أعادت أزمة الطاقة العالمية الناتجة عن تواصل الحرب الروسية ضد أوكرانيا، علاوة على وضع الجزائر حد للأنبوب المغاربي – الأوروبي، مشروع أنبوب الغاز الرابط بين نيجيريا والمغرب نحو أوروبا إلى الواجهة، إذ يبحث القائمون على المشروع عن أموال لتمويل مشروعهم الضخم، لكن لا يبدو أن التمويل هو العقبة الوحيدة أمام هذا المشروع الذي يسوق له المغرب كثيرًا على أنه “إنجاز تاريخي”.
صعوبات مالية
تبلغ تكلفة المشروع، وفق التصور الذي وضع قبل 5 سنوات، 25 مليار دولار، ومع التحولات التي عرفها العالم يتوقع أن ترتفع التكلفة، فمن المرجح أن تكون التكاليف الفعلية حاليًّا أعلى بكثير من المبلغ المتوقع.
سيكون خط الأنابيب هذا استمرارًا لخط أنابيب غاز غرب إفريقيا (WAGP) الذي يبلغ طوله 678 كيلومترًا ويعمل منذ سنة 2010، وفي حال انتهاء المشروع سيمتد على طول 5660 كيلومترًا أغلبها في المغرب.
ويمر الأنبوب عبر عدة دول غرب إفريقية يُفترَض أنها تقتطع جزءًا من الغاز لنفسها كمقابل للترانزيت، وهذه الدول عددها 12 وهي: بنين وغانا وتوغو وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغامبيا وغينيا بيساو والسنغال وموريتانيا، فضلًا عن نيجيريا قبل وصول أنبوب الغاز إلى المغرب، مع إمكانية تمديده إلى أوروبا في مرحلة لاحقة.
يمر أنبوب الغاز كما قلنا عبر 12 دولة إفريقية، ما يجعله أمام تحدٍ كبير، فأغلب الدول التي من المقرر أن يمر منها الأنبوب، تشهد توترات أمنية كبيرة
منذ طرح مشروع أنبوب الغاز لأول مرة في ديسمبر/كانون الأول بمناسبة زيارة ملك المغرب محمد السادس إلى أبوجا 2016، تم التأكيد على مسألة التمويل، ولئن أكدت سلطات المغرب ونيجيريا سهولة ذلك ووجود العديد من المستثمرين والدول الراغبة في تمويل مشروعهم إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك.
مرت 5 سنوات على إطلاق دراسة جدوى هذا المشروع، لكن لا يبدو أن هناك تقدمًا ملحوظًا بشأنه، فلم نعد نسمع عنه إلا في مناسبات معينة، خلالها يستدعي ملك المغرب أو أي مسؤول نيجيري هذا المشروع للحديث عن التعاون بين البلدين وغيرها من الأحاديث الرسمية الغاية منها تبييض صورة الأنظمة.
صعوبة إيجاد تمويل لهذا المشروع الضخم لنقل الغاز النيجيري إلى شمال إفريقيا وأوروبا، دفعت وزير النفط النيجيري للخروج لوسائل الإعلام والقول إن بلاده والمغرب ما زالا يسعيان للحصول على أموال لتمويل المشروع.
انا لا اثق في نيجيريا لكن اثق في ان نيجيريا تريد ربح المال باية طريقة !! و مرور الانبوب من المغرب سيمنحها الملايير من الدولارات و سيمنح المغرب غاز مجاني .
الثقة في المصلحة المتبادلة لا غير ، لسنا في علاقة حب او زواج بل علاقة بين دولتين تجمعهما المصالح فقط لا غير
— SPARK (@KhalidKnd7) May 6, 2022
أكد الوزير النيجيري أنهم ما زالوا في “مرحلة تأمين التمويل”، وأشار إلى وجود العديد من المهتمين بالأمر ومنهم الروس، وأوضح أنهم لم يحددوا بعد المستثمرين الذين يريدون العمل معهم أي أن الكرة عند المغاربة والنيجيريين ولهم حق اختيار من يريدون العمل معه.
يبدو هذا الأمر مجرد كلام وسعي من المغرب ونيجيريا لاستغلال أزمة الطاقة العالمية علهم يجدون مستثمرًا يمول مشروعهم، وحتى القول إن روسيا مهتمة بتمويل المشروع والمشاركة فيه يبدو بعيدًا عن الواقع، فكيف لموسكو أن تمول مشروعًا ينافسها في أوروبا.
استدعاء روسيا والقول إنها تهتم بتمويل المشروع الهدف منه الضغط على الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية علهم يلتفتون للرباط وأبوجا لتمويل مشروعهم الذي له أن يُساهم في تكامل دول غرب إفريقيا إن تم ووصل مراحله النهائية.
التحدي الأمني
من المرتقب أن يكون خط أنابيب الغاز المستقبلي بين نيجيريا والمغرب أطول خط أنابيب بحري في العالم وثاني أطول خط أنابيب في المجموع، بعد خط أنابيب الغاز بين غرب الصين وشرقها، بأكثر من 8700 كيلومتر.
يمر أنبوب الغاز كما قلنا عبر 12 دولة إفريقية، ما يجعله أمام تحدٍ كبير، فأغلب الدول التي من المقرر أن يمر منها الأنبوب، تشهد توترات أمنية كبيرة على غرار دلتا نهر النيجر التي تشهد منذ سنة 2006 تنامي الأنشطة الإجرامية، لا سيما أعمال الاختطاف التي تستهدف موظفي قطاع النفط الأجانب.
كما عرفت العديد من الدول خاصة كوت ديفوار في السنوات الأخيرة تزايد نشاط المجموعات الإرهابية المسلحة فيها، وتزايد العمليات الإرهابية هناك واستهداف الشركات الأجنبية العاملة في المنطقة، ما أثر على اقتصادات تلك الدول.
بالنظر إلى هذه العقبات لا يبدو مشروع أنبوب الغاز النيجيري المغربي ذا جودة كبيرة
تمددت الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا في السنوات الأخيرة أكثر وانتشرت في مناطق أوسع ودخلت أراضٍ جديدة، فالجماعات المسلحة تتقدم بأسلحتها من منطقة الساحل نحو بلدان ساحل المحيط الأطلسي، رغم الخطب المطمئنة للأنظمة هناك.
دون أن ننسى طبعًا البلد المصدر – نيجيريا – الذي تنشط به مجموعة بوكوحرام الإرهابية، ويذكر أن نشاط الجماعات الإرهابية في نيجيريا أثر بقوة على قطاع الطاقة ومداخيل هذه الدولة خلال السنوات الأخيرة، ما جعل اقتصادها يتهاوى والمقدرة الشرائية للنيجيريين تتراجع بشدة.
أسفرت أعمال عنف نفذتها بوكو حرام منذ عام 2009، عن مقتل أكثر من 20 ألفًا، وتسببت بتشريد الملايين في نيجيريا، بدأ التنظيم منذ 2015 وهو تنظيم نيجيري مسلح تأسس في يناير/كانون الثاني 2002، وأعلن في مارس/آذار 2015 ارتباطه بـ”داعش”.
حتى إن وصل الأنبوب للمغرب في سلام، هناك جبهة البوليساريو، فجزء من أنبوب الغاز سيمر عبر الصحراء الغربية، وهي الإقليم المتنازع عليه ويشهد بين الحين والآخر توترات أمنية خاصة من جماعة البوليساريو التي تسعى للانفصال وإقامة دولة مستقلة في الإقليم.
من سيشتري الغاز النيجيري؟
في حال تم تجاوز عقبة التمويل ووجد القائمون على المشروع المال الكافي لتمويل خططهم، وتم التغلب أيضًا على العقبات الأمنية والسيطرة على الوضع وتحكم دول غرب القارة السمراء في مسار مرور أنبوب الغاز عبر أراضيها، ستكون هناك عقبة أخرى أيضًا.
تقول كل من نيجيريا والمغرب إن المشروع موجه أساسًا نحو أوروبا بهدف مدها بالغاز، لكن هل يمكن أن تشتري دول أوروبا حقًا الغاز النيجيري المار عبر 12 دولة؟ يبدو أن الأمر معقد قليلًا، فمسؤولو أبوجا والرباط ينظرون إلى النقطة الحاليّة ولا ينظرون إلى 25 سنة مقبلة وهو تاريخ انتهاء المشروع إن تم الانطلاق في الإنجاز الآن؟
أصبحت روسيا تنافس نفسها في بيع الغاز لأوروبا عن طريق استثمارها في أنبوب غاز نيجيريا – المغرب……قمة الضحك على ذقون الجهلة ?
— Ab2l1 (@AAb2l1) May 4, 2022
بعد 25 سنة من المنتظر أن تتغير استعمالات العالم للغاز، في ظل التحولات الجذرية التي يعرفها حاليًّا سوق الغاز في العالم، وهناك توجه لاستعمال الطاقات البديلة والطاقة النووية فضلًا عن سعي كل دولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة لتجنب الابتزاز في حال الأزمات.
من الصعب إيجاد السوق القادرة على استيعاب 30 مليار مكعب من الغاز النيجيري، خاصة في ظل التحولات كما قلنا ودخول عدد من المنافسين الأقوياء إلى السوق، على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية بفضل تقنية تحويل الغاز الصخري، دون نسيان روسيا التي تُزوِّد أوروبا بغازها بأثمان تنافسية.
بالنظر إلى هذه العقبات لا يبدو مشروع أنبوب الغاز النيجيري المغربي ذا جدوى كبيرة، فتكلفته كبيرة ولا يمكن لأي مستثمر أن “يتورط” في مشروع لا يضمن جدواه، ما يعني أن هذا المشروع سيرجع إلى الرف مجدّدًا ويتم استدعاؤه في بعض المناسبات لتأكيد قوة الأنظمة.