بضعة أيام وتُفتح صناديق الاقتراع في 15 مايو/ أيار الجاري لانتخاب مجلس نيابي جديد في لبنان، والجدير ذكره أن قطار الانتخابات النيابية اللبنانية انطلق يوم الجمعة 6 مايو/ أيار مع اقتراع المغتربين اللبنانيين في الدول العربية، واُستكمل يوم الأحد 8 مايو/ أيار في الدول غير العربية.
والمحطة الثالثة فيه ستكون في 12 مايو/ أيار، حيث ينتخب الموظفون الذين سيشرفون على الانتخابات (رؤساء أقلام الاقتراع ومساعدوهم)، بينما ستكون المحطة الأخيرة في يوم 15 مايو/ أيار، حيث يشارك فيها عموم الناخبين اللبنانيين المسجّلين على لوائح الشطب والذين يحقّ لهم الاقتراع.
ويبلغ عدد الناخبين اللبنانيين الذين يحقّ لهم الاقتراع في انتخابات 15 مايو/ أيار بحسب وزارة الداخلية اللبنانية 3 ملايين و967 ألفًا و507 ناخبين وناخبات، موزّعين على 15 دائرة انتخابية، وبشكل شبه مناصفة بين الذكور والإناث، مع أغلبية طفيفة لصالح الإناث في أغلب الدوائر.
أما توزُّع الناخبين بحسب انتماءاتهم الطائفية والمذهبية، فقد جاء في المقدمة الناخبون المسلمون السنّة، حيث بلغ عددهم مليونًا و81 ألفًا و529 ناخبًا، يليهم الشيعة بمليون و73 ألفًا و650 ناخبًا، ثم الموارنة بـ 746 ألفًا و650 ناخبًا، ثم الأرثوذكس بـ 257 ألفًا و818 ناخبًا، ثم الدروز بـ 210 آلاف و496 ناخبًا، ثم بقية الأقليات الأخرى، وذلك بحسب وزارة الداخلية اللبنانية.
أما فيما يتّصل بالناخبين المغتربين، فقد أطلقت وزارة الخارجية اللبنانية منصة لتسجيل المغتربين من أجل تسهيل عملية مشاركتهم بالانتخاب، وقد تسجّل على هذه المنصة 230 ألفًا و466 ناخبًا، ثم تراجع العدد إلى 225 ألفًا و114 ناخبًا بعد تنقيح الأسماء.
وقد شارك من هؤلاء المسجلين حوالي 59% في الدول العربية، حيث جرت الانتخابات يوم 6 مايو/ أيار، كما جرت في الدول غير العربية يوم الأحد 8 مايو/ أيار، ومن المنتظر أن يتمَّ نقل صناديق الاقتراع من الخارج إلى لبنان من أجل فرزها لاحقًا عند اكتمال عملية الاقتراع في نهاية اليوم الانتخابي، يوم 15 مايو/ أيار.
الدوائر الانتخابية والقانون واللوائح
يتشكّل المجلس النيابي اللبناني من 128 نائبًا مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وبنسب متفاوتة بين المذاهب في كل طائفة، فيتمثل الموارنة بـ 34 نائبًا، والمسلمين السنّة بـ 27 نائبًا، ومثلهم الشيعة، بينما تتوزّع بقية المقاعد النيابية على بقية الطوائف والمذاهب بنسب أقل.
أما فيما يتّصل بتقسيم لبنان إلى دوائر انتخابية، فقد قسّم القانون الانتخابي الحالي لبنان إلى 15 دائرة انتخابية، بعضها مختلط بين المسلمين والمسيحيين، وبعضها لها لون طائفي واحد كما في دائرة بيروت الأولى حيث كل نوابها من المسيحيين، وكذلك دائرة المتن، في مقابل دوائر أخرى ذات أغلبية مسلمة وأقلية مسيحية.
كما اعتمد القانون الانتخابي نظام اللوائح والقانون النسبي، مع الصوت التفضيلي لمرشّح واحد في اللائحة التي يختارها الناخب في الدائرة المسجّل فيها، وله حرية أن يختار أي مرشح حتى لو لم يكن من طائفته، شرط أن يكون في الدائرة التي يقترع فيها، ويراعى عند عملية فرز الأصوات بين اللوائح مسألة المناصفة في المقاعد بين المسلمين والمسيحيين، وكذلك عدد المقاعد المخصَّص لكل دائرة.
ينصبّ اهتمام دول إقليمية ودولية بالانتخابات انطلاقًا من مصالحها في المنطقة وإدارتها لصراعاتها فيما بينها، ولا يظهر ذلك بشكل واضح وجليّ في المشهد اللبناني، غير أن المتابع يدرك ذلك
وفيما يتّصل باللوائح المتنافسة في هذا الاستحقاق، فقد أعلنت وزارة الداخلية أن عدد اللوائح التي تسجّلت بشكل رسمي في كل الدوائر هو 103 لوائح انتخابية، وأن عدد المرشحين هو 1043 مرشحًا بينهم 155 مرشحة من الإناث، وتجدر الإشارة إلى أن عدد المرشحين انخفض عن ذلك في ضوء عدم تمكُّن بعض المرشحين من الانضمام إلى لائحة انتخابية، حيث يشترط القانون ذلك لمواصلة السباق الانتخابي.
وبخصوص التوزيع السياسي لهذه اللوائح، فهي موزّعة على القوى السياسية الرئيسية الممسكة بتلابيب السلطة في لبنان، وفي مقدّمتها التيار الوطني الحر (حزب رئيس الجمهورية)، وحركة أمل (حزب رئيس المجلس النيابي)، و”حزب الله”، والحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وحزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، وحزب الكتائب اللبنانية، والزعامات الإسلامية التقليدية، والمجتمع المدني والمستقلين والقوى والحركات الإسلامية وغيرها.
مآلات الانتخابات وتداعياتها
يسعى كل فريق أو طرف سياسي للفوز بهذه الانتخابات، ويعتبرها مفصلية انطلاقًا من حسابات خاصة به، وينصبّ اهتمام دول إقليمية ودولية بها انطلاقًا من مصالحها في المنطقة وإدارتها لصراعاتها فيما بينها، ولا يظهر ذلك بشكل واضح وجليّ في المشهد اللبناني، غير أن المتابع يدرك ذلك ويلاحظه في ضوء مواقف وحركة سفارات هذه الدول في بيروت.
ويجهد “حزب الله” وفريقه للفوز بأغلبية المقاعد النيابية في المجلس المقبل، حتى يسهل عليه لاحقًا إعادة تكوين السلطة بما ينسجم مع توجهاته وأهدافه، ومن بينها تشكيل حكومة جديدة تنسجم مع المحور الذي ينتمي إليه في المنطقة، وهو محور إيران، وكذلك انتخاب رئيس جديد للجمهورية يكون ضمانة لهذا المحور، فضلًا عن تجديد شرعيته الشعبية بعد الطعن بها بعد انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
إلا أن الفريق المقابل له، والذي تشكِّل فيه القوات اللبنانية رأس حربة في مواجهة “حزب الله”، يجهد من أجل عدم تمكين الحزب من الفوز بالأغلبية النيابية، للإبقاء على حالة من التوزان السياسي في المجلس النيابي وتاليًا في المشهد السياسي اللبناني، كما تسعى القوات اللبنانية للفوز بأغلب المقاعد المسيحية، كي تفتح الطريق أمام رئيسها للترشح لرئاسة الجمهورية، وهو ما يسعى له أيضًا التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية الحالي.
في حين تنافس قوى المجتمع المدني والقوى الأخرى لحجز مقعد لها في منطقة رمادية، تكون فيها لاحقًا بمثابة “بيضة قبان” في المجلس الجديد، وهو ما يمكن أن يتيح لها لاحقًا، فيما لو تحقق لها ذلك، أن تؤدي دورًا أكبر من حجمها.
أخطر ما في هذه الانتخابات النيابية هو أنها ستعيد تكوين السلطة في لبنان، ولكنها لن تفتح مجالًا واسعًا وكبيرًا للتغيير الحقيقي
أما فيما يخص الحديث عن تغيير جذري في المشهد اللبناني في ضوء نتائج هذه الانتخابات، فإنه من غير المتوقع أو المنتظر أن يحدث أي تغيير جذري في المجلس النيابي، غير أن التغيير الطفيف قد يكون له تأثير كبير في المرحلة المقبلة، خاصة لو جاءت النتائج متساوية ومتوازنة بين القوى السياسية الأساسية المتواجهة بخياراتها السياسية الوطنية والإقليمية.
إلى ذلك، من غير المتوقع أن تشكِّل الانتخابات بنتائجها المتوقعة مخرجًا للبنان من أزماته السياسية والاقتصادية والحياتية، فالبلد سيكون بعد الانتخابات النيابية أمام استحقاق آخر لا يقلّ أهمية، وهو انتخاب رئيس جديد للجمهورية أواخر الصيف المقبل كحدٍّ أقصى، وهو ما سيفاقم من حجم الأزمة السياسية في ضوء الانقسامات القائمة على الكثير من الخيارات.
كما أن أية مفاوضات جدّية مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل لمشاريع تسهم في حلحلة الأزمة الاقتصادية الحياتية، لن تكون سهلة، خاصة أن الحكومة الحالية التي تشرف على الانتخابات ستتحول إلى حكومة تصريف أعمال مع انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي في الـ 20 من الشهر الجاري، وبالتالي لن تدخل مفاوضات جدّية مع صندوق النقد.
ويعني هذا مزيدًا من الأزمة ومزيدًا من المراوحة، بل يذهب البعض إلى القول إن المرحلة التي ستلي الانتخابات قد تكون أكثر صعوبة على المستويات السياسية والاقتصادية والحياتية، خاصة إذا فاز الفريق الذي يتزعّمه “حزب الله” بالنتائج، وظلَّ مصرًّا على موقفه فيما يتّصل بمطالب وشروط صندوق النقد الدولي والدول الغربية ومصالحها في المنطقة بشكل عام.
أخطر ما في هذه الانتخابات النيابية هو أنها ستعيد تكوين السلطة في لبنان، ولكنها لن تفتح مجالًا واسعًا وكبيرًا للتغيير الحقيقي، فضلًا عن أنها ستعيد تجديد شرعية الطبقة السياسية المسؤولة عن ما آلت إليه الأمور والأوضاع في البلد، في حين لا يملك اللبناني حولًا ولا طولًا للخروج من هذه الأزمات، رغم طموحه وتطلُّعه إلى ذلك.