فاز حسن شيخ محمود (67 عامًا) برئاسة الصومال بعد حصوله على 173 صوتًا مقابل 95 صوتًا لمنافسه الرئيس المنتهية ولايته، محمد عبد الله فرماجو، في الانتخابات التي جرت الأحد 15 مايو/آيار الحاليّ، ليصبح الرئيس العاشر للبلاد وأول رئيس صومالي يعاد انتخابه مرتين، إذ سبق له وتولى الرئاسة خلال الفترة من 2012-2017.
وصوت في الانتخابات التي جرت عبر 3 جولات: شارك في الأولى 34 مرشحًا، ثم تقلص العدد إلى 4 مرشحين فقط في الثانية، قبل أن تنحصر في متنافسين فقط في الثالثة والأخيرة، أعضاء البرلمان بمجلسيه الشعب والشيوخ البالغ عددهم 329 نائبًا في اقتراع سري، وسط إجراءات أمنية مشددة.
المشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام لتهنئة فرماجو للرئيس الجديد الذي أكد في كلمته المقتضبة عقب الإعلان عن فوزه بأنه لا مجال للانتقام السياسي، داعيًا الصوماليين إلى فتح صفحة جديدة للتسامح من أجل بناء وإعادة كرامة بلادهم، أضفت حالة من التفاؤل على الشارع الصومالي الذي يأمل أن تطوي تلك الانتخابات صفحة التجاذبات السياسية التي كادت أن تعصف بالبلاد.
ورغم ما تمثله تلك الانتخابات من أهمية إستراتيجية ومرحلة مفصلية في تاريخ الصومال، وما يؤمله البعض من نقلة كبيرة في مسار الدولة خلال الفترة القادمة مقارنة بما كانت عليه خلال سنوات الاحتقان والانقسام السابقة، فإن حزمة من التحديات المتوارثة من المرجح أن تكون حجر عثرة أمام شيخ محمود الذي يأمل أن ينجح فيما فشل فيه خلال ولايته الرئاسية السابقة، هذا بخلاف التدخلات الخارجية التي من المحتمل أن يكون لها تأثيرها المحوري في رسم ملامح السنوات الخمسة المقبلة.
أجواء متوترة ونتيجة متوقعة
تأتي الانتخابات في وقت تشهد فيه البلاد توترات سياسية وأمنية قاسية، امتدادًا للحرب الأهلية المستعرة منذ عام 1990، التي تعمقت أكثر بعد الأزمة السياسية التي شهدتها العام الماضي بين الرئيس المنتهية ولايته فرماجو ورئيس حكومته محمد حسين روبلي، تلك الأزمة التي عمقت الانقسام الداخلي الذي يعاني بطبيعة الحال من تشققات غائرة كان لها ارتداداتها السلبية على الحياة اليومية للمواطن الصومالي.
الخريطة السياسية الصومالية كان لها دورها في تعميق الأزمة، إذ يغلب عليها الطابع القبلي وصراع النفوذ، حيث تسيطر 4 قبائل فقط على 61 مقعدًا داخل مجلس النواب (البرلمان)، فيما تتقاسم القبائل الأخرى الأصغر نسبيًا 31 مقعدًا، وكلاهما مع الولايات يختارون مقاعد مجلس الشيوخ.
يُفترض أنه بانتهاء الانتخابات البرلمانية والرئاسية تكتمل عملية انتقال السلطة في البلاد بعد تعطل دام طويلًا بسبب النزاع بين مكونات العمل السياسي
الأجواء التي جرت فيها الانتخابات كانت مقلقة للجميع، النخب والشارع، وهو ما دفع اللجنة المنظمة بالبرلمان إلى طلب الدعم من قوات حفظ سلام التابعة للاتحاد الإفريقي، الموجودة بالفعل داخل البلاد، لحماية حظيرة الطائرات التي جرت فيها الانتخابات في العاصمة مقديشو.
لم تكن خسارة فرماجو في الانتخابات الحاليّة مفاجئة بالنسبة للكثير من المراقبين، فكل المؤشرات كانت تذهب إلى تلك النتيجة، خاصة بعد مخرجات انتخابات مجلسي النواب والشيوخ التي جرت الشهر الماضي، وسادتها الفوضى والعنف في ظل الصراع بين الرئيس ورئيس الوزراء، التي أسفرت عن فوز المعارضة بالنصيب الأكبر من المقاعد، ما اعتبره البعض إيذانًا بتخلي فرماجو عن حاضنته التشريعية المخول لها اختيار الرئيس وفق اقتراع سري.
شيخ محمود.. من هو الرئيس الجديد؟
لم يكن الرئيس الفائز حسن شيخ محمود، المولود عام 1955 في مدينة جلالقسي بمحافظة هيران وسط البلاد، بالاسم الجديد على الساحة الصومالية، فاللرجل أصول قبلية تنحدر من واحدة من كبريات القبائل الصومالية وتسمى “الهوية” وكان لها دور مؤثر خلال حرب أوغادين مع إثيوبيا عام 1977، فضلًا عن حضورها القوي في الحرب الأهلية الصومالية الدائرة حاليًّا.
ويعد شيخ محمود أحد أبناء الطبقة المدنية المثقفة في البلاد، بوصفه ناشطًا اجتماعيًا وأستاذًا جامعيًا، أكمل تعليمه الأساسي في هيران قبل أن يلتحق بالجامعة الوطنية في العاصمة مقديشيو ويتخرج فيها عام 1981، ليضع أقدامه على أعتاب السلك الوظيفي معلمًا بإحدى المدارس الثانوية الفنية.
حصل على درجة الماجستير من جامعة “بي هوبل” في الهند عام 1986، ليعود بعدها محاضرًا بالكلية الفنية لتدريب المعلمين بالصومال، وفي عام 1988 بدأ مرحلة جديدة من حياته المهنية حين رُشح للعمل كخبير في مشروع تنفذه منظومة “اليونيسكو” لتطوير التعليم في بلاده، وهنا كانت الخطوة الأولى نحو معرفة الشارع الصومالي بهذا الاسم، وبعد اشتعال الحرب الأهلية عام 1990 نشط دوره في القطاع المدني والتعليمي، حيث شارك مع اليونيسيف في إعادة إحياء قطاع التعليم جنوب ووسط البلاد.
ومع بداية 1995 وفي أعقاب وقف الأمم المتحدة لنشاطها في الصومال، تحول شيخ محمود إلى العمل السياسي، فكان من أبرز مؤسسي جماعات الضغط من أجل بدء حوار سياسي بين الفصائل الصومالية المتنازعة، وأسفرت تلك الجهود عن تهدئة نسبية في مستويات التوتر المتصاعدة التي دفع الصوماليون ثمنها غاليًا جدًا.
تتمثل المعضلة الأساسية في الصومال في فقدان الثقة بين مكونات منظومة الحكم، وهو ما يمكن قراءته من خلال عشرات المحاولات والجولات التي جرت بين مختلف القوى السياسية، التي وصلت في نهاية المطاف إلى طريق مسدود
الانخراط في العمل السياسي لم يثن الأكاديمي النشط عن جهوده لدعم العملية التعليمية في بلاده، فأسس عام 1999 برفقة بعض زملائه المعهد الصومالي للتنمية والتطوير الإداري، أول مؤسسة تعليمية تعنى بتكوين الإداريين والفنيين لإعادة إعمار البلاد، الذي أصبح أول عميد له، كما أنجز عدة بحوث في قطاع إعادة الإعمار خلال عمله في مركز البحوث والحوار (CRD) منذ عام 2001.
مع انطلاقة الألفية الثالثة شكل شيخ محمود رواجًا مدنيًا غير مسبوق في البلاد، فأصبح مدير مركز البحوث والحوار لشؤون المجتمع المدني عام 2004، وفي العام التالي اختير لقيادة منتدى المجتمع المدني المؤلف من مجموعة من الشبكات والائتلافات الشبابية في مختلف قطاعات الأعمال، وأصبح منذ عام 2007 ممثل العديد من المنظمات الدولية والمحلية داخل الصومال، منها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (الصومال) واليونيسيف والمؤسسة الدولية لتحالف بناء السلام وجامعة أكسفورد ومعهد الحياة والسلام ووزارة التنمية الدولية البريطانية.
وُصف بـ “الإسلامي المعتدل” وكانت تربطه علاقات قوية مع “حركة الإصلاح”، أحد أفرع جماعة الإخوان المسلمين في الصومال، كما كان قريبًا من “اتحاد المحاكم الإسلامية”، الحركة الأم للإسلاميين في البلاد التي تخرج منها سلفه الرئيس السابق شريف شيخ أحمد، رئيس الصومال السابع، الذي تولى المسؤولية خلال الفترة من 2009 إلى 2012.
أسس الأكاديمي المدني الإسلامي “حزب السلام والتنمية” عام 2010، ليصبح أول حزب معارض في البلاد، ليخوض أول تجربة انتخابية له عام 2012 وكانت المفاجأة حين أطاح بشيخ أحمد ليختاره البرلمان الصومالي رئيسًا للجمهورية الصومالية في 10 سبتمبر/أيلول من نفس العام.
وظل شيخ محمود رئيسًا للبلاد حتى فبراير/شباط 2017، حين خسر أمام فرماجو، غير أن فترة حكمه تميزت بالاستقرار النسبي على المسار السياسي، لكن أجواء التوتر الأمني لم تهدأ بالشكل المطلوب، هذا بخلاف قدرته على تدشين خريطة دبلوماسية قوية ساهمت في تعزيز علاقات بلاده الخارجية، ولعب دورًا محوريًا في تقليم أظافر حركة “الشباب” المسلحة.
عقب خسارته في معركة الانتخابات الرئاسية أمام محمد عبد الله فرماجو، انضم إلى صفوف المعارضة في النظام الجديد، متزعمًا حزبه “اتحاد السلام والتنمية” داخل البرلمان، ليقود معركة سياسية حامية الوطيس مع النظام السابق، مستفيدًا من الثغرات التي وقع فيها الرئيس المنتهية ولايته وحكومته التي عززت من شعبية المعارضة ودفعت الشارع الصومالي إلى التغيير، آملًا في نظام أكثر مرونة وقدرة على إحداث الفارق وتحسين الأجواء ونزع فتيل الأزمة وتبريد التوتر السياسي بين الفصائل والقوى.
تفاؤل حذر
يُفترض أنه بانتهاء الانتخابات البرلمانية والرئاسية تكتمل عملية انتقال السلطة في البلاد بعد تعطل دام طويلًا بسبب النزاع بين مكونات العمل السياسي الذي ألقى بظلاله القاتمة على المشهد الذي عانى من ضبابية وفوضى لسنوات عدة، كان التوتر خلالها الكلمة الأعلى صوتًا والأكثر حضورًا.
المتفائلون بالتطورات الأخيرة يرون أنه بانتخاب شيخ محمود رئيسًا للبلاد وإبعاد فرماجو (أحد أضلاع الأزمة الأخيرة) عن المشهد، من شأنه إنهاء فصول من التجاذبات السياسية التي كادت أن تعصف باستقرار البلاد، التي اندلعت نهاية أبريل/نيسان 2021 عقب استيلاء قوات تابعة للمعارضة الرافضة لتمديد فترة ولاية فرماجو، على نقاط رئيسية في العاصمة مقديشو.
ورغم طي صفحة تلك الأزمة بالاتفاق المبرم في مايو/آيار 2021، عبر سلسلة مؤتمرات عقدها “مجلس التشاور الوطني” في العاصمة مقديشيو، فإن مخاوف التصعيد وتوتير الأجواء مجددًا خيمت على الوضع الداخلي لا سيما بعد استغلال الحركات المسلحة لهذه السيولة السياسية لنشر الفوضى وعدم الاستقرار.
بحكم المعطيات الراهنة فإن فصلًا حساسًا من الأزمة قد أسدل ستاره بانتهاء الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي شغلت حيزًا كبيرًا من مساحة التوتر خلال السنوات الماضية، لكن يبقى تقييم الوضع مرهون بقدرة الرئيس الجديد وحكومته المختارة على التعامل مع التحديات والعقبات الحاليًة
وتتمثل المعضلة الأساسية في الصومال في فقدان الثقة بين مكونات منظومة الحكم، وهو ما يمكن قراءته من خلال عشرات المحاولات والجولات التي جرت بين مختلف القوى السياسية، ووصلت في نهاية المطاف إلى طريق مسدود، ما كان له انعكاسه البين على المناخ العام الذي بات ممهدًا لدخول أطراف أخرى من شأنها الاستفادة من تلك الوضعية لزعزعة الأمن.
وكان ملف الانتخابات بشقيها، البرلماني والرئاسي، أحد أبرز براكين الشقاق السياسي بين الحكومة والمعارضة، وبالانتهاء منه يسدل الستار على واحدة من أشرس المعارك خلال الآونة الأخيرة، لكن تبقى حالة التفاؤل الناجمة عن طي تلك الصفحة مشوبة بالترقب والحذر في ظل وجود حزمة من التحديات التي لم يختبر بشأنها الرئيس الجديد بعد.
تحديات الأمن والاقتصاد
تتباين التحديات التي تواجه الرئيس الصومالي الجديد غير أن أبرزها التحدي الأمني الناجم عن استفحال تنظيم المجاهدين التابع للقاعدة، الذي ازداد توحشًا خلال السنوات الماضية، رغم محاولات التصدي والمواجهة، ما حول العاصمة مقديشيو إلى مدينة شبه معزولة عن بقية مدن البلاد.
التحدي الأمني يزداد تعقيدًا مع استمرار الحرب الأهلية للعام الـ23 على التوالي، وهي الحرب التي أجهضت جهود الدولة وسلبت مواردها وأهدرت طاقاتها، السياسية والاقتصادية، ما كان له أثره على الحياة العامة للمواطنين الذين أُجبروا على النزوح والهجرة من منازلهم ومناطقهم ليعيشوا حياة العوز داخل مخيمات تفتقر للحد الأدنى من مقومات العيش الكريم.
وعلى الجانب الآخر يظل الوضع الاقتصادي المتردي أحد التحديات الجسام أمام شيخ محمود الذي رغم ما يمتلكه من خبرات سياسية فإن ولايته الأولى لم تحقق الرخاء الاقتصادي المتوقع، وهو ما يحاول تعويضه خلال ولايته الجديدة، وسط تموضعات ومستجدات إقليمية ودولية ربما تزيد من تأزم الوضع.
وفي المجمل.. بحكم المعطيات الراهنة فإن فصلًا حساسًا من الأزمة قد أسدل ستاره بانتهاء الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي شغلت حيزًا كبيرًا من مساحة التوتر خلال السنوات الماضية، لكن يبقى تقييم الوضع مرهونًا بقدرة الرئيس الجديد وحكومته المختارة على التعامل مع التحديات والعقبات الحاليّة.. فهل ينجح فيما فشل فيه سابقًا؟