مرت تونس بالعديد من العقبات قبل أن تصل لليوم الذي يختار فيه التونسيون رئيسهم لأول مرة منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1956، ويعد من أهم تلك العقبات هي عمليات اغتيال المعارضين العام الماضي مثل المعارض “شكري بلعيد” والنائب “محمد البرهامي”.
وللمرور من تلك الأزمة تم تشكيل “الحوار الوطني في تونس” في أكتوبر 2013 والذي وضع بدوره خارطة للطريق من أهم بنودها التسريع في مصادقة الدستور ثم تكوين حكومة تكنوقراط تكون خلفًا لحكومة “علي العريض”، وهو ماتم إذ كانت نتيجة الحوار الوطني في يناير الماضي المصادقة على الدستور بأغلبية كاسحة من “المجلس الوطني التأسيسي” حيث وافق على الدستور 200 صوتًا من أصل 217؛ لتبدأ تونس مرحلة جديدة بعد أن وصلت لطريق مسدود قبل تكوين “الحوار الوطني”.
وبعد مصادقة الدستور وتأييد كل الأحزاب له جاء “مهدي جمعة” ليشكل حكومة وسط حالة ترحيب واسعة من كل الأطراف التي ضاقت ذرعًا بالأزمة آنذاك، فكانت المصادقة على حكومته بأغلبية 149 نائبًا في المجلس الوطني التأسيسي في الثامن والعشرين من يناير الماضي لتُنهي الصراعات وتبدأ صفحة جديدة في تاريخ تونس.
وأتى “مهدي جمعة” وسط حالة من التأهب والاستقطاب فكل الأطراف على الرغم من تأييدها لحكومته إلا أنها كانت تخاف أن يجعل الحكومة متحيزه لطرف سياسي دون الآخر، لكنه كما جاء مستقلاً في حكومة “علي العريض” كوزير للصناعة أكمل مستقلاً في تحركاته السياسية بعد أن أصبح رئيسًا للحكومة.
وكان تكليف “جمعة” من قبل الرئيس “منصف المرزوقي” بسبب تاريخه القوي ونجاحه على المستوى الشخصي وعائلته العريقة، وقد عرفت به الوكالة الوطنية التونسية للأنباء بأنه من المتخصصين في مجال تكوين الكوادر وتطوير المؤهلات العلمية.
ولد “مهدي جمعة” عام 1962 في ولاية المهدية شرقي تونس، وتخرج من المدرسة الوطنية للمهندسين ثم حصل على دراسات معمقة في الميكانيكا، وتدرج جمعة في حياته العملية حتى أصبح رئيسًا لست فروع تابعة لشركة “أيروسباس” – التابعة لمجموعة “توتال” الفرنسية – في فرنسا والولايات المتحدة وتونس والهند.
ثم شغل بعد ذلك مناصب كثيرة في مجالات الصناعة المختلفة حتى صار وزيرًا للصناعة في حكومة “على العريض” عام 2013 ليكون هذا هو أول منصب سياسي يتقلده “مهدي جمعة” ومنه إلى رئاسة الحكومة مطلع العام الجاري.
وكانت هناك بعض التخوفات على اختيار جمعة في البداية حيث اعتبره “نداء تونس” محسوبًا على حزب “النهضة”، ومن ناحية أخرى كانت هناك بعض التخوفات والشكوك بشأن قدرته على إدارة الملف الأمني الذي كان من أصعب التحديات في تونس خصوصًا بعد عمليات الاغتيال التي حدث قبل توليه منصبه بعدة أشهر.
إلا أن جمعة جاء بقوة ليزيل كل التخوفات حوله، فشكّل حكومة تكنوقراط كلها من الكفاءات مع عدم الاهتمام بالخلفيات السياسية الحزبية، وكانت أحاديثه وأفعاله كلها لتنفي عنه تهمة التحيّز لطرف دون الآخر، ومن ناحية الأمن جاءت الانتخابات التشريعية الشهر الماضي ثم انتخابات الرئاسة الحالية لتثبت أنه قاد البلاد وأنهى مهمته بنجاح كبير.
وظهرت في الآونة الأخيرة تكهنات حول موقفه من انتخابات تونس الحالية خصوصًا بعد ما فعله في تلك المرحلة والذي منحه شعبية كبيرة وسط الجميع ومطالبته بالترشح لرئاسة تونس، ليخرج جمعة سبتمبر الماضي ليؤكد عدم دخوله في سباق الرئاسة التونسية لأنه يرى أن مهمته كانت قيادة البلاد في تلك المرحلة الحرجة وقد أنهى مهمته المكلف بها، ثم أشار أمس في حواره مع “الصباح نيوز” أنه لن يقوم بإنشاء حزب سياسي ولن ينضم لأي حزب على الساحة وأنه حان وقت منح الفرصة للشباب لقيادة تونس.