تلقت دولة الاحتلال الإسرائيلي عدة ضربات موجعة خلال الأيام الماضية في الوقت الذي تعد فيه العدة للاحتفاء بالذكرى الـ74 لتأسيسها في 14 مايو/أيار الحاليّ، وبينما تفرض طوقًا أمنيًا كبيرًا على قطاع غزة والضفة الغربية، إذ بها تُخترق من الداخل بحزمة من العمليات الفردية التي فضحت وهمية وهشاشة الأمن الإسرائيلي.
البداية كانت مع إجهاض المرابطين داخل المسجد الأقصى أجواء الاحتفاء بعيد الفصح (البيسح) الذي استمر 7 أيام في الفترة بين 15- 22 أبريل/نيسان الماضي، إذ فشلت قوات الاحتلال في تفريغ المسجد تمهيدًا لتنفيذ مخطط ذبح القرابين، وهو الطقس الذي كان يحلم المستوطنون بممارسته إما داخل المسجد وإما بالقرب من أسواره.
ولم تجد حكومة الاحتلال بدًا من الثأر لهذا التصدي النضالي بالاقتحامات والاعتداءات والاعتقالات لمئات الفلسطينيين، ما كان له ردة فعل قوية، حيث استهداف العمق الإسرائيلي من خلال بعض أعمال المقاومة التي أسقطت عددًا من جنود الاحتلال وآخرين مستوطنين، لعل آخرها عملية “إلعاد” شرق تل أبيب، التي أسفرت عن مقتل 3 إسرائيليين وإصابة عدد آخر.
العملية وضعت الحكومة في مأزق حقيقي أمام الشارع الإسرائيلي، ما دفع عدد من الساسة والمحللين والصحفيين للمطالبة بالانتقام العاجل من خلال استهداف قائد حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في قطاع غزة، يحيى السنوار، وهي التصريحات التي قوبلت بتحذير فلسطيني والتلويح بتصعيد غير مسبوق حال أقدمت قوات الاحتلال على تلك الجريمة.. فهل تجرؤ على ذلك؟
عملية إلعاد.. إهانة لجيش الاحتلال
نُفذت العملية مساء الخميس 5 مايو /آيار الحاليّ في مدينة إلعاد قرب تل أبيب، تلك المدينة التي يقطنها غالبية من اليهود الأرثوذوكس، وسط صدمة كبيرة للشارع الإسرائيلي الذي اعتبر العملية إهانةً واستخفافًا من المقاومة الفلسطينية بالحكومة وهو التوصيف الذي استخدمه زعيم المعارضة في دولة الاحتلال، رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، حين غرد قائلًا: “اليوم ترى حماس حكومة ضعيفة تعتمد على مؤيدي الإرهاب – في إشارة للقائمة العربية الموحدة – وغير قادرة على محاربة الإرهاب وضرب كبار مسؤولي حماس وإعادة السلام والأمن لمواطني إسرائيل”.
وأضاف نتنياهو “لا يوجد سبب لانتظار الهجوم القادم على غزة، يجب أن ترحل الحكومة الحاليّة.. يجب تشكيل حكومة وطنية قوية برئاستي على الفور، التي ستعيد السلام والأمن لمواطني إسرائيل”، وتابع: “في عهد حكومة الليكود (اليمينية برئاسته) كان الوضع الأهدأ والأكثر أمانًا في تاريخ البلاد، أما الآن ووفقًا لبيانات الجيش الإسرائيلي، قُتل 19 شخصًا في شهر ونصف”.
القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خالد البطش، حذر من أن المساس بأيٍّ من قادة المقاومة الفلسطينية، سواء في الداخل أم الخارج، سيفتح ما وصفه “باب من أبواب جهنم” على الاحتلال
العملية ليست الأولى من نوعها خلال الآونة الأخيرة، فقد سبقتها سلسلة من العمليات السابقة أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات، وهو ما قد يزيد من الضغط على حكومة بينيت، التي باتت مطالبة الآن بالرد حفاظًا على شعبيتها في ظل استغلال المعارضة لتلك الوقائع لتحقيق مكاسب سياسية كما أشار نتنياهو.
وأمام تلك الوضعية دعا نواب ومسؤولون سابقون، مع عدد من الإعلاميين إلى اغتيال السنوار، بزعم أنه المسؤول الأول عن عملية إلعاد، ورغم عدم تبني الحركة للعملية رسميًا، فإن “القناة الـ12” الإسرائيلية، اعتبرت زعيمها هو المحرض الأول بسبب خطبته السابقة التي دعا فيها إلى المقاومة بكل السبل، حتى بالأسلحة البيضاء والفأس، وعلقت قائلة: “لا نعرف شيئًا بشأن هوية المنفذين، وأيضًا لا نعرف شيئًا بخصوص الطريقة التي تدحرج فيها هذا الهجوم”.
مضيفة “لكن أمرًا واحدًا واضحًا، وفقًا للتقارير التي تأتي، فقبل أيام، وقف يحيى السنوار في غزة، زعيم حماس في القطاع، ودعا إلى تنفيذ هجوم بواسطة فأس ورشاش، هكذا دعا المنصتين إليه، وقد تكون هذه الرسالة التُقطت، وتم تنفيذها هذا المساء على يد من قرر تنفيذ هذا الهجوم”.
ومنذ مساء الخميس وحتى صباح اليوم الأحد، تكثف قوات الاحتلال من عمليات البحث من أجل إلقاء القبض على منفذ العملية، وسط مظاهرات متعددة للمستوطنين للمطالبة بالإيقاع بهم في أسرع وقت، حفاظًا على هيبة “إسرائيل” التي تعرضت لشروخات كبيرة جراء تلك الاختراقات الفردية للعمق الأمني الداخلي، إذ اعتقلت الكثير من الأشخاص الذين على صلة بالمنفذين.
تحذير فلسطيني
وفي أول ردة فعل لها على دعوات اغتيال السنوار، حذرت “كتائب القسام” الذراع العسكرية لحركة “حماس”، في بيان لها ألقاه المتحدث العسكري باسمها، أبو عبيدة، أمس السبت 7 مايو/أيار 2022، من المساس بقائد الحركة في قطاع غزة أو أي من قادة المقاومة الفلسطينية.
وقال أبو عبيده في بيانه المقتضب: “في ضوء تهديدات العدو الإسرائيلي الجبان، فإننا نحذر وننذر العدو وقيادته الفاشلة بأن المساس بالأخ المجاهد القائد يحيى السنوار أو أيٍّ من قادة المقاومة هو إيذانٌ بزلزالٍ في المنطقة وبردٍّ غير مسبوق”، وتابع: “ستكون معركة سيف القدس حدثًا عاديًا مقارنة بما سيشاهده العدو، وسيكون من يأخذ هذا القرار قد كتب فصلًا كارثيًا في تاريخ الكيان (إسرائيل) وارتكب حماقة سيدفع ثمنها غاليًا بالدم والدمار”.
بعيدًا عن قدرة جيش الاحتلال على الوصول إلى زعيم حركة حماس في غزة من عدمه، فإن الإقدام على تلك الجريمة في الوقت الحاليّ سيكون له ارتدادته السلبية على الداخل الإسرائيلي
وعلى المستوى الشعبي شهدت مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة مسيرات جماهيرية، جابت شوارع المدينة وصولًا إلى منزل السنوار بمشاركة جماهير وقادة الفصائل الفلسطينية، من أجل دعم قائد الحركة بعد حملة التهديد والتحريض الإسرائيلي على اغتياله، فيما قال القيادي بحماس مشير المصري، إن التفكير في اغتيال السنوار “لعب بالنار”، مؤكدًا أن “الدم سيقابل بالدم والقصف بالقصف”.
التحذيرات ذاتها خرجت عن زعماء وقادة حركات المقاومة وأفرعها، حيث أكد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي “خالد البطش”، أن المساس بأيٍّ من قادة المقاومة الفلسطينية، سواء في الداخل أم الخارج، سيفتح ما وصفه بـ”باب من أبواب جهنم” على الاحتلال.
هل تجرؤ “إسرائيل” على ذلك؟
بداية لا بد من الإشارة إلى أن سجل الاحتلال في جرائم اغتيال قادة المقاومة الفلسطينية سجلًا مشينًا، فلم تكن تلك المرة الأولى التي يدور الحديث فيها عن اغتيال رموز المقاومة، غير أن الوضع الآن ربما يكون مختلفًا عما كان عليه في السابق، سواء من حيث حجم وقدرات المقاومة التسليحية وثقلها الإستراتيجي، أم من خلال الظروف الإقليمية والدولية التي تفرض على الجميع تموضعات جديدة وحسابات مغايرة.
وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، آثر عدم الانجرار وراء مطالب اغتيال السنوار، مرجعًا عدم التجاوب عليها بأن هذه المسألة ليست قضية سياسية تطرح على الملأ، وإنما لا بد أن تكون في دوائر وغرف مغلقة لما لها من حسابات أمنية أكبر من أن تطرح على ساحة النقاش العام.
العديد من الصحف الإسرائيلية ومنها “يديعوت أحرونوت” نقلت عن مسؤولين أمنيين داخل الحكومة توصية قيادة الجيش الإسرائيلي للقيادة السياسية بعدم اغتيال السنوار في الوقت الحاليّ، لافتين إلى أن حماس تحيا اليوم ما وصفوه “حالة هستيرية” وأنها تريد تسجيل مكاسب على حساب عملية إلعاد.
بعيدًا عن قدرة جيش الاحتلال على الوصول إلى زعيم حركة حماس في غزة من عدمه، فإن الإقدام على تلك الجريمة في الوقت الحاليّ سيكون له ارتداداته السلبية على الداخل الإسرائيلي، فالمقاومة اليوم ليست كما كانت من ثلاثة أعوام أو أربعة مثلًا، فقد زادت من ثقلها التسليحي والعددي، وهو ما أثبتته خلال الاختبارات التي تعرضت لها الآونة الأخيرة، كما أن الأجواء التي تشهدها الساحة الإقليمية والدولية الآن ليست في صالح تسخين الساحة الفلسطينية بحرب جديدة حال اغتيال السنوار، خاصة أن الجانب الإسرائيلي لا يأمن ردة فعل المقاومة.
موقف حرج باتت عليه حكومة بينيت، أمام الضغوط التي تمارسها عليها المعارضة بقيادة نتنياهو الطامع في العودة لمنصبه مرة أخرى، وسط سجال إعلامي وسياسي مع فصائل المقاومة التي لوحت بتصعيد غير مسبوق حال الاستجابة لمطالب الاغتيال.. فهل يطلق بينيت الرصاصة الأولى لحرب جديدة؟ وهل “إسرائيل” على استعداد لتحمل كلفتها في الوقت الراهن؟