ترجمة وتحرير: نون بوست
ما إن انتشر فيديو مجزرة حي التضامن، حتى حدّقت العائلات واحدة تلو الأخرى فيه للتعرف على أحبائها وأبنائها المفقودين منذ سنوات طويلة؛ إذ صُعِق البعض منها من أن أحد الرجال الذين قُتلوا في مذبحة التضامن كان أحد أفرادها الذي اختفى منذ تسع سنوات، وبعد عشرة أيام من كشف صحيفة “الغارديان” عن المجزرة التي نفذتها قوات النظام السوري وتصويرها في إحدى ضواحي دمشق، تتكشف صور الضحايا، وتطالب العائلات بجرأة غير مسبوقة النظام السوري – الذي أطلق سراح بضع مئات من السجناء في محاولة واضحة لإخماد الاحتجاج ـ بإدلاء إجابات واضحة عن مصير أبنائها المفقودين.
جرى التعرف على ما مجموعه ستة رجال يظهرون في اللحظات الأخيرة من حياتهم في الفيديو المروع، كان معظمهم من الفلسطينيين من مخيم اليرموك للاجئين القريب من مكان المجزرة ومن سكان الحي أيضًا، وليس لدى عائلاتهم أدلة كافية حول سبب أسرهم، ولكن للمرة الأولى منذ بداية الحرب؛ يتعرض المسؤولون لضغوط لتقديم ردود حول مصير المعتقلين وسط حالة من الغضب تجتاح الشارع السوري.
كان رد فعل النظام حتى الآن هو تقديم التنازلات؛ حيث أصدر مرسوم عفو قضائي عن جرائم “الإرهاب” التي لم تشمل القتل التي تندرج تحت قانون مناهضة التعذيب، فيما يسخر الكثيرون في دمشق من هذا المرسوم، لا سيما أن وزير الدفاع الجديد لا علاقة له بالآلة الأمنية التي تقف وراء مجزرة حي التضامن.
لم يكن إطلاق سراح السجناء الأول من نوعه كما هو مخطط له، إذا كان بالفعل نية النظام تمثيل جانب خيري جديد، وعندما تم إنزال ما يصل إلى 20 رجلاً من شاحنة تابعة للسجن في ساحة وسط دمشق يوم الثلاثاء، بدت وجوههم هزيلة وجلدهم شاحبًا وعيونهم مرهقة، إذ بدوا وكأنهم حطام بشري، في هيئة شاحبة مقارنة بالصور التي يحملها أفراد الأسرة الذين بكوا عندما رأوها.
تلا ذلك وقفة احتجاجية طيلة الأسبوع؛ حيث اصطف الآلاف في شوارع العاصمة السورية في انتظار أولئك المسجونين في زنازين بشار، وتحديدًا سجن صيدنايا سيئ السمعة في ضواحي العاصمة. في غضون ذلك؛ تمكن أفراد عائلات ضحايا مجزرة التضامن أخيرًا من إقامة وقفات احتجاجية خاصة بهم، من أجل رجال كانوا يعتقدون منذ فترة طويلة أنهم فُقدوا في ظلام صيدنايا، وكان من بينهم والدا الضحية وسيم صيام.
قالت والدة صيام لشبكة “العربي الجديد”: “كنت أتوقع كل شيء؛ أنه فقد إحدى عينيه وأنه قد تعرض للتعذيب، لكنني لم أكن أتوقع أبدًا أن يكون قد قُتل بتلك الطريقة الوحشية. وكنت قد اعتقدتُ أنه محتجز عند النظام؛ حيث غادر المنزل في الساعة 6 صباحًا، أعطيته ملابسه وكنت قد علّقتها حتى تجف، وتوسلتُ إليه وهو يرتديها ألّا يذهب. وفي الساعة 12.40، كان هاتفه خارج نطاق الخدمة، طلبنا من الحكومة تقديم سجل عائلي وقاموا بتدوينه على قيد الحياة، يجب تحقيق العدالة”.
أما والده، فقال لتلفزيون “أورينت” إنه تعرف على ابنه بالطريقة التي ركض بها: “أرسل لي صديقي الذي يعيش في هولندا هذا الفيديو وشاهدته مرة ومرتين وثلاث، ولاحظت أن أحدهم يجري بطريقة مألوفة فعرفت أنه ابني”. كان صيام يبلغ من العمر 33 عامًا عندما قُتل ولديه ابنتان، تبلغان من العمر الآن 15 و 13 عامًا. وقال لراديو “أورينت” إنه يتعين عليه إخبار حفيداته، حيث أضاف: “يوم الإثنين، في أول أيام العيد عرضت الجدة الفيديو لحفيداتها وقالت لهن: هذا هو والدكما. لقد كنت أكذب عليهما وأخبرهما أن والدهما حي يرزق، ولكن ستقول لي إحداهما: “حسنًا، لكنني نجحت للتو في امتحاناتي، ألن يأتي ليقدم لي هدية؟”.
وقامت صفحة “أخبار مخيم اليرموك” على فيسبوك بنشر المزيد من الأخبار عن صيام، و قال رامي جلبوط، صديق صيام منذ صفوف الدراسة، وهو محامي الآن، أن وسيم “كان مجتهدًا، وكان جده يمتلك مخبزًا حيث كان يعمل فيه ويسكن فوقه وكانت لديه ضحكة مميزة للغاية وكان شخصًا لطيفًا جدًا”.
لطالما اعتبر النظام السوري مخيم اليرموك نموذجًا لالتزامه بالقضية الفلسطينية، لكن غارات النظام في وقت لاحق في 2013 أجبرت معظم سكانه على النزوح
والضحايا الثلاثة الآخرون الذين تم التعرف عليهم هم التركمان السوريون شامان الضاهر وابناه عمر ومطلق. تم التعرف على عمر وشامان عند إعدامهما من قبل أفراد الأسرة الذين رفضوا الكشف عن أسمائهم على موقع “زمان الوصل”. كما تعرفوا على مطلق الذي قالوا إنه كان بالفعل من بين الضحايا في الحفرة. كان شامان يبلغ من العمر 63 عامًا، واعتُقِلَ مع أبنائه خلال مداهمة منزله في 16 نيسان/أبريل 2013، أي يوم المجزرة.
أما الضحية الخامسة التي تم التعرف عليها فهو لؤي الكبرة، وهو من سكان مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، بحسب “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا”؛ حيث كان لؤي أول المستجيبين وتم الإبلاغ عن فقده في وقت سابق من ذلك الشهر، وكان سعيد أحمد خطاب، الذي يعمل كحلاق وعمره 27 عامًا من مخيم اليرموك، أحد الضحايا، وقال صديق له على “تويتر” إنه كان حفيد أحد قادة الانتفاضة الفلسطينية سنة 1936 ضد الأرغون والذي استشهد لاحقًا في مجزرة عين الزيتون؛ حيث غرّد قائلًا: “اليوم، بعد 74 سنة من تلك المجزرة، أجبرت نفسي على مشاهدة هذا الفيديو، ورأيت سعيدًا يُعدم بنفس الطريقة التي أُعدم بها جده ولكن هذه المرة على يد عرب”.
لطالما اعتبر النظام السوري مخيم اليرموك نموذجًا لالتزامه بالقضية الفلسطينية، لكن غارات النظام في وقت لاحق في 2013 أجبرت معظم سكانه على النزوح، وبعضهم نزح للمرة الثانية، كما لا يزال الكثير منهم في لبنان خائفين من العودة.
وقال البروفيسور أوغور أوميت أنغور، من معهد دراسات الإبادة الجماعية والهولوكوست بجامعة أمستردام، والذي كشف عن المذبحة مع زميلته، أنصار شحود، إن رد الفعل الساحق على الكشف جعله يشعر بالتناقض؛ حيث قال: “لا تريد إعادة إصابة الناس بصدمة نفسية والتسبب في المزيد من المعاناة، ولكن من ناحية أخرى، لا فائدة من كتم الأخبار السيئة عن الناس. لذا فإن الكشف عنها يعد أهون الشرين، وهذا عزاء هزيل ولكن هذا كل ما لدي”، مضيفًا: “لا يمكنني ولا أريد أن أضع نفسي مكان هؤلاء الأفراد في اللحظة التي شاهدوا فيها الفيديو وتعرفوا على أحبائهم، وأتمنى أن يضع هذا البحث حدًا للشعور المروع بالانتظار اللامتناهي للمفقودين”.
المصدر: الغارديان