
بعد بضعة أشهر، أعلن مؤسس الشبكة الاجتماعية أنه تم استحداث مثل هذا الزر ولكن فقط للتعبير عن التعاطف، مما يدعم حقيقة أنه يرفض دمج نظام التصويت السلبي في فيسبوك مثل ذلك المعتمد على موقع ريديت أو على يوتيوب. وفي سنة 2016، ظهرت رموز لتفاعلات جديدة بجانب زر الإعجاب منها على شكل قلب، ووجه حزين للتعبير عن التعاطف، ورمز تعبيري غاضب مترجم في فرنسا بعبارة “غررر”.
اقتصاد الإعجاب
إلى جانب إرضاء مستخدمي الإنترنت، الذين ليس لديهم خيار سوى النقر على زرّ الإعجاب للأخبار الجيدة والسيّئة، تعد اللوحة الجديدة التي طوّرها فيسبوك وكذلك أزرار منافسيها ذات قيمة لمنصات التواصل الاجتماعي. ولا يمكن لهذه الخاصية تحديد المحتوى الأكثر تحيزًا الذي أفلت من التصنيف وتحديد الظواهر التي تكتسب زخمًا وإنما هي ضرورية أيضًا لتحسين البيانات حول إبداءات الإعجاب – وعدم الإعجاب – للمستخدمين. وهي بيانات استراتيجية لتقديم محتوى أكثر من أي وقت مضى وبالتالي إبقاء مستخدم الإنترنت لأطول وقت ممكن على المنصة إلى جانب بيع وإرسال الإعلانات الأكثر استهدافًا.
بفضل هذه الأداة، يولّد مزاج مستخدمي الإنترنت ما يسمى بـ “اقتصاد الإعجاب”، وذلك حسب ما أشارت إليه الأكاديميتان آن هيلموند وكارولين جيرليتس سنة 2013 في مقال بعنوان “الاقتصاد المتماثل: الأزرار الإجتماعية والويب كثيف البيانات”. باستخدام هذه الأزرار، “لا ينشئ فيسبوك شبكة اجتماعية فحسب، وإنما بنية كثيفة من البيانات، التي تحوّل تفاعل المستخدم على الفور إلى مقاييس ووحدات أعمال”، كما توضح الأكاديميتان.
لكن هل أن فيسبوك، من خلال رفضه المنتظم لطلبات المستخدمين بإضافة زر عدم الإعجاب، على دراية باحتمال إساءة استخدام هذه الأداة أو استخدامها على نحو ضار؟ في نهاية الأمر، كما قال ألكسيس أوهانيان عند سرد نشأة موقع “ريديت”، وُلد “التصويت السلبي” لأننا عرفنا بالفعل مدى متعة فرض شكل من أشكال العقوبة على مستخدم ينشر رابطًا سيئًا باستخدام نقرة واحدة على زر بشكل سهم متجه نحو الأسفل. ويجب أن نفهم أنه من الطبيعي أن يرغب مستخدمو الإنترنت في التعبير عن المشاعر السلبية وليس فقط التصفيق للإيجابيات.
قنبلة المراجعات وضفادع العار
تثبت بعض الظواهر الجماعية على الإنترنت صحة هذا الموقف، بدءًا بإساءة استخدام أزرار “لا أحب” وأدوات التقييم سواء على ريديت أو أي شبكة اجتماعية أخرى. كانت “قنبلة المراجعات”، التي تتكون عندما ينقر عدد كبير من المستخدمين على زر “عدم الإعجاب” لغمر مقطع فيديو، مشكلةً عادية على أكبر منصة لمشاركة الفيديو في العالم، وقد اختبرت الشركة نفسها هذا الأمر في سنة 2018 عندما حصد فيديو الملخص السنوي الذي تنتجه غوغل ويجمع بين العديد من مستخدمي يوتيوب الرقم القياسي في عدد “عدم الإعجاب”، مع أكثر من 19 مليون نقرة.
في السنة الموالية، قال مسؤول تنفيذي في يوتيوب إن حملات عدم الإعجاب تمثل مشكلة حقيقية لصناع المحتوى مضيفًا أن الشركة كانت تستكشف العديد من الحلول مثل مطالبة الأشخاص الذين لم يعجبهم مقطع فيديو معيّن بشرح رأيهم بمزيد من التفصيل. وأكد توم ليونج، مدير إدارة المشاريع في المنصة أن هذا “سيمنح المشاهدين وقتًا للتفكير، بدلاً من النقر على زر عدم الإعجاب باندفاع”.
أصبحت هذه الآليات أيضًا أدوات للتعبير الجماعي، وخير دليل على ذلك ما حدث مع بعض ألعاب الفيديو التي وجدت نفسها مغمورة تحت تصنيفات سلبية في متجر “ستيم” مثل لعبة ووركرافت 3 سنة 2019؛ ومثلما حدث مع أحد التعليقات من استوديو “إيليكترونيك آرتس” المنشور سنة 2018 على موقع ريديت، الذي أصبح بسبب الممارسات التجارية التي شجبها اللاعبون المنشور الحاصل على أكثر التصويتات السلبية في تاريخ الشبكة الاجتماعية.
من الفهوم أن منصات التواصل الاجتماعي تحجم عن منح مستخدميها هذا القدر من القوة من خلال زر عدم الإعجاب. وحتى في حالة عدم وجود أزرار مخصصة للتصويت السلبي، وجد مستخدمو الإنترنت دائمًا طرقا للتعبير عن عدم رضاهم بل وحتى قياسه. فعلى تويتر مثلا، أسيء استخدام المقاييس المعروضة لكل تغريدة (عدد الإعجابات والردود والتغريدات والتغريدات المقتبسة). والنسبة، على سبيل المثال، هي الاسم المعطى لظاهرة يكون فيها للتغريدة ردود أكثر بكثير من الإعجابات وإعادة التغريد، التي تعني ضمنيًا أن الرأي الذي عبّر عنه المؤلف لا يحظى بشعبية خاصة. في البداية، كان يُنظر إلى النسبة على أنها نوع من القانون غير الرسمي لتويتر لكنها أصبحت بدورها ممارسة، حيث كتب بعض مستخدمي الإنترنت “نسبة” تحت تغريدة في محاولة للحصول على عدد إعجابات أكثر من المنشور الأصلي من أجل إذلاله، وبالتالي تحويل زر “أعجبني” على تويتر إلى أداة للرفض.
فكّر بعض المستخدمين في بدائل أخرى أكثر حيوية مثل “ضفدع العار”، وهي الصورة التي ظهرت سنة 2020 وُنشرت ردًا على تغريدة مصحوبة بوصف لا يدع مجالًا للشك في تفسيرها: “إذا كان لدى ضفدع العار إعجابات أكثر من المنشور الأساسي، فهذا المنشور مجرد هراء”.
المصدر: صحيفة لوموند