بدأ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مساء الأحد زيارة دولة إلى تركيا تستمر ثلاثة أيام ينتظر أن تشكل دفعًا جديدًا للعلاقات السياسية والاقتصادية التي تربط البلدين، وذلك بتوسيع الشراكة بين الطرفين إلى عدة قطاعات باستثمارات كبيرة تضاف إلى مجالات الحديد والصلب والنسيج والطاقة التي تشكل أساس التعاون الاقتصادي بين البلدين في الوقت الحاليّ.
تأتي زيارة الرئيس تبون إلى أنقرة تلبية لدعوة نظيره التركي طيب رجب أردوغان التي وجهها له شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ونقلها وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونمز إلى تبون خلال زيارته للجزائر حينما عقدت أشغال الدورة الـ11 للجنة الحكومية المشتركة الجزائرية-التركية، وهي أول زيارة لرئيس جزائري إلى تركيا منذ 17 عامًا، حين زارها الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة في فبراير/شباط 2005.
أول اجتماع
وتكمن أهمية هذه الزيارة كونها ستؤسس إلى مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين، فقد أفادت دائرة الاتصال في الرئاسة التركية أن الاجتماع الأول لمجلس التعاون الجزائري التركي رفيع المستوى يعقد في أنقرة، اليوم الإثنين، برئاسة تبون وأردوغان.
وأشارت إلى أنه سيتم خلال الاجتماع الذي يشارك فيه الوزراء المعنيون مراجعة العلاقات التركية الجزائرية المستندة إلى روابط تاريخية متجذرة بكل أوجهها، كما سيجري تناول سبل تطوير التعاون الثنائي بين البلدين، وينتظر أن يرأس تبون في إسطنبول الثلاثاء، منتدى الأعمال والاستثمار الجزائري التركي.
تتزامن زيارة الرئيس الجزائري إلى أنقرة مع إحياء البلدين للذكرى السنوية الـ60 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين “الصديقين والشقيقين”، وفق ما تصف الصحف الجزائرية التعاون بين البلدين.
وعلقت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية على هذه الزيارة بالقول: “من شأنها أن تعطي نفسًا جديدًا للتعاون الثنائي المدعم بمعاهدة صداقة وتعاون منذ 2006″.
وكان من المقرر أن يزور الرئيس تبون تركيا قبل هذه السنة، إلا أن الظروف الذي فرضتها جائحة كورونا جعلته يؤجل زيارته لأنقرة إلى هذا التاريخ.
يأتي عقد أول اجتماع لمجلس التعاون الثنائي رفيع المستوى تتويجًا للتطور الذي عرفته العلاقات بين البلدين، ونتيجة للزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، وأبرزها زيارة العمل والصداقة التي أداها أردوغان إلى الجزائر في 26 و27 يناير/كانون الأول 2020، فكان أول رئيس يزور الجزائر عقب وصول الرئيس تبون إلى كرسي الرئاسة، ما شكل انعكاسًا لمتانة العلاقات التي تربط البلدين، خاصة أن الرئيسين حرصا بعدها على استمرار التشاور هاتفيًا في مختلف القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
الأرقام تتحدث
يهدف عقد الاجتماع رفيع المستوى إلى دفع التعاون الثنائي إلى مستوى إستراتيجي، خاصة في جانبه الاقتصادي الذي يشهد ارتفاعًا متزايدًا، يعكسه حجم التبادل التجاري الذي فاق العام الماضي 4 مليارات دولار رغم تأثر اقتصاد البلدين بجائحة كورونا كغيرهما من باقي دول العالم.
وبالعودة إلى بداية الألفية، فإن الجزائر لم تكن تحصي وقتها إلا 7 شركات تركية تنشط في ترابها، لترتفع اليوم إلى 1400 مؤسسة في مختلف المجالات، ما جعل الجزائر تحتل اليوم المرتبة السابعة ضمن البلدان التي تستثمر فيها تركيا بشكل أكبر والأولى في إفريقيا بقيمة استثمارية وصلت 5 مليارات دولار، لكن الرئيس التركي أكد في أكثر من مرة أن بلاده تسعى إلى أن يصل التبادل التجاري واستثمارات أنقرة في الجزائر إلى حاجز 10 مليارات دولار، بالنظر إلى أن الإمكانات التي تتوافر تسمح بتحقيق هذا المبتغى في الوقت القريب.
وتتنوع الاستثمارات التركية في الجزائر التي أنشأت 30 ألف منصب عمل بين قطاعات الحديد والصلب والنسيج والمواد الكيماوية والمنتجات الصيدلانية والصناعات الغذائية والبناء والأشغال العمومية والصناعة والفلاحة والتوزيع وتكنولوجيات الاتصال والنقل البحري والجوي.
وتشير إحصاءات رسمية إلى أن القيمة الإجمالية للمشاريع التي يشرف عليها مقاولون أتراك في الجزائر تقدر بنحو 20 مليار دولار.
ويبقى أهم حضور للقطاع الصناعي التركي في الجزائر متمثلًا في مصنع الحديد والصلب ببلدية بطيوة بولاية وهران غرب البلاد، الذي أنجزته شركة “توسيالي آيرون أند ستيل”، وهو أكبر استثمار لتركيا خارج أراضيها، إذ بلغ إنتاجه في 2020 نحو 2.23 مليون طن من مختلف المنتجات الحديدية، ويوظِّف اليوم 3800 عامل.
وقال عضو مجلس إدارة مصنع “توسيالي الجزائر” ألب توبسي أوغلو، في حديث إلى وكالة الأنباء الجزائرية إن المصنع يتوقع أن ترتفع قيمة صادراته إلى 700 مليون دولار، بنمو يصل إلى 600% مقارنة بما كان عام 2020.
أما الاستثمار الثاني التركي المهم في الجزائر فهو مصنع تيال للنسيج، وهو نتاج شراكة بين البلدين بقيمة 714 مليون دولار، وهو الأكبر على المستوى الإفريقي، دخل الإنتاج في مارس/آذار 2018، ويشغل اليوم 3 آلاف عامل، وينتج أكثر من 3.5 مليون متر خطي من القماش شهريًا، وجعله يمد مختلف ولايات الجزائر بالقماش، كما سيعمل على تصدير الملابس الجاهزة إلى الخارج والشروع في زراعة القطن محليًا لتخفيض التكاليف.
تطمح الجزائر إلى توسيع تعاونها مع تركيا في مجالات عدة كالصحة وإصلاح المستشفيات والسياحة والإنتاج الثقافي والسينمائي، إضافة إلى التعليم العالي، وإلغاء التأشيرة
أما الاستثمار الجزائري في تركيا فيتمثل حتى الآن في قطاع الطاقة، فقد وقع البلدان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي 3 عقود متعلّقة بتطوير المشروع البتروكيمياوي لإنتاج البوليبروبيلان بمدينة جيهان التركية التي تمثّل فيه الجزائر شركة سوناطراك النفطية الحكومية.
وتساهم سوناطراك بنسبة 34% في هذا المشروع، وتضمن تموينه بالمادة الأولية البروبان، في إطار عقد طويل المدى باعتماد أسعار السوق الدولية، ومعلوم أن قيمة المشروع قدَّرت بـ1.4 مليار دولار.
وفي التفاصيل، بلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين العام الماضي 4.2 مليار دولار حسب إحصاءات وزارة التجارة وترقية الصادرات الجزائرية، وبلغت قيمة الصادرات الجزائرية نحو تركيا 2.5 مليار دولار فيما قدرت الواردات بـ1.7 مليار دولار.
وتتكون الصادرات الجزائرية من المنتجات الطاقوية بنسبة 90% مثل الغاز الطبيعي المميع والبترول الخام والغاز الطبيعي، فقد جدد البلدان سنة 2020 العقد الذي يسمح للجزائر بتزويد تركيا بالغاز الطبيعي المميع حتى 2024، ما يجعل الجزائر الممون الأول بالغاز الطبيعي المميع لتركيا والممون الرابع بغاز البترول المميع.
في المقابل تتمثل واردات الجزائر من أنقرة في مركبات النقل وقطع الغيار ومنتجات الحديد والفولاذ والقطع الخاصة بالآلات والمنتجات النسيجية والملابس غير المنسوجة وأجهزة التليفزيون والاتصال والمعادن غير الحديدية والحبوب ومشتقاتها ومواد التغليف من الورق والورق المقوى والبلاستيك.
وتطمح الجزائر في توسيع تعاونها مع تركيا إلى مجالات عدة كالصحة وإصلاح المستشفيات والسياحة والإنتاج الثقافي والسينمائي، إضافة إلى التعليم العالي وإلغاء التأشيرة، وهي المجالات التي ستناقش بكثرة بعد تنصيب مجلس التعاون رفيع المستوى.
حرص
قبل أيام من زيارة الرئيس تبون، كادت أن تتسبب تقارير إعلامية مغربية في تعكير العلاقات الجزائرية التركية بعد أن زعمت أن وزير الخارجية التركية مولود جاووش أوغلو الذي شارك في مؤتمر دولي بمراكش المغربية تحدث عن دعم أنقرة لحل الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب لحل قضية الصحراء الغربية.
لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية السفير تانجو بيلغيتش، سرعان ما كذب هذه الادعاءات، وأكد الخميس، دعم بلاده لحل سياسي لقضية الصحراء الغربية يستند إلى القرارات الدولية.
وقال بيلغيتش: “أنقرة تدافع منذ البداية عن إيجاد حل سياسي لقضية الصحراء الغربية في إطار قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومن خلال الحوار بين الأطراف”، مضيفًا “تركيا تدعم وحدة أراضي وسيادة جميع دول المنطقة داخل حدودها المعترف بها دوليًا”.
ويتطابق هذا التصريح مع رؤية الجزائر التي تطالب بتطبيق القرارات الأممية لحل ملف الصحراء الغربية، وذلك بتمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره عبر استفتاء شعبي.
تظل العلاقات الجزائرية مع أنقرة حتى اليوم مثالًا يحتذي به للشراكة في المنطقة بالنظر إلى التطور السريع الذي عرفته في مدة لا تزيد على عقدين من الزمن
واعتبرت الصحافة الجزائرية أن ثبات أنقرة على موقفها دليل على حسن نيتها في إقامة شراكة حقيقية وجادة مع الجزائر، ومن المؤكد أن هذه القضية ستكون ضمن محور محادثات الرئيس تبون مع أردوغان، إضافة إلى ملفات أخرى كليبيا ومالي وسوريا التي ترحب الجزائر بعودتها إلى الجامعة العربية، في حين تبقى أنقرة رافضة لتصرفات النظام في دمشق.
وبالنظر إلى علاقاتهما الجيدة مع روسيا، من المؤكد أن الأزمة في أوكرانيا ستأخذ حيزًا كبيرًا من مباحثات الجانبين، كون البلدان سيتأثران مباشرة بهذا الصراع الذي لن يخدم استمراره الطرفين.
وفي انتظار ما ستخرج به الزيارة التي يؤديها تبون إلى تركيا، تظل العلاقات الجزائرية مع أنقرة حتى اليوم مثالًا يحتذى به للشراكة في المنطقة بالنظر إلى التطور السريع الذي عرفته في مدة لا تزيد على عقدين من الزمن.