ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال خطاب تنصيبه السنة الماضية، أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى “تصاعد التطرف السياسي وتفوق البيض والإرهاب المحلي” متعهدًا بمواجهته وهزيمته؛ وكان ذلك بعد أسبوعين من أعمال التمرد والشغب التي صاحبت اقتحام المؤيدين لدونالد ترامب مبنى “الكابيتول هيل”. وأشار بايدن إلى أن “استعادة الروح الوطنية وتأمين مستقبل أمريكا يتطلب أكثر من مجرد كلمات”.
لم يكن مفاجئًا أن يتطرق بايدن إلى هذه القضية، كان هدف مثيري الشغب في الكابيتول هو الطعن في نتائج الانتخابات وإبقاء الرئيس السابق دونالد ترامب في منصبه بأي ثمن. لكن الكثيرين تساءلوا عما إذا كان بايدن سيتصرف بشكل حازم وكيف يمكن أن يبدو هذا الرد، لاسيما أنه لا يوجد لدى الولايات المتحدة قانون محلي للإرهاب، ونادرًا ما تركّز الأجندة الحالية لمكافحة الإرهاب المحلي على التهديد الذي يشكله المتطرفون البيض.
في حزيران/ يونيو 2021، أصدرت إدارة بايدن “استراتيجيتها الوطنية لمكافحة الإرهاب المحلي” في الوقت الذي احتل فيه عنف العرق الأبيض مكانًا أكثر مركزية في الرأي العام والمشهد السياسي وذلك على خلفية هجوم الكابيتول والاشتباكات العنيفة في المدن في جميع أنحاء البلاد خلال إدارة ترامب.
مثّل التحول في التغطية الإعلامية جزءًا من التفسير بالتأكيد، لكن هذا التركيز السياسي الجديد كان متجذرًا أيضًا في واقع متغير بشكل واضح. ومع اكتساب الخطاب القومي الأبيض زخمًا في الخطاب السياسي السائد، لم يعد من الممكن التستُّر على العنف المتطرف من خلال تحويل الانتباه نحو تهديد ما يسمى بـ “الإرهاب الإسلامي”. لكن أجندة إدارة بايدن تتجاهل إلى حد كبير الحقيقة الصارخة المتمثلة في أن أولئك الذين تم تجريمهم من قبل الهياكل القانونية القائمة على مكافحة الإرهاب المحلي كانوا بشكل حصري تقريبًا من السود والسكان الأصليين وغير البيض، وخاصة المسلمين. يستفيد بايدن من التهديد “المُستجد” لكل من التطرف الداخلي والجهود المبذولة لمكافحته وتركّز إدارته على معالجة البيئة السياسية المضطربة التي خلّفتها إدارة ترامب، وخاصة تصاعد العنف من أنصاره في مجموعات مثل “براود بويز“.
الجذور التاريخية
خلال إدارة أوباما، أطلقت الولايات المتحدة برنامج “مكافحة التطرف العنيف” لتسهيل جهود مكافحة الإرهاب المحلي. وفي حين تم تجاهل التهديد المتزايد الذي تشكله أيديولوجية تفوق البيض إلى حد كبير – على الرغم من حقيقة أن نموها يُعزى إلى رد الفعل العنيف الناجم عن انتخاب أوباما – كان البرنامج مُدمّرًا للمجتمعات المسلمة إذ سمح بمراقبة واسعة النطاق للمجتمعات المسلمة، واستهدفت وكالات إنفاذ القانون المسلمين الذين لم يرتكبوا جريمة ولم يعطوا أي مؤشر على التخطيط للقيام بذلك حسب معايير الإسلاموفوبيا مثل التدين أو إطلاق اللحية – كمؤشر على أنهم عرضة للقيام بأعمال تطرف وعنف.
وفي سنة 2018، ألغى ترامب برنامج “مكافحة التطرف العنيف“، وهي خطوة يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة استباقية لحماية قاعدته من احتمال استهدافها لقوميتها البيضاء. مع ذلك، نظرًا لتاريخ البرنامج – مع عقدين من حملة “الحرب على الإرهاب” التي تستهدف المسلمين بشكل حصري تقريبًا – لا يزال هذا الاحتمال بعيدًا. ومن المؤكد أنه سيشكل فجوة كبيرة في تاريخ إنفاذ القانون في الولايات المتحدة، حيث تم استهداف المجتمعات السوداء والمسلمة باستمرار بمعدلات أكبر بكثير من البيض.
في الحقيقة، لا التهديد الذي يشكله الإرهاب المحلي ولا التهديد الذي يخلقه العنف العنصري الأبيض أمر جديد تمامًا. في وثيقة استراتيجيته، يبدو أن بايدن يعترف بذلك بقوله: “إن تهديد الإرهاب المحلي الذي تواجهه أمريكا اليوم هو تهديد له بصمة مميزة للعصر الرقمي بالإضافة إلى الجذور الطويلة في تحديات الإرهاب المحلي عبر تاريخ بلدنا. ومعالجة هذا التهديد بشكل شامل ومستمر يتطلب دراسة كل من أصله التاريخي وشكله الحديث المميز”.
كان من الممكن أن يشير بايدن إلى الجذور التاريخية للإرهاب الأبيض والعبودية وقوانين جيم كرو، لكن ـ بدلًا من ذلك ـ يبدو أنه كان يهدف إلى تعزيز التصور بأن التهديد التاريخي قد تم استبداله بشيء جديد ومختلف، وأن عنف التفوق الأبيض هو تهديد كان موجودًا منذ تأسيس البلاد، وبهذا الأمر، كان بايدن محقًا في استدعاء التاريخ، لكن محاولاته الحثيثة لربط هذا التهديد بالذات بعصر ترامب واللغة الغامضة التي تبنّاها تشير إلى عدم رغبته في معالجة القضية بشكل حقيقي.
استهداف المسلمين
يمكن أن يدل استخدام بايدن لكلمة “التاريخ” على فهم أعمق لشكل العنف الأمريكي. ومع ذلك، لا يعطينا التاريخ أي دليل على أن مثل هذا الفهم النظري قد أدى إلى أي شيء يمكن القيام به لمواجهة عنف العرق الأبيض. لهذا السبب، تم انتقاد هذه الجهود المبذولة للحد من الإرهاب المحلي بسبب النتيجة المفترضة: مزيد من الاستهداف لمجتمعات الأقلية العرقية وخاصة المسلمين بحجة حماية الأمن القومي.
يُعزى جزء كبير من هذا إلى النظرة الاجتماعية للإرهاب الذي كان مقبولًا عالميًا تقريبًا في السنوات التي انقضت منذ إطلاق “الحرب على الإرهاب”. إن التصور الناتج عن معرفة من المشتبه الذي يتم التحقيق معه بتهمة الإرهاب والذي تتم محاكمته وإدانته يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتصورات الاجتماعية التي دفعت المجتمع الأمريكي إلى معرفة من “يمارس” الإرهاب.
لأكثر من عقدين من الزمن، يُنظر إلى المسلمين على أنهم إرهابيون نظرًا لأن إدارة بوش غزت أفغانستان، وقد تشبّع المشهد المحلي بهذه الفكرة. توسع النموذج المهووس بالأمن الوطني، والذي نشأ من تلك الأيام الأولى، لتحويل مجموعة واسعة من المؤسسات والسياسات الأمريكية من خدمات الهجرة إلى المراقبة إلى الاستخدام الواسع النطاق للمخبرين للحصول على محاكمات الإرهاب الفيدرالية.
ببساطة، كان هناك جهد مقصود بعد أحداث 9/11 لبناء فكرة أن الإرهاب هو جريمة إسلامية فريدة، مما يعني أن الجهود المبذولة لاعتبار العنف الذي يمارسه العرق الأبيض إرهابًا لم تصل إلى نتيجة أبدًا.
يوضح حكم المحكمة الأخير مدى بعد حقيقة نهج الولايات في مكافحة الإرهاب المحلي عن لغة إدارة بايدن وغيره ممن يصرون على أن تهديد عنف العرق الأبيض يمكن وينبغي مواجهته تحت مسمى “الإرهاب المحلي”. تمت تبرئة رجلين متهمين بالتخطيط لخطف حاكمة ميشيغان غريتشن ويتمر في سنة 2020 من جميع التهم الموجهة لهما الشهر الماضي، وتم إنهاء محاكمة المدعى عليهم باعتبارها “باطلة”.
يدعي محاموهم أن ما حدث مكيدة مستعينين بمخبري مكتب التحقيقات الفيدرالي، علمًا بأن هذا الإجراء لا يتم العمل به عندما يكون المدعى عليه مسلمًا. بدلاً من ذلك، تم تمكين استخدام المخبرين والمستفيدين في هذه القضايا عن طريق سياسات مثل برنامج “مكافحة التطرف العنيف”، وقد تم فحصها إلى حد كبير من قبل المحاكم التي قبلت أن مصلحة الحكومة المعلنة بالأمن القومي يجب أن تؤخذ بالقيمة الاسمية، حتى عندما لا تتوافق الحقائق. ويبدو أن المهلة الممنوحة لوزارة العدل ومحاميها في مثل هذه الحالات لا تمتد إلى المدعى عليهم البيض – وهذا ليس مفاجئًا.
المصدر: ميدل إيست آي