وداعًا شيرين أبو عاقلة.. الشهيدة الشاهدة على فظاعات الاحتلال ضد الفلسطينيين

شيرين أبو عاقلة

استشهدت صباح اليوم الأربعاء مراسلة الجزيرة الزميلة شيرين أبو عاقلة بعد أن أطلق عليها جنود الاحتلال الإسرائيلي الرصاص الحي بدم بارد في أثناء تغطيتها لاقتحام الاحتلال مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة، رغم أنها كانت ترتدي الخوذة والسترة التي تميز مهنتها.

اغتيال الحقيقة

“علي انصاب، علي انصاب” كانت آخر صرخات شيرين أبو عاقلة وهي ترى زميلها المنتج علي السمودي مصابًا برصاصة إسرائيلية في ظهره، ثوانٍ قليلة حتى سكتت شيرين وسقطت على الأرض مغشيًا عليها بعد استهدافها من قناص إسرائيلي.

فور استهداف الراحلة شيرين وزميلها المنتج في قناة الجزيرة القطرية علي السمودي الذي كان بجانبها، قالت شرطة الاحتلال إنها قامت بـ”تحييد مخربين” وتقصد أبو عاقلة والسمودي، رغم أن المكان الذي تواجد فيه الصحفيون لم يكن فيه أي مقاومين أو مسلحين أو حتى مدنيين.

بعد استهداف الصحفيين، تواصل إطلاق النار على الأرض لمنع إسعافهما، ما يعني أن الشرطة الإسرائيلية استهدفت شيرين مباشرة في شخصها وأرادت من خلال ذلك استهداف الصحافة الحرة واغتيال الحقيقة، إذ كانت شيرين طيلة أكثر من عقدين تنقل الحقيقة للعالم وتفضح الانتهاكات الإسرائيلية بحق الصحفيين.

سبق أن قالت الراحلة في حديث لقناة الجزيرة إن الاحتلال الإسرائيلي دائمًا ما يتهمها بتصوير مناطق أمنية، وتوضح أنها كانت دائمًا تشعر بأنها مستهدفة وأنها في مواجهة كل من جيش الاحتلال والمستوطنين المسلحين.

كانت شرين أبو عاقلة تقول: “الموت دائمًا قريب منا” و”رغم الخطر كنّا نصر دائمًا على العمل”، فأثبتت القناصة الإسرائيلية ذلك، فالصحفي دائمًا مستهدف من قوى الاحتلال الإسرائيلي.

يملك الاحتلال الإسرائيلي سجلًا عريضًا في استهداف الصحفيين والعاملين بقطاع الإعلام الذين يغطون الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالفعل اغتال العديد منهم في مناطق مختلفة، في سياسة يرى مراقبون أنها ممنهجة لترويع الإعلاميين والصحفيين وكتم صوتهم وعدساتهم. 

يقول وليد العمري مدير مكتب الجزيرة في فلسطين: “استهداف الزميلة شيرين أبو عاقلة كان متعمدًا، إذ كانت قد وصلت لتوها إلى مخيم جنين لممارسة عملها الصحفي واستبدال الطاقم الذي كان موجودًا بالفعل في المخيم لتغطية الأحداث”.

وأضاف العمري “فور أن خرجت الزميلة شيرين من السيارة وهي تلبس سترة واقية مكتوب عليها “صحافة” خطت خطوات معدودة ثم سمع صوت إطلاق نار، ليجد الزملاء أن شيرين أصيبت بصورة بالغة برصاصة تحت الأذن وهي المنطقة الوحيدة تقريبًا التي لا تغطيها الخوذة أو السترة الواقية من الرصاص التي تميزها بوجود كلمة صحافة عليها”.

ارتبط اسمها بفلسطين

“شيرين” اسم من الأسماء التي حفظها جيل كامل، صورتها كانت موجودة في كل تغطيات قناة الجزيرة لما يحصل في فلسطين خاصة في مخيم جنين، نقلت أبو عاقلة الحقيقة لعموم الناس وفضحت خلال حياتها إجرام الاحتلال وفضحت إجرامهم خلال مماتها أيضًا.

كانت شيرين شاهدةً على القصف المتعمّد لمقر قناة الجزيرة في قطاع غزة الفلسطيني، خلال عدوان الاحتلال على القطاع وتدميره بالكامل في مايو/أيار الماضي، كان ذلك إنذارًا للجزيرة والصحافة الحرة، ومع ذلك واصلت شيرين عملها ومسيرتها، مسيرة صحفيّ حر أراد كشف الحقيقة وأراد الاحتلال اغتياله.

تقول شيرين أبو عاقلة: “اخترت الصحافة كي أكون قريبة من الإنسان، ليس سهلًا ربما أن أغيّر الواقع، لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم”، أرادت شيرين لأكثر من 20 سنة أن تكون صوت الحقيقة، حتى ارتبط اسمها بذلك.

طيلة ربع قرن كانت أبو عاقلة في قلب الخطر لتغطية حروب وهجمات واعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وقد ارتبط اسمها مباشرة بفلسطين التي ولدت فيها، فشيرين من مواليد مدينة القدس المحتلة سنة 1971، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك بالأردن.

“لن يستطيع أي عربي تجاهل قضية فلسطين، مهما حاولت “إسرائيل” تهميش هذه القضية”، اختارت شيرين أبو عاقلة طيلة فترة عملها وقبلها أن تنتصر للقضية الفلسطينية وإيصال صوت الحقيقة للعالم، حتى إنها اختارت أن تبتعد عن مبدأ الحيادية خصوصًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، إذ ردّدت في أكثر من مرة أن مبدأ الحيادية مستحيل في هذا الملف.

كانت الصحفية الباسلة والشجاعة تروي للعالم قصص ومعاناة الفلسطينيين، زارت بيوت الشهداء والأسرى، وقفت على أطلال البيوت المهدومة، شاركت وجع العائلات المكلومة، نقلت كل ما كان الاحتلال الإسرائيلي يسعى للتغطية عليه وطمسه.

كانت تمد الجميع بالخبر حتى أصبحت هي كل الخبر، كانت إطلالتها جميلة رغم حزن ما ترويه ووقعه على قلوب المؤمنين بالقضية الفلسطينية، تقول شيرين أبو عاقلة: “لم نكن نرى بيوتنا.. نحمل الكاميرات نتنقل عبر الحواجز العسكرية والطرقات الوعرة.. كنا نبيت في مستشفيات وفي بيوت أناس لم نعرفهم”.

تحمّلت الراحلة كل هذا التعب والمعاناة رغم أنه كان أمامها اختيار مهنة أخرى أو حتى مكان آخر للعمل فيه، حتى توصل الحقيقة كاملة، فمعاناة الفلسطينيين أكبر وكشف الانتهاكات الممارسة ضدهم واجب عليها، وكل شيء يهون في سبيل ذلك.

الصحفية المجتهدة

لم تختر شيرين أبو عاقلة في البداية دراسة الصحافة، فقد درست أولًا الهندسة المعمارية في جامعة العلوم والتكنولوجيا بالأردن، إلا أنها اختارت التحول للصحافة حتى تكون قريبة من الإنسان وتنقل وجع أبناء بلادها وتفضح جرائم الاحتلال الصهيوني.

انتقلت شيرين إلى تخصص الصحافة المكتوبة، وحصلت على درجة البكالوريوس من جامعة اليرموك في الأردن، وعادت بعد التخرج إلى بلدها الأم فلسطين وعملت في عدة مواقع مثل وكالة الأونروا وإذاعة صوت فلسطين وقناة عمان الفضائية، ثم مؤسسة مفتاح وإذاعة مونت كارلو ولاحقًا انتقلت للعمل عام 1997 مع قناة الجزيرة الفضائية.

درست أبو عاقلة لسنوات الصحافة في جامعة بيريس، كما درست في نفس الجامعة واختارت تخصصًا جديدًا وهو الإعلام الرقمي حتى تواكب التطورات، فحصلت على شهادة الدبلوم في الإعلام الرقمي في أكتوبر/تشرين الأول 2021.

أثبتت شيرين بذلك أن الجميع قادرون على التعلم بغض النظر عن السن والخبرة، أرادت التعلم حتى تخدم قضيتها الفلسطينية وتستعمل التكنولوجيات الحديثة لفضح الانتهاكات وتسرع في إيصال المعلومة للجميع قبل أن يصل الاحتلال إليها ويطمسها.

“لا تقولوا الفلسطيني وحيدًا، الفلسطيني مدعوم من كل إنسان صاحب ضمير في العالم” هكذا قالت شيرين أبو عاقلة يوم 14 مايو/أيار 2021، ونحن نقول اليوم “لا تقولوا شيرين وحيدة، فشيرين مدعومة من كل إنسان حر صاحب ضمير في العالم”.

ترعرعنا على صوتها وصورتها في نقلها للأحداث من كل ربوع فلسطين المحتلة، لذا كان وقع سماع خبر استشهادها على يد قوات الاحتلال الصهيوني كبيرًا جدًا على قلوبنا، رحم الله شهيدة الكلمة الحرة، صاحبة المسيرة المهنية الزاخرة والمشرفة التي كلّفتها حياتها.