ترجمة وتحرير: نون بوست
تعد سلسلة التلال الخلابة في القدس، الغارقة في التاريخ القديم، وجهة مفضلة للزوار الذين يأتون لالتقاط صور بانورامية للقباب والأبراج في المدينة القديمة عبر واد مشجر أدناه.
يعتقد الكثيرون أن التلال هي موقع تلة مستشار الشر؛ حيث – وفقًا للتقاليد المسيحية – تآمر يهوذا لخيانة يسوع. وإذا تمكن المطورون – في المستقبل غير البعيد – من تطوير تلك المنطقة؛ فسيتمكن الزوار من الانزلاق على خط من الحبال إلى الوادي الأخضر المعروف باسم غابة السلام.
يعد خط حبال الانزلاق واحدًا من عدد من مناطق الجذب المخطط لها والتي تم تصنيفها على أنها جذب سياحي وطريقة لتسهيل الوصول إلى المواقع ذات الأهمية التاريخية، ويتصور المطورون أيضًا وجود تلفريك وجسر للمشاة ومراكز للزوار، إلى جانب مزرعة نموذجية تم بناؤها بالفعل.
لكن المنطقة ما تحت التلال والوادي تمتد على طول خط التماس شديد الحساسية بين القدس الشرقية ذات الغالبية الفلسطينية والجانب الغربي الذي يغلب عليه الطابع اليهودي من هذه المدينة المتنازع عليها؛ إنها جزء من المشهد التاريخي حول أسوار البلدة القديمة المعروفة باسم الحوض المقدس، وهي منطقة مليئة بالآثار والأضرحة لجميع الديانات التوحيدية الرئيسية الثلاث.
يقول النقاد إن المشاريع المخطط لها ستحول ما تبقى من المناظر الطبيعية المفتوحة والمحيطة بالبلدة القديمة إلى شيء يشبه مدينة ديزني لاند بشكل يشوه الأفق المميز.
كما يرى المعارضون أن الخطط جزء من إستراتيجية سياسية أكبر لمحو الخط الفاصل بين القدس الشرقية والغربية وتعزيز مطالبة “إسرائيل” بالسيادة على القدس بأكملها، ويقولون إن الهدف هو التأكيد على التاريخ والثقافة اليهودية للمناطق المشحونة بالحساسيات الدينية والسياسية، والتقليل من شأن خصائصها الإسلامية أو المسيحية أو الفلسطينية. ولم يؤد تورط منظمة خاصة للمستوطنين اليهود في هذه المشاريع إلا إلى تأجيج هذه المخاوف.
“لا أحد يقول إنه لا يوجد الكثير من التاريخ اليهودي هنا”؛ هذا ما قاله أوري إرليش من إميك شافيه، وهي جماعة إسرائيليّة تعارض استغلال التراث الثقافي كأداة سياسية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأضاف: “لكن ذلك يعتمد على القصة التي تريد سردها”.
يصر المطورون على أن الخطط، التي كان بعضها قيد العمل منذ سنوات، ستعيد الحياة إلى المناطق المهملة منذ فترة طويلة والتي كان من الصعب الوصول إليها، والتي استولى عليها تجار المخدرات وتعرضت للتخريب والحرق المتعمد، لكنهم قد يخلون أيضًا بالتوازن الحساس في القدس، والمتقلب بشكل دائم؛ حيث شهد الشهر الماضي تصاعدًا في التوترات، خاصة حول البلدة القديمة، وقد تمت الموافقة على معظم المشاريع في اللجان الحكومية دون الكثير من التدقيق العام، لذلك كان هناك القليل من النقاش حول التأثير المحتمل.
الكثير من الأراضي المعنية كانت حتى الآن مساحات خضراء مفتوحة مع القليل من التنمية أو انعدامها؛ فبالإضافة إلى خط الحبل الانزلاقي، تشمل الخطط جسرًا معلقًا للمشاة عبر مساحة خضراء محفوظة أسفل أسوار المدينة القديمة المعروفة باسم وادي هنوم، أو وادي ربابة باللغة العربية، وموقع القرابين القديمة والمدافن، فيما تقع المزرعة النموذجية بالفعل في أرضية الوادي، ومن المقرر أن ينقل التلفريك المثير للجدل الزائرين عبر الوادي نحو البلدة القديمة والحائط الغربي، وهو موقع يهودي مقدس.
استولت “إسرائيل” على القدس الشرقية من الأردن في حرب سنة 1967 ثم ضمتها إليها؛ على الرغم من أن معظم الدول لا تزال تعتبرها أرضًا محتلة. وتشارك كل من منظمة المستوطنين اليهود الخاصة، مؤسسة مدينة داوود، أو “إلعاد” بالاختصار العبري، مع الوكالات الحكومية المحلية والوطنية للمساعدة في تطوير عوامل الجذب. حيث تقدم هذه الوكالات الكثير من التمويل.
تكرّس جمعية “إلعاد” الاستيطانية دورها في تطوير ما يعتقد العديد من الخبراء أنه مدينة داوود التوراتية وضواحيها، وتمثّل مشروعها الرئيسي في إدارة موقع مدينة داوود الأثري في سلوان، وهو حي فلسطيني في القدس الشرقية؛ حيث بدأت “إلعاد” – منذ أكثر من ثلاثة عقود – في شراء عقارات حول الموقع، وبدأت أعمال التنقيب منذ أكثر من قرن، ونقلت العائلات اليهودية إلى المنازل هناك.
وزعم نائب رئيس جمعية “إلعاد” دورون سبيلمان إن مجموعته تعمل لصالح اليهود والمسيحيين والمسلمين في القدس، وإن مهمتها هي “جلب السائحين وقطاعي التعليم وعلم الآثار، بحيث يدخل شخص ما مشهدًا توراتيًا بالكامل ويمكنه الاتصال بهويتهم التاريخية وجذورهم وحمضهم النووي”. كما يزعم سبيلمان إن الجماعات المعارضة للمشاريع التنموية تفضل “إبقاء هذه المنطقة من القدس في حالة من الإهمال، حتى يتمكنوا من تعزيز روايتهم القائلة بأن اليهود والعرب لا يمكنهم الازدهار معًا هنا تحت السيادة الإسرائيلية”.
من خلال تعزيز الوجود الإسرائيلي في القدس الشرقية؛ تأمل الجمعية أيضًا في منع أي تقسيم مستقبلي للمدينة، ومن المخطط أن يبدأ خط الانزلاق الحر الذي يبلغ طوله نصف ميل من نقطة على التلال؛ حيث يوجد مبنى قديم متهدم منذ سنوات، وتقوم الآن بإنشاء مركز للزوار، وستنتهي الرحلة بالقرب من موقع تخييم تديره “إلعاد” في غابة السلام الشاسعة.
وقد أطلق بعض النقاد على المشاريع اسم “الاستيطان السياحي”، بناءً على مشاركة “إلعاد” وما يبدو أنه إستراتيجيتها المتطورة، الأمر الذي سيعزز مطالبات “إسرائيل” بالحوض المقدس من خلال جلب الآلاف من السياح الإسرائيليين والأجانب إلى المنطقة، من جانبه قال أفيف تاتارسكي من جمعية “عير عميم” المناهضة للاستيطان: “هذه ليست طريقة “إلعاد” المعتادة للتركيز على الجوانب التاريخية والدينية والأيديولوجية والأثرية”، وقال إن الجمعية تغير مسارها في محاولة لمناشدة الجماهير بالترفيه لتغيير طابع هذه المناطق، وقد يستغرق استكمال خط الانزلاق الحر والتلفريك سنوات، بسبب مشاكل قانونية وبيروقراطية وتمويلية، مع ميزانيات تصل إلى ملايين الدولارات
يقول الفلسطينيون المحليون إن ملكية بعض الأراضي التي يتم تطهيرها وإعادة رسمها الآن في وادي الربابة، الذي أُعلن عنه كجزء من متنزه أسوار القدس الوطني في سنة 1974، فيما تقول سلطة الطبيعة والحدائق الإسرائيلية، التي اشتركت مع “إلعاد” في إعادة تشكيل الوادي إنه لم يتم تحديد ملكية الأرض المتنازع عليها.
قال شادي سومرين، وهو فلسطيني يعيش على إحدى التلال فوق وادي الربابة، إن لديه وثائق تعود إلى مئات السنين تثبت ملكية عائلته لبعض الأراضي التي يقوم الإسرائيليون الآن ببناء المدرجات وممرات المشاة والجدران عليها، وصاح في مواجهة الإسرائيليين الذين قاموا بتطهير الأرض مؤخرًا قائلًا: “لصوص!”، وحثّ سائق الجرار الفلسطيني الذي يعمل لديهم على الذهاب إلى بيته.
أما أحمد عوض سومرين، 47 عامًا، المتحدث باسم العائلات التي تطالب بالأرض في وادي الربابة، فقال إنه وأقاربه كانوا يقطفون أشجار الزيتون العائلية هناك منذ أن كان في الخامسة من عمره، وأصرّ قائلًا: “هذه ليست ثقافتنا”، وتستأنف العائلات القضية أمام المحكمة لوقف التغييرات في الأرض، والتي كانت دائمًا مفتوحة للزوار، ووصف المحامي مهند جبارة عملية الاستيلاء على الأرض التي يطالب بها موكليه بأنها “باطلة”.
من جهتها ادّعت فلور حسن ناحوم، نائبة رئيس بلدية القدس والمسؤولة عن الملف السياحي للمدينة، أن الجسر المعلق والتلفريك هي حلول خضراء وعملية لمنطقة تاريخية لطالما كانت تعاني من انسداد حركة المرور وإهمالها، وقالت إن “السياحة جزء مهم للغاية من دخل المدينة”، فيما قالت هاجيت أوفران، من وحدة مراقبة المستوطنات التابعة لمنظمة “السلام الآن”، أن “إسرائيل” شعرت في الماضي أن عليها مسؤولية تجاه العالم للحفاظ على المساحات الخضراء الطبيعية والطابع متعدد الثقافات للحوض المقدس، لكنها أوردت أنهم “لا ينظرون إلى الأمر بهذه الطريقة في السنوات الأخيرة، بل ينظرون إليها كمنطقة يهودية إسرائيلية؛ حيث المواقع الإسلامية والمسيحية مثل الجزر”.
المصدر: نيويورك تايمز