ترجمة وتحرير: نون بوست
في بلدية لاسا الهادئة التي تبعد 56 ميلا شمال العاصمة اللبنانية بيروت، ترعى الأغنام في التلال وتُرفعُ أعلام حزب الله فوق جميع أسطح المنازل تقريبًا. من المقرر أن تقام الانتخابات البرلمانية في البلاد في 15 أيار/ مايو، وتحمل معظم اللافتات في منطقة ذات الأغلبية الشيعية صورة مرشح حزب الله رائد برو. قالت فاطمة المقداد، إحدى متساكنات لاسا: “سوف ندعم حزب الله لأنه يدعمنا، إنهم يساعدوننا في توفير الرعاية الصحية والوظائف، وهم يمثلون إيماننا في البرلمان”.
على بعد 10 دقائق بالسيارة، في قرية العاقورة الجبلية، يؤيد الكثيرون حزبًا منافسًا وهو القوات اللبنانية المسيحية المارونية اليمينية المتطرفة. يشعر فيليب جرمانوس – وهو مزارع له حقل من أشجار التفاح والكرز يخطط للتصويت لمرشح مستقل – بالإحباط لأن إخوانه المسيحيين من المرجح أن يدعموا الصراعات الطائفية. وقال جرمانوس يوم الإثنين وهو جالس بالقرب من مدفأة داخل كوخه: “يعتقد عديد المسيحيين أن حزب الله أكبر أعدائهم ويميلون للتصويت للقوات اللبنانية، لكن هذا لا يساعدنا في دفع البلاد نحو التقدم الاجتماعي والاقتصادي”.
قبل عامين، خرج مئات الآلاف من اللبنانيين من جميع الطوائف إلى الشوارع في سلسلة من الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد، مطالبين بإنهاء النظام الطائفي في البلاد الذي يقسم السلطة على أساس الطائفة في ظل نظام المحاصصة. وكانوا يأملون المساهمة في دخول طبقة سياسية جديدة من شأنها إحداث إصلاحات لمكافحة الفساد المستشري وإنشاء قضاء مستقل وإطلاق العنان للمساعدات الدولية لمساعدة البلاد على الخروج من أسوأ أزمة اقتصادية على الإطلاق.
أجبرت الاحتجاجات رئيس الوزراء آنذاك سعد الحريري على الاستقالة وحصلت على دعم دولي كبير للإصلاحات السياسية والاقتصادية في البلاد، ولكن منذ ذلك الحين انهار اقتصاد البلاد بشكل مطرد، وفشل القادة اللاحقون الذين يُعتقد لليوم أنهم يخضعون لنفس النخبة الحاكمة في حل أزمات البلاد.
وفقا لبعض المحللين السياسيين، تعدّ انتخابات يوم الأحد – وهي الأولى منذ الانتفاضة – خطوة ضرورية لإخراج السياسة اللبنانية من الأزمة لكن مع اقتراب يوم الانتخابات يعتقد القليلون فقط أن الأحزاب الجديدة التي انبثقت عن الانتفاضة مثل “مقاومو بيروت” و”مواطنون ومواطنات في دولة” قادرة على الإطاحة بالطبقة الحاكمة التي تشبثت بالسلطة منذ نهاية الحرب الأهلية في لبنان في 1990. لا تزال الصراعات الطائفية مثل تلك التي تظهر في لاسا والعاقورة قويةً ولا تزال الأحزاب القائمة فتحظى بشعبية بين عدد كبير من الناخبين.
أدت الخلافات الطائفية والسياسية الرئيسية إلى المزيد من الانقسامات في صفوف المجموعات السياسية الجديدة، مما جعل تكوين جبهة موحدة أمرا صعبا جدا
في استطلاع للرأي أجرته منظمة أوكسفام في نيسان/ أبريل على الناخبين اللبنانيين، اعتقد 98 بالمئة من المشاركين البالغ عددهم 4675 شخصًا أن أداء النخبة الحاكمة كان له تأثير سلبي – مما يخلق مفاجأة صغيرة – كما أدى الانفجار الدامي الذي وقع في بيروت في أغسطس/ آب 2020 إلى إضعاف ثقة الناس في الطبقة السياسية وألقوا باللوم عليها في سوء إدارة الميناء.
في غضون ذلك، يعيش 74 بالمئة من اللبنانيين الآن في حالة فقر وخسرت الليرة اللبنانية حوالي 90 بالمئة من قيمتها التي كانت عليها في أواخر 2019. أصبحت خطوط انتظار التزود بالغاز أطول والمواد الأساسية مفقودة من الرفوف والجريمة آخذة في الازدياد ولا توفر الدولة الكهرباء سوى لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات فقط في اليوم، مما يجعل البلاد تعتمد على “مافيا المولدات“. كما هاجر حوالي 250 ألف شخص ممن يستطيعون مغادرة البلاد خلال العامين الماضيين.
مع أن الشعب اللبناني قد سئم من الوضع الراهن، إلا أن هناك العديد من الحواجز التي تحول دون تحقيق التغيير. في استطلاع أوكسفام، مازال 40 بالمئة من أولئك الذين كانوا غير راضين عن الطبقة الحاكمة يخططون للتصويت للأحزاب التقليدية بسبب الرعاية المالية المقدمة أو الالتزام تجاه القرية والأسرة والمنطقة. وقال المحللون الذين تحدثت إليهم “فورين بوليسي” إن مثل هذه العوامل ستستمر في التأثير على الناخبين بما في ذلك الأشخاص الذين يعتقدون أن الأحزاب القائمة غير فعالة.
حتى أولئك الذين يريدون التغيير يشعرون بالارتباك حول من يجب دعمه من بين مئات الكيانات السياسية الجديدة. يتنافس أكثر من 1000 مرشح على هيئة تشريعية مكونة من 128 مقعدًا تضم حاليًا هيئة مستقلة واحدة فقط. قال مارك ضو، أستاذ الدراسات الإعلامية في الجامعة الأمريكية في بيروت، إن بعض الدوائر الانتخابية تشمل ما يصل إلى 15 مجموعة مستقلة مختلفة تربك الناخبين.
وصرّح الصحفي السابق ومرشح جماعة “مواطنون ومواطنات في دولة” اليسارية، جاد غصن، لوكالة أسوشيتيد برس: “لدينا 300 مجموعة سياسية تدعي أنها من المعارضة والثورة، وليس لدينا أي هيكل لإجراء نقاش أو محاولة التنسيق بين كل هذه الجماعات المعارضة”.
يبدو أن المرشحين الجدد معرّضون للتهديدات السياسية في جميع المجالات، حيث قام مؤيدو سعد الحريري المزعومون بتهديد ممثلي حزب “مقاومو بيروت” عندما عقدت المجموعة اجتماعا عاما مع سكان الطريق الجديدة
وقالت لوري هايتايان، مستشارة الطاقة والمحللة السياسية اللبنانية: “اعتمد الناس على الطبقة السياسية الجديدة لتحقيق التغيير، لكنهم فشلوا في التنظيم، حيث شاركت العديد من الجماعات المتفرقة في الاحتجاجات، وشعروا أن لديهم الشرعية والحق في تمثيل شعوبهم في الانتخابات”.
أدت الخلافات الطائفية والسياسية الرئيسية إلى المزيد من الانقسامات في صفوف المجموعات السياسية الجديدة، مما جعل تكوين جبهة موحدة أمرا صعبا جدا. وقال ضو، المرشح المستقل من مدينة عاليه الذي قدمه حزب التقدم المستقل الذي تأسس سنة 2019، إن الخلافات بشأن القضايا الجوهرية مثل ترسانة أسلحة حزب الله الهائلة ومدى تدخل إيران في السياسة اللبنانية قد جعلت، على سبيل المثال، اجتماع حزب التقدم مع المجموعات السياسية الأخرى أمرًا مستحيلًا.
وأضاف ضو: “تعتقد بعض الجماعات أن أسلحة حزب الله لها وظيفة دفاعية وأنه لا ينبغي لنا معارضتها بشكل قاطع لأن هناك منفعة وطنية، في حين يعتقد آخرون مثل حزب التقدم أن هذه الأسلحة غير مشروعة وتقوضالدولة وعملية بناء الدولة برمتها”.
مع سعي العديد من اللبنانيين للإطاحة بالنخبة الطائفية القديمة من خلال الاقتراع، قد يتبين أن حزب التقدم لا يحظى بشعبية. ورغم ادعاء الحزب بعلمانيته إلا أنه وافق على الشراكة مع حزب الكتائب المسيحية، وهو أحد الأحزاب التقليدية العديدة، في تشكيل سياسي يسمى جبهة المعارضة اللبنانية. وفي حين يمكن لمثل هذا التحالف أن يكون فعّالاً بعد الانتخابات، إلا أنه قد يضر بفرص الحزب.
يتوقع بعض المحللين أن يساعد النظام الانتخابي المعقد الذي تم تقديمه في سنة 2017 على تعزيز مكانة الأحزاب التقليدية. وفي الوقت الحالي، يصوت لبنان على أساس نظام التمثيل النسبي، حيث يشكل العديد من المرشحين قائمة واحدة في دائرة انتخابية تتنافس بعد ذلك مع القوائم الأخرى. (في هذه السنة يوجد 103 قائمة، وفي المتوسط، ما لا يقل عن ثلاث قوائم معارضة مختلفة في كل دائرة انتخابية من أصل 15). تحتاج القائمة إلى عدد معين من الأصوات للتأهل للحصول على مقعد. ويقع تحديد الحد الأدنى بقسمة عدد الأصوات على عدد المقاعد في الدائرة الانتخابية.
قال كريستوف قيروز، كبير مساعدي الأبحاث في الجمعية اللبنانية لديمقراطية الانتخابات، إن الحد الأدنى الانتخابي العالي من شأنه أن يجعل عملية حصول المرشحين المستقلين على مقاعد أمرا صعبا – لا سيما في الدوائر التي تضم عددا كبيرا من الناخبين – على عكس المرشحين التقليديين الذين لديهم موارد وتحالفات وآليات دعم أكبر. ولا يزال التلاعب في الدوائر الانتخابية والحصص الطائفية يساعد النخبة الحاكمة.
يعتقد بهاء الحريري – ابن رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، الذي قررت محكمة مدعومة من الأمم المتحدة أنه اُغتيل على يد عناصر من حزب الله – أن النظام مصمم خصيصًا لصالح حزب الله (على الرغم من أن الخبراء يميلون إلى الاتفاق على أنه يخدم مصلحة جميع الأطراف التقليدية الكبيرة). وهو يرى أنه “أكثر إنصافا في المناطق التي يمكن للمرشحين التنافس فيها دون التهديد بعنف حزب الله”.
بينما لا يزال بعض المواطنون يأملون أن يتذكر اللبنانيون مشاكلهم يوم الانتخابات، يبدو أن لدى معظمهم توقعات منخفضة.
في هذه الدورة الانتخابية، كانت هناك تقارير عن قيام أنصار حزب الله وحركة أمل الشيعية بترهيب المرشح المستقل هشام حايك في قرية الصرفند جنوب لبنان، لدرجة أن أحدهم صوب مسدسه على أعضاء فريقه الذين رافقهم جنود لبنانيون إلى مكان آمن.
يبدو أن المرشحين الجدد معرّضون للتهديدات السياسية في جميع المجالات، حيث قام مؤيدو سعد الحريري المزعومون – شقيق بهاء الحريري – بتهديد ممثلي حزب “مقاومو بيروت” عندما عقدت المجموعة اجتماعا عاما مع سكان الطريق الجديدة، وهو حي فقير في بيروت. (لن يخوض حزب سعد الحريري “تيار المستقبل” الانتخابات، ولم تنجح حملة بهاء الحريري “سوا للبنان” في تقديم مرشح واحد).
على الرغم من أن الآفاق تبدو قاتمة، إلا أن بعض الخبراء قالوا إنه لا يزال لدى المرشحين المستقلين فرصة لتشكيل تحالفات بعد الانتخابات إذا ما تم انتخاب بعضهم. وقال المحلل السياسي سامي نادر: “كان من الأفضل لو توصلوا إلى قائمة أو قائمتين، لكن التنوع ليس بالأمر السيئ، حيث يمكنهم تشكيل كتلة بعد الانتخابات”.
يرى آخرون أنه حتى لو فاز عشرة أو عشرون من السياسيين الجدد بمقاعد في البرلمان، فيمكنهم تحدي الطبقة الحاكمة من الداخل. وفي إشارة إلى النص الدستوري الذي بموجبه يمكن للمشرعين العشرة أن يتقدموا بطلب إلى المجلس الدستوري حول إبطال أي قانون، ذكرت هايتايان: “يمكن لعشرة أعضاء في البرلمان الطعن في أي قرار في البرلمان، لذلك إذا كانت القرارات تتعارض مع إرادة الشعب ولصالح النخبة السياسية، يمكن لهؤلاء النواب المستقلين أن يعرقلوا مثل هذه القرارات”. وهو ما يمكن أن يؤثر على التشريعات المثيرة للجدل بشأن الإصلاح الاقتصادي والمساءلة القضائية والفساد.
لكن بينما لا يزال بعض المواطنون يأملون أن يتذكر اللبنانيون مشاكلهم يوم الانتخابات، يبدو أن لدى معظمهم توقعات منخفضة. يشعر غيلبرت دوميت، الذي فشل في الفوز بمقعد كمرشح مستقل في انتخابات 2018 في البلاد، بخيبة أمل لأن الانتفاضة لم تؤد إلى الكثير، شأنه شأن اللبنانيين الذين قد يضطرون إلى انتظار الانتخابات القادمة لرؤية التغيير الذي احتجوا لأجله. وقال دوميت: “إن البلد ليس مستعدا بعد للتغيير الجذري الذي أؤمن به. ونأمل أن تكون البلاد أكثر استعدادا خلال الانتخابات المقبلة”.
المصدر: فورين بوليسي