ثمانية أشهر ما بين زيارة وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف للولايات المتحدة الأمريكية، وزيارة وزير الحرس الوطني متعب بن عبد الله بن عبد العزيز لواشنطن، فالأولى كانت في منتصف فبراير 2014، والثانية في النصف الثاني من نوفمبر 2014، وقبلها قام محمد بن نايف بزيارة لواشنطن في منتصف يناير 2013، وتمحورت حول صفقات أسلحة وطائرات أباتشي والبلاك هوك، للحرس الوطني الذراع الأمني القوي للسلطات السعودية، والذي تنامى دوره بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وخصوصًا بعد تعيين متعب بن عبد الله وزيرًا له، وهي وزارة مستحدثة لم تكن موجودة من قبل، وأيضًا أسلحة وطائرات لوزارة الداخلية، في ظل حربها على الإرهاب.
ولكن هل زيارة “متعب” ومن قبلها زيارتي “محمد بن نايف” لواشنطن، هدفها صفقات الأباتشي والبلاك هوك، أم أن هناك أمورًا أخرى، تتعلق بترتيب “البيت السعودي”، والحديث عن تصعيد في سلم السلطة، طبقًا لما جاء في التقرير الذي نشره سايمون هندرسون، زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، والتنافس بين أبناء أبناء الملك عبد العزيز، أو ما اصطلح عليه بـ”صراع الأحفاد”؟ والدور الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة التي تتمتع بعلاقة استراتيجية مع السعودية، توطدت عراها الآن في ظل الشراكة في الحرب العالمية على تنظيم الدولة الإسلامية، التي تقودها واشنطن، وتشارك فيها أكثر من ستين دولة، طبقًا لتصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما؟
الأباتشي والبلاك هوك
وزير الحرس الوطني السعودي الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، كشف أنه سيتم تسليم “طائرات الأباتشي والبلاك هوك، للسعودية مطلع العام القادم2015″، وقال في تصريحات له عقب اجتماع عقده مع وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل، الجمعة الماضية في العاصمة الأمريكية واشنطن، إنه جرى خلال اللقاء “تناول سبل تعزيز علاقات التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، بالإضافة إلى بحث آفاق التعاون بين وزارة الحرس الوطني ووزارة الدفاع الأمريكية”، بحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية، وقال وزير الحرس الوطني: “العاهل السعودي يسعى دائمًا إلى تحديث وتطوير المنظومة العسكرية لكافة القطاعات العسكرية ومن بينها الحرس الوطني، وأن تكون على أعلى المستويات”.
وأضاف “هناك لجان عسكرية فنية متخصصة تدرس كافة الاحتياجات بما يتناسب مع متطلبات المنظومة العسكرية السعودية”، وردًا على سؤال عن شراء الحرس الوطني لطائرات “أباتشي وبلاك هوك” أمريكية وموعد وصولها للمملكة، قال متعب بن عبد الله: “الطائرات العمودية التي تعاقد الحرس الوطني على شرائها، في هذه المرحلة تغطي الاحتياج نسبة إلى عدد من تم تأهيلهم من الطيارين، وهي تخضع لجاهزية القواعد وطبيعة الاحتياج والمهام المنوطة بها بالنسبة لما تم استلامه، وقد استلمنا طائرات التدريب، وبالنسبة لبقية الطائرات، الأباتشي والبلاك هوك، فإنها ستصل في مطلع العام القادم”.
حجم الصفقة وعدد الطائرات
ولكن، لم يحدد متعب بن عبد الله حجم الصفقة ولا عدد الطائرات التي سيتم استلامها، ولكنه مضى قائلًا: إن “الحرس الوطني يقوم بعملية تجديد وتطوير مستمرة، وإنشاء واستحداث أي سلاح تحكمه الحاجة الفعلية لحماية الدين والوطن، لا سيما أن للحرس الوطني مهمتين، مهمة عسكرية دفاعية مع وزارة الدفاع ومهمة عسكرية أمنية مع وزارة الداخلية”، وحول مشاركة السعودية في التحالف الدولي لمحاربة داعش، أكد وزير الحرس الوطني أن “بلاده جزء من المجتمع الدولي، وقرار إنشاء قوات التحالف يحظى بإجماع عالمي”، وأشار إلى أن “المملكة تربطها مع أمريكا علاقة شراكة إستراتيجية قوية”، متابعًا أن “الحرب على الإرهاب والتطرف أينما وجدت، هي هدف مشترك للجميع ليعود الأمن والسلام لدول المنطقة كافة”.
وتشارك السعودية ضمن تحالف دولي تقوده أمريكا، يشارك في توجيه ضربات جوية إلى تنظيم داعش في سوريا والعراق، وكان متعب بن عبد الله بن عبد العزيز وصل الثلاثاء الماضي، في زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تلبية لدعوة تلقاها من وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل، والتقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لـ”بحث التطورات في المنطقة”، وقال بيان صادر عن مكتب المتحدثة باسم مجلس الأمن الوطني الأمريكي، برناديت ميهان، إن “الرئيس أوباما، التقى الأمير متعب في البيت الأبيض، لبحث مصالحنا المشتركة في ضوء التطورات في المنطقة، وتأكيد الشراكة القوية والدائمة بين بلدينا”.
على أنغام “محاربة الإرهاب”
وأضاف البيان، أن “أوباما أعرب خلال اللقاء عن تقديره لمساهمات السعودية في التحالف الدولي لمحاربة داعش”، منوهًا إلى “دور المملكة العربية السعودية الحاسم في دعم السلام والأمن بما في ذلك تعاونها مؤخرًا، مع الحكومة العراقية”، وأوضح أن الجانبين بحثا “جهود تشجيع الاستقرار في اليمن والاستجابة الدولية للقضاء على وباء إيبولا وتعزيز الأمن الصحي العالمي، ومستجدات المباحثات النووية لمجموعة 5+1 مع إيران”، من جانبه، قال وزير الحرس الوطني في تصريحات للصحفيين عقب الاستقبال، إنه “على صعيد التطورات في المنطقة، وجدت حرصًا من الرئيس أوباما على استقرار منطقة الشرق الأوسط ومحاربة الإرهاب أينما وجد”، حسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية.
واعتبر أن الموقف السعودي الأمريكي هو “جزء من الموقف الدولي الحريص على رفع المعاناة عن الشعب السوري وحقه في تقرير مصيره، وكذلك الحرص على استقرار الأوضاع في العراق وفي اليمن وحل كافة الإشكالات التي تعيق عملية استقرار هاتين الدولتين سياسيًا وأمنيًا”، وأكد وزير الحرس الوطني السعودي أن “العلاقات السعودية الأمريكية تقوم على مبدأ الاحترام المتبادل والسعي الدائم على نشر السلام العادل والشامل وإنهاء النزاعات الطائفية ومواجهة الاٍرهاب”.
إعادة ترتيب “البيت السعودي”
ولكن، الصحف الأمريكية والبريطانية تحدثت عن زيارة وزير الحرس الوطني السعودي، ومن قبلها بثمانية أشهر زيارة وزير داخلية السعودية لواشنطن، من منظر إعادة ترتيب “البيت السعودي”، وترتيبات السلطة وانتقالها إلى “جيل الأحفاد” وهم أبناء أبناء الملك عبد العزيز، وكان سايمون هندرسون، زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، كتب دراسة عن انتقال السلطة، وتزايد التكهنات بشأن من سيحكم المملكة العربية السعودية في المستقبل بعد مفاجأة تعيين الأمير مُقرن بن عبد العزيز نائبًا ثانيًا لرئيس مجلس الوزراء في 1 فبراير، ويُنظر منذ فترة طويلة إلى من يتقلد هذا المنصب على أنه سيصبح “ولي العهد المُنتظر”، وقال “هندرسون” إن: “هذه الخطوة غير المتوقعة تسلط الضوء على السياسات والإجراءات المُعقدة التي تحيط بالخلافة السعودية”.
الشخص الثالث الأكثر نفوذًا
واسترجع سايمون هندرسون في دراسته خلفية أن “الأمير مُقرن هو أصغر من بقي من أبناء الراحل عبد العزيز مؤسس المملكة العربية السعودية”، وأنه “الآن، الشخص الثالث الأكثر نفوذًا في المملكة، بعد العاهل السعودي الملك عبد الله الذي يشغل أيضًا منصب رئيس الوزراء، وولي العهد الأمير سلمان نائب رئيس مجلس الوزراء”، وقال “هندرسون” إن “تعيين مُقرن قد أصاب المحللين بالحيرة؛ نظرًا لأنه كان قد أُقصي من منصبه كرئيس لـ”إدارة الاستخبارات العامة السعودية” في شهر تموز/يوليو الماضي.
ورغم عدم إبداء أي سبب وراء ذلك القرار، كان يُفترض أنه يفتقر للحماسة اللازمة لتقويض نظام الأسد المؤيد لإيران في سوريا، في حين تُنازع الرياض منافستها الخليجية “قطر” من أجل بسط النفوذ والسيطرة على المقاتلين الجهاديين، وقد يكون هذا افتراضًا خاطئًا” على حد قول “هندرسون”، وأضاف أن “هذا التغيير، جاء بعد ثلاثة أشهر فقط من ترقية الأمير محمد بن نايف، لمنصب وزير الداخلية الهام، فيما بدا وكأنه تجهيز لمحمد بن نايف كملك محتمل في المستقبل، وفي الواقع تقابل محمد أثناء زيارته لواشنطن في يناير 2013م مع الرئيس أوباما في البيت الأبيض، وهي ميزة لا تُمنح عادة لمسؤولين أجانب من نفس درجته، ولهذا فُهم هذا الأمر على نطاق واسع بأنه يمنح موافقة الولايات المتحدة على تطلعاته الملكية”.
متعب مع أوباما
ولكن، هل مقابلة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لوزير الحرس الوطني متعب بن عبد الله، في زيارته لواشنطن تعطي نفس القوة لمتعب بن عبد الله، كما حدث في مقابلته مع “محمد بن نايف”، إذا أخذنا كلام “سيمون هندرسون” موضع الاعتبار عن لقاء محمد بن نايف مع الرئيس الأمريكي؟ فهذه تساؤلات معقدة تتعلق بما يحدث داخل المطبخ السعودي لترتيبات الحكم، ومن سيصعد في الأيام القادمة، والحديث ينحصر بين “متعب بن عبد الله” و”محمد بن نايف”؟
خط الخلافة السعودية
ويقول سايمون هندرسون في دراسته : “في الماضي، كان خط الخلافة السعودية يسير من أخ إلى أخ بين أبناء الملك عبد العزيز، وذلك بخلاف طريقة من أب إلى ابن المتبعة في معظم الملكيات الأخرى، وكان المؤهل الأكبر هو الأقدمية في السن، ومع ذلك فقد حدث أن نُحي بعض الأمراء جانبًا، نظراً لنقص الكفاءة أو عدم الرغبة في تولي الحكم، فكان من تبعات هذا النظام قِصر الأمد في عهود معظم الملوك منذ عهد بن سعود، نظرًا لاستمرار تقدم أبنائه في السن، وأنهم غالبًا ما كانوا يعانون من الأمراض حين يعتلون العرش، وقد دعا الكثيرون في الماضي إلى أنه ينبغي تسليم التاج إلى الجيل التالي، أحفاد بن سعود، ومن ثم حدث ما حدث من إثارة بعد ترقية محمد بن نايف الفجائية إلى منصب وزير الداخلية، ولكن لم تستطع العائلة الملكية قط أن تتفق على وقت حدوث هذا التحول وأي الخطوط التي ينبغي اختيارها”.
القوة المشتركة لأبناء الإخوة
ويضيف هندرسون، إن “تقييم القوة المشتركة لأبناء الإخوة هؤلاء يمثل تحدياته الخاصة”، ويضيف “لا توضح القوانين السعودية والبيانات الرسمية الكيفية التي سيتطور بها الوضع الحالي، حيث ينص النظام الأساسي للحكم لسنة 1992 فقط على أن الحكم ينتقل إلى أبناء الملك المؤسس وأبناء أبنائه، والمؤهل الأساسي هو “الأصلح منهم” ولا يزال هذا المعيار الغامض مجهول المعالم، وفي عام 2006، أنشأ العاهل السعودي الملك عبد الله “هيئة البيعة السعودية” لتساعد في قيادة الخلافة المستقبلية، ولكن نطاق دورها غامض، فلم تشارك هذه الهيئة في اختيار ولاة العهد الجدد الذين أعقبوا وفاة الأمير سلطان أو نايف، وفي كلتا الحالتين، اختار عبد الله من يخلفونهم ولم يتعد دور الهيئة سوى المصادقة على ذلك، ولا يشتمل قانون هيئة البيعة على آلية خلافة الملك وولي العهد في حال عدم قدرتهما على القيام بواجباتهما لأسباب صحية ويمكن القول بأن المملكة تقترب من هذه النقطة”.
المصدر: صحيفة التقرير