هناك نوع معين من الأشخاص سيعترض على أفلام حرب معينة لأنها استخدمت دبابات من النوع الخطأ، هناك أيضًا عشاق الحضارة الكلاسيكية الذين سوف يسخرون من الأفلام التي صُورت خلال فترة الإمبراطورية الرومانية، كأن يطلق أحدهم على البطل قائد الجيوش الرومانية اسم “ماكسيموس” بسبب ضخامته نسبة إلى كلمة (Maximum)، وإذا لم يتوقف عن الضحك سيطلب منه المدير مغادرة السينما.
يرغب منتجو الأفلام – وكل من يسعى لمواصلة العمل في أفلام الحركة والإثارة – في الترفيه عن الجماهير، وربما لا يهتمون بأن المحارب المخضرم روبين هود أمير لوكسلي هو أفضل رفيق لمحاربي ساراسين، وأن نوتنغهام ليست مجرد نزهة لمدة ثلاث دقائق من سور هادريان، إلى جانب ذلك، فإن أفلام روبن هود تدور حول أسطورة، فإذا كنت ستركز على الأحداث والمجموعات والملابس القديمة، فستفتقد متعة المشاهدة.
وقبل فترة طويلة من اختراع الأفلام، فهم الكتَّاب المسرحيون متطلبات شباك التذاكر أيضًا، فلم يخرج أحد من مسرح غلوب في عام 1599 وهو يئن من عدم دقة شكسبير بشأن حرب الوردتين، ومع ذلك، هناك المزيد من الأسئلة الجوهرية عن الاستخدام العام للتاريخ وفهمه: هل يغير الخيال التاريخي إحساسنا بالواقع؟ وهل يتحمل صانعو الأفلام مسؤولية تجاه التاريخ؟ وكيف يمكننا التنقل عبر عالم غالبًا ما يتم فيه مزج المعلومات الحقيقية والمزيفة معًا؟
صانعو الأفلام يلجأون إلى إعادة صياغة التاريخ ليصبح قصة قابلة للتسويق وجذابة للجمهور وتوفر عائدًا ماليًا للمستثمرين
هل الحبكة أهم من الحقائق التاريخية؟
الأفلام والبرامج التليفزيونية التي نعرفها ونحبها تمر عبر عشرات المراجعات قبل أن تصل إلى أجهزتنا وشاشاتنا، ولكن لا يزال من الممكن حدوث أخطاء تاريخية عفا عليها الزمن.
تعرض فيلم المخرج البريطاني ريدلي سكوت عام 2005، مملكة السماء (Kingdom of Heaven)، عن سقوط القدس بيد صلاح الدين عام 1187، لانتقادات واسعة النطاق من المؤرخين بسبب افتقاره للدقة.
حتى عندما كان الفيلم لا يزال قيد الإنتاج، وقبل وقت طويل من انتهاء تصويره، وصفه المؤرخ الإنجليزي جوناثان رايلي سميث من جامعة كامبريدج بأنه “هراء ونسخة أسامة بن لادن من التاريخ”، بينما كتب المؤلف مايكل هاج أن “سكوت يراجع التاريخ بالجملة أو بالأحرى يختلقه”، ويختم مراجعته بالقول: “لا يوجد شيء له علاقة كبيرة بالحقيقة التاريخية”.
أيًا كان ما يعتقده المؤرخون، فقد حاز الفيلم إشادة النقاد، وأعلنت مجلة “رولينج ستون” الأمريكية أن “سكوت يقدم ترفيهًا مثيرًا”، وحصل على أكثر من 211 مليون دولار في شباك التذاكر، ووصف مانوهلا دارجيس، الناقد في صحيفة “نيويورك تايمز”، الفيلم بأنه “قصة عادلة ومنصفة ظاهريًا لواحد من أقل الفصول إنصافًا في تاريخ البشرية”.
إذًا من كان على حق؟ المؤرخون المحترفون أم النقاد والجمهور؟ يتلخص الأمر بالأحرى في مسألة ما إذا كان يتعين على صانعي الأفلام تثقيف جمهورهم أو الترفيه عنهم، وإن كان صانعو الأفلام يلجأون إلى إعادة صياغة التاريخ ليصبح قصة قابلة للتسويق وجذابة للجمهور وتوفر عائدًا ماليًا للمستثمرين.
يمكن للفيلم فقط أن يذهب بعيدًا نحو إنشاء تصوير دقيق تمامًا للماضي، وعلى المستوى الأساسي، تستحيل الدقة التاريخية بسبب طبيعة إنتاج الفيلم مثل استخدام الممثلين والأزياء والمجموعات لإعادة إنشاء السرد التاريخي، حتى لو حققت هذه العناصر الإجماع على الدقة بين المؤرخين، فإن هذه الجماليات تخلق فقط وهمًا من الماضي.
في كتابها “History Goes to the Movie”، روت الباحثة السينمائية مارني هيوز وارينغتون إحباط المؤرخة الكندية والأمريكية ناتالي زيمون ديفيز من محاولتها العمل مع صانعي الأفلام، من خلال التعاون مع مخرجي الفيلم التاريخي “عودة مارتن جير” (Le Retour de Martin)، المخرج دانيال فين وكاتب السيناريو جان كلود كاريير، اشتكت ديفيز من أن “جوانب القصة مضغوطة أو معدلة أو حتى تم استبعادها”.
بعبارة أخرى، هناك حدود للطريقة التي يمكن بها للأفلام التاريخية أن تخلق قصة ترضي المؤرخين، لكن كيف سيتعرف الجمهور بشكل أفضل على ما كانت عليه الحياة لقرون قبل أن يتم تصويرها في الأفلام السينمائية الطويلة؟
كما قال عالم القرون الوسطى والباحث السينمائي الأمريكي كيث كيلي: “ما لم تتمكن أي مطبوعة على مدى قرون من الكتابة من تحقيق تقدير لحرب القرون الوسطى، يمكن لأفلام مثل قلب شجاع (Braveheart) وهنري الخامس (Branagh Henry V) إنجازه في دقائق”.
يمكن أن يوفر الفيلم الوثائقي مستوى أعمق من التدقيق، لكن افتراض الدقة التاريخية لا يزال يمثل مشكلة، فعلى سبيل المثال، يركز الفيلم الوثائقي “الحروب الصليبية: الهلال والصليب” على الحملة الصليبية الأولى وصعود صلاح الدين وصراعه مع ريتشارد قلب الأسد ويتخطى صعود المماليك المحتلين، يخلق هذا سردًا يصور الحملة الصليبية الثالثة على أنها ذروة الحروب الصليبية التي استمرت فعليًا لمدة 100 عام أخرى.
لكن من المهم للغاية التأكيد على أن الجماهير لا تستطيع التمييز بين الحقيقة والخيال، تشير دراستان – إحداهما من الولايات المتحدة والأخرى من أستراليا – إلى أن الناس يميلون للوثوق بالكتب وعمل المؤرخين الأكاديميين والمتاحف أكثر من ميلهم إلى تصديق الأفلام أو البرامج التليفزيونية.
لذلك، لا يتوقع حتى الجمهور أن يقوم صانعو الأفلام بتثقيفهم، وتُظهر الأرقام أن الخيال التاريخي يكون مربحًا عندما يكون الفيلم تجربةً ممتعةً وليس إعادة سرد دقيقة، فالفيلم التاريخي ليس درسًا في التاريخ، لكنه خيال تاريخي يوفر مستوى من الأصالة يضع قصة في واقع تاريخي يُدرك بشكل عام.
إذا كان الجمهور لا يتوقع دقة بنسبة 100%، فلماذا إذن عناء مقارنة هذه الروايات الخيالية بأعمال علماء التاريخ؟ إنه ليس ضروريًا لشباك التذاكر ولا للنجاح النقدي، لكن الأفلام التاريخية الجيدة يمكن أن تلهم الناس لاكتشاف المزيد عن الفترة التي يتم تصويرها.
دراما جيدة وتاريخ سيئ
يعد إعداد قائمة بأكثر الأفلام غير الدقيقة تاريخيًا مهمة كبيرة، وربما سيكون من الأسرع بكثير إنشاء قائمة بالأفلام الدقيقة تاريخيًا، لكن هنا، وللمتعة فقط، نستعرض عددًا قليلًا من الأفلام الجيدة من الناحية الدرامية، لكنها سيئة من الناحية التاريخية، كونها تدعي أنها تستند إلى قصص حقيقية.
مليون سنة قبل الميلاد (One Million Years BC)
من بين جميع سجلات “عدم الدقة” التسلسلية في الأفلام، يُعتقد أن هذا هو الفيلم الأكثر سخافة على الإطلاق، فلدينا هنا بشر يحاربون الديناصورات التي أنشأها عبقري الرسوم المتحركة راي هاريهاوزن، رغم انقراض الديناصورات منذ نحو 65 مليون سنة.
مشكلة أخرى هي أن النجمة راكيل ويلش ارتدت البيكيني من العصر الحجري، رغم ذلك كانت هذه نقطة بيع رئيسية بالنسبة للعديد من رواد السينما في ذلك الوقت.
كان هذا هو نجاح الفيلم الذي تبعته شركة هامر فيلمز لاحقًا بفيلم “عندما حكمت الديناصورات على الأرض” عام 1970، التي حرضت أيضًا الناس في عصور ما قبل التاريخ – بما في ذلك المزيد من السيدات اللائي يرتدين البكيني – ضد الزواحف المنقرضة منذ فترة طويلة.
وفي عام 2008، عُرض فيلم “10000 قبل الميلاد” الذي كان في الأساس خيالًا علميًا، لكن الأخطاء التاريخية لا تزال تُصدَّر إلى الجماهير تمامًا، فقد عرض الفيلم السفن والصناعات والأسلحة التي لم تظهر إلا بعد آلاف السنين، وفي الحياة الواقعية، لم يكن هناك أيضًا ماموث صوفي عندما تم بناء الأهرامات في 10000 قبل الميلاد.
ماري ملكة إسكتلندا (Mary Queen of Scots)
كان فيلم “ماري ملكة إسكتلندا” واحدًا من أكبر إصدارات شباك التذاكر لعام 2019، هذه الدراما التاريخية جعلت الجميع يتحدثون لعدة أشهر، وإن لم يكن ذلك دائمًا للأسباب الصحيحة، فقد سيطرت الأخطاء التاريخية على العناوين الرئيسية بعد العرض الأول.
وعد المقطع الدعائي الذي صدر عام 2018 بسيرة ذاتية مؤثرة لاثنين من أبناء العمومة الملكيين: ماري وإليزابيث، وألمح إلى التوترات بين إنجلترا وإسكتلندا التي كانت محتدمة خلال فترة حكمهما، كما أظهر لقاءً عاطفيًا، ناشدت خلاله ماري إليزابيث لوقف القتال والاتحاد كأخوات للبقاء على قيد الحياة في عالم يحكمه الرجال.
لكن لم تلتق بنات العم وجهًا لوجه في الواقع، فقد استنكر المؤرخ الإنجليزي سيمون شاما اللقاء الخيالي بين إليزابيث الأولى وابنة عمها، فغرَّد قائلًا: “الدراما الكاملة لإليزابيث وماري تكمن في حقيقة أنهما لم يلتقيا أبدًا”.
على الرغم من أن “تيتانيك” لم يقصد أبدًا أن يكون تفسيرًا للأحداث التاريخية، فإنه لعب دورًا في نشر بعض الحقائق غير الدقيقة
يقول بعض المؤرخين إنه إذا التقت الملكتان، فربما شعرت إليزابيث بالذنب بشأن نهاية ماري المأساوية، حين قررت التخلص من ابنة عمها بقطع رأسها وتنفيذ حكم الإعدام بتهمة الخيانة ومحاولة السيطرة على العرش.
قد يفاجئك خطأ آخر، قد تعتقد أن ملكة إسكتلندا سيكون لها بالتأكيد لهجة إسكتلندية، أليس كذلك؟ هذا خاطئ، نشأت ماري في فرنسا، وبالتالي كان من شبه المؤكد أن لديها لهجة فرنسية، على عكس ماري في الفيلم التي تبدو إسكتلندية بالفعل.
المفضلة (The Favourite)
فاز فيلم The Favourite بالعديد من الجوائز بالفعل، وكما كان متوقعًا، حقق أداءً جيدًا في حفل توزيع جوائز الأوسكار أيضًا، وأشاد به النقاد في الواقع لتصويره الدقيق للملكة آن ملكة بريطانيا العظمى وهي تقيم علاقات غير مشروعة مع النساء في خدمتها، رغم أن الفيلم بالغ في تقديرهن.
لكن جزءًا مهمًا لم يحدث أبدًا، فلم تحاول أبيجيل هيل التي تجسد دورها الممثلة إيما ستون قتل ابنة عمها سارة تشرشل، دوقة مارلبورو، التي تلعب دورها راشيل وايز، ومن الممكن أن يكون لديهما كراهية شديدة لبعضهما البعض، لكن في الواقع لم تضع أبيجيل السم في شاي سارة الخاص بها.
تيتانيك (Titanic)
هذه الملحمة الحائزة على عدة جوائز أوسكار ليست خالية من الأخطاء أيضًا، ففي الفيلم، تنظر والدة روث ديفيت بوكاتر إلى السفينة وتقول: “هذه هي السفينة التي يقولون إنها غير قابلة للغرق”، لكن من غير المحتمل أنها كانت ستقول هذا.
لطالما عارض المؤرخون الادعاء القائل بأن الجميع اعتقدوا أن سفينة “آر إم إس تيتانيك” (Titanic) مستحيلة الغرق، ويبدو أن صانعي الأفلام بالغوا في تقديرها لجعلها تبدو أكثر شبهًا بالنبوءة عندما انتهى بها المطاف في قاع المحيط.
على الرغم من أن “تيتانيك” لم يقصد أبدًا أن يكون تفسيرًا للأحداث التاريخية، فإنه لعب دورًا في نشر بعض الحقائق غير الدقيقة، على سبيل المثال، يظهر أن شخصية البحَّار البريطاني ويليام مكماستر مردوخ، التي تستند إلى شخص واقعي، تطلق النار على الركاب في حالة ذعر قبل أن ينتحر.
تحكي تقارير شهود العيان قصة مختلفة تمامًا، فقد أشادوا بجهوده البطولية في تنظيم إطلاق قوارب النجاة خلال الساعات القليلة الماضية قبل غرق “تيتانتيك”، لذلك شعر أقارب مردوخ بالغضب من التصوير غير الدقيق الذي أدى إلى اعتذار شخصي من أحد المنتجين.
نقطة أخرى جديرة بالذكر هي تصوير الفيلم لركاب من الدرجة الثالثة يتم احتجازهم بالقوة تحت الطوابق، ما يمنعهم من الوصول إلى قوارب النجاة رغم وجود البوابات، فلا يوجد دليل تاريخي على حدوث ذلك، بدلًا من ذلك، تم استخدامها لمنع انتشار الأمراض المعدية بين الفئات المختلفة، ما يعني أن فرصة لقاء أبطال الفيلم جاك وروز في الحياة الواقعية ضئيلة.
لعبة التزييف (The Imitation Game)
في فيلم “لعبة التزييف”، تسمى آلة فك الشفرة في رسائل الألمان “كريستوفر”، بينما في الواقع كانت تسمى “القُنبلة” (The Bomb).
كان السبب الرئيسي للانزعاج أن الفيلم أشار ضمنيًا إلى أن عبقري الرياضيات البريطاني آلان تورينج (أدى دوره الممثل الإنجليزي بيندكت كامبرباتش) قد تواطأ على مضض مع جاسوس سوفيتي لحماية هوية الخائن، في مقابل عدم إخبار الجاسوس للعالم بأن تورينج كان مثليًا، في وقت كانت فيه المثلية الجنسية غير قانونية في البلاد.
في الواقع، كان هناك جاسوس يدعى جون كيرنكروس (الشخصية في الفيلم تسمى أيضًا هكذا) يعمل في بلتشلي بارك خلال الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك، فقد كان في قسم مختلف تمامًا عن تورينج، بينما يظهر في الفيلم أنهما يعملان معًا في نفس الكوخ، نظرًا لكون الإجراءات الأمنية مشددة للغاية في بلتشلي، فمن شبه المؤكد أنهما لم يلتقيا أبدًا.
غضب الجمهور من هذا الجانب من الفيلم، فقد ساعدت آلة تورينج لفك الشفرات في الفوز بالحرب العالمية الثانية، وتسبب رسم صورة له على أنه خائن محتمل في عدم الاحترام لإرثه.
الملحمة البوهيمية (Bohemian Rhapsody)
كان فيلم “الملحمة البوهيمية” أحد أكثر الأفلام المنتظرة لعام 2018، وقد حقق نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر في كل من المملكة المتحدة وأمريكا، ومع ذلك، بدلًا من التمسك بحقائق حياة المغني فريدي ميركوري، يمكن القول إن الأمر تطلب بعض الحريات المخيفة.
النقص الفادح في الدقة التاريخية لم يمنع Braveheart من الفوز بخمس جوائز أوسكار (بما في ذلك أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل تصوير سينمائي)، وحصد أكثر من 210 مليون دولار في شباك التذاكر
ومن الأمثلة على ذلك أغنية “Fat Bottomed Girls”، في الفيلم، تم تأدية الأغنية في أول جولة لفرقة الروك البريطانية “كوين” في أمريكا عام 1974، لكن في الواقع لم يتم إصدارها حتى أكتوبر/تشرين الأول 1978، مع سباق الدراجات المصاحب لها.
في الفيلم أيضًا، تفككت الفرقة قبل حفل Live Aid على إستاد ويمبلي في 1985، لكن هذا لم يحدث أبدًا، ومع ذلك، فقد أخذوا استراحة عام 1983، لمجرد أنهم كانوا جميعًا مرهقين بعد القيام بجولة لمدة 10 سنوات.
قلب شجاع (Braveheart)
يصور فيلم Braveheart أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر التمردات الإسكتلندية ضد الحكم الإنجليزي، حدثت هذه المعارك، لكن ليس بالطريقة التي يصورها المخرج والمنتج والممثل الأمريكي ميل جيبسون.
قد يتطلب الأمر مقالًا كاملًا لتفصيل الأخطاء التاريخية في الفيلم، ببساطة، ليس للخط الزمني وتسلسل الأحداث في فيلم “قلب شجاع” أي معنى تاريخي، إذ يبدأ الفيلم بغزو الملك إدوارد لإسكتلندا بعد وفاة الإسكندر الثالث عام 1280.
في الواقع، حكم الملك ألكسندر الثالث حتى عام 1286، وأدَّى التمرد الذي قاده وليام والاس – الذي قاد المقاومة ضد الإنجليز المحتلين لإسكتلندا – إلى حدوث ذلك لاحقًا عام 1296.
تشمل الأخطاء الأخرى طلاء الوجه الأزرق والأقنعة التي يرتديها الإسكتلنديون، التي على الأرجح لم تكن موجودة في زمن والاس الحقيقي، بالإضافة إلى معركة جسر ستيرلنغ التي تُصوَّر في حقل بدلًا من جسر حقيقي، ورغم أن فيلم والاس مستوحى من محاربة الإنجليز لأنهم قتلوا زوجته، لكن السجلات التاريخية لا تذكرها.
لم يُطلق على والاس أيضًا لقب “القلب الشجاع”، في الواقع، لا يُعرف إلا القليل جدًا عن ويليام والاس الحقيقي، فقد اختلفت بشأنه الآراء بين كونه مجرم حرب وهمجي أو أحد الثوار الأبطال الذين ضحوا في سبيل بلادهم، وكان هذا اللقب يُمنح لروبرت بروس أو روبرت الأول، البطل الإسكتلندي الذي تم تصويره على أنه خائن في الفيلم.
في الفيلم، يتم تبسيط السياسة بشكل مفرط في سرد مستهلك للغة الإسكتلندية الجيدة مقابل اللغة الإنجليزية السيئة، لكن هذا النقص الفادح في الدقة التاريخية لم يمنع Braveheart من الفوز بخمس جوائز أوسكار (بما في ذلك أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل تصوير سينمائي)، وحصد أكثر من 210 مليون دولار في شباك التذاكر.
إليزابيث: العصر الذهبي (Elizabeth: The Golden Age)
تدور أحداث الفيلم خلال “العصر الذهبي” لإنجلترا، وتجد الملكة إليزابيث الأولى حكمها في مواجهة تحديات مؤامرة اغتيال ومسألة تعاملها مع الأرمادا الإسبانية، بينما تستعد للذهاب إلى الحرب، تكافح من أجل تحقيق التوازن بين واجباتها الملكية وعلاقتها الرومانسية غير المتوقعة مع السير والتر رالي.
يمكن أن يكون الفيلم الرائع الذي يخطئ في جزء من تاريخه أفضل بكثير من الفيلم الدقيق الذي يشاهده الجمهور قبل الخلود للنوم
التناقض المبكر يظهر في مناقشة علاقة إليزابيث مع رالي، في الواقع، غالبًا ما يشار إلى الملكة باسم “الملكة العذراء” لأنها كانت تسعى جاهدة لوضع احتياجات الدولة فوق رغباتها الرومانسية، هذا يجعل قصة حبهما غير محتملة، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أنه لا يوجد دليل يشير إلى قصة حب حقيقية بينهما.
بالإضافة إلى ذلك، يُصوَّر رالي كبطل محطم يبحر مباشرة إلى الأسطول الإسباني وحده، تلقى رالي الحقيقي تعليمات بالبقاء على الشاطئ لتنظيم الدفاعات الأرضية، بينما كان السير فرانسيس دريك واللورد هوارد من إيفنغهام، اللذان لم يظهرا في الفيلم، مسؤولين عن قيادة الأسطول الإنجليزي.
فيلم “300”
في هذا الفيلم الملحمي، يقود الملك ليونيداس (يجسد دوره جيرارد بتلر) جيشه البالغ قوامه 300 أسبرطي محارب إلى معركة ضد قوة قوامها 300 ألف فارس من القوات الفارسية الغازية لليونان في معركة ترموبيل عام 480 قبل الميلاد، وانتهى الفيلم بهزيمة المحاربين الـ300 أمام القوات الفارسية.
كان من الممكن أن يكون هناك أكثر من 300 محارب أسبرطي في معركة ترموبيل، لكن الفيلم فشل في ذكر 7000 يوناني آخرين كانوا متحالفين مع أسبرطة.
كما أدلى الملك ليونيداس بتصريح غير دقيق تاريخيًا عندما حاول إهانة اليونانيين بالإشارة إليهم على أنهم “عشاق صبية”، ومن المفارقات أن الإسبرطيين مارسوا شكلًا من أشكال ممارسة الجنس مع الأطفال في نظامهم التعليمي كوسيلة لتحويل الصبي إلى محارب.
تشمل الأخطاء الأخرى أيضًا عدم وجود الدروع الواقية للبدن على محاربي أسبرطة، وإدراج الأفيال ووحيد القرن التي يستخدمها الفرس، وتصوير الملك المقدس الفارسي خشايارشا الأول على أنه عملاق أصلع يرتدي ملابس ضيقة بحلقة أنفه مغطى بسلاسل ذهبية وثقوب، في حين يشير السجل التاريخي إلى أن الحاكم كان يرتدي ثيابًا وكان إنسانًا عاديًا.
سواء كنت تحب هذه الأفلام أو تكرهها، أو أيًا من الأعمال الفنية الأخرى، لا يمكن اعتبار الأفلام التاريخية تهديدًا للتاريخ بل فرصة لإشراك الجماهير، ويمكن أن يكون الفيلم الرائع الذي يخطئ في جزء من تاريخه أفضل بكثير من الفيلم الدقيق الذي يشاهده الجمهور قبل الخلود للنوم، حتى أكثر الأفلام غير الدقيقة يمكن أن تثير الأسئلة والجدل وتشحذ قدرتنا على التقييم والتحليل، هذه المهارات ضرورية ليس فقط لفهم التاريخ، لكن لفهم العالم الذي نعيش فيه اليوم.