يسارع عدة مسؤولين في تونس منذ إقرار التدابير الاستثنائية في تاريخ 25 يوليو/ تموز 2021 – كلّما أتيحت لهم الفرصة – إلى التعبير عن رغبتهم في الاستفادة من “التجربة المصرية”، لما حقّقه نظام السيسي من “استقرار سياسي” و”نقلة اقتصادية” وفق تعبيرهم، حتى أن البعض أصبح يتباهى بلقائه مسؤولين مصريين.
تقارُب بين السيسي وسعيّد
آخر هذه التصريحات صدرَ عن وزيرة التجارة وتنمية الصادرات التونسية، فضيلة الرابحي، التي أكّدت في تصريحات لإذاعة محلية قبل يومَين أن “تونس تسعى للاستفادة من التجربة المصرية، في ظلّ ما حققته مصر من مكاسب عديدة على غرار الاستقرار السياسي وطفرة الإنتاج، إضافة إلى نسبة نمو اقتصادي تفوق 5%”، وفق تعبيرها.
جاء هذا التصريح على هامش زيارة عمل يؤدّيها رئيس مجلس الوزراء بجمهورية مصر، مصطفى مدبولي، إلى تونس، يومَي 12 و13 مايو/ أيار الحالي، يرافقه فيها وفد رفيع المستوى من الوزراء وكبار المسؤولين المصريين، للمشاركة في أشغال الدورة السابعة عشرة للجنة العليا المشتركة التونسية المصرية، من أجل دعم التعاون الاقتصادي وتحقيق هدف رفع التبادل التجاري إلى نصف مليار دولار.
وتنعقد هذه اللجنة بعد أكثر من 4 سنوات من انعقاد الدورة السادسة عشرة، التي توِّجت حينها بتوقيع حزمة اتفاقات اقتصادية، ووضع برنامج للارتقاء بحجم التبادل التجاري بين البلدَين إلى ما لا يقلّ عن 500 مليون دولار، دون أن يتحقَّق منها شيء يُذكر.
تفيد عدة تقارير أن مصر في عهد السيسي أصبحت دولة متسوِّلة، تعتمد على الدعم الخارجي والقروض أكثر من أي وقت مضى
يؤكد انعقاد هذه اللجنة تطور العلاقات بين نظامَي البلدَين منذ وصول سعيّد إلى حكم تونس، وظهر ذلك منذ أول اتصال رسمي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع نظيره التونسي قيس سعيّد في مارس/ آذار 2020.
ويحرص سعيّد على الاتصال بالسيسي في كل مناسبة وإن كانت “بسيطة”، لتهنئة “شقيقه” السيسي، ويُعتبر هذا التقارُب الذي يحدث بين البلدَين في الفترة الأخيرة غير مسبوق منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي في تونس.
وكرّرَ الرئيس التونسي على مدار الأشهر الماضية إعجابه بالتجربة المصرية، وخاصة بالجيش المصري وقدراته منذ حرب أكتوبر 1973، وأكّد سعيّد عند زيارته مصر ولقائه السيسي في أبريل/ نيسان 2021 أن “أمن مصر من أمن تونس”، وأنه يشارك موقف مصر في كل القضايا الإقليمية والدولية، وهو ما أدخله في أزمة مع الجزائر.
أي المجالات سيستفيد منها نظام سعيّد؟
بالعودة إلى حديث المسؤولين التونسيين، ومنهم الرئيس، بخصوص استفادة تونس، نتساءل عمّا يمكن أن تستفيد منه تونس من مصر، حيث يقول هؤلاء المسؤولون إن تونس لها أن تستفيد من “الاستقرار السياسي” و”الطفرة الاقتصادية” اللذين تحققا في عهد السيسي منذ انقلابه على حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، صيف عام 2013.
دعنا ننظر أولًا إلى حال الشأن السياسي في مصر، حيث نظرة سريعة تؤكد لنا حجم الأزمة السياسية التي تعرفها البلاد منذ انقلاب السيسي، إذ تمَّ إعدام المئات من السياسيين ونشطاء الرأي المعارضين للنظام، كما اُعتقل عشرات الآلاف وقُتل الآلاف، ولنا في مجزرة رابعة مثال.
تدعم “#إسرائيل” وبشار الأسد و #حفتر.. قيس سعيد يعلن تبني #تونس مواقف عبد الفتاح #السيسي بالكامل، فهل اطّلع عليها قبل قول ذلك؟ نتذكر معًا بعضًا منها pic.twitter.com/16nRMGzDSt
— نون بوست (@NoonPost) April 12, 2021
من المنتظر أيضًا أن يتمَّ تعديل الدستور في القريب، ذلك أن ولاية الرئيس السيسي تنتهي هذا العام بمرور 8 سنوات، مثلما قال الدستور، ومثلما وعد هو نفسه، لكن لا توجد مؤشرات على إمكانية إنجاز انتخابات ديمقراطية ونزيهة لانتخاب رئيس جديد للبلاد.
أما في مسألة الحريات، فقد تمَّ تدجين الإعلام الذي أصبح يسبِّحُ بحمد السيسي، وتمَّ التضييق على الصحفيين والحقوقيين وتزايدت مختلف الانتهاكات ضدهم، كما تمَّ تشديد الخناق على الفضاء العام والسيطرة عليه حتى لا يخرج عن كلمة النظام.
هذا في خصوص المسألة السياسية والجانب الحقوقي الذي يُريد نظام قيس سعيّد الاستفادة منه، أما الآن دعنا نلقي نظرة على “الطفرة الاقتصادية” التي حققها السياسي في سنوات حكمه، والتي يريد سعيّد وجماعته الاستفادة منها.
تفيد عدة تقارير أن مصر في عهد السيسي أصبحت دولة متسوِّلة، تعتمد على الدعم الخارجي والقروض أكثر من أي وقت مضى، رغم ما يصوِّره الإعلام المصري من مشاريع ضخمة وبنى تحتية تحققت في السنوات الأخيرة.
وأوضحت دراسة نشرها موقع مؤسسة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط (بوميد)، الأسبوع الماضي، أن السيسي يضغط على المصريين من خلال التخفيض المستمر للدعم، وفرض المزيد من الضرائب وزيادة رسوم الخدمات العامة، رغم الدعم الأجنبي الهائل الذي تلقّاه، والاقتراض الكثيف لنظامه من الداخل والخارج.
الاستفادة الوحيدة التي يمكن أن تحصل هي كيفية التأسيس لنظام الحكم الواحد والانتقال من دولة ديمقراطية إلى أخرى استبدادية دكتاتورية
بلغت ديون مصر 392 مليار دولار بنهاية العام المالي 2020-2021، ويشمل ذلك 137 مليار دولار من الديون الخارجية، وهو أعلى 4 مرات ممّا كان عليه عام 2010، ويشمل أيضًا ديونًا داخلية بقيمة 255 مليار دولار -وفقًا للبنك المركزي المصري-، أي ما يقارب ضعف الدين المحلي عام 2010، ومن المرتقب أن تصل ديون مصر -التي شهدت زيادة حادة في العقد الماضي- إلى مستويات قياسية نهاية السنة الحالية.
أدّى وضع الاقتصاد المصري إلى تزايد التوتر الاجتماعي في البلاد، حيث ارتفعت المواد الأساسية وغير الأساسية، وارتفع التضخم، وارتفعت نِسَب البطالة والفقر والتهميش والتفاوت الاجتماعي وبلغت مستويات قياسية لم تبلغها البلاد سابقًا، كما انتشرت العشوائيات في مصر، كونها الأرخص كلفة والأقل نفقة.
مربط الفرس
بالنظر إلى هذه المؤشرات، لا نرى فائدة من الحديث عن الاستفادة من التجربة المصرية، لكن في ظل تحركات الرئيس التونسي وقراراته، يمكن لنا القول إن الاستفادة الوحيدة التي يمكن أن تحصل هي كيفية التأسيس لنظام الحكم الواحد والانتقال من دولة ديمقراطية إلى أخرى استبدادية ديكتاتورية.
وظهرت الاستفادة جلية في انقلاب قيس سعيّد على الدستور ومؤسسات الدولة الشرعية في 25 يوليو/ تموز الماضي، وما تبعها من قرارات، حيث أقال الحكومة وجمّدَ عمل البرلمان، وبعد ذلك حلَّهُ وحلَّ معه المؤسسات الدستورية، منها مجلس القضاء الأعلى وهيئة الانتخابات.
#قيس_سعيد : قررت أن أتولى السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة أعيّنه بنفسي.
عبد الفتاح السيسي النسخة التونسية!
— تركي الشلهوب (@TurkiShalhoub) July 25, 2021
ظهرت الأيادي المصرية فيما تعرّض له رئيس الحكومة المُقال من منصبه، هشام المشيشي، من ضرب في قصر قرطاج، عقب الانقلاب مباشرة من طرف مسؤولين أمنيين مصريين ممّن كانوا يشيرون على قيس سعيّد قبل الانقلاب، ويديرون العمليات بينما كانت تجري على قدم وساق.
استفاد سعيّد من تجربة مصر كثيرًا في الممارسات القمعية، حيث أقصى جميع الأحزاب والمنظمات والجمعيات، وفرض رؤيته وتصوره لنظام الحكم، أسوة بـ”شقيقه” السيسي الذي فرض دولة الشخص الواحد على المصريين.
يبدو أن نظام قيس سعيّد يريد الاستفادة أكثر من تجربة عبد الفتاح السيسي في قمع المعارضين، والتأسيس لدولة الشخص الواحد وإقصاء كل صوت معارض، رغم الضغط الكبير المسلَّط عليه داخليًّا وخارجيًّا، وتنامي الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد وتهدِّد أمنها واستقرارها الاجتماعي الهشّ.