ترجمة وتحرير: نون بوست
في مقتطف حصري من كتابه الجديد، يشرح الكاتب بيتر أوبورن كيف يتم تصوير معارضي الأنظمة القمعية على أنهم تهديد مميت للغرب؛ فمنذ سنة 1945، دافعت الولايات المتحدة عن حريتها وديمقراطيتها من خلال الدخول في سلسلة من الشراكات المتناقضة مع بعض أكثر الأنظمة وحشية في العالم، إذ يعتقد الإستراتيجيون الأمريكيون أن فوز الشيوعيين في الانتخابات سيؤدي إلى قمع المعارضة للديمقراطية وإقامة دولة الحزب الواحد. ووفقًا لهذه النظرية، أصبح دعم حكم المستبدين والطغاة العسكريين ضروريًّا للحفاظ على الحرية والديمقراطية.
ربما كان أوضح مثال على هذا التواطؤ الغربي مع إرهاب الدولة يتعلق بالانقلاب العسكري الذي أطاح بسلفادور أليندي، وهو أول ماركسي يفوز بالسلطة في ديمقراطية ليبرالية في أمريكا الجنوبية عندما أصبح رئيسًا لتشيلي في سنة 1970. وبالنسبة للحرب الباردة في أمريكا اللاتينية، فإن السيناريو يتكرر مع الشرق الأوسط اليوم، حيث شُبّه سلفادور أليندي بمحمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيًّا لمصر تمت الإطاحة به في انقلاب عسكري سنة 2013 بعد أكثر من سنة بقليل من أداء اليمين الدستورية كرئيس.
عندما زرتُ القاهرة بعد بضعة أشهر من الانقلاب، كان الأمر أشبه بحضور جنازة. كان الجو في المدينة هادئًا والشوارع يسودها الصمت، كان المُحتجون يُعاقَبون بالسجن، وكان التعذيب أمرًا روتينيًّا، وكان نائب الرئيس دمية بينما كان وزير دفاعه الفريق أول عبد الفتاح السيسي هو من يدير البلاد. وكانت صور السيسي في كل مكان؛ في المحلات التجارية والمقاهي وفي زوايا الشوارع، وغالبًا ما يتم وضعها بشكل هادف إلى جانب صور عبد الناصر والسادات. وراجت شائعات أن السيسي أخبر أصدقاءه بسلسلة من الرؤى، بعضها يعود إلى عقود ماضية، أُوعِز له فيها أن يظهر كمُنقذ لمصر. ومع ذلك، حتى يومنا هذا، لم ينطق وزير خارجية بريطاني واحد بكلمة “انقلاب” فيما يتعلق بالأحداث في مصر. وفي مقابلة على التلفزيون الباكستاني، أشاد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بالجنرال السيسي “لاستعادة الديمقراطية” وأثنى على جهوده في محاربة “العنف”.
هناك ثمة اختلافات بين مصر وتشيلي؛ فقد جاءت المعارضة السياسية لرئاسة مرسي المُحافِظة للإخوان المسلمين من اليسار الليبرالي في البلاد، بينما جاء العداء تجاه أليندي من اليمين. وفي حين أن أليندي تُوفّي مُنتحرًا يوم الانقلاب التشيلي، تُوفّي مرسي في السجن بعد ست سنوات من الإطاحة به من السلطة. ربما لم تكن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية المحرك الرئيسي للانقلاب المصري، الذي دعمته السعودية والإمارات بدعم واسع النطاق من الديكتاتوريات المجاورة. ومع ذلك، فإن أوجه التشابه مُلفتة للنظر؛ حيث سعت الحركات الثورية في كل من مصر وتشيلي إلى تحول سياسي سلمي. لكن في مصر، قدمت الولايات المتحدة والغرب أكثر من مجرد احتجاجات رسمية عندما واصل الديكتاتور المصري الجديد مطاردة وقتل أكثر من ألف ناشط سياسي في ميدان رابعة وميدان النهضة في القاهرة.
كان هذا تقريبًا نفس الرقم الذي يُعتقد أنه قُتل على يد الحكومة الصينية في ميدان تيانانمين، على الرغم من أن التغطية الإعلامية كانت أكثر تقييدًا، كما هو الحال في كثير من الأحيان عند الإبلاغ عن الفظائع التي ارتكبها حليف غربي. لم تحتج المملكة المتحدة أبدًا على الظروف التي احتُجز فيها الرئيس مرسي في السجن، بل واستقبل رئيس وزراء المملكة المتحدة سابقًا ديفيد كاميرون الرئيس السيسي بحفاوة في داونينج ستريت، ويستمر بيع الأسلحة البريطانية لمصر.
وفي تبرير لمذبحة ميدان رابعة سنة 2013، صرّح متحدث باسم الجيش المصري بأنه “عند التعامل مع الإرهاب، فإن الحقوق المدنية وحقوق الإنسان لا يمكن أن تجتمع”، وتم إطلاق مصطلح “الإرهاب” هنا من قِبل نظام عسكري غير قانوني استولى على السلطة في انقلاب عسكري لوصف مئات المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية الذين قُتلوا بدم بارد. ومرة أخرى؛ لم تكن هناك تصريحات شجب من الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، إذ لا يخفى تورط الولايات المتحدة والغرب في الانقلابات العسكرية والتسامح مع إرهاب الدولة في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
محمد علي حراث: تم التشهير بي
إن التدخل الغربي السلبي في كثير من الأحيان في الأنظمة الأجنبية قد شكّل السياسة العالمية على مدى العقود الأخيرة، ولكنه لا يقل تأثيرًا على حياة الأفراد كذلك. وُلِد محمد علي حراث في سنة 1963 بالقرب من بلدة سيدي بوزيد التونسية، التي أشعل فيها محمد البوعزيزي النار في نفسه في 17 كانون الأول/ديسمبر في سنة 2010، وهو الفعل اليائس الذي أطلق شرارة الربيع العربي. وينحدر حراث من عائلة من الطبقة المتوسطة العليا، التي أرسلته إلى ما يصفه بـ “مدرسة داخلية محافظة بشكل صارم”.
أصبح حراث ناشطًا سياسيًا في سن الـ 13 عامًا، وتضمنت تجربته الأولى إعداد الصحف ليتم تعليقها على جدار المسجد المحلي. طبعا سألتُ: لماذا المسجد؟ من أهم الانتقادات التي وُجهّت في الغرب العلماني لمن يسمون بـ”الإسلاميين” فشلهم في التمييز بين الدين والسياسة. فأوضح بلطف أن مسجده المحلي كان المكان الوحيد الذي يمكنه فيه التنفيس عن سخطه تجاه ديكتاتورية تونس المدعومة من الغرب، ولم تكن هناك صحف حرة ولا أحزاب سياسية ولا حرية ولا ديمقراطية.
قال لي حراث: “لقد كنت مفتونًا بقوة الكلمة، وأعتقد دائمًا أن الكلمة أقوى من الرصاصة؛ يمكن للرصاصة أحيانًا إسكات الكلمة، ولكن بعد ذلك ستسود الكلمة”. اعتُقِل حراث لأول مرة وهو في الثامنة عشرة من عمره عندما كان طالبًا في هندسة الأنسجة بتونس بتهمة “الحط من مكانة الرئيس”، وأصبح من مؤسسي “الجبهة الإسلامية التونسية” التي تشكّلت ضد نظام الحبيب بورقيبة، وقضى معظم العشرينات من عمره متنقلًا داخل السجن وخارجه.
قال لي إن “السجن ليس هو المشكلة، فعلى الرغم من أنه تجربة سيئة، لا يمكن مقارنته بالوقت الذي تخضع فيه للتحقيق”؛ هذا يعني أن يتم اللواط بالعصي والزجاجات، مع دفع البراز في فمك إلى جانب الغرق والصدمات الكهربائية، كما وصفت منظمة العفو الدولية كيف تم تقييد بعض الضحايا على كرسي لمدة أسبوع بجهاز يخترق عنقهم بإبرة كلما مالت رؤوسهم بسبب الإرهاق، ويتذكر حراث: “لم نتمكن من الذهاب إلى المرحاض بمفردنا، لذلك كان يحملنا أربعة أو خمسة أصدقاء”، ويعرف 30 شخصًا ماتوا تحت تعذيب الحكومة التونسية. وعندما أُطيح ببورقيبة من السلطة في انقلاب سنة 1987، وكان حراث ينتظر تنفيذ حكم الإعدام. وعد خليفة بورقيبة، زين العابدين بن علي، بعدد من الإصلاحات. وبدلًا من تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحق حراث، تم إطلاق سراحه. لكن لحظة الأمل تلك أثبتت أنها فجر كاذب، وتبيّن فيما بعد أن بن علي كان أكثر قمعًا من سلفه.
بعد عقد من الكفاح، أخبرني حرّاث أنه في هذه المرحلة أعاد النظر في حياته، حيث قال إن هناك لحظة أدرك فيها أنه لا جدوى من محاربة النظام في تونس لأن بورقيبة وبن علي كانا مجرد دُمى. لقد أدرك أن العدو الحقيقي كان فرنسا، القوة الإمبريالية السابقة التي قدمت المساعدة الأمنية (جزئيًّا من خلال الاتحاد الأوروبي) بالدعم الدبلوماسي والاقتصادي لإبقاء الديكتاتورية في السلطة. كانت هذه هي نفس الرؤية التي خطرت لأسامة بن لادن في رحلته من منشق سعودي إلى زعيم إرهابي، إذ أدرك بن لادن أن خصمه الحقيقي كانت الولايات المتحدة التي وصفها بـ“العدو البعيد”، وبدلًا من تقليد منطق بن لادن المتعطش للدماء، تخلّى حراث عن النضال السياسي وغادر تونس للأبد.
لاحقًا بدأت الهجمات الصحفية من قبل وسائل الإعلام البريطانية؛ فعندما فر حراث من تونس، اتهمه نظام بن علي بـ”التزوير وجرائم استخدام الأسلحة/ المتفجرات والإرهاب”
لمدة خمس سنوات، سافر حراث حول العالم مستخدمًا مستندات مزورة، “باسم وشخصية جديدة كل أسبوع”، وعندما وصل إلى لندن في سنة 1995، تقدّم للحصول على شهادة في السياسة في جامعة وستمنستر، وكتب أطروحته الجامعية عن كارل ماركس (كان حراث “جيدًا في التحليل ولكن سيئًا في الحلول”)، وبدأ العمل: “كنت أعمل هنا وهناك، أشتري وأبيع، فعلتُ كل شيء”. لاحقًا، استُخدِمت فترة التجوال ضده من قبل النقاد الذين كرروا مزاعم الحكومة التونسية – كالعادة بدون دليل – بأنه عمل مع القاعدة.
عاش حراث حياة المنفى السياسي لمدة 15 عامًا، ثم في عام 2004، أسس قناة الإسلام، وهي محطة تلفزيونية بريطانية تستهدف المسلمين، ويقول إن المضايقات بدأت في ذلك الوقت، و”لقد تم تشويه سمعتي”. وأخبرني حراث أن أول من زاره كانت دائرة الإيرادات الداخلية، إذ جاؤوا ومكثوا لمدة شهر تقريبًا يدققون في كل إيصال وكل ورقة، وأضاف: “ما أدهشني هو أنهم كانوا يطرحون أسئلة ذات دوافع سياسية، ويسألون عن محتوانا وعن برامجنا، لكنهم متخصصون في الضرائب، وعليهم أن يسألوا ما إذا كنا ندفع ضرائبنا أم لا، لكنهم تجاوزوا ذلك”.
لاحقًا بدأت الهجمات الصحفية من قبل وسائل الإعلام البريطانية؛ فعندما فر حراث من تونس، اتهمه نظام بن علي بـ”التزوير وجرائم استخدام الأسلحة/ المتفجرات والإرهاب”، وطلب معذّبوه إضافة إسمه إلى النشرة الحمراء للإنتربول، وهي نظام من التنبيهات الدولية التي تهدف إلى الكشف عن المجرمين أو الإرهابيين المشتبه بهم، وهو ما التزمت به وكالة الشرطة الدولية.
بالتالي منح ذلك الصحفيين صلاحيات لربط حراث بالإرهاب، وتولى الإنتربول، وهي منظمة دولية موقرة لإنفاذ القانون، تلك المهمة نيابة عنهم؛ فلم يتحمل أي صحفي عناء التدقيق في مدى صحة تصنيف الإنتربول للنظام الذي طالب به. منذ تلك اللحظة فصاعدًا؛ كان حراث يخوض معارك على جبهتين، حيث تشترك الحكومة التونسية ووسائل إعلام لندن في مصلحة مشتركة في وصفه بالمتطرف. في عام 2009، ألقى حراث كلمة في حدث برعاية سيتي هال في لندن، بينما ردت صحيفة صنداي إكسبريس بنشر قصة عنه بعنوان: “شريك بوريس الإرهابي”.
أطلقت “التايمز” حملة مليئة بالتلميحات، وأسندت لنفسها مهمة القيام بعمل الدكتاتور التونسي بن علي من خلال تسليط الضوء على صلات حراث المزعومة بالإرهاب، مع التأكيد على أنه كان مستشارًا لشرطة العاصمة، فيما يقول حراث: “لقد كانت جزءًا من عملية تشويه لسمعتي، وكانت تهدف إلى إلحاق الضرر بصورتي داخل المجتمع”، مصرًّا على أنه لم يكن أبدًا مستشارًا للشرطة وأن هذا الادعاء استند إلى حقيقة تحدّثه من وقت لآخر، مثل العديد من المسلمين الآخرين، إلى وحدة الاتصال بالمسلمين التابعة لشرطة العاصمة.
هذا لم يمنع وزيرة الأمن في حزب المحافظين البارونة نيفيل جونز من المطالبة في عام 2008 بإقالة حراث من منصبه غير الموجود، واحترامًا لنظام بن علي، أعلنت نيفيل جونز أن “الحكومة التونسية، وهي حليفة في مكافحة الإرهاب، طلبت أيضا تسليم هذا الرجل”. كان المحافظون، الذين كانوا في المعارضة آنذاك، يبدون استعدادًا صادمًا للعمل وفق المعايير التي حددتها لهم ديكتاتورية شمال إفريقيا، وكان بن علي آنذاك أحد أشهر الحكام في إفريقيا، بينما فر حراث من البلاد هربًا منه.
الجهاز القمعي
في نيسان/أبريل 2011، بعد فترة وجيزة من سقوط بن علي، قام الإنتربول بإزالة النشرة الحمراء، وأعلم حراث إنه “بعد إعادة فحص جميع المعلومات الواردة في الملف، اعتبرت المنظمة أن الإجراءات ضدك كانت في الأساس ذات طبيعة سياسية”. منذ قرابة عقدين من الزمن، استخدم بن علي نظام النشرات الحمراء في تونس لمضايقة وتعذيب أحد المعارضين البارزين، وبعد بضعة أشهر من سقوط بن علي، أُزيلت النشرة الحمراء. يجب أن يكون هدف الوكالة هو مساعدة الشرطة الوطنية في مطاردة المجرمين، وليس المساعدة على اعتقال معارضي الديكتاتورية.
كانت هناك بعض الأسباب القوية لانتقاد حراث حيث انتهكت قناته قواعد الحياد الخاصة بهيئة أوفكوم، والأخطر من ذلك، أنه خرق قانون البث بالسماح لأحد مقدمي البرامج بالتغاضي عن موضوع الاغتصاب الزوجي والعنف ضد المرأة. في المقابل، لم تعتذر أي من الصحف التي سبق وأن شهّرت بماضي حراث الإرهابي المزعوم ولم تذكر حتى أن الإنتربول قد مسح اسمه من قائمة النشرة الحمراء.
مثل حزب المحافظين، كانت هذه الصحف سعيدة بالعمل ضمن المعايير التي حددتها لهم الديكتاتورية، فقد وصل حراث إلى المملكة المتحدة كلاجئ هارب من الطغيان، وبدلًا من الترحيب به، تمت معاملته كمجرم، ولسنوات؛ لم يتمكن حراث من السفر دون المخاطرة بالتعرض للاعتقال وتسليمه للسلطات. وبعد أن أنشأ قناة الإسلام، وهي محطة تلفزيونية مشهورة بين مسلمي المملكة المتحدة البالغ عددهم مليوني مسلم، استغلت مجموعة جديدة من المضطهدين وضعية هرب حراث بلا رحمة: وهم منتقدو الإسلام داخل المؤسسة السياسية والإعلامية البريطانية.
وقال حراث، الذي كان لديه لحية كثيفة داكنة، مازحًا: “لقد دُعيت بالمتطرف والإسلامي والإرهابي، وجميع التسميات”، لكنها لم تكن مزحة في الواقع؛ يتم تصنيف الملايين من المسلمين الأبرياء (والعديد من غير المسلمين) بنفس الطريقة، وفي العديد من أنحاء العالم، يصعب على أي مؤيد للحرية السياسية تجنب وصفه بالإرهابي، وعلى الرغم من أنهم يحتجون بشكل سلمي، فهم ما زالوا معرضين للاعتقال والتعذيب أو إطلاق النار عليهم من قبل الشرطة المسلحة في الشوارع. وإذا فروا من بلدهم، يمكن أن يجدوا أنفسهم مدرجين في قائمة الإرهابيين أو يتعرّضوا للمطاردة.
لقد تحدثت إلى العشرات من هؤلاء “الإسلاميين” خلال قرابة العقدين الماضيين الذين قضيتُهما في البحث من أجل هذا الكتاب؛ هؤلاء الأشخاص شجعان وذوي مبدأ وممن يدعمون التضحية بالنفس وهو شيء نادرًا ما نراه في الوقت الحاضر في الغرب، مع معايير عالية من النزاهة الشخصية والسلوك العام، ولولا ذلك لما كانوا قادرين على تحمل التعذيب والنفي القسري بسبب معتقداتهم.
في المقابل؛ ووفقًا للخطاب العادي في الغرب، يوصف هؤلاء الإسلاميون بأنهم متعصبون ذوو عقلية عنيدة ومصممون بشدة على تدمير (العبارة التي يحبها القادة البريطانيون والأمريكيون كثيرًا) “كل ما ندافع عنه”، وهذا افتراء زائف ومهين ونوع من الجهل.
لقد وجدت مرارًا وتكرارًا أن مؤيدي الإسلام السياسي يقدسون المملكة المتحدة وأكثر من ذلك مؤسساتنا: البرلمان وسيادة القانون وحرية الصحافة. وفي الواقع، هم معجبون بها بشدة وذلك لأن مثل هذه المؤسسات موجودة في بلدانهم وهم يفهمون مدى أهميتها أفضل منا. وفي حين أنهم ينتقدون المملكة المتحدة (والغرب)، إلا أن ذلك لا يعني أنهم يريدون تدمير قيمنا، رغم ما يؤكده السياسيون وصناع الرأي بشكل متكرر.
ينتقدنا هؤلاء الأشخاص بشكل أساسي لأننا لا نعتز بقيمنا بما فيه الكفاية، كما تنشر صحفنا الأكاذيب وتعمل كأدوات دعائية، وتخرق حكوماتنا القانون، بينما تشجع أجهزة المخابرات الغربية الاعتقال غير القانوني والتعذيب. علاوة على ذلك، تتعمد قواتنا المسلحة التشويه والقتل دون عقاب بطريقة جبانة باستخدام الطائرات دون طيار والقوة الجوية.
والأسوأ من ذلك كله، أن المملكة المتحدة تمثّل جزءًا من جهاز القمع في المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة وأماكن أخرى، فنحن نوفر السلاح ونقدم المشورة والتدريب لقوات الشرطة والأمن في الأنظمة المكرسة لقمع الديمقراطية والحرية، مما يعني أن معارضتهم تصبح معارضتنا نحن أيضًا. وهذا يفسر أحد أسباب العداء تجاه الإسلام في المملكة المتحدة.
تكرس الأنظمة في الدول الإسلامية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الوقت والتأثير، وقبل كل شيء المال، لتشويه سمعة الحركات السياسية التي تتحداها. وقد نجحوا على وجه الخصوص في تصوير الإسلام السياسي على أنه تهديد مميت للغرب، وغالبًا ما عرّفوا الإسلاميين على أنهم إرهابيون، وبالتالي خلقوا ترابطا أوثق مع حلفائهم الغربيين من خلال التركيز على عدو مشترك.
المصدر: ميدل إيست آي