عاشت الجمهورية التونسية اليوم الأحد أول انتخابات رئاسية غير مشكك في نزاهتها في تاريخها، حيث شارك الناخبون التونسيون في عملية الاقتراع لاختيار مرشحهم لكرسي الرئاسة في قرطاج من بين 22 مرشحًا من أصل 27 بعد أن انسحب في الأيام القليلة الماضية 5 مرشحون لأسباب مختلفة.
وإن كان من اختلاف بين الانتخابات الرئاسية التي أُقيمت جولتها الأولى اليوم، والانتخابات التشريعية التي أُقيمت قبل شهر، فإنه سيتمثل في اكتساح حركة النهضة للمهشد الانتخابي قبل الانتخابات التشريعية وغيابها عن قيادة المشهد طيلة الفترة الفاصلة بين الاستحقاقين الانتخابين وذلك التزامًا بقرار مجلس شورتها القاضي بعدم دعم أو معارضة أي من المترشحين وبالاكتفاء بدعوة أنصارها للمشاركة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية ولاختيار من يرونه الأنسب لقيادة تونس في المرحلة القادمة.
وجاء قرار مجلس الشورى المتخذ مؤخرًا لتأكيد القرار المسبق الذي أعلنته الحركة قبل أشهر والذي ينص على عدم ترشيح أي من قيادات الحركة في الانتخابات الرئاسية وعلى تجنب الوقوع في فخ تحويل السباق الانتخابي من منافسة سياسية إلى صراع ثنائي الأقطاب بين الإسلاميين المحسوبين على الثورة والعلمانيين المحسوبين على “فلول الثورة”، وهو ما نجحت الحركة في تطبيقه إذ إن الحملات الانتخابية الرئاسية خلت من هذا الخطاب ولم تعش المناخ الذي عاشته مصر في انتخابات 2012 التي انتهت بفوز محمد مرسي برئاسة مصر.
وعلى إثر ثورة 2011، سعت جماعة الإخوان المسلمين إلى إخماد الاستقطاب الثنائي وإحباط محاولات قوى الثورة المضادة لتقسيم المجتمع المصري ما بين إسلاميين يقودون الثورة وعلمانيين يقودون الثورة المضادة؛ فأعلنت آنذاك عن عدم نيتها ترشيح أي من قياداتها لخوض الانتخابات الرئاسية؛ الأمر الذي لقى استحسان وترحيب القوى الثورية غير الإسلامية وأحبط نفس هذه القوى عندما أعلنت الجماعة تراجعها عنه.
وبررت جماعة الإخوان في ذلك الوقت تراجعها عن موقفها القاضي بعدم ترشيح أحد قياداتها بخشيتها من أن غياب الإخوان عن العملية الانتخابية سيفتح الباب أمام مرشحي النظام القديم، وفعلاً نجح الإخوان عبر مرشحهم “محمد مرسي” في إفشال مرشحي النظام القديم من الفوز بالانتخابات الرئاسية إلا أنهم وقعوا فيما كانون يخافونه ويحذرون منه: الإسلاميون يقودون الثورة والثورة المضادة ترتدي قميص مخلص البلاد من “ظلامية الإسلاميين”.
وبالتأمل في مشهد الانتخابات الرئاسية التي عاشتها تونس اليوم وفي الحملات الانتخابية التي استمرت طيلة الأسابيع الماضية، يمكن أن نستخلص أن إخوان تونس نجوا من المطب الأول، حيث لا يوجد استقطاب ثنائي بين مرشح إسلامي ومرشح علماني، وإنما منافسة شرسة أحيانًا وهادئة في أحيانٍ أخرى بين مرشحين بعضهم ينتمي للثورة أو نتج عنها وبعضهم الآخر مدعوم من الثورة المضادة أو خرج من صلب النظام القديم.
وقبل الجزم بنجاح إخوان تونس مقارنة بإخوان مصر، سنحتاج إلى أن ننتظر نتائج خيارات حركة النهضة لنرى إذا ما كانت ستنجح في حماية الثورة والعملية السياسية أم أنها ستنتهي إلى نفس خارطة الطريق التي انتهى إليها إخوان مصر من انقلاب على العملية السياسية وفشل للثورة.