يتوجه البريطانيون اليوم الخميس 5 مايو/أيار 2022 إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في انتخابات المجالس المحلية التي يعتبرها البعض أول اختبار عملي لشعبية حكومة بوريس جونسون المحافظة في ظل الإخفاق التي تعاني منه على أكثر من ملف خلال الآونة الأخيرة.
وفي الجهة الأخرى يقرأ البعض هذا الماراثون في إطار الوقوف على حقيقة وقوة المعارضة العمالية التي فشلت في السابق في سحب البساط من تحت أقدام المحافظين في الانتخابات الأخيرة، وسط تفاؤل نسبي بقدرتها على تحقيق نتائج إيجابية مستغلة حالة التخبط التي تعاني منها حكومة جونسون على المستوى الداخلي والخارجي.
يبلغ عدد المقاعد المتنافس عليها في تلك الانتخابات أكثر من 4350 مقعدًا موزعة على أكثر من 140 مجلسًا بما فيها 32 مجلسًا في إسكتلندا و22 في ويلز، كما يحق للمواطنين، البريطانيين والأيرلنديين، التصويت عبر خدمة البريد على أن ترسل الأصوات مساء اليوم كحد أقصى.
يذكر أن هناك 5 أنواع رئيسية من الانتخابات في بريطانيا، أبرزها الانتخابات العامة (انتخابات مجلس العموم) وانتخابات الجمعيات والبرلمانات المفوضة والانتخابات المحلية وانتخابات رؤساء البلديات وانتخابات الشرطة ومفوض منع الجريمة، وجرت العادة بحسب تعديلات 2011 أن تجرى كل الانتخابات يوم الخميس.
ظرف استثنائي
تأتي الانتخابات الحاليّة في ظروف استثنائية على المستويين المحلي والدولي، من المرجح أن يكون لها تأثيرها على أداء الناخبين ومن ثم النتائج النهائية، فعلى المسار الداخلي يأتي هذا السجال بعد خمسة أشهر من فضيحة “بارتيغيت” المتعلقة بمشاركة جونسون في حفلات أقيمت بمقر رئاسة الحكومة، ديسمبر/كانون الأول الماضي، في أثناء فترات الإغلاق لاحتواء تفشي وباء (كوفيد-19)، وهي الواقعة التي أثارت غضب الشارع البريطاني برمته.
ورغم اعتراف جونسون بالواقعة بعد نفيه لها بداية الأمر واعتذاره للشعب البريطاني، فإن تحقيقًا أجرته الشرطة بشأن تلك الحادثة اعتبر رئيس الحكومة “منتهكًا للقانون”، ليعاقب بالغرامة المالية، وهي سابقة لرئيس وزراء بريطاني لا يزال في منصبه، وهو ما كان له تأثيره على شعبية الحكومة برمتها.
تبقى رهانات حزب العمال أسيرة المزاج الشعبي، حتى بين أنصاره، إذ تذهب الكثير من التقديرات إلى أن نسبة ليست بالقليلة منهم سيصوتون إلى أحزاب أخرى
شأن داخلي آخر ربما يلقي بظلاله القاتمة على المشهد الانتخابي، يتعلق بالزيادة التاريخية في معدلات التضخم وارتفاع الأسعار في البلاد، الأمر الذي أجبر السواد الأعظم من الشعب على التقشف، رغم الوعود التي قطعها المحافظون على أنفسهم في 2019 بتحسين مستوى المعيشة وإحداث طفرة هائلة في الاقتصاد بعد إنجاز “بريكست”.
أما على المستوى الخارجي، فإن الدعم المطلق الذي قدمته الحكومة البريطانية لنظيرتها الأوكرانية في مواجهة الغزو الروسي منذ 24 فبراير/شباط وحتى اليوم، سيكون له صداه على المسار الانتخابي، فالبعض يرى في هذا التوجه إحياءً لنفوذ بريطانيا الدولي واستعادة لدورها الإقليمي كإحدى القوى العظمى عالميًا، ما دفع البرلمان لإرجاء أي قرار بشأن الحكومة بسبب فشلها الداخلي، فيما اعتبره آخرون تورطًا لا طائل منه.
فرصة جيدة
يرى حزب العمال في تلك الانتخابات فرصته السانحة لتعويض الخسائر التي تلقاها في السنوات الأخيرة على أيدي المحافظين، مستغلًا حالة الاحتقان الشعبي من سياسات حكومة جونسون التي يعتبرها العماليون السبب الأبرز في إفقار البريطانيين ولجوئهم إجباريًا إلى إستراتيجية التقشف.
وتسير خطة الحزب في تحقيق أكبر قدر من المكاسب في هذا الماراثون على مسارين، الأول في إنجلترا، حيث يأمل في استعادة أصوات المناطق ذات الأكثرية العمالية في وسط وشمال البلاد، التي يطلق عليها “الجدار الأحمر” المعروفة بأنها أكثر المناطق تأييدًا للحزب، لكنها وفي مفاجأة من العيار الثقيل صوتت في الانتخابات السابقة 2020، لصالح المحافظين ما كان له أثره في خسارة العمال.
أما المسار الثاني فعلى مستوى إسكتلندا، إذ يمني العماليون أنفسهم بالتفوق على حزب الأغلبية هناك “الوطني الإسكتلندي” (الذي يخطط لإجراء استفتاء على الاستقلال عن المملكة)، مستغلًا الفجوة الكبيرة بينه وبين حكومة جونسون، لا سيما بعد الخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي، وهي الخطوة التي شجعته على إعادة ملف الانفصال مرة أخرى.
ليس أمام جونسون إلا إصلاح الوضع الداخلي في أسرع وقت ممكن قبل ماراثون 2025، وعلى المعارضة استغلال تلك الوضعية الصعبة لخصمها السياسي لكسب أكبر قدر من النقاط الشعبية بما يؤهلها لحسم المعركة القادمة
وتبقى رهانات حزب العمال أسيرة المزاج الشعبي، حتى بين أنصاره، إذ تذهب الكثير من التقديرات إلى أن نسبة ليست بالقليلة منهم سيصوتون إلى أحزاب أخرى على رأسها “الليبرالي الديمقراطي” لسببين: أولهما يتعلق بحب التغيير وعدم الرضوخ لتوجه واحد، وثانيهما فشل الحزب العمالي في تقديم بدائل واقعية لإخراج البلاد مما هي فيه، مكتفيًا بتوجيه النقد للحكومة وفقط.
وكان الحزب قد تعرض لخسائر متتالية خلال الآونة الأخيرة بسبب العديد من الأسباب كان على رأسها المواقف السلبية، من زعيم الحزب السابق جيرمي كوربين، والتشرذم الذي أصاب التحالف الانتخابي الداعم للحزب الذي خسر كل أنواع الناخبين في كل مكان، مقارنة بـ2017 باستثناء لندن، بحسب “الغارديان“.
هل يكون المسمار الأول في نعش حكومة المحافظين؟
استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى تقدم المعارضة بصورة طفيفة على المحافظين، وجاء البعد الاقتصادي على رأس أسباب هذا التقدم، هذا بخلاف العديد من الملفات الأخرى كالصحة والتعليم والخدمات العامة، بجانب القطاعات التي حقق فيها المحافظون نجاحات خلال السنوات الماضية كالأمن والهجرة.
معظم المؤشرات الأولية تذهب إلى انتصار محتمل للعمال لكن تبقى حسابات التصويت ومداخل المزاج الشعبي هي الفيصل في النهاية، خاصة مع العزوف النسبي المتوقع لدى قطاع كبير ممن يحق لهم المشاركة، وهو ما سيكون له تأثيره على النتيجة الإجمالية.
نتائج الانتخابات المحلية ربما لا تحمل القرار النهائي بشأن مستقبل جونسون السياسي ومسألة الإطاحة به من منصبه قبيل الانتخابات العامة المقرر لها 2025، لكنها وعبر الأرضية السياسية والتنفيذية التي ستضع ملامحها، ستحدد بشكل كبير مصير المحافظين خلال المرحلة المقبلة، فانتصار المعارضة يمثل حرفيًا المسمار الأول في نعش جونسون ورفاقه.
كل التقديرات تذهب إلى أنه سيكون هناك عقاب جماعي لجونسون وسياسته الاقتصادية التي عمقت الأزمة المعيشية للبريطانيين، من خلال التصويت للعمال، لكن هذا لا يعني أن المعارضة لديها البديل القادر على إخراج البلاد من مأزقها، لكنه التصويت السلبي كما يطلقون عليه في علم السياسة، الذي في الغالب يكون رسالة تحذير وإنذار مما هو قادم إذا ظل الوضع على ما هو عليه.
يذكر أن جونسون منذ توليه رئاسة الحكومة في يوليو/تموز 2019 يعاني من علاقات متوترة مع العديد من التيارات، أبرزها البرلمان الذي دخلت علاقته به نفقًا مظلمًا منذ الشهر الأول حين رفض البريكست إلا باتفاق وذلك عبر تشريع جديد يلزم الحكومة بذلك، وحين رفض دعوة رئيس الوزراء لإجراء انتخابات مبكرة، فيما وصفته “الغارديان” حينها بـ”المحشور في الزاوية ويعاني من هزائم عدة في مجلس العموم”، ما أثر على شعبيته، في مقابل مساعي العمال لاستغلال هذا التوتر لتحقيق مكاسب سياسية.
في ضوء ما سبق، ربما تكون الفرص متساوية، لكن المنافسة ستكون قوية، فليس أمام جونسون إلا إصلاح الوضع الداخلي في أسرع وقت ممكن قبل ماراثون 2025، وعلى المعارضة استغلال تلك الوضعية الصعبة لخصمها السياسي لكسب أكبر قدر من النقاط الشعبية بما يؤهلها لحسم المعركة القادمة.. وتبقى الفترة المقبلة هي الفيصل لقدرة الطرفين على سحب البساط من تحت أقدام الآخر.