ترجمة حفصة جودة
يواجه اللاجئون السوريون خطر النسيان، فقد فتحت أغلب الحكومات الغربية ذراعيها أمام 5.3 مليون لاجئ أوكراني ووفرت لهم الملجأ والدعم في أثناء الصراع، ومع ذلك ورغم فرار أكثر من هذا العدد من الحرب السورية قبل عقد من الزمان، فإن الحكومات الغربية كانت أقل ترحيبًا.
بدلًا من ذلك، يواجه العديد من اللاجئين السوريين حياة قاتمة، فهم مهمشون في المجتمعات المضيفة وما زالوا يخشون العودة إلى سوريا، ومع قطع الحكومات الغربية للدعم المالي، قد يصبح المشهد قريبًا أكثر قتامة.
وصلت أعداد اللاجئين السوريين إلى مستوى صارخ، فقد ترك أكثر من نصف السكان منازلهم، الذين وصلت أعدادهم قبل الحرب لنحو 23 مليون مواطن، فرّ أكثر من 6.5 مليون خارج سوريا ويعيش غالبيتهم – 5.6 مليون – في الدول المجاورة لسوريا.
يعيش العدد الأكبر منهم – 3.6 مليون – في تركيا، بينما يعيش 1.5 مليون في لبنان (بما يمثل زيادة 40% في عدد السكان بلبنان) و660 ألف في الأردن، وبخلاف الخرافة الشائعة، فإن 1 من 20 فقط يعيشون في مخيمات اللاجئين، لكنهم يعانون ماليًا، فقد قدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن أكثر من مليون لاجئ لا يملكون موارد مالية – أو يملكون القليل فقط – وفي لبنان يعيش كل 9 من 10 لاجئين في فقر مدقع.
الخوف من الانتقام
هناك احتمالية ضئيلة لعودة هؤلاء اللاجئين إلى منازلهم، فقد فرّ معظمهم من عنف نظام بشار الأسد الذي استعاد غالبية سوريا الآن، ويخشون انتقامه حال عودتهم، وحتى لو كانت الأوضاع أفضل من ذلك، فقد أظهر البحث أن الأمر يستغرق سنوات حتى يعود اللاجئون إلى بلادهم، كما أن بعضهم لا يعود مطلقًا.
هناك مخاوف من أن التركيز على أوكرانيا والملل بشكل عام من سوريا ولاجئيها قد يتسبب في خفض دائم للدعم
لكن الأوضاع تزداد سوءًا في البلاد المضيفة، ففي لبنان لا يحصل اللاجئون على وصول رسمي للاقتصاد، وفي الأردن هناك قيود مشابهة على الوظائف، بينما تعد تركيا أكثر المناطق ملاءمة للاجئين حيث يمكنهم العمل والحصول على التعليم المناسب، لكن هذا الأمر تسبب في رد فعل اجتماعي عنيف وعداء متزايد تجاه اللاجئين.
ومع ذلك قطعت الحكومات الغربية دعمها، وتعد المملكة المتحدة أسوأ المذنبين، فكجزء من تعهد مستشار الخزانة ريشي سوناك بخفض المساعدات الدولية من 0.7% إلى 0.5% من إجمالي الناتج المحلي، انخفضت ميزانية سوريا في وزارة الخارجية والكومنولث ومكتب التنمية بنسبة 67%.
بينما تمكن الاتحاد الأوروبي العام الماضي من حشد المانحين الدوليين لتغطية أي عجز في التمويل، هناك مخاوف من أن التركيز على أوكرانيا والملل بشكل عام من سوريا ولاجئيها قد يتسبب في خفض دائم للدعم.
هناك حجج أخلاقية ضد هذا الإهمال، خاصة لأن بعض الدول التي تراجعت عن التمويل مثل المملكة المتحدة، كانت لاعبًا نشطًا في الحرب السورية.
لكن إذا لم يقنع ذلك صناع السياسية بتغيير مسارهم، فربما تقنعهم الحجة الأمنية، أظهر البحث أن اللاجئين غير المندمجين في المجتمعات المضيفة، مثل السوريين في لبنان والأردن ونوعًا ما في تركيا أكثر عرضة للتسليح والتسبب في زعزعة استقرار الدول المضيفة.
يقدم لنا تاريخ الشرق الأوسط الحديث أمثلة كثيرة على ذلك بكل أسف، فاللاجئون الفلسطينيون المهمشون انضموا إلى فتح وجماعات مسلحة أخرى وشاركوا في أيلول الأسود – الحرب الأهلية في الأردن – عام 1970.
كذلك انضم الفلسطينيون المبعدون إلى لبنان – الذين تعرضوا لتضييق أكبر – إلى الجماعات المسلحة وقاتلوا في الحرب الأهلية اللبنانية منذ عام 1975 وحتى 1990، بينما جندت طالبان اللاجئين الأفغان الساخطين في باكستان وتمكنت بذلك من تحقيق انتصار عسكري عام 1996.
تهديد أمني
هذا لا يعني أن اللاجئين السوريين يفكرون في حمل السلاح ضد الحكومات المضيفة أو أن تلك الحكومات يجب أن تراهم كتهديد أمني محتمل، ومع ذلك فقد أظهر التاريخ أن التوقف عن دعم اللاجئين لفترة طويلة من الوقت يدفع بعضهم إلى حمل السلاح.
وفي حالة سوريا، هناك تهديد إضافي من الجهادية المتطرفة التي قد تجد جنودًا متحمسين بين الأجيال التي نشأت في المنافي الفقيرة، لمنع ذلك، يجب أن تبذل الحكومات جهودًا إضافية لحل الأزمة السورية والعثور على طريقة لعودة اللاجئين بشكل آمن إلى وطنهم، لكن العقد الأخير أظهر أنه لن يلتزم أحد بتلبية الإمدادات الاقتصادية والعسكرية المطلوبة.
لذا بدلًا من ذلك، ينبغي الاعتراف بأن الكثير من اللاجئين السوريين لن يعودوا إلى وطنهم في أي وقت قريب، ويجب على الحكومات المضيفة تقديم المزيد من الدعم.
على الأقل، يجب أن يتضمن ذلك إعادة المساعدات المقطوعة وضمان عدم تغطية أوكرانيا على أزمة اللاجئين السوريين المستمرة، من الحكمة أيضًا أن تقدم الحكومات الأجنبية جهودًا جادة لمساعدة الحكومات المضيفة على دمج اللاجئين، خاصة في الأردن ولبنان حيث يعاني البلدان اقتصاديًا وبالكاد يتمكنان من توفير الدعم لسكانهما.
ورغم أن الحكومات الغربية تملك الموارد للقيام بذلك، فإنها لا تفعل للأسف نظرًا لأولوياتها الحاليّة وتركيزها على أوكرانيا.
بدلًا من ذلك، من الأفضل أن تعيد الحكومات الإقليمية الغنية النظر في قضية اللاجئين وتعزز مشاركتها، خاصة السعودية والإمارات وقطر، ربما تفتقر القضية إلى روعة مشروعات السياسة الخارجية الأخرى، لكنها ستحميهم من التهديد الأمني في المستقبل وتضمن استقرارًا إقليميًا أكبر.
المصدر: ميدل إيست آي