ترجمة وتحرير نون بوست
من أين نبدأ الكلام الذي لا ينتهي عن فلسطين وإسرائيل؟ لنبدأ مما وقع منذ أيام: اقتحم فلسطينيان معبدًا يهوديًا في حي ذي أغلبية يهودية أرثوذكسية متطرفة غربي القدس، وقتلوا ثلاثة حاخامات ويهودي وضابط شرطة درزي استسلم بعد الهجوم. نجحت قوات الأمن في قتل المهاجمين، ولكنها لم تمنع وقوع أسوأ حادث على مدنيين إسرائيليين منذ ثلاث سنوات، وهي الحادثة التي ستشعل دورة جديدة من العنف في القدس، والتي — للمفارقة — يقدسها الطرفان.
الآن، إليكم تفسيران لما جرى، ولنبدأ لما قاله لي صديق يهودي، ثم ننتقل لما قاله صديق فلسطيني.
اليهودي: “الفلسطينيون لا يتعلمون أبدًا. يريدون قتل اليهود ويحتفلون بذلك، والإيعاز ضد السامية من قياداتهم لا يهدأ. القاتلون عندهم أبطال، وتسمى الشوارع باسمهم. يتحدث البعض منهم عن التهدئة والوصول لحلول وسط مثل حدود 1967، ولكنها مجرد محاولات لجر إسرائيل إلى موقف ضعيف، وستؤدي في النهاية إلى رفع السقف لطرد اليهود من أرضهم (!).
إنهم يريدون حيفا، لا السلام.
لقد كان السلام متاحًا مرات عدة منذ 1948 ولكنهم رفضوه مرارًا. مع من نتفاوض برأيكم؟ لقد حوّلوا نضالهم الوطني إلى حرب مقدسة تقودها حماس بأهدافها القبيحة. فلننس الأمر إذن. إذا كان الأمر هو الإسلام في مواجهة اليهود في تلك الأراضي المقدسة، فالحرب لن تتوقف. جيوش العرب تريد تدمير إسرائيل منذ قيامها، وهي تخسر مرارًا وتكرارًا. لماذا ينبغي على إسرائيل دومًا أن تسعى للسلام وهي المنتصرة في الواقع، لتعطي في النهاية أرضًا لمجموعة مهزومين؟ هذه الفكرة تُضحِك أصدقائي الروس كثيرًا. الفلسطينيون يحترفون تصوير أنفسهم كضحايا.
تخيل معي لو أن اليهود المشردين في هذه الأرض أثناء الأربعينيات والمطرودين من البلدان العربية، ظلوا إلى اليوم في خيام لاجئين تطعمهم الأمم المتحدة، ماذا كنا لنفعل؟ منطقي جدًا. كما تفعل حماس، بصواريخها وأنفاقها ودس قواتها بين المدنيين في غزة لضمان زيادة أعداد الضحايا. الضحايا ورقة ضغط ودعاية جيدة. يدعم الأوربيون الفلسطينيين كثيرًا دون أن يدركوا ذلك لأنهم مجموعة من الحمائم أنصار السلام الذي لا يفهمون ما عاناه اليهود ليتفادوا الوقوع في الحرب كل مرة. لا حوار مع الفلسطينيين.
إسرائيل هي أرض اليهود، وهي مذكورة كذلك في الإنجيل. ليست هناك ضفة ولا احتلال أصلًا. هذه يهوذا والسامرة؛ أرضنا اليهودية. فلتتعاملوا مع الواقع كما هو.
الفلسطيني: “تضرب الناس مرة واثنين وثلاثة، حتى ينفجروا في نهاية المطاف. هذه هي حقيقة الاحتلال الإسرائيلي: الإهانات اليومية. نحن “لا مواطنين”؛ لا شيء في أرضنا، ولأكثر من نصف قرن الآن. الطريق الوحيد هو القتال. قد لا يكون العنف الحل، ولكنه على الأقل يذكّر الإسرائيليين بأن كُتل البؤس التي لا يرونها، أو لا يريدون رؤيتها، لا تزال حية.
فلتحتفظ إسرائيل بمنظومة الأمر الواقع الدموية كما هي؛ فلتبني المستوطنات وتستولى على الممتلكات في القدس الشرقية وتفجر المنازل وتقتل المئات من الأطفال وتقمع صلواتنا وتغلق شوارعنا وأعمالنا وتأخذ قوتنا وتمنعنا من استخدام المطارات والموانئ، ولكن نرجو ألا تقول بعد ذلك كله أنها تريد السلام! كل ما تريده إسرائيل هو المزيد من الأرض! إنهم يريدوننا أن نرحل. أن نختفي من الوجود، وهو أمر يقوله وزراؤها على الملأ. يقول اليهود أن الأرض لهم لأن التوراة قالت ذلك — ثم يتهموننا نحن بأننا نشن حربًا دينية!
إذا سلكنا طريق الاعتدال، قالوا عن تصرفاتنا أحادية الجانب، وإذا قاومنا قالوا عننا إرهابيين، وإذا ندبنا وبكينا قالوا عننا تجار دماء، وإذا تنفسنا قالوا عننا دخلاء. الإسرائيليون لا يريدون دولتين، بل “عملية سلام” معلقة في الهواء ليستروا بها وجودهم الاستعماري. وهم يتمتعون بالدعم الأمريكي والمال والقنابل النووية والطرق السريعة والطيارات دون طيار والجيش المحترف والتكنولوجيا الحديثة. أما نحن فلا شيء لدينا. نحن فقراء، وكل ما نملكه هو حكاياتنا وذكرياتنا. ولكننا سنقاتل ونقاوم حتى نحصل على دولة تكفينا لنكون فخورين.
بين هذا وذاك، لا يزال يأمل الكثيرون بأن يعيش الطرفان في سلام. ولكن الأزمة هي، بغض النظر عن تفاصيل التاريخ والتراث الديني، ما يقوله هذان الشخصان يمثل شعبين يعيشان بالفعل على أرض فلسطين التاريخية الواحدة، وهي جيرة لا مفر منها إلا إذا ألقى أي منهما بالآخر في البحر. ما الحل إذن؟
المصدر: نيويورك تايمز